منتدي طماف ايرينى
اهلا بكم في منتدي طماف ايريني ونتمني لكم اوقات مباركة
ومنتظرين مشاركاتكم
منتدي طماف ايرينى
اهلا بكم في منتدي طماف ايريني ونتمني لكم اوقات مباركة
ومنتظرين مشاركاتكم
منتدي طماف ايرينى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلالتسجيــــلدخول
   1 فقال لا تخف لان الذين معنا اكثر من الذين معهم (2مل16:6). 2  الجواب اللين يصرف الغضب والكلام الموجع يهيج السخط (ام1:15).  3 يارب تجعل لنا سلاما لانك كل اعمالنا صنعتها لنا (اش12:26).  4طوبى للذى ينظرالى المسكين فى يوم الشر ينجيه الرب (مز1:41).  5 لانه لا يزل من قلبه ولا يحزن بنى انسان (مز33:31 .  6 واما التقوى مع القناعه فهى تجاره عظيمه (اتى6:6)  7 ليصل المسيح بالايمان فى قلوبكم (اف17:3).  8 فان جاع عدوك فاطعمه وان عطش فاسقه لانك ان فعلت هذا تجمع جمر نار على راسه (رو20:12)   9لانك انت رجائى يا سيدى الرب متكلى منذ صباى (مز5:71).  10 مخافه الرب ادب حكمه وقبل الكرامه التواضع (ام33:15)  11 الذين يزرعون بالدموع يحصدون بالابتهاج (مز5:126).  12 لا تقدر شجرة جيدة ان تصنع اثمارا رديّة ولا شجرة رديّة ان تصنع اثمارا جيدة .  13 كل شجرة لا تصنع ثمرا جيدا تقطع وتلقى في النار .  14 فاذا من ثمارهم تعرفونهم  15 ليس كل من يقول لي يا رب يا رب يدخل ملكوت السموات. بل الذي يفعل ارادة ابي الذي في السموات .  16 طريق الكسلان كسياج من شوك وطريق المستقيمين منهج (ام19:15).  17 لان الرب راض عن شعبه يجمل الودعاء بالخلاص (مز4:149)  18 اما رحمه الرب فالى الدهر والابد على خائفيه وعدله على بنى البنين (مز17:103).  19ان سالتم شيئا باسمى فانى افعله (يو14:14) .  20 افرحوا وتهللوا لآن اجركم عظيم فى السموات فانهم هكذا طردوا الانبياء الذين قبلكم (مت12,11:5) .  21 ويل للحكماء فى عين انفسهم والفهماء عند ذواتهم (اش21:5).  22 فقال لا تخف لان الذين معنا اكثر من الذين معهم (2مل16:6).  23 الق علي الرب همك فهو يعولك    
مواضيع مماثلة

     

     تفسير سفر الخروج

    اذهب الى الأسفل 
    انتقل الى الصفحة : 1, 2  الصفحة التالية
    كاتب الموضوعرسالة
    ثروت
    خادم المنتدي
    خادم المنتدي
    ثروت


    عدد الرسائل : 5787
    العمر : 55
    الموقع : https://temaf-erene.yoo7.com
    تاريخ التسجيل : 10/06/2008

    تفسير سفر الخروج Empty
    مُساهمةموضوع: تفسير سفر الخروج   تفسير سفر الخروج Emptyالجمعة 19 أغسطس 2011, 11:54 am

    تفسير سفر الخروج الاصحاح الاول
    آية (1): "وهذه أسماء بني إسرائيل الذين جاءوا إلى مصر مع يعقوب جاء كل إنسان وبيته."

    جاء كل إنسان وبيته= أي كل إنسان مع زوجته وأولاده وبناته وعبيده وإمائه وهؤلاء كانوا عدداً ضخماً. ولنذكر أن إبراهيم له 318رجل يحاربون. وأن يعقوب في عودته ومقابلته لعيسو إندهش عيسو من كل ما كان ليعقوب وأسماهم جيشاً. وحقاً كان عدد نفوس بني إسرائيل 70 نفساً ولكن بإضافة كل هؤلاء يصبح عدد الذين نزلوا إلى مصر عدداً ضخماً وربما يكون هذا تفسير لكيف وصل عددهم إلى ما يزيد عن ال2 مليون نفس خلال 200سنة.



    الآيات (2-5): "رأوبين وشمعون ولاوي ويهوذا. ويساكر وزبولون وبنيامين. ودان ونفتالي وجاد واشير. وكانت جميع نفوس الخارجين من صلب يعقوب سبعين نفساً ولكن يوسف كان في مصر."

    نلاحظ أن هذا السفر يروى لنا قصة العبودية كرمز لعبوديتنا للخطية فنجد أن عدد الأنفس المشار إليها 70نفساً وهذا العدد نجد أن موسى رأى فيه إشارة لشعوب العالم. فحين نعود إلى (تك10) نجد أن هناك 70إسماً تكون منهم العالم فهم رؤوس شعوب العالم. ورأى موسى أن 70 شعباً في العالم يناظرهم 70 نفساً في مصر (تث8:32) ويكون هذا إشارة إلى أن العالم كله سقط تحت العبودية بسبب الخطية كما سقط إسرائيل تحت عبودية فرعون.

    وبنفس المفهوم فهنا يذكر أولاد الجاريتين بعد ذكر أسماء أولاد ليئة وراحيل. وعجيب بعد هذا أن ينكر شعب إسرائيل أنهم كانوا عبيداً (يو32:Cool بالرغم من أنهم كانوا عبيد في مصر ويوسف كان عبداً لفوطيفار وهم في أيام المسيح كانوا خاضعين للحكم الروماني. فهناك كثيرين مستعبدين للخطية وهو لا يدرون.



    الآيات (6-7): "ومات يوسف وكل اخوته وجميع ذلك الجيل. وأما بنو إسرائيل فأثمروا وتوالدوا ونموا وكثروا كثيراً جداً وامتلأت الأرض منهم."

    نجد هنا بركة الرب في زيادة ونمو الشعب فأثمروا= أصل الكلمة أنهم تزايدوا في نسلهم مثل السمك ونموا= نمواً مضاعفاً وربما كانوا يلدون توائم وبلا وفيات في الصغر. وهذا النمو كان رمزاً لنمو الكنيسة ولنلاحظ أن الكنيسة نمت وتأسست على أساس 12 تلميذ، 70 رسول والشعب نما وتأسس على 12سبط و70 نفساً نزلوا إلى مصر. ولاحظ أن نمو الشعب ذكر بعد أن قيل ومات يوسف= فيوسف كرمز للمسيح كان ينبغي أن يموت أولاً وتدفن حبة الحنطة في الأرض حتى تأتي بثمر كثير (يو24:12). وكذلك كان ينبغي أن يصلب المسيح ويموت حتى تتأسس الكنيسة. لكن المعنى الحرفي للآية أنه بعد أن مات يوسف بدأ الشعب المصري يلاحظ نمو الشعب اليهودي الغريب عنهم نمواً غير عادياً.



    آية (Cool: "ثم قام ملك جديد على مصر لم يكن يعرف يوسف."

    غالباً الملوك الذين حكموا في أيام يوسف هم من الهكسوس ثم بعد أن خرجوا من مصر وحكم مصر المصريين لم يعد هناك ود تجاه هذا الشعب العبراني صديق الهكسوس.



    آية (9): "فقال لشعبه هوذا بنو إسرائيل شعب اكثر واعظم منا."

    هذه مبالغة للإثارة لتبرير الاضطهاد وربما كان عدد العبرانيين في أرض جاسان أكبر من عدد المصريين في هذه الأرض.



    آية (10): "هلم نحتال لهم لئلا ينموا فيكون إذا حدثت حرب أنهم ينضمون إلى أعدائنا ويحاربوننا ويصعدون من الأرض."

    هلم نحتال= لقد وعد الله إبراهيم أن شعبه سيعود لأرض الميعاد، لذلك إذ رأى إبليس نمو الشعب هاج وأثار ملك مصر عليهم ليبقيهم ضد مشورة الله. ولقد صبر الله على هذا لفترة حتى يكتمل الشعب وحتى يكمل إثم الأموريين. لكن مشورة الله وتدبيره سيكملان رغماً عن كل تدبيرات عدو الخير. ويصعدون من الأرض أي يهاجرون، وكان المصريين يريدونهم عبيد وحماة للجبهة الشرقية. وكان المصريين يكرهون اليهود لأنهم كان لهم امتيازات من أيام الهكسوس. ولاحظ في آية (Cool قوله لم يكن يعرف يوسف= هو تجاهل وليس جهلاً. فهو لا يريد أن يذكر فضل يوسف على مصر حتى يعطي نفسه مبرراً أن يضطهد شعبه العبراني.



    آية (11): "فجعلوا عليهم رؤساء تسخير لكي يذلوهم بأثقالهم فبنوا لفرعون مدينتي مخازن فيثوم ورعمسيس."

    تسخير= أي عمل بلا أجرة. لكي يذلوهم بأثقالهم= أي يثقلوا عليهم فيشعروا بالمذلة فلا يفكروا في التمرد والثورة والخروج، وحتى لا ينموا في العدد ويتكاثروا.

    التفسير الروحي: نتيجة طبيعية لأي نمو للكنيسة أو للنفس البشرية يهتاج عدو الخير ويثور ويثير أعداء الكنيسة ضدها في محاولة لإرهابهم واستعبادهم. وأحد هذه المحاولات أن يشغل أولاد الله بالعمل الكثير (الطين الذي بنوا به المدن) حتى لا يصعدوا من الأرض أي يستمروا في حياتهم الأرضية ولانفلت منه إلى إلى الحياة السماوية. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). فيثوم= هي تل المسخوطة قرب التل الكبير بين الدلتا وبحيرة التمساح. رعمسيس= هي صان الحجر وجاء بالأثار أن الأجانب هم الذين بنوها. وهي مدن تحصينات للحدود الشرقية.



    آية (12): "ولكن بحسبما أذلوهم هكذا نموا وأمتدوا فأختشوا من بني إسرائيل."

    آية رائعة. لقد سمح الله بالتجارب لكن يده كانت تعمل وتبارك بل كان المصريين الأقوى يخشون عبيدهم اليهود الضعفاء. ولنسأل لماذا سمح الله بالتجربة؟

    1. حتى يشتاق الشعب لأرض الميعاد (والله يسمح لنا ببعض الآلام لنشتاق لراحة السماء ولا يكون اشتياقنا للأرضيات فقط).

    2. في الضيقة صرخ الشعب للرب (وكثيرين تعلموا الصلاة في ضيقاتهم).

    3. التجارب بركة فالشعب نما وإزداد والكنيسة نمت وإزدادت في أيام الاضطهادات.



    آية (14): "ومرروا حياتهم بعبودية قاسية في الطين واللبن وفي كل عمل في الحقل كل عملهم الذي عملوه بواسطتهم عنفاً."

    الطين= كانوا يجلبون الطين ويصنعون منه الطوب ويجففونه.



    آية (15): "وكلم ملك مصر قابلتي العبرانيات اللتين اسم إحداهما شفرة واسم الأخرى فوعة."

    شمل اضطهاد فرعون للشعب [1] تسخيرهم في البناء [2] استخدام القابلات المصريات ليقتلا الذكور عند الولادة قبل أن يراهما أحد. [3] إصدار أمر بإغراق كل طفل ذكر. ولكننا نرى يد الله وعمله فهو أعطى للقابلات خوفاً مقدساً فلم تقتلا الأطفال. وأعطى موسى نعمة في عيني بنت فرعون فأنقذته وربته في قصر فرعون. وأعطى لأم موسى إيمان صنعت به سفطاً لتضع طفلها فيه في رجاء وإيمان قوى أن الله سينقذه.

    والقابلتين شفرة= جمال وفوعة= فتاة. غالباً هما مصريتان وهذه الأسماء عبرية وربما أن هذه هي الأسماء التي أطلقها عليهن العبرانيات. وهاتين القابلتين كانتا رئيستان يتبعهن عدد من القابلات.



    آية (16): "وقال حينما تولدان العبرانيات وتنظرانهن على الكراسي أن كان ابناً فاقتلاه وأن كان بنتاً فتحيا."

    الكراسي= هي كراسي خاصة بالولادة تناظر "سرير الولادة الآن" وطبعاً فقتل الذكور هدفه إنهاء الشعب وذوبانه في وسط المصريين فسيتزوج رجال المصريين بنات العبرانيات حينما لا يوجد ذكور عند العبرانيين.



    الآيات (18-21): "فدعا ملك مصر القابلتين وقال لهما لماذا فعلتما هذا الأمر واستحييتما الأولاد. فقالت القابلتان لفرعون أن النساء العبرانيات لسن كالمصريات فأنهن قويات يلدن قبل أن تاتيهن القابلة. فاحسن الله إلى القابلتين ونما الشعب وكثر جداً. وكان إذ خافت القابلتان الله انه صنع لهما بيوتاً."

    إجابة القابلتين على فرعون ليست كذباً فالنساء العبرانيات يشتغلن كثيراً وبالتالي فعضلاتهم قوية ولسن كالمصريات مرفهات. وحتى الآن فالسيدة التي اعتادت العمل الشاق تستطيع أن تولد نفسها بسهولة. وما كان القابلات يستطعن أن يكذبن على فرعون فله وسائل متعددة يكشف بها كذبهن. لكن ما أخفته القابلات عن فرعون أنهم يتعاطفن مع العبرانيات وبالتالي يرفضن قتل الذكور. وكلام القابلات لفرعون لهو في منتهى الجرأة فكأنهن يردن القول أنه بالرغم من وحشية قرارك فالله يسهل لهن. وربما أظهر الله للقابلات فعلاً سهولة غير عادية في ولادة العبرانيات فخشيتا الله ورفضتا قتل الأولاد. لذلك كافأهن الله وصنع لهما بيوتاً= أي تزوجتا وصار لهما أولاد.



    آية (22): "ثم أمر فرعون جميع شعبه قائلاً كل ابن يولد تطرحونه في النهر لكن كل بنت تستحيونها."

    إلقاء الذكور في النهر له غرضان [1] ديني. لزيادة مياه النهر (مثل طقس عروس النيل) فهو إكرام للنهر المعبود بتضحية الأولاد. [2] نقص عدد بني إسرائيل. ويرجح أن الأمر بإلقاء الذكور في النيل صدر بعد ولادة هارون (هارون أكبر من موسى بثلاث سنوات) وألغى الأمر بعد ولادة موسى. غالباً بتوصية من بنت فرعون التي تأثرت بمنظر موسى الطفل وهو يصرخ وحده في سفط عائم على وجه النيل.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://temaf-erene.yoo7.com
    ثروت
    خادم المنتدي
    خادم المنتدي
    ثروت


    عدد الرسائل : 5787
    العمر : 55
    الموقع : https://temaf-erene.yoo7.com
    تاريخ التسجيل : 10/06/2008

    تفسير سفر الخروج Empty
    مُساهمةموضوع: رد: تفسير سفر الخروج   تفسير سفر الخروج Emptyالسبت 20 أغسطس 2011, 11:46 am

    تفسير سفر الخروج الاصحاح 2
    نجد هنا الله يعطي مع التجربة المنفذ (1كو13:10) فمع اضطهاد فرعون الصعب للشعب، نجد الله يعد موسى النبي للخدمة، فهو يعد المنقذ ويدربه لفترة 80سنة. في قصر فرعون حيث تهذب بكل حكمة المصريين (فهم علماء فلك وزراعة وكيمياء وهندسة وتحنيط وطب وشعر وفنون وسياسة وحكمة) ولم يحرمه من حنان أمه فشرب منها حب الله وحب شعبه، لقد غرست الأيام التي قضاها موسى في بيت أبيه وأمه بذرة حياة القداسة ومعرفة الله. وحينما ظن موسى أنه قادر أن يخلص الشعب بذراعه فقتل المصري أعطاه الله فترة 40 سنة في البرية ليتواضع ويعرف أنه لا شيء بدون الله، عاجز عن العمل بذاته، ثقيل الفم واللسان ثم يتلاقى معه الله في العليقة ويرسله بعد أن أتم الله تدريبه.





    آية (1): "وذهب رجل من بيت لاوي واخذ بنت لاوي."

    الرجل هو عمرام ابن قهات ابن لاوي والمرأة هي يوكابد. وولدوا مريم وهارون وموسى. ومن تواضع موسى أنه لم يفخم في أبيه وأمه ولم يذكر هنا اسميهما وهناك رأيين في هذه الآية: الأول أن عمرام تزوج عمته يوكابد بنت لاوي (خر20:6 + عد59:26) وزواج الرجل من عمته لم يكن ممنوعاً في هذا الوقت، ولم يمنعه سوى شريعة موسى. والرأي الثاني يقول أصحابه أن كلمة عمته قد تترجم بنت عمه وتصبح بنت لاوي أي من بيت لاوي.



    آية (2): "فحبلت المرأة وولدت ابناً ولما رأته انه حسن خبأته ثلاثة أشهر."

    سفطاً من البردي= كلمة سفط وكلمة فلك في العبرية هي كلمة واحدة "طبت" بمعنى تابوت. ولم تستخدم سوى في هذين الموضعين. وكان قدماء المصريين يصنعون المراكب من البردي. وما صنعته أم موسى دليل على إيمانها. فهي آمنت أن الله قادر أن يحفظ ابنها وتحول هذا السفط إلى فلك نجا راكبه الوحيد (عب 11: 23 الحلفاء= نبات مائي يصنع منه الحصر والحبال.



    الآيات (5-9): "فنزلت ابنة فرعون إلى النهر لتغتسل وكانت جواريها ماشيات على جانب النهر فرات السفط بين الحلفاء فأرسلت أمتها وأخذته. ولما فتحته رأت الولد وإذا هو صبي يبكي فرقت له وقالت هذا من أولاد العبرانيين. فقالت أخته لابنة فرعون هل اذهب وأدعو لك امرأة مرضعة من العبرانيات لترضع لك الولد. فقالت لها ابنة فرعون اذهبي فذهبت الفتاة ودعت أم الولد. فقالت لها ابنة فرعون اذهبي بهذا الولد وارضعيه لي وأنا أعطي أجرتك فأخذت المرأة الولد وأرضعته."
    عجيبة هي حكمة الله، فمن كان يصدق أن هذا الطفل الذي سيهز أركان مصر ينتشل من الماء ضد أوامر فرعون بقتل كل ذكر، يل يتربى في قصر فرعون وتحت حمايته. هذه هي عناية وحكمة الله أن يتحول الشر إلى خير، وأن تكون هزيمة الشيطان بالسلاح الذي في يده. ففرعون الذي أمر بقتل الأطفال هو نفسه الذي تربى منقذ إسرائيل في بيته.



    آية (10): "ولما كبر الولد جاءت به إلى ابنة فرعون فصار لها ابناً ودعت اسمه موسى وقالت أنى انتشلته من الماء."

    ولما كبر الولد= هي فترة علمته فيها أمه الروحيات فالأم هي المدرسة الأولى. ومعنى اسم موسى المنتشل من الماء mwou’’’si (mwou= ماء ،’’’si = يأخذ) وبالعبرية نجد له نفس المعنى (ميم يوشيه ميم= ماء يوشيه= منتشل)



    الآيات (11،12): "وحدث في تلك الأيام لما كبر موسى انه خرج إلى اخوته لينظر في أثقالهم فرأى رجلاً مصرياً يضرب رجلاً عبرانياً من اخوته. فالتفت إلى هنا وهناك ورأى أن ليس أحد فقتل المصري وطمره في الرمل."

    إذ تثقف موسى بحكمة المصريين 40عاماً ظن أنه قادر أن يخدم الله معتمداً على ذراعه وحكمته، هو ظن أنه شيء فإرتبك "إلتفت هنا وهناك" مهتماً بنظرة الناس إليه، بينما أن خادم الله لا يهتم ببغض الناس أو رضائهم عن خدمته مادام يعلم أن الله هو الذي أرسله. وموسى حين اعتمد على ذراعه خاف وهرب. رجلاً مصرياً يضرب رجلاً عبرانياً= غالباً هو من رجال التسخير (أع22:7-23)



    الآيات (13-15): "ثم خرج في اليوم الثاني وإذا رجلان عبرانيان يتخاصمان فقال للمذنب لماذا تضرب صاحبك. فقال من جعلك رئيساً وقاضياً علينا امفتكر أنت بقتلي كما قتلت المصري فخاف موسى وقال حقا قد عرف الأمر. فسمع فرعون هذا الأمر فطلب أن يقتل موسى فهرب موسى من وجه فرعون وسكن في أرض مديان وجلس عند البئر."

    غالباً الرجل العبراني الذي أنصفه موسى بالأمس نشر الخبر وسط الشعب. راجع (عب24:11-26). لقد رفض موسى أن يدعى ابن ابنة فرعون ويعيش في القصر، ونزل إلى شعبه ليحيا وسطهم شاعراً بآلامهم. وكان المنطق البشري يقول أن يستمر في القصر حتى يستطيع أن يقدم خدمات لشعبه، لكنه وجد أنه لا يستطيع وفضَّل أن يذل معهم. وهذا ما عمله المسيح فهو ترك السماء لأجل شعبه. لذلك قيل:حاسباً عار المسيح أفضل" فهو مثل المسيح وضع نفسه موضع شعبه. هو أخلى نفسه من أمجاده. وعجيب قول العبراني لموسى، فعجيب أن يقال هذا لمن يبحث عن خلاص شعبه وأحبهم أكثر من نفسه، بل العجيب أن يتشاجر من هم تحت العبودية والظلم معاً. ولكن كان الشعب الذي رفض موسى قاضياً أشبه بالمريض الذي يرفض المشرط في يد الجراح الذي يعالجه!! ولكن الله استخدم هذا الأمر حتى يكمل تدريب موسى في البرية. ولقد رأى أسطفانوس في رفض الشعب لموسى في هذه القصة رفض لعمل الروح القدس فيهم (أع23:7-51) بل رأى أسطفانوس أن رفض الشعب لموسى هنا كقاضي استمر فيهم حتى رفضوا المسيح كمخلص لهم. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). وهناك تشابه واضح بين موسى والمسيح:

    1. كما رفضوا خدمة موسى هنا لخلاصهم. رفضوا المسيح المخلص.

    2. موسى ترك القصر لينزل لهم والمسيح أخلى ذاته أخذاً صورة عبد.

    3. موسى تزوج بصفورة في غربته والمسيح اتخذ الكنيسة (الأمم) عروساً له.

    4. موسى كان الوسيط بين الله والناس وهكذا المسيح.

    5. موسى كليم الله الذي أعطى الناموس والمسيح كلمة الله.

    6. موسى عمل كراعٍ ثم رعى الشعب كله والمسيح هو الراعي الصالح.

    7. كلاهما كان مخلص ومنقذ لشعبه.

    8. موسى كان نبي والمسيح كان نبي مثله (تث15:18).

    9. كلاهما ولد في أرض العبودية ثم عبروا بشعبهم للحرية.

    10. كلاهما حاولوا قتله وهو طفل ونجا كلاهما بينما مات كثير من الأطفال.

    11. موسى صام 40يوماً ليتسلم شريعة العهد القديم والمسيح صار 40يوماً قبل أن يبدأ عمله.

    12. دخل موسى القصر وهو معروف أنه ابن ابنة فرعون والمسيح كان ابن العذراء.



    الآيات (16-22): "وكان لكاهن مديان سبع بنات فأتين واستقين وملآن الأجران ليسقين غنم أبيهن. فآتى الرعاة وطردوهن فنهض موسى وانجدهن وسقى غنمهن. فلما أتين إلى رعوئيل أبيهن قال ما بالكن أسرعتن في المجيء اليوم. فقلن رجل مصري أنقذنا من أيدي الرعاة وانه استقى لنا أيضاً وسقى الغنم. فقال لبناته وأين هو لماذا تركتن الرجل ادعونه ليأكل طعاما. فارتضى موسى أن يسكن مع الرجل أعطى موسى صفورة ابنته. فولدت ابنا فدعا اسمه جرشوم لأنه قال كنت نزيلاً في أرض غريبة."
    كان البنات يرجعن متأخرات يومياً بسبب مضايقة الرعاة. ولكن في هذا اليوم تدخل موسى وساعدهن فهذا هو طبعه. وتزوج من صفورة= عصفورة بنت رعوئيل ومعنى اسمه الله صديق وكان كاهناً لله ويظهر هذا من اسمه فهو منسوب إلى إيل وهو من مديان ومديان من أولاد إبراهيم ويغلب أن هذا الفرع من مديان حافظ على إيمان إبراهيم. وسمى ابنه جرشوم= الغريب بسبب غربته. ورعوئيل سمى يثرون وغالباً هذا لقب شرف بكونه كاهناً لمديان فهي تعني المتقدم في السمو.



    آية (23): "وحدث في تلك الأيام الكثيرة أن ملك مصر مات وتنهد بنو إسرائيل من العبودية وصرخوا فصعد صراخهم إلى الله من اجل العبودية."

    تنهد بنو إسرائيل= لما مات الملك جاء ملك جديد ظنوا أنه سيريحهم من العبودية فوجدوه مثل أبيه فصرخوا لله، وتركوا أوثانهم (حز8:20). وحين صرخوا إلى الله صار الوقت مناسباً لخروجهم فالله لابد أن يستجيب لمن يصرخ إليه.



    الآيات (24،25): "فسمع الله أنينهم فتذكر الله ميثاقه مع إبراهيم وإسحق ويعقوب. ونظر الله بني إسرائيل وعلم الله."

    يذكر اسم الله هنا 4 مرات إشارة لأن الله يستجيب لكل العالم فتذكر الله= هذه تعني أن هذا هو الوقت المناسب لتدخل الله لينفذ وعوده فإسرائيل ترك أوثانه وصرخ إلى الله وموسى اكتمل تدريبه وإعداده وذنب الأموريين قد كمل (تك16:15). الآن جاء ملء الزمان.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://temaf-erene.yoo7.com
    ثروت
    خادم المنتدي
    خادم المنتدي
    ثروت


    عدد الرسائل : 5787
    العمر : 55
    الموقع : https://temaf-erene.yoo7.com
    تاريخ التسجيل : 10/06/2008

    تفسير سفر الخروج Empty
    مُساهمةموضوع: رد: تفسير سفر الخروج   تفسير سفر الخروج Emptyالسبت 20 أغسطس 2011, 11:48 am

    تفسير سفر الخروج الاصحاح 3
    يتحدث هذا الأصحاح عن:

    1. العُلِّيقة المُتَّقدة نارًا [1-4].

    2. خلع الحذاء [5].

    3. دعوة موسى للخدمة [6-10].

    4. اعتذار موسى [11–13].

    5. اسم الله [14–17].

    6. سرّ الأيام الثلاثة [18].

    7. يد الله القوية [19–22].



    1. العُلِّيقة المُتَّقدة نارًا:
    بينما كان موسى يرعى غنم حميه يثرون ساق الغنم إلى وراء البرية وجاء إلى جبل الله حوريب، إذا به يرى عُلِّيقة تتقد نارًا ولا تحترق فقال: "أميل الآن لأنظر هذا المنظر العظيم" [3]. هنا دخل موسى النبي إلى مرحلة جديدة هي مرحلة اللقاء مع الله الذي هو سرّ القوة، والراعي الخفي الذي يعمل لخلاص العالم وبنيان الكنيسة.

    والآن إلى أي شيء تشير هذه العُلِّيقة المُتَّقدة؟

    أ. إن كلمة "العُلِّيقة" بالعبرية كما جاءت في العددين [2، 3] تعني "العُلِّيقة المملوءة شوكًا The thorny bush"[50]، لذا رأى اليهود في هذه العُلِّيقة رمزًا لإسرائيل وقد أحاطت به الأشواك والأتعاب التي تلحق به[51]. وقد أخذ بعض الآباء الأولين ذات الفكر، فرأى العلامة ترتليان[52] في العُلِّيقة إشارة إلى الكنيسة التي تشتعل فيها نار الاضطهاد ولا تُبيدها، ونادى بذات الرأي القدِّيس هيلاري أسقف بواتييه[53].

    كما يقول القدِّيس هيبوليتس الروماني: [يتحدث الله مع قديسيه في الكنيسة كما في العُلِّيقة[54]]. وكأن موسى النبي رأى في العُلِّيقة كنيسة السيِّد المسيح المتألمة تحوط بها الأشواك، لكنها ملتهبة بنار الروح الإلهي فلا يصيبها الموت... هذه هي الخدمة التي دُعي إليها!

    ب. يرى القدِّيس أغسطينوس أنها تشير إلى مجد الله الذي حلَّ في الشعب اليهودي لكنه لم يبيد قساوة قلبهم المملوءة أشواكًا[55].

    ج. يرى القدِّيس إكليمنضس الإسكندري[56] في العُلِّيقة إعلانًا عن الميلاد البتولي، فقد وُلد السيِّد المسيح من البتول، وبميلاده لم تُحل بتولية العذراء. هذا أيضًا ما عناه القدِّيس غريغوريوس أسقف نيصص إذ قال: [نور اللاهوت الذي أشرق منها نحو الحياة البشرية خلال ميلادها (ليسوع المسيح) لم يحرق العُلِّيقة المُتَّقدة، وذلك كما أن زهرة البتولية فيها لم تذبل بإنجابها الطفل[57]]. وفد نادى ثيؤدورت أيضًا بذات الرأي[58].

    د. يرى القدِّيس كيرلس الإسكندري[59] أن العُلِّيقة حملت سرّ "التجسد الإلهي"، فقد اتحد اللاهوت بالناسوت دون أن يُبتلع الناسوت. فإنه ما كان يمكن لموسى النبي أن يبدأ هذا العمل الخلاصي ما لم يتلمس ظلال التجسد الإلهي، فيتعرف على "الكلمة الإلهي" المتجسد كصديق للبشرية، صار واحدًا منا، عاش بيننا يحمل جسدنا وإنسانيتنا حتى يدخل بنا إلى أمجاده الإلهية. في هذا يقول القدِّيس غريغوريوس أسقف نيصص: [لم يشرق النور خلال كوكب مضيء بل خلال عُلِّيقة أرضية، لكنه كان يفوق في بهائه الأنوار السماوية، وفي نفس الوقت لكي لا يظن أحد أنه ليس صادرًا عن مادة ملموسة[60]]، أي لئلاَّ ينكر حقيقة تجسده.
    . أخيرًا رأي القدِّيس يوحنا الذهبي الفم في العُلِّيقة صورة حيَّة لقيامة السيِّد المسيح، الذي حمل جسدًا حقيقيًا، ومات فعلاً، لكنه لم يُمسك في الموت على الدوام[61].

    وفي هذه المناسبة نذكر ما كتبه القدِّيس جيروم إلى أبيفانيوس كاهن Beatrice بأسبانيا يواسيه لأنه كفيف لا يبصر، قائلاً: [يليق بك ألاَّ تحزن لأنك حُرمت من الأعين الجسدية التي يشترك فيها النمل والحشرات الطائرة والزواحف مع الإنسان، بل بالأحرى تفرح أن لك العين المذكورة في سفر نشيد الأناشيد... هذه التي بها تنظر الله، والتي أشار إليها موسى حين قال: "أميل الآن لأنظر هذا المنظر العظيم" [3][62].

    ويلاحظ أن الكتاب يقول: "وظهر له ملاك الرب بلهيب نار من وسط عُلِّيقة" [2]. وهنا كلمة ملاك تعني "مرسل"، وتشير إلى الأقنوم الثاني، الابن الذي أُرسل من قبل الآب ليعلن هذا العمل ويرسل موسى النبي... فلو أن الذي ظهر ملاك وليس الأقنوم الثاني لما قال: "ناداه الله من وسط العُلِّيقة... ثم قال: أنا إله أبيك إله إبراهيم وإله اسحق وإله يعقوب. فغطى موسى وجهه لأنه خاف أن ينظر إلى الله" [4-6].

    يرى بعض الآباء أن الآب لا يُرى، لكن كلمته تُعلن هنا في العُلِّيقة كنار ملتهبة، وهو بعينه الذي يأتي في آخر الأزمنة متجسدًا "لكي يخبر" عن الآب!



    2. خلع الحذاء:
    يقول الرب لموسى: "لا تقترب إلى هنا. اخلع حذاءك من رجليك، لأن الموضع الذي أنت واقف عليها أرض مقدسة" [5].

    في حديثنا عن قدسية الهيكل[63] قلنا أننا إلى يومنا هذا ندخل الهيكل حفاة الأقدام كوصية الرب لموسى النبي. وخلع الحذاء يشير إلى الشعور بعدم تأهلنا حتى للوقوف في هذا الموضع المقدس الذي فيه تقدم الذبيحة المخوفة التي تشتهي الملائكة أن تطلع إليها. خلع الحذاء أيضًا - عند الآباء - يحمل معانٍ أخرى كثيرة وعميقة، نذكر منها:

    أ. كانت الأحذية في القديم تصنع من جلد الحيوان الميت، وكأن الله بوصيته هذه يطلب منا أن نخلع عنا محبة الأمور الزمنية الميتة لنلتصق بالسمويات الخالدة حتى نلتقي به. هذا ما نادى به العلامة أوريجانوس، وأخذ عنه كثير من الآباء. فيقول القدِّيس أغسطينوس: [أي أرض مقدسة مثل كنيسة الله؟! إذن لنقف فيها ونحن خالعين أحذيتنا، أي رافضين الأعمال الميتة[64]]. ويقول القدِّيس أمبروسيوس: [كان موسى رمزًا للشعب لم يحتذي بحذاء الرب (مت 3: 11)، بل بنعل رجليه! لذا أمره الرب بخلعه حتى يحرر خطوات قلبه وروحه من قيود ورباطات الجسد، ويسير في طريق الروح[65]]. ويقول القدِّيس غريغوريوس النزينزي: [ليت من يقترب إلى الأرض المقدسة التي هي قدس الله يخلع نعليه كما فعل موسى حتى لا يدخل بشيء ميت إلى هناك، ولا يكون بينه وبين الله شيء... أما من يهرب من مصر(محبة العالم) والأشياء التي بها فليحتذي لأجل سلامته، حتى لا تلدغه العقارب والحيات الكثيرة الموجودة بها، فلا تؤذه تلك التي تطلب عقبه (تك 3: 15) وإنما كما أُوصى يطأها بقدميه (لو 10: 19)[66]].

    ب. الجلد الذي تصنع منه الأحذية - كما يقول العلامة أوريجانوس - يستخدم في الطبول. هنا إشارة إلى عدم استخدام الطبول أو حب الظهور في العبادة، إنما خلال الجهاد الروحي المملوء اتضاعًا يمكن للنفس أن تدخل إلى المقدسات الإلهية وتلتقي بإلهها.

    ج. يرى العلامة أوريجانوس أيضًا أن خالع النعلين مرتبط بما ورد في العهد القديم، أنه إن رفض إنسان أن يتزوج أرملة أخيه كوصية الله ليقيم لأخيه الميت نسلاً، تأتي الأرملة إليه في حضرة الشيوخ وتخلع حذاءه من رجليه، ويسمى "بيت مخلوع النعلين" (تث 25: 5-10)، هكذا إذ خلع موسى نعليه أعلن أنه ليس بعريس الكنيسة. وفي كل مرة يخلع الأسقف أو الكاهن أو الشماس حذاءه عند دخوله الهيكل إنما يدرك حقيقة نفسه أنه ليس عريس الكنيسة الحقيقي بل صديق العريس وخادمه.

    أخذ القدِّيس أمبروسيوس ذات الرأي عن العلامة الإسكندري أوريجين فقال: [لم يكن موسى العريس لذلك قيل له: "اخلع حذاءك من رجليك" حتى يترك المكان لربه. ولا يشوع بن نون كان العريس لذا قيل له؟ "اخلع نعلك من رجلك" (يش 5: 16)، لئلاَّ بسبب تشابهه مع الاسم (يسوع) يظن في نفسه أنه يسوع المسيح عريس الكنيسة. ليس أحد هو العريس إلاَّ السيِّد المسيح الذي وحده قال عنه يوحنا: "من له العروس فهو العريس" (يو 3: 29). لذا خلع هؤلاء أحذيتهم من أرجلهم، أما حذاء السيِّد المسيح فلا يمكن أن يُحل إذ قال القدِّيس يوحنا: "لست مستحقًا أن أحل سيور حذائه" (يو 1: 27)[67]].

    د. ربط القدِّيس غريغوريوس أسقف نيصص بين خلع الحذاء الجلدي وثوبيّ الجلد اللذين لبسهما آدم وحواء (تك 3: 21) بعد سقوطهما في العصيان، إذ يقول: [يعلمنا هذا النور(الذي للعُلِّيقة) أنه يليق بنا أن نقف أمام النور الحقيقي. لكن الأقدام التي بها أحذية لا تقدر أن ترتفع إلى العلو الذي من خلاله ترى الحق. لهذا يلزمنا أن نخلع عن قدمي النفس الغطاء الجلدي الأرضي الميت، الذي وُضع حول طبيعتنا في البداية حين تعرينا بسبب عصياننا للإرادة الإلهية. بهذا تكون لنا معرفة الحق التي تعلن عن ذاتها لنا، فنتحقق كمال المعرفة للأمور الموجودة (الحق)، بتطهير أفكارنا عن الأمور غير الموجودة (غير الحق أو الشر)[68]]. وقد احتل تعليم القدِّيس غريغوريوس عن "ثوبي الجلد" مركزًا هامًا في كتاباته، فيقول مثلاً: [الختان يعني خلع الجلد الميت الذي لبسناه حين طُردنا من الحياة الفائقة الطبيعة بعد عصياننا[69]]. لذا فالعمودية في نظره هي خلع هذا الثوب الجلدي المحيط بطبيعتنا، أي خلع أعمال الإنسان القديم، هذا الذي يعلن عن موتنا وشهواتنا التي دخلت إلينا بعدما كنا على صورة الله[70].



    3. دعوة موسى:
    من خلال العُلِّيقة الملتهبة نارًا دُعيَ موسى وهو واقف حافي القدمين ليتسلم خدمة شعب الله، وهنا نلاحظ:

    أ. تطلع موسى النبي إلى العُلِّيقة وإذا كلها أشواك، لكن النار الإلهية ملتهبة خلالها دون أن تحترق... لعله رأى في ذلك عمل الله الناري الذي يستخدمنا بكل ما فينا من أشواك، يلهب قلوبنا ويعمل بنا بالرغم من كل ضعفاتنا. وكما يقول القدِّيس أمبروسيوس: [لماذا نيأس، إن الله يتحدث في البشر، هذا الذي تكلم في العُلِّيقة المملوءة أشواكًا ؟! إنه لم يحتقر العُلِّيقة! إنه يضيئ في أشواكي![71]].

    حقًا إن المتحدث نار آكلة (إش 10: 7)، والدعوة صدرت عن النار الإلهية، لكنها لا تؤذي موسى بل تسنده وتلهبه... (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و التفاسير الأخرى). كما فعل الروح القدوس الناري في التلاميذ، الذي أحرق ضعفاتهم وأعطاهم قوة للحياة الجديدة الكارزة (مت 3: 11، أع 2).

    ب. إذ دعى الله موسى النبي لم يحدثه عن مؤهلاته للخدمة وإمكانياته البشرية بل حدثه عن نفسه، الإمكانيات الإلهية المقدمة له، قائلاً له: "أنا إله إبراهيم وإله اسحق وإله يعقوب" [6]. وكانت هذه الكلمات تخرج بسلطان وقوة نارية حتى "غطَّى موسى وجهه لأنه خاف" [7]. تحدث أيضًا عن قيامه هو بالخلاص، فقد رأى وسمع وعلِم مذلة شعبه، لذا فهو ينزل لإنقاذهم...

    أما سرّ قوة موسى النبي فهو "إني أكون معك" [12]. وهو ذات الوعد الذي يعطيه لجميع أنبيائه ورسله وكل العاملين في كرمه. فيقول ليشوع بن نون: "كما كنت مع موسى أكون معك. لا أهملك ولا أتركك" (يش 1: 5)، ويؤكد لإرميا النبي "لأني أنا معك يقول الرب لأنقذك" (إر 1: 16)، ويقول لتلاميذه: "ها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر" (مت 28: 20).



    4. اعتذار موسى:
    أراد موسى أن يعتذر عن الخدمة قائلاً: "من أنا حتى أذهب إلى فرعون، وحتى أُخرج بنى إسرائيل من مصر؟!" [11].

    طبيعة موسى الضعيفة بالرغم من كونه من رجال الإيمان جعلته يتردد في قبول الدعوة، وربما كان ذلك من آثار فشله الأول حين خرج إلى الخدمة متكلاً على ذراعه البشري. فما كان له أن يقول: "من أنا؟!" بعد أن عرف أن الله نفسه هو الذي يرسله وهو الذي ينزل ليخلص.

    أصر موسى على إعفائه أكثر من مرة، تارة يضع أسئلة واعتراضات، كأن يقول: "فإذا قالوا ما اسمه، فماذا أقول لهم" [13]، والرب يُجيبه، وأخرى يقول: "ولكن ها هم لا يُصدقونني" (4: 1). فيعطيه الرب إمكانية عمل آيات ومعجزات... الخ، وثالثة يعترض بسبب ضعفه الشخصي قائلاً: "أنا ثقيل الفم واللسان" (4: 10). والله يؤكد له أنه هو خالق الفم واللسان "إذهب وأنا أكون مع فمك وأعلمك ما تتكلم به" (4: 12). إذ لا يجد أي حجة يقول: "استمع أيها السيِّد، إرسل بيد من ترسل" (4: 13)، حتى حميَ غضب الله (4: 14) فأعطاه هرون شريكًا معه في الخدمة.

    هكذا إذ يدعونا الله للخدمة لا يتركنا نستعفى بل يقدم لنا إجابات عملية لكل تساؤلاتنا، ويسند كل ضعف فينا، ويكمل كل نقص في إمكانياتنا، فهو الراعي الخفي لقطيعه المقدس.



    5. اسم الله:
    عرف موسى أن الذي يحدثه هو الله، فسأله عن اسمه "فقال الله لموسى أهيه الذي أهيه، وقال هكذا قل لبني إسرائيل أهيه أرسلني إليكم... إله آبائكم إله إبراهيم وإله إسحق إله يعقوب أرسلني إليكم" [14، 15].

    حملت إجابة الله لموسى شقين:

    أولاً: "أن الله غير مُدرَك وفوق كل تسمية" أهيه أي أنا هو".

    ثانيًا: أنه الله المنتسب للبشرية، مُنتسب لخاصته الأحباء "إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب".

    أولاً: أهيه الذي أهيه AHIAH:

    يرى فيلون اليهودي الإسكندري أن هذا الاسم "أهيه" يكشف عن جانبين في الله: أولاً أنه هو الكائن وحده الذي بجواره يكون الكل كأنه غير موجود. ثانيًا أنه ليس اسم يقدر أن يعبَّر عنه. في هذا يقول: [إخبرهم أولاً إني أنا هو الكائن حتى يعرفوا الفارق بين من هو كائن وما هو ليس بموجود. كما قدم لهم الدرس الآخر أنه لا يمكن لاسم ما أن يُستخدم ليليق بي أنا الذي إليه وحده ينسب الوجود[72]].

    ويرى القدِّيس أغسطينوس أن هذه العبارة تعني أنه إذا قورنت كل الأمور الزمنية بالله تصير "باطلاً"[73] أو "لا شيء"، وأنها تعلن عن الله بكونه الوجود الأول والسامي غير المتغير[74].

    هذه العبارة تُظهر الله أنه حاضر على الدوام، ليس فيه ماضٍ انتهى ولا مستقبل منتظر، لكنه فوق الزمن "حاضر دائم"... في هذا الحاضر الدائم، أو الأبدية الحاضرة "نجد لنا ملجأ، فنهرب إليه من كل تغيرات الزمن ونبقى فيه إلى الأبد"[75].

    إن كان الله هو الوجود الدائم، [إذن من يأخذ الاتجاه المضاد لله إنما يسير نحو العدم[76]].

    في حديث الآب ميثوديوس عن البتولية وعظمة البر المسيحي يقول: [لا يقدر أحد أن يرى بعينيه عظمة أو شكل أو جمال البرّ ذاته أو الفهم أو السلام، إنما تظهر هذه جميعها كاملة وواضحة في ذاك الذي قال أن اسمه "أنا هو"[77]].

    ثانيًا: إله آبائكم:

    قول الله لموسى: "إله آبائكم إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب" [15]. وتكرارها ثلاث مرات في هذا اللقاء بين الله وأول قائد للشعب [6، 15، 16] سحب قلب آباء الكنيسة، فقد رأي القدِّيس إكليمنضس الإسكندري علامة الصداقة الإلهية الإنسانية فمع أن الله هو إله العالم كله، إله السمائيين والأرضيين، لكنه ينسب نفسه للأخصاء أصدقائه. إنه لا يود أن يكون سيِّدًا بل صديقًا فنراه يكلم موسى وجهًا لوجه كما يُكلم الصديق صاحبه (خر 33: 11)، ويطلب منه "قف عندي هناك" (34: 2). ويقول القدِّيس أفراهات: [أسماء الله متعددة ومكرمة... أما الاسم الذي تمسك به والذي هو عظيم ومكرم فليس ما يخص بره، إنما ما يخص علاقته بالبشر كخليقته "الخاصة به"[78]]. ويقول القدِّيس أغسطينوس: [برحمته ربط نعمته بالبشر قائلاً: "أنا إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب"، حتى يُفهم من هذا أن هؤلاء الذين هو إلههم إنما يعيشون معه إلى الأبد. إنه ينطق بهذا حتى يفهم أولاده أنه يلزمهم بقوة الحب أن يعرفوا كيف يطلبون وجهه إلى الأبد، ويدركوا قدر ما يستطيعون هذا الذي هو "أهيه الذي هو أهيه"[79]].

    والآن إذ نربط الاسمين معًا "أهيه"، "إله أبائكم" نقول إن الله غير المدرَك ولا متغير، الذي فوق كل حدود الزمن، يقدم ذاته للبشرية ليتعرفوا عليه كإلههم الخاص، المشبع لكل احتياجاتهم. لذا لم يتحدث قط أي نبي عن نفسه كأنه شيء يقتنونه، أما السيِّد المسيح فهو "كلمة الله" الذي جاء يقدم ذاته في أكثر من موضع، قائلاً: "أنا هو"... قدم نفسه الصديق والعريس، والأخ البكر والمخلص، والخبز النازل من السماء والينبوع الحيِّ، والقيامة والباب، والطريق والحق والحياة، وأخيرًا قال "أنا هو الألف والياء" أي مشبع كل حياتنا[80].

    وأخيرًا، نلاحظ أن السيِّد المسيح استخدم الاسم الثاني ليؤكد للصدوقيين القيامة، فإن الله إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب، إله أحياء وليس إله أموات: (مت 22: 31-32). فإن كان الله هو الحيّ إنما ينسب لنا، واهبًا إيَّانا الحياة لنبقى معه إلى الأبد[81].



    6. سرّ الأيام الثلاثة:
    أمر الله موسى أن يطلب مع الشيوخ من فرعون قائلين: "الرب إله العبرانيين إلتقانا، فالآن نمضي سفر ثلاثة أيام في البرية ونذبح للرب إلهنا" [18].

    لقد طلب الرب منهم أن يخرجوا سفر ثلاثة أيام في البرية ويذبحوا للرب، وكان فرعون يطلب من موسى وهرون أن تقدم الذبائح في أرض مصر، لكن موسى أجابه "لا يصلح أن نفعل هكذا... نذهب سفر ثلاثة أيام في البرية ونذبح للرب إلهنا كما يقول لنا" (8: 26، 27). وأخيرًا سمح لهم بالخروج، لكنه كان يقول لهم "لا تذهبوا بعيدًا" (8: 28)، أما موسى فأصر على السفر ثلاثة أيام... لماذا؟

    الطريق الذي يخرج فيه الشعب ليقدم لله ذبيحة إنما هو السيِّد المسيح نفسه الذي قام في اليوم الثالث، وخلال قيامته تقبل كل عبادة وتقدمة منا للآب.

    للعلامة أوريجانوس أحاديث طويلة عن سرّ الأيام الثلاثة، نقتطف منها العبارات التالية: [يلزمنا أن نخرج من مصر ونترك العالم إن كنا نريد أن نخدمه! لا نتركه جسمانيًا بل نتركه من جهة أفكارنا؛ ليس بالخروج من الطرق العادية الملموسة وإنما بالتحرك الإيماني. اسمعوا ما يقوله القدِّيس يوحنا في هذا الشأن: "يا أولادي لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم، لأن كل ما في العالم شهوة الجسد وشهوة العيون" (1 يو 2: 15-16)...

    ماذا يقول موسى؟ "نذهب سفر ثلاثة أيام في البرية نذبح للرب إلهنا" (5: 3). ما هو هذا الطريق الذي يقطعه في ثلاثة أيام للخروج من مصر والذهاب إلى الموضع الذي ينبغي أن نذبح فيه للرب؟ إنه الرب نفسه القائل: "أنا هو الطريق والحق والحياة" (يو 14: 6). ينبغي أن نسير في هذا الطريق ثلاثة أيام، لأنك "إن اعترفت بفمك بالرب يسوع وآمنت بقلبك أن الله أقامه من الأموات خلصت" (رو 10: 9). هذه هي الأيام الثلاثة التي تقطعها في الطريق لتصل إلى الموضع الذي يُذبح فيه للرب وتُقدم "ذبيحة التسبيح" (مز 49: 14).

    هذا هو المعنى السري، أما المعنى السلوكي (الأخلاقي) وهو أهم، فإننا نترك مصر مسيرة ثلاثة أيام حين نكون أنقياء في الجسد والروح، كقول الرسول: "إحفظ الوصية بلا دنس ولا لوم إلى ظهور ربنا يسوع المسيح" (1 تي 6: 14). إننا نترك مصر مسيرة ثلاثة أيام حين نفصل عقلنا وطبيعتنا وإحساساتنا عن أمور هذه الحياة لنلتصق بوصايا الله. نترك مصر ثلاثة أيام حين تتنقى أفعالنا وكلماتنا وأفكارنا، إذ توجد ثلاث فرص للخطية (خلال العمل والكلام والفكر)[82]].

    يُريد إبليس (فرعرن) ألاَّ نبتعد كثيرًا، فلا نسير ثلاثة أيام (8: 28)... لأن عمل عدو الخير هو حرماننا من التمتع بقوة قيامة السيِّد المسيح في داخلنا. هذا من جانب، ومن جانب آخر ألاَّ نسير في الرب ثلاثة أيام، أي لا نتنقى في أفعالنا وكلماتنا وأفكارنا، إنما يريد أن يكون له موضع فينا إن لم يكن بالعمل فبالكلام، وإن لم يكن باللسان فبالفكر. وعلى حد تعبير العلامة أوريجانوس: [يريد أن يضمن أنهم يخطئوا إن لم يكن بالفعل فليكن بالقول وإلاِّ فعلى الأقل بفكرهم. إنه لا يريدهم أن يبتعدوا عنه ثلاثة أيام كاملة. يريد أن يرى له فينا ولو يوم واحد على الأقل، إذ له في بعض الأشخاص يومان وفي الآخرين له الأيام الثلاثة كلها. لكن طوبى لمن ينفصل عنه الأيام الثلاثة بأكملها، ولا يكون له فيه يوم واحد[83]].

    بخروجنا ثلاثة أيام ندخل إلى معرفة "القيامة" فتستنير بصيرتنا الداخلية بنور المعرفة الحقيقية. فإن كان فرعون يمثل إبليس "رئيس ظلمة هذا العالم" (أف 6: 12)، فإنه لا يُريدك أن تخرج من دائرة الظلمة إلى نور المعرفة. إنما يُريدك أن تبقى في ظلمة القبر ولا تنعم بنور القيامة. لذا نجده في حديثه مع موسى يعترف بعدم معرفته أي بظلمته قائلاً: "لا أعرف الرب" (5: 2).

    خبرة الأيام الثلاثة أي القيامة مع السيِّد المسيح اختبرها قبلاً إبراهيم أب الآباء، هذا الذي خرج من بيته ثلاثة أيام وعندئذ رأى العلامة فقدّم ابنه ذبيحة حب لله (تك 22: 4)، ما هي هذه العلامة التي خلالها يقدم إبراهيم ابنه الوحيد إسحق إلاَّ علامة قيامة المصلوب، لذا يقول معلمنًا بولس الرسول عنه إنه: "آمن بالله القادر على الإقامة من الأموات" (عب 11: 19). رأي قيامة السيِّد المسيح فقدم ابنه إسحق مؤمنًا أن الله قادر أن يقيمه من الأموات.



    7. يدّ الله القوية:
    من حين إلى آخر يؤكد الله لموسى قدرته على الخلاص قائلاً: "فأمدّ يديّ وأضرب مصر بكل عجائبي التي أصنع فيها وبعد ذلك يطلقكم" [25].

    وفي خروجهم لا يخرجهم فارغين، بل يعطيهم نعمة في أعين الشعب فيُعيروهم أمتعة فضة وأمتعة ذهب وثيابًا [22]... أولاً إشارة إلى قوة الخلاص في حياة المؤمن، ليس فقط نفسه تتقدس، لكنه في خروجه نحو كنعان السماوية يحمل معه غنائم كثيرة، طاقاته الداخلية وعواطفه وأحاسيسه ودوافعه، يصير كل ما في داخله مما كان مكرسًا للشر وعلّة موت له مقدسًا ومباركًا. ومن جهة أخرى إن كان الشعب قد سلبت أُجرتهم وأذلوهم في السخرة وبناء بيوت لهم، فإن الله يعطيهم نعمة في أعينهم لكي يقدموا لهم بإرادتهم هذه الأمور: ذهبًا وفضة وثيابًا[84].

    أما غاية هذا العمل الإلهي الخلاصي فهو "أصعدكم... إلى أرض تفيض لبنًا وعسلاً" [17]، يجد الأطفال البسطاء قوتهم، والناضجون الأقوياء غذاءهم. فاللبن والعسل إنما هما إشارة إلى حياة الشبع واللذة الروحية، لهذا كان المعمَّدون في الكنيسة الأولى يشربون أثناء طقس المعمودية لبنًا ويأكلون عسلاً، إذ بالمعمودية صار لهم حق الدخول إلى كنعان السماوية الموعود بها[85].
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://temaf-erene.yoo7.com
    ثروت
    خادم المنتدي
    خادم المنتدي
    ثروت


    عدد الرسائل : 5787
    العمر : 55
    الموقع : https://temaf-erene.yoo7.com
    تاريخ التسجيل : 10/06/2008

    تفسير سفر الخروج Empty
    مُساهمةموضوع: رد: تفسير سفر الخروج   تفسير سفر الخروج Emptyالسبت 20 أغسطس 2011, 11:50 am

    تفسير سفر الخروج الاصحاح 4

    بعدما التقى موسى بالله خلال العُلِّيقة الملتهبة نارًا كان لابد لموسى النبي أن يترك مديان ليلتقي بهرون أخيه وبشعبه في مصر:

    1. معجزات ثلاث لشعبه [1-9].

    2. أنا ثقيل الفم واللسان [10-13].

    3. هرون كسند لموسى [14-17].

    4. ترك مديان [18-23].

    5. ختان ابن موسى [24-26].

    6. بدء العمل [27-31].



    1. معجزات ثلاث لشعبه:
    كما ظهر الله لموسى خلال العُلِّيقة المُتَّقدة نارًا يعلن له سرّ الخلاص خلال التجسد الإلهي والميلاد البتولي والألم، كان لابد أن يمنح موسى إمكانية تقديم بعض المعجزات التي تحمل ظلاً لهذا السرّ أي الخلاص، خلال التجسد الإلهي والصليب. لقد وهبه ثلاث معجزات يمارسها أمام شعبه، ليس لمجرد إظهار قوة فائقة للطبيعة، وإنما تعلن عمل الله الفائق نحو الإنسان. هذه المعجزات هي: تحويل العصا إلى حية، وجعل يده اليمنى برصاء، تحويل الماء إلى دم.

    أولاً: تحويل العصا إلى حية:

    سأل الله موسى: ما هذه التي في يدك؟ فقال: "عصا" [2].

    ألم يعلم الله ما بيد موسى، فلماذا سأله هكذا؟... يجيب القدِّيس يوحنا الذهبي الفم قائلاً: [حتى عندما يراها حية لا ينسى أنها هي التي كانت عصا، متذكرًا كلماته هو عنها فيتحير بسبب هذا الحدث[86]]. هذه هي طريقة الله في تعامله معنا كأن يسأل عن لعازر قائلاً: "أين وضعتموه؟" (يو 11: 34)، حتى متى أقامه يشهد اليهود أنفسهم أنه أقامه من القبر.

    لقد أمر الرب موسى أن يُلقي عصاه، التي دُعيت فيما بعد عصا الله [20] على الأرض، فتصير حية تبتلع كل حيات المصريين. الله الكلمة هو عصا الله وقوته الذي نزل على الأرض من أجلنا، "هذا الذي لم يعرف خطية صار خطية لأجلنا" (2 كو 5: 21)، لكي يقتل كل خطايانا؛ أي حملت المعجزة ظلالاً لسريّ التجسد والصليب.

    يقول القدِّيس غريغوريوس أسقف نيصص: [ليت تحويل العصا إلى حية لا يقلق محبِّي المسيح، إن كنا نتقبل التعليم الخاص بالتجسد خلال حية غير لائقة، فإن الحق نفسه لم يرفض هذه المقارنة، إذ يقول: "وكما رفع موسى الحية في البرية هكذا يُرفع ابن الإنسان" (تك 3: 14). فالتعليم واضح، لأنه إن كان والد الخطية دعاه الكتاب المقدس "حية"، فالمولود من الحية بالتأكيد هو حية، إذن فالخطية هي مرادف مشترك مع الذي يلدها. يشهد النطق الرسولي بأن الرب قد صار خطية لأجلنا، إذ لبس (شبه) طبيعتنا الخاطئة (2 كو 5: 21).

    ينطبق هذا الرمز بحق على الرب، لأنه إن كانت الخطية هي حية، والرب صار خطية، إذن النتيجة المنطقية واضحة للجميع. بكونه صار خطية صار أيضًا حية، هذه التي ليست إلاَّ أنها خطية. من أجلنا صار حية لكي يلتهم حيَّات المصريين التي أوجدها السحرة ويقتلها[87]].

    أيضًا يقول القدِّيس أغسطينوس: [إلى أي شيء أغرت الحية الإنسان؟ إلى الموت (تك 3: 1). لذلك فإن الموت جاء عن الحية... إذن فالعصا التي صارت حية هي المسيح الذي دخل إلى الموت...[88]].

    وتحدث أيضًا القدِّيس إيرينئوس[89] والقدِّيس كيرلس الإسكندري[90] عن هذه العصا المتحولة إلى حية كرمز للتجسد الإلهي، والقدِّيس يوستين[91] والقدِّيس أمبروسيوس[92] كرمز للصليب. أما العلامة ترتليان[93] والقدِّيس أمبروسيوس[94] أيضًا فرأيا فيها رمزًا للقيامة، إذ يقول الأخير هل الذي جعل من العصا حية ألاَّ يقدر بإرادته الإلهية أن يعيد العظام، وتعود الحياة للموتى مرة أخرى؟!

    ويعلق القدِّيس أغسطينوس على خوف موسى من العصا المتحولة إلى حية وهروبه منها قائلاً: [ما هذا أيها الإخوة إلاَّ ما نعرف أنه حدث في الإنجيل؟! فقد مات المسيح فخاف التلاميذ وهربوا[95]]. كما قارن القدِّيس يوحنا الذهبي الفم بين خوف موسى هنا وخوف التلاميذ عندما رأوا السيِّد ماشيًا على البحر (مت 14: 25-26)، فالإنسان يخاف ويرتعب عندما يدرك قوة العمل الإلهي[96].

    العصا تُشير أيضًا إلى الإيمان، إذ يقول القدِّيس غريغوريوس أسقف نيصص: [بهذه العصا - كلمة الإيمان - التي في يده، تغلَّب على حيَّات المصريين[97]]. إيماننا بكلمة الله المتجسد المصلوب، وإن كان في نظر اليونانيين جهالة وعند اليهود عثرة، لكنه ابتلع حكمة العالم وفلسفاته البشرية، مقدمًا شفاءً حقيقيًا لجراحات الإنسان. وكما يقول القدِّيس بولس الرسول: "لأنه إذ كان العالم في حكمة الله لم يعرف الله بالحكمة، استحسن الله أن يخلِّص المؤمنين بجهالة الكرازة... لأن جهالة الله أحكم من الناس، وضعف الله أقوى من الناس" (1 كو 1: 21، 25).

    ويتحدث القدِّيس أمبروسيوس عن قوة الإيمان الشافي خلال هذه الحية قائلاً: [هذا يعني أن الكلمة صار جسدًا ليُبيد سمّ الحيات القاتلة، لغفران الخطايا. لأن العصا تُمثل الكلمة. هذا حق، أنه عصا ملوكي صاحب سلطان ومجيد في حكمة. صارت العصا حية، لأن ابن الله المولود من الآب صار ابن الإنسان مولودًا من امرأة، ورُفع كالحية على الصليب، وسكب الدواء الشافي لجراحات الإنسان، كقول الرب نفسه: "وكما رفع موسى الحية في البرية هكذا يرفع ابن الإنسان" (يو 3: 14)[98]].

    أخيرًا، فإن عودة الحية إلى عصا مرة أخرى إنما تُشير إلى السيِّد المسيح الصاعد إلى السموات، إلى أمجاده بعدما مزق الصك الذي كان علينا، ليُقيمنا معه ويجلسنا معه في السمويات، شركاء معه في المجد، نستقر في حضن أبيه ببره.

    ثانيا: يده اليمنى البرصاء:

    يقول القدِّيس أمبروسيوس[99] إن يد الله الآب اليمنى أو يمين الآب إنما هو الابن الجالس عن يمينه، أي قوة الآب، هذا الذي في حضنه. لقد نزل إلينا حاملاً خطايانا (البرص يشير إلى الخطية) ليغسلنا ويُقدسنا، ثم يعود بنا إلى حضن أبيه أصحاء بلا خطية. وكأن هذه الآية إنما تؤكد الآية السابقة.

    يرى القدِّيس جيروم في هذا المعجزة إعلانًا عن موت السيِّد المسيح بالجسد إذ صارت يده بيضاء، وقيامته إذ عادت يده إلى ما كانت عليه[100].

    ويرى القدِّيس أغسطينوس في قول المرتل: "لماذا ترُد يدك ويمينك؟ إخرجها من وسط حضنك. إفنِ، والله ملكي منذ القدم فاعل الخلاص في وسط الأرض" (مز 74)، يرى إنها صرخات موجهة لله الآب حيث يطلب أن يرسل ابنه الوحيد "يمينه" الذي في وسط حضنه، ليفنِ الشر مقدمًا الخلاص في وسط كل الأمم. يقول القدِّيس: [لقد أُصيب اليهود بالعمى فلم يعرفوا السيِّد المسيح كمخلص حتى يكمِّل خلاص الأمم[101]].

    ثالثًا: تحويل الماء إلى دم:

    جاءت هذه المعجزة لتثبيت المعجزتين السابقتين، فإنه لا خلاص لنا إلاَّ خلال دم السيِّد المسيح، الذي يقدس مياه قلبنا الباردة.



    2. أنا ثقيل الفم واللسان:
    اعتذر موسى النبي عن الخدمة قائلاً: "استمع أيها السيِّد. لست أنا صاحب كلام منذ أمس ولا أول من أمس ولا من حين كلمت عبدك، بل أنا ثقيل الفم واللسان. فقال له الرب: "من صنع للإنسان فمًا أو من يصنع أخرس أو أصم أو بصيرًا أو أعمى، أما هو أنا الرب؟! فالآن اذهب وأنا أكون مع فمك وأعلمك ما تتكلم به" [10-13].

    متى شعر موسى أنه ثقيل الفم واللسان؟ حين كان في القصر ابنًا للأميرة ابنة فرعون، يتدرب بكل حكمة المصريين كان يشعر أنه قادر على الكلام، أما الآن إذ صار في حضرة الرب نفسه شعر أنه ثقيل الفم واللسان! وكما يقول العلامة أوريجانوس: [أثناء إقامته في مصر عندما تعلم بكل حكمة المصريين (أع 7: 22) لم يكن موسى ثقيل الفم واللسان، إذ كان يستخدم البلاغة حين يتحدث عن نفسه. كان في عيني المصريين الصوت المجلجل وصاحب البلاغة التي لا تُقارن. غير أنه إذ سمع صوت الله والوصايا الإلهية شعر أنه أخرس، وذلك حينما بدأ يدرك الكلمة الحقيقي الذي كان عند الله في البدء (يو 1:1). لتسهيل ذلك استخدم التشبيه التالي: أمام الحيوانات غير العاقلة يبدو الإنسان عاقلاً حتى وإن كان غير مثقف وغير متعلم فيظهر أنه بليغ، لأنه ليس للحيوانات صوت ولا عقل. لكنه إذا قورن بعلماء وأصحاب بلاغة يتكلمون بكل أنواع الكلام فيظهر عقيمًا وأخرس. هكذا حينما تتأمل كلمة الله ذاته وترفع عينيك نحو الحكمة الإلهية ذاتها، فإنه مهما كان عملك وحكمتك فستعترف أمام الله أنك كالحيوان الأخرس، بل وأكثر منه. هذا هو الشعور الذي انتاب داود الطوباوي نفسه حين قارن نفسه في ميدان الحكمة الإلهية فتال "أنا بليد ولا أعرف، صرت كبهيم عندك" (مز 22: 27). هذا ما قصده موسى أعظم الأنبياء بقوله "أنا ثقيل الفم واللسان" لا أقدر على الكلام. بالمقارنة مع الله الكلمة يصير الناس جميعًا ليس فقط بلا بلاغة بل وخرس[102]].

    بالوقوف أمام الله أكتشف موسى النبي ثقل فمه ولسانه، انسحق في داخله معتذرًا عن الخدمة فتأهل بالأكثر لكي يملأ الله فمه ليخدم. وقد تحدث الآباء كثيرًا عن اتضاع موسى.

    يقول القديس إكليمنضس الروماني: [دُعيَ موسى أمينًا في كل بيت الله (عد 12: 7؛ عب 3: 2)... مع أنه نال كرامة عظيمة هكذا لكنه لم يستخدم أسلوب العظمة، وإنما حين سمع القول الإلهي من العُلِّيقة قال: "من أنا حتى أذهب؟ أنا ثقيل الفم واللسان" (خر 3: 11، 4: 10)، كما يقول: "أنا ليس إلاَّ دخان زق"[103]].

    كما يقول القديس غريغوريوس النزينزي: [جيد لك أن تتراجع عن الله إلي حين (في دعوته لك للخدمة) كما فعل قديمًا موسى العظيم (خر 4: 10)، وإرميا (إر 1: 6)، بعد ذلك تجري في الحال إليه كما فعل هرون (خر 4: 27)، وإشعياء (إش 1: 6)، لكنه يلزمنا أن ننفذ الأمرين بروح الخضوع، ننفذ الأمر الأول بشعور الحاجة إلي القوة، وننفذ الأمر الثاني بسبب قدرة ذاك الذي دعانا[104]...].

    يقول أيضًا: [هرون كان مشتاقًا (للخدمة) أما موسى فقاوم. إشعياء خضع للحال أما إرميا فكان خائفًا بسبب صغر سنه ولم يجسر أن يتنبأ، حتى يتقبل من الله وعدًا وقوة تفوق سنه[105]].

    ويقول أيضًا العلامة أوريجانوس: [إذ بلغ (موسى) عمق الفهم الذي هو "معرفته لنفسه"... كافأته النعمة بمواهب عظيمة كهذه: "أنا أكون معك وأعلمك ما تتكلم به" [22]. طوبى للذين يفتح الله أفواههم ليتكلموا! إنه يفتح أفواه الأنبياء ويملأها من بلاغته كما قيل هنا... وكما قال الله بفم داود: "إفغر فاك وأنا أملأه" (مز 81: 11)، وبنفس المعنى يقول القديس بولس الرسول: "إنه يعطي لي كلامًا عند افتتاح فمي" (أف 6: 9). إذن الله هو الذي يفتح فم الذين ينطقون بالكلمات الإلهية[106]].

    لم ينفتح فم موسى وحده ليتكلم الله فيه، وإنما أيضًا انفتح فم أخيه هرون، هذا الذي التقى مع موسى عند جبل الله [27]. وكأن كل من يريد أن ينفتح فمه ويتمتع بكلمات الرب والمعرفة الإلهية يلزمه أن يلتقي بموسى (الناموس) روحيًا عل جبل الله أي داخل الكنيسة المقدسة الإلهية. في هذا يقول العلامة أوريجانوس: [صعد بطرس ويعقوب ويوحنا على جبل الله ليتأهلوا لرؤية يسوع متجليًا ومعه موسى وإيليا في المجد. وأنت أيضًا إن كنت لا تصعد على جبل الله وتتقابل مع موسى، أي إن كنت لا ترتفع إلي الفهم الروحي للناموس، إن كنت لا تبلغ قمة الإدراك الروحي فلن يفتح الرب فمك. أما إن توقفت عند المعنى الحرفي البغيض، وتختلط بالسرد التاريخي لتفاصيل الأحداث اليهودية فإنك لن تلحق بموسى علي جبل الله، ولا يفتح الله فاك ولا يعلمك ما تقوله[107]].

    الله لا يفتح فقط أفواهنا ليملأها بكلماته وإنما يفتح أيضًا عيوننا لتستنير بالروح القدس وترى الأمجاد الإلهية، ويفتح الآذان لتسمع صوته الإلهي بغير عناد، ويفتح حواسنا وطاقاتنا الداخلية لكي تُبتلع بالكامل في الإلهيات. يقول العلامة أوريجانوس: [كما يفتح الله أفواه القديسين كذلك يفتح آذانهم ليسمعوا الكلمات الإلهية. يشهد بذلك إشعياء النبي القائل: "السيِّد الرب فتح لي أذنًا وأنا لم أعاند" (إش 50: 5)... كذلك يفتح الرب الأعين كما فتح عيني هاجر لتبصر بئر المياه الحية، وكما قال إليشع النبي: "يا رب افتح عينيه فيبصر، ففتح الرب عينيّ الغلام فابصر، وإذا الجبل مملوء خيلاً ومركبات نار حول إليشع" (2 مل 6: 15)... إذن يفتح الله الفم والأذنين والعينين حتى نتكلم ونسمع ونبصر الأمور الإلهية[108]].

    وكما يفتح أولاد الله حواسهم وأعماقهم ليتقبلوا عمل الله فيهم، هكذا يفتح أيضًا أولاد إبليس حواسهم وأعماقهم لأبيهم ليتقبلوا عمله فيه ولحسابه. يقول العلامة أوريجانوس: [أُنظر، ماذا كُتب عن يهوذا؟ "دخله شيطان" (لو 22: 4). لقد فتح فمه ليتكلم مع رؤساء الكهنة وقواد الجند كيف يسلمه إليهم بعدما أخذ الفضة[109]].

    ربما يتساءل أحد: من الذي يفتح فمنا؟ هل نحن نفتحه والله يملأه، أم هو الذي يفتحه وهو الذي يملأه؟ في رد القديس أغسطينوس علي رسالتين للبيلاجيين يقول: [مع أننا بدون معونته لا نقدر أن نفعل شيئًا، فلا نقدر أن نفتح أفواهنا، لكننا نفتحها بمعونته مع قيامنا بدور من جانبنا، لكن الله هو الذي يملأه دون أن يكون لنا دور في ذلك[110]].



    3. هرون كسند لموسى:
    بالرغم من كل تأكيدات الله لموسى أنه هو الذي يعمل فيه، وهو ملتزم بإنجاح طريقه، لكن موسى عاد ليقول: "استمع أيها السيِّد. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و التفاسير الأخرى). إرسل بيد من ترسل". حقًا ما أتعب القلب البشري حين يتعب! لقد حمي غضب الله [14]، فخسر موسى إنفراده بالرسالة، وقدم له الله شريكًا، حقًا إن الشركة في الخدمة جميلة ومبهجة فقد أرسل الرب تلاميذه إثنين إثنين، لكن ما حدث مع موسى كان ثمرة ضعفه وإصراره على الهروب من المسئولية.

    على أي الأحوال، حوَّل الله حتى هذا الضعف للخير، إذ صار هرون سندًا لموسى، ورمزًا للملاك الحارس. فكما كان لموسى ملاك شرير (فرعون الذي يمثل إبليس) يقاومه، كان له أيضًا الملاك الحارس كأخ له، هرون الذي صار كاهنًا يشفع في الشعب ويسند موسى في خدمته. وكما يقول القديس غريغوريوس أسقف نيصص: [هناك تعليم يستمد قوته من تقليد الآباء القائل بأن الله لم يهمل طبيعتنا بعد سقوطها في الخطية بل سندها بعنايته. فمن ناحية أقام ملاكًا يحمل طبيعة غير فاسدة يسند حياة الإنسان، ومن الناحية الأخرى أقام أيضًا المفسد الذي هو شيطان شرير وقاتل يُقاوم طبيعة الإنسان. هكذا يجد الإنسان نفسه بين هذين الاثنين اللذين يحملان غرضين متناقضين ففي مقدوره أن يغلِّب أحدهما علي الآخر. الملاك الصالح بتعقله يكشف عن فوائد الفضيلة ليملأ بالرجاء السالكين باستقامة، أما خصمه فيبرز الملذات الملموسة التي لا تعطي رجاءً في الخيرات العتيدة... فإن انسحب إنسان من الذين يغرونه نحو الشر، مستخدمًا عقله ومرتدًا نحو الحياة الفضلى معطيًا للشر ظهره، ومنطلقًا نحو الرجاء في الخيرات كمن ينظر في مرآة، مثل هذا تنطبع على نفسه النقية صور وانطباعات الفضيلة التي يعلنها الله له. مثل هذا يقدم له أخوه (هرون) عونًا ويرافقه، لأن الملاك الذي بطريقه ما هو إلاَّ أخ للنفس العاقلة المتزنة يظهر له ويقف معه عندما يقترب من فرعون[111]].

    هرون أيضًا يُشير إلى العمل الكهنوتي التعبُدي، التصاقه بموسى إنما يرمز إلى التحام الوصية بالعبادة للعمل بروح الرب من أجل خلاص العالم. فالكرازة تقوم على إعلان الوصية أو الكلمة الإلهية بروح العبادة التقوية.



    4. ترك مديان:
    إذ أمر الله موسى أن يرجع إلى مصر ليُخرج الشعب قال له: "أنظر جميع العجائب التي جعلتها في يدك، واصنعها قدام فرعون. ولكنني أُشدد قلبه حتى لا يطلق الشعب" [21]. هكذا سبق فأعلن الله له الإمكانيات التي وهبه إيَّاها وأيضًا بالتجارب التي تُحيط به حتى لا يخور في طريق الجهاد. هذا ما فعله السيِّد المسيح معنا، أكد لنا "ثقوا أنا قد غلبت العالم" (يو 16: 33)، وفي نفس الوقت قال: "ها أنا أرسلكم كحملان في وسط ذئاب" (مت 10: 16).

    هل يُشدد الله القلب؟ يظهر من قول الكتاب (8: 32) أن فرعرن يُقسي قلبه بكمال حرية إرادته، أما هنا فيقول الرب أنه يُقسي قلب فرعون، بهذا نعرف أن الله بحكمه العادل يترك فرعون لينفذ إرادته الحرة التي هي قساوة القلب ولا يمنعه حتى يتمجد فيه، وحسب كلمات الرسول "أسلمه الله إلى شهوات قلبه وإلى ذهنه المرفوض" (راجع رو 1: 24، 28).



    5. ختان ابن موسى:
    يبدو أن زوجة موسى الغريبة الجنس، صفُّورة ابنة يثرون، خافت علي ابنها من الختان، وقد خضع موسى النبي لرأيها... هكذا حتى العمالقة في حياتهم الروحية يتعرضون لضعفات قد تدفع بهم إلى هلاكهم تمامًا.

    كان لزامًا علي موسى أن ينطلق بزوجته من مديان ليعمل في كرم الرب، وكان لزامًا عليه أن يختن الابن ثمرة اتحاده بهذه الزوجة. هذه صورة حيّة للكنيسة التي لم تحتقر الزوجة غريبة الجنس، فلم تقف في عداوة مع الفلسفات، لكنها احتضنتها والتزمت أن تنطلق بها من بيت أبيها وتختتن ثمرة إتحادها معها، فتُنزع عنها نقائصها وتطرد ما فيها من أخطاء حتى لا يهلك المؤمنون. في هذا يقول القديس غريغوريوس أسقف نيصص: [المرأة الغريبة تتبعه، إذ هناك بعض الأمور في التعليم الزمني لا نحتقرها، إذ تهدف إلى إنجاب الفضيلة. حقًا قد تصير الفلسفة الأخلاقية والطبيعية في وقت ما رفيقًا وصديقًا وملازمًا للحياة العلوية بشرط ألاَّ يدخل ثمرة الاتحاد معها شيء دنس غريب[112]]. كما يقول: [إذ كان ابنه لم يُختتن بعد، أي لم يُنزع عنه بالكامل كل ما هو ضار ودنس أرعبهما الملاك الذي التقى بهما، لكن زوجته هدأت الملاك بتقديم ابنها طاهرًا، إذ نزعت عنه العلامة الخاصة بالغرباء (الغرلة) تمامًا[113]].

    وقد أخذ القديس غريغوريوس هذا الفكر عن العلامة أوريجانوس السكندري الذي رأى في الزواج بالغريبات رمزًا لاستخدام الفلسفة[114].



    6. بدء العمل:
    التقى موسى وهرون أي الوصية الإلهية مع العبادة الورعة الكهنوتية، وتلاقيا مع جميع الشيوخ، الذين خضعوا لعمل الله وكلماته، أما الشعب فإذ سمعوا "خروا وسجدوا" [27]. إنها صورة حية لخضوع كل طاقات النفس والجسد للعمل الإلهي خلال قبول كلمة الله والعبادة.

    حقًا ما أحوجنا أن نعمل في القلب، كرّم الله المقدس، خلال كلمة الله وبروح تعبدي ليُصير القلب كله مقدسًا للرب، خاضعًا له!

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://temaf-erene.yoo7.com
    ثروت
    خادم المنتدي
    خادم المنتدي
    ثروت


    عدد الرسائل : 5787
    العمر : 55
    الموقع : https://temaf-erene.yoo7.com
    تاريخ التسجيل : 10/06/2008

    تفسير سفر الخروج Empty
    مُساهمةموضوع: رد: تفسير سفر الخروج   تفسير سفر الخروج Emptyالأربعاء 24 أغسطس 2011, 11:55 am

    تفسير سفر الخروج الإصحاح 5
    آية (1): "وبعد ذلك دخل موسى وهرون وقالا لفرعون هكذا يقول الرب اله إسرائيل أطلق شعبي ليعيدوا لي في البرية."

    ليعيدوا= سبق وقال الرب لموسى في (18:3) أن يقول لفرعون "نذهب ونذبح للرب" ويتضح الآن أن عبادة الله هي فرح وعيد وإذا رجعنا لقوله مسيرة 3 أيام ثم يذبح ويكون هذا عيد!! فإلى أي عيد يشير سوى لعيد القيامة الذي أتى بعد تقديم الذبيحة أي الصليب بثلاثة أيام فهو عيد وحرية وفرح هذا العيد هو رمز للقيامة.



    آية (2): "فقال فرعون من هو الرب حتى اسمع لقوله فأطلق إسرائيل لا اعرف الرب وإسرائيل لا أطلقه."

    من هو الرب= لاحظ أن موسى لم يشتكي من الظلم أو السخرة بل كان طلبه بسيطاً مقبولاً، ولكنه هاج ورفض فهو لا يريد أي إطلاق للشعب. وربما كان فرعون يجهل حقاً اسم يهوه (الرب) ولكن موسى ذكر له أنه إله إسرائيل. ولكن العالم لا يطيق اسم الرب (أع18:4) ولقد سمح الله بأن يتشدد قلب فرعون حتى يكون خروج الشعب بذراع رفيعة. وكل منا حين يبدأ طريق التوبة يهيج الشيطان ولكن الله دائماً يتمجد في النهاية فعلينا أن نصبر والله يعطي قوة.



    آية (3): "فقالا إله العبرانيين قد التقانا فنذهب سفر ثلاثة أيام في البرية ونذبح للرب إلهنا لئلا يصيبنا بالوبا أو بالسيف."

    بالسيف= قد يحدث هذا بغزو بعض القبائل لأراضي جاسان (وهي على الحدود الشرقية).



    آية (4): "فقال لهما ملك مصر لماذا يا موسى وهرون تبطلان الشعب من أعماله اذهبا إلى أثقالكما."

    هذا رأى كثيرين حتى الآن إذ يظن كثير من الناس أن الصلاة والعبادة أو التكريس أو الرهبنة أو الخدمة عموماً هي مضيعة للوقت وللطاقة البشرية. ففرعون إنسان مادي لا يعرف سوى الطوب واللبن والبناء، يود أن يغمس حياة الكل فيها، وإن من تحرر فكره إلى الروحيات فهو إنسان يبطل وقته.



    آية (5): "وقال فرعون هوذا الآن شعب الأرض كثير وأنتما تريحانهم من أثقالهم."

    فقصد فرعون أذلالهم بالأثقال ليقل عددهم.



    آية (6): "فأمر فرعون في ذلك اليوم مسخري الشعب ومدبريه قائلاً."

    مسخري الشعب= هؤلاء من المصريين. ومدبريه= هؤلاء من اليهود وهو كمقاولي الأنفار أو متعهدي الأنفار، عليهم أن يدبروا رجالاً من اليهود لتسليم كمية معينة كواجب يومي إلى المسخرين.



    الآيات (7-11): "لا تعودوا تعطون الشعب تبنا لصنع اللبن كأمس وأول من أمس ليذهبوا هم ويجمعوا تبنا لأنفسهم. ومقدار اللبن الذي كانوا يصنعونه أمس وأول من أمس تجعلون عليهم لا تنقصوا منه فانهم متكاسلون لذلك يصرخون قائلين نذهب ونذبح لإلهنا. ليثقل العمل على القوم حتى يشتغلوا به ولا يلتفتوا إلى كلام الكذب. فخرج مسخرو الشعب ومدبروه وكلموا الشعب قائلين هكذا يقول فرعون لست أعطيكم تبنا. اذهبوا انتم وخذوا لأنفسكم تبنا من حيث تجدون انه لا ينقص من عملكم شيء."

    شدد فرعون أوامره لإذلال الشعب بدلاً من أن يطلقهم بل إتهمهم أنهم متكاسلون. ولاحظ أن حروب الشيطان تبدأ حين يشعر أن النفس تبدأ تنطلق في طريقها لتعرف الله وتعبده. وكان أن أمر فرعون أن على اليهود أن يجمعوا التبن بأنفسهم. فكان الزارع يتركون القش لمن يريد (القش هو فضلات القمح وبعض النباتات الأخرى) وكان هناك من يجمعه من الزراع المصريين ويأتون به للشعب ليصنعوا منه الطوب اللبن ولكن حسب أوامر فرعون صار هذا واجب جديد على الشعب أن يذهبوا هم ليلتقطوا التبن لأنفسهم على أن يوردوا نفس كمية اللبن. بل أن فرعون وصف دعوة موسى للشعب أن يذهب ويعبد الله أنها كلام الكذب.

    وفي داخل كل إنسان بعيد عن الله رذائل لا حصر لها لكنها تعيش في سلام داخل نفسه ولكنه إذا حاول التوبة ليقتني فضائل هنا تحدث معركة داخله وحرب بلا هوادة فمحاولته هذه تثير الشياطين. ولكن لا نخف من هذه الحرب الداخلية فهذا شئ طبيعي.



    الآيات (12-18): "فتفرق الشعب في كل ارض مصر ليجمعوا قشا عوضا عن التبن. وكان المسخرون يعجلونهم قائلين كملوا أعمالكم أمر كل يوم بيومه كما كان حينما كان التبن. فضرب مدبرو بني إسرائيل الذين أقامهم عليهم مسخرو فرعون وقيل لهم لماذا لم تكملوا فريضتكم من صنع اللبن أمس واليوم كالأمس وأول من أمس. فأتى مدبرو بني إسرائيل وصرخوا إلى فرعون قائلين لماذا تفعل هكذا بعبيدك. التبن ليس يعطى لعبيدك واللبن يقولون لنا اصنعوه وهوذا عبيدك مضروبون وقد اخطأ شعبك. فقال متكاسلون انتم متكاسلون لذلك تقولون نذهب ونذبح للرب. فالآن اذهبوا اعملوا وتبن لا يعطى لكم ومقدار اللبن تقدمونه."

    ذهب الشعب ليشتكي لفرعون أن المسخرين كانوا يضربونهم طالبين كمية أكبر من الأعمال وقالوا أخطأ شعبك= أي أن رجالك يا فرعون أخطأوا فيما فعلوه.



    آية (20): "وصادفوا موسى وهرون واقفين للقائهم حين خرجوا من لدن فرعون."

    يبدو أن موسى كان منتظراً عند باب فرعون منتظراً نتيجة هذا اللقاء.



    آية (21): "فقالوا لهما ينظر الرب إليكما ويقضي لأنكما أنتنتما رائحتنا في عيني فرعون وفي عيون عبيده حتى تعطيا سيفاً في أيديهم ليقتلونا."

    هذا أول تذمر للشعب ضد الله وضد موسى. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). وهي صفة لازمت الشعب طوال سيرهم في البرية لكن الله لم يعاقب على تذمرهم في المرات الأولى فالله يعرف مرارة قلوبهم وألامهم. وعلينا أن لا نلوم الظروف المحيطة بنا بل نثق في الله وخلاصه.



    الآيات (22،23): "فرجع موسى إلى الرب وقال يا سيد لماذا آسات إلى هذا الشعب لماذا أرسلتني. فانه منذ دخلت إلى فرعون لأتكلم باسمك أساء إلى هذا الشعب وأنت لم تخلص شعبك."

    ما أجمل أن يدخل الخادم مع الله في عتاب حين يشعر كأن خدمته قد فشلت مقدِماً لله حسابات عمله. ولكن لنلاحظ أن كلمات موسى لله فيها قسوة.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://temaf-erene.yoo7.com
    ثروت
    خادم المنتدي
    خادم المنتدي
    ثروت


    عدد الرسائل : 5787
    العمر : 55
    الموقع : https://temaf-erene.yoo7.com
    تاريخ التسجيل : 10/06/2008

    تفسير سفر الخروج Empty
    مُساهمةموضوع: رد: تفسير سفر الخروج   تفسير سفر الخروج Emptyالأربعاء 24 أغسطس 2011, 11:57 am

    تفسير سفر الخروج الإصحاح 6
    4. تأكيدات الرب لموسى:
    إذ تذمر الشعب، صرخ موسى إلى الرب وقال: "يا سيِّد، لماذا أسأت إلى هذا الشعب؟ لماذا أرسلتني؟ فإنه منذ دخلت إلى فرعون لأتكلم باسمك أساء إليَّ هذا الشعب، وأنت لم تخلص شعبك" (5: 32-33).

    ما أجمل أن يدخل الخادم مع الله في عتاب حين يشعر كأن خدمته قد فشلت، مقدمًا لله حسابات عمله؟!

    تقبَّل الله هذا العتاب واستجاب لمرارة قلب خادمه. إن كان فرعون قد أعلن جهله بالله قائلاً: "لا أعرف الرب" (5: 2)، فإن تأكيدات الله المتكررة لموسى هي "أنا الرب" (2:6، 7، 8، 28). هو الرب الذي عمل في الآباء قديمًا إذ ظهر لإبراهيم وإسحق ويعقوب (6: 3)، ويعمل في الحاضر إذ يسمع آنات شعبه ويخرجهم من تحت الثقل ويُحررهم من العبودية (6: 5-6)، ويُدبر لهم المستقبل فيدخلهم إلى الأرض التي وعد بها (6: 9).

    إنه الرب الذي يعمل لأجل اسمه القدوس الذي يُقاومه إبليس، ومن أجل مواعيده لأولاده، الذي يبقى أمينًا، وأيضًا يعمل ليُقيم له شعبًا مقدسًا يدخل معه في شركة "وأتَّخذكم ليّ شعبًا وأكون لكم إلها" (6: 7).



    5. رؤساء بيت آبائهم:
    بعد أن أكد الرب لموسى أنه يحرر الشعب من العبودية، ذكر الكتاب أسماء بيت آبائهم... وكأن الرب يريد أن يؤكد أنه ليس فقط يهتم بالشعب كجماعة، لكنه يهتم بكل واحد فيهم باسمه. علاقة الله مع شعبه دائمًا علي المستوى الجماعي والشخصي في نفس الوقت، في رعايته لهم كجسد السيِّد المسيح الواحد المقدس، شعرة واحدة من رأس الجماعة لا تسقط بدون إذنه!

    لقد وجد بعض الآباء معانٍ كثيرة لهذه الأسماء، نذكر علي سبيل المثال ما رآه العلامة أوريجانوس[117] في أسماء بني قورح: أسير وألقانه وأبيأساف (6: 24)، هؤلاء الذين نظموا صلاة تسبحة جميلة بروح واحد منسجم، جاءت مقدمتها: "كما يشتاق الإيل إلى جداول المياه هكذا تشتاق نفسي إليك يا الله" (مز 42)، أما سرّ إنسجامهم معًا في الصلاة والتسبيح فهو أن أسير يعني "تعليم" وألقانه تعني "ملكية الله" وأبيأساف في رأيه ترجع لليونانية وتعني مجمع الأب، وكأنه إذ تكون النفس كقورح ويكون لها هؤلاء الأبناء معًا: حب التعلم المستمر، والشعور بالتكريس لله أي في ملكيته، والارتباط بروح الجماعة الواحدة، يفيض في القلب قصيدة حب وصلاة مقبولة يفرح بها الله.



    6. أنا أغلف الشفتين:
    حاول موسى أن يعتذر للرب قائلاً: "كيف يسمعني فرعون وأنا أغلف الشفتين؟!" (6: 2، 30)، لكن تأكيدات الرب له "أنا الرب"... أنا أُخلص...

    ما أجمل أن يشعر الإنسان بضعفه الروحي وخطاياه كسرّ فشل لخدمته، فيقول: "أنا أغلف الشفتين"... (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و التفاسير الأخرى). ليست فيهما قداسة لتعمل كلماتي بسلطان ضد إبليس، أو كما يقول نحميا حين سمع عن أخبار الخدمة المحزنة "أنا وبيت أبي قد أخطأنا" (نح 1: 6). لم يلم الظروف ولا الآخرين ولا نسب لله أنه قد نسي أولاده، بل ألقى باللوم على نفسه هو وبيت أبيه لأنهم أخطأوا.

    لقد أدرك موسى مفهوم الختان والغرلة علي مستوى روحي داخلي، لذا حسب شفتيه في حاجة إلى ختان داخلي... وجاء بعده إرميا يتحدث عن ختان القلب الخفي (إر 4: 4)، وختان الأذن (إر 6: 4). وتحدث معلمنا بولس الرسول في أكثر وضوح عن الحاجة إلى الختان الروحي في المعمودية، حيث يخلع المؤمن أعمال الإنسان القديم ليحمل جدة الحياة ويكون على صورة خالقه.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://temaf-erene.yoo7.com
    ثروت
    خادم المنتدي
    خادم المنتدي
    ثروت


    عدد الرسائل : 5787
    العمر : 55
    الموقع : https://temaf-erene.yoo7.com
    تاريخ التسجيل : 10/06/2008

    تفسير سفر الخروج Empty
    مُساهمةموضوع: رد: تفسير سفر الخروج   تفسير سفر الخروج Emptyالخميس 25 أغسطس 2011, 2:41 pm

    تفسير سفر الخروج الاصحاح7
    الضربات العشر كانت وسائل إنذار لفرعون ومقدمة لضربة كبيرة مهلكة هي غرق جيش فرعون في البحر. بل كانت متدرجة في عنفها ولنلاحظ:-

    1. الله دائماً يستخدم مع الخاطئ المصر على عدم التوبة ضربات خفيفة (مرض بسيط مثلاً) كإنذار فإن لم يتب يعقب هذا مرض أشد وهكذا حتى يتوب وهذا ما حدث مع فرعون فنجد أن الضربات الأولى بسيطة أعقبتها ضربات أشد حتى وصلت الضربة المؤلمة وهي موت الأبكار. ولما لم يفهم فرعون مع كل هذا هلك جيشه في البحر (رؤ20:9،21). وهذا العناد والإصرار على عدم التوبة هو ما أسماه سفر الرؤيا خطية مصر (رؤ8:11).

    2. الضربات كلها كانت من الله ولم يفعل بني إسرائيل شيئاً فالله هو الذي يدافع عن شعبه.

    3. من رحمة الله كانت هناك إنذارات قبل أن تأتي الضربات، بل كان هناك إرشادات من الله كيف يتقوا الضربة مثلما حدث في ضربة الَبرَدْ إذ أعطاهم الله فرصة لحماية مواشيهم.

    4. نجد في الضربات أنها تظهر ضعف الآلهة المصرية الوثنية وتظهر عظمة الله وهذا ليفهم المصريين تفاهة آلهتهم ويفهم اليهود قوة الله الذي يعبدونه (هي مدرسة للإيمان).

    5. نلاحظ أسلوب فرعون التفاوض فمرة يرفض ومرة يستخدم السحرة لإثبات قوة آلهته ومرة يوافق على سفر الرجال فقط ونلاحظ أن موسى كان رافضاً التفاوض تماماً، بل نخرج كلنا وكل مالنا. لذلك أولاد الله لا يتفاوضوا مع الخطية بل يتركوها تماماً.

    6. كان موسى في معظم الضربات يمد يده للسماء ليعرفوا مصدر الضربات. وهذه الضربات أثبتت صدق إرسالية موسى وهرون.

    7. هناك سؤال لماذا سمح الله للسحرة أن يقلدوا عمله في بعض الأحيان؟

    ‌أ. أولاً هم قلدوه في بعض الأحيان وليس في كل الأحيان.

    ‌ب. كان يظهر دائماً أن قوة الله تسود قوة السحرة. فمثلاً حين حول موسى الماء إلى دم صنع السحرة مثله لكنهم لم يستطيعوا تحويل الدم إلى ماء. هم اظهروا كل ما عندهم لكن قوة الله غلبتهم. فلا يخدع الشعب في المستقبل إذا رأوا أعمال عجيبة فهم عرفوا أن الله أٌقوى وأن إلههم له سلطان مطلق. بالإضافة لإرشاد فرعون والمصريين بتفاهة الأوثان.

    8. نسمع في (أِش25:19) مبارك شعبي مصر، فكيف يضرب الله مصر ويباركها في نفس الوقت. هذا يفسره قول بولس الرسول "من يحبه الرب يؤدبه" (عب6:12) فضربات مصر العشر كانت لتأديبها وكسر كبريائها فتستعد لدخول المسيح لها ليباركها حين هرب من هيرودس، أما ضربات الله ضد بابل وأشور بل وإسرائيل كانت كلها ضربات إفناء، فضربات مصر تتميز عن باقي الأمم بالتالي:

    ‌أ. هي ضربات بسيطة ومحتملة (ضفادع وناموس..).

    ‌ب. ليس فيها إبادة.

    ‌ج. فيها تعليم بفساد عقائدهم الوثنية وتعليمهم أن يهوه هو سيد السماء والأرض (16:9).

    ‌د. فيها إرشاد حتى تكون الضربات محتملة، فمثلاً في ضربة البرد يرشدهم الله ليخبئوا حيواناتهم (19:9).

    ‌ه. فيها رمز لهزيمة إبليس بيد المسيح كما هزم موسى فرعون مصر.





    آنية الهوان وآنية الكرامة:

    قارن مع (رو9) فآنية الهوان هنا هي فرعون وآنية الكرامة هو موسى. ولنلاحظ أن الله له خطط ينفذها لخلاص البشر، فالله يريد خلاص مصر وخلاص اليهود، وهذا بأن يؤمن الكل به. والله له أدوات يستخدمها حتى ينفذ خطته، ومن هذه الأدوات نوعين [1] أشرار كفرعون [2] أبرار كموسى. ومن خلال عناد فرعون وقداسة موسى يظهر عمل يهوه العظيم ليؤمن الكل به. ولنلاحظ أن الله لا يقسي قلب فرعون (3:7) بمعنى أنه كان قديساً ولكن الله جعله قاسياً، بل أن فرعون كان قلبه قاسياً، ومعانداً، والله تركه على ما هو عليه، واستغل قسوته ليظهر مجده ولينفذ خطته. وموسى كان قديساً والله استغل قداسته ليظهر مجده ولينفذ خطته، فالله احتمل فرعون كآنية هوان لفترة ما ليظهر مجده، والله سُرَّ بأن يعلن مجده أيضاً من خلال طاعة موسى وقداسة موسى.



    آية (1): "فقال الرب لموسى انظر أنا جعلتك إلهاً لفرعون وهرون أخوك يكون نبيك."

    جعلتك إلهاً لفرعون= أي جعلتك سيداً عليه، فلا تخافه ولا ترهب قسوة قلبه. وعلى المؤمن ألا يخاف إبليس بل يؤمن بقوة الله الذي فيه أنه قادر أن يهزم إبليس. ولاحظ أن الإنسان قد يقال له أنه إله.. لكن يكون هناك مضاف "إلهاً لفرعون. تكون له إلهاً كما قيلت لموسى بالنسبة لهارون. ولكن الله هو إله مطلق ولا يضاف له شيء فهو إله الجميع وهذه التسمية من تواضع الله، ولكي يطمئن موسى فهذا رد على أن موسى "أغلف الشفتين". هرون يكون نبيك = النبي هو من يتكلم بما يقوله له الله. فهنا الله يقول لموسى وموسى يقول لهرون وهرون يكلم الشعب. وهذا هو ما شُرِحَ في الآية التالية.



    آية (4): "ولا يسمع لكما فرعون حتى اجعل يدي على مصر فاخرج أجنادي شعبي بني إسرائيل من ارض مصر بأحكام عظيمة."

    أجنادي= فالله هو رب الصباؤوت أي رب الجنود (سواء السمائيين أو الأرضيين)



    آية (9): "إذا كلمكما فرعون قائلاً هاتيا عجيبة تقول لهرون خذ عصاك واطرحها أمام فرعون فتصير ثعباناً."

    هاتيا عجيبة= يبدو أن فرعون سمع ما فعله موسى أمام الشعب وهو كان يسأل لا ليؤمن لكي ليثبت لهم أن سحرة المصريين أكثر قدرة.



    آية (11): "فدعا فرعون أيضاً الحكماء والسحرة ففعل عرافو مصر أيضاً بسحرهم كذلك."

    ذكر بولس الرسول اسمى الساحرين في (2تي8:3) ينيس ويمبريس. وبالطبع فالتقليد اليهودي هو ما احتفظ بالأسماء. وهم قاوموا موسى ليس بالرعب والتهديد بل بحرب خطيرة هي حرب التمويه. وإن أخطر حرب ضد الكنيسة هي التي تأتي ممن يرتدي ثياب الخدام لكنهم يشوهوا العقيدة وبذلك يقسموا جسد المسيح. فهؤلاء حاولوا أن يمحوا أثر أعمال موسى ولنتتبع الآن طرق إبليس في حروبه ضد شعب الله.

    1. يستخدم فرعون ليذل الشعب في عبودية مرة وسخرة وبغلظة، لكنه يعطيهم قدور لحم وأكل كثير (يعطيهم شهواتهم لكنهم مذلولين في عبودية).

    2. حرب تمويه لقلب الحقائق باستخدام الخداع، وهذا ما فعله الساحرين.

    3. في حالة إصرار الشعب على الخروج تبدأ المفاوضات (يخرج جزء ويبقى جزء) هذا يماثل من يدخن مثلاً ويريد الإقلاع فيقول لك أدخن علبة واحدة بدلاً من علبتين وبالتأكيد فبعد أسبوع سيعود إلى ما كان عليه إن لم يكن أكثر.

    4. بعد الخروج تكون الحرب بذكريات لذة الخطية "أين قدور اللحم" هذه الحروب والخدع سيقوم بها ضد المسيح في الأيام الأخيرة.



    آية (12): "طرحوا كل واحد عصاه فصارت العصي ثعابين ولكن عصا هرون ابتلعت عصيهم."

    الحية تشير عند المصريين للقوتين الإلهية والملوكية وكان ملوك مصر يضعون حية على تيجانهم. وكون أن حية موسى أكلت باقي الحيات فهذا رمز لتسلط الله على ألهتهم وحية موسى هي حية حقيقية، وهي معجزة ظهرت فيها قوة الله، لكن حيات السحرة ما هي إلا خداعات وأوهام من الشياطين (فالشيطان قادر أن يظهر نفسه على هيئة ملاك نور لكي يخدع البسطاء 2كو14:11) ولذلك فقد اختفت حيات السحرة أمام حية موسى فكيف يقف الوهم أمام قوة الله الحقيقية.

    والعصا سميت عصا الله وعصا موسى وعصا هرون. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). فهي عصا الله لأنها تشير للصليب الذي به كان الخلاص وهي تشير لقوة الله وسلطانه على كل الخليقة. وهي عصا موسى لأنها تشير لقوة كلمة الله والوصية وهي عصا هرون الكاهن فهي تشير لقوة عمل الذبيحة والعبادة.

    ملحوظة: الضربات عشر لأنها موجهة لمن يخالف الوصايا العشر. فهناك ضربات لمن يخالف وصايا الله.



    الضربة الأولى: تحويل الماء إلى دم

    الآيات (14-25): "ثم قال الرب لموسى قلب فرعون غليظ قد آبى أن يطلق الشعب. اذهب إلى فرعون في الصباح انه يخرج إلى الماء وقف للقائه على حافة النهر والعصا التي تحولت حية تأخذها في يدك. وتقول له الرب اله العبرانيين أرسلني إليك قائلاً أطلق شعبي ليعبدوني في البرية وهوذا حتى الآن لم تسمع. هكذا يقول الرب بهذا تعرف أني أنا الرب ها أنا اضرب بالعصا التي في يدي على الماء الذي في النهر فيتحول دماً. ويموت السمك الذي في النهر وينتن النهر فيعاف المصريون أن يشربوا ماء من النهر. ثم قال الرب لموسى قل لهرون خذ عصاك ومد يدك على مياه المصريين على أنهارهم وعلى سواقيهم وعلى أجامهم وعلى كل مجتمعات مياههم لتصير دما فيكون دم في كل ارض مصر في الأخشاب وفي الأحجار. ففعل هكذا موسى وهرون كما أمر الرب رفع العصا وضرب الماء الذي في النهر أمام عيني فرعون وأمام عيون عبيده فتحول كل الماء الذي في النهر دماً. ومات السمك الذي في النهر وانتن النهر فلم يقدر المصريون أن يشربوا ماء من النهر وكان الدم في كل ارض مصر. وفعل عرافو مصر كذلك بسحرهم فاشتد قلب فرعون فلم يسمع لهما كما تكلم الرب. ثم انصرف فرعون ودخل بيته ولم يوجه قلبه إلى هذا أيضاً. وحفر جميع المصريين حوالي النهر لأجل ماء ليشربوا لأنهم لم يقدروا أن يشربوا من ماء النهر. ولما كملت سبعة أيام بعدما ضرب الرب النهر."

    1. المصريين يعبدون النيل. وهذه الضربة إذاً موجهة لمعبودهم الذي يقدمون له الضحايا فقد كانوا يضحون بعروس النيل وبأبكار اليهود ليرضوا معبودهم النيل فيفيض، وهذه الضربة تكشف ضعف إلههم النيل (خر12:12) بل رأوه دنساً فالدم يعتبر دنس. بل هذا يعتبر عقوبة على قتل الأبرياء في النيل (عروس النيل والأبكار) (أية 18 ينتن النهر= دنس)

    2. هذه الضربة تظهر أن مصدر خيراتهم وهو النيل تحول إلى دم بسبب خطاياهم (الخطية= موت)

    3. كما بدأت الضربات بالدم لإظهار أن الخطية عقوبتها موت أنتهت الضربات بالدم (خروف الفصح) ليظهر أن بالدم كان إنقاذ الشعب وخلاصهم فالفداء يعني دم عوض دم.

    4. أول ضربات موسى كانت تحويل الماء إلى دم (الماء= حياة والدم = موت) فالناموس يحكم بالموت على الخاطئ. وأول معجزات المسيح تحويل الماء إلى خمر والخمر يشير للفرح.

    5. يبدو أن هذه الضربة كانت للمصريين فقط وأن العبرانيين حين كانوا يأخذون ليشربوا يجدونه ماء!! لاحظ قوله فلم يقدر المصريين أن يشربوا ماءً من النهر (21) وحفر جميع المصريين حوالي النهر (آية24)= أي حفروا أباراً ليشربوا ماء منها. ولم يقال هذا عن العبرانيين وقد قيل صراحة ابتداء من الضربة الثالثة أنها كانت موجهة ضد المصريين فقط.

    آية (19) أنهارهم= أي النيل وفروعه. وسواقيهم= الترع والمساقي. أجامهم= المستنقعات التي تنمو حولها الأشجار والنباتات. الأخشاب والأحجار= الأواني التي يحفظون فيها الماء حتى يصفى من العوالق التي به.

    آية (15) اشترط الله على موسى أن يأخذ العصا معه فلا إمكانية للغلبة سوى بالصليب.

    آية (22) لاحظ أن العرافون استطاعوا تحويل الماء إلى دم بقوة سحرية شيطانية وبسماح من الله. لكنهم لم يستطيعوا أن يعيدوا النيل إلى حاله ثانية.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://temaf-erene.yoo7.com
    ثروت
    خادم المنتدي
    خادم المنتدي
    ثروت


    عدد الرسائل : 5787
    العمر : 55
    الموقع : https://temaf-erene.yoo7.com
    تاريخ التسجيل : 10/06/2008

    تفسير سفر الخروج Empty
    مُساهمةموضوع: رد: تفسير سفر الخروج   تفسير سفر الخروج Emptyالجمعة 26 أغسطس 2011, 11:54 am

    : تفسير سفر الخروج 8
    الضربة الثانية: ضربة الضفادع

    الآيات (1-15):"قال الرب لموسى ادخل إلى فرعون وقل له هكذا يقول الرب أطلق شعبي ليعبدوني. وان كنت تأبى أن تطلقهم فها أنا اضرب جميع تخومك بالضفادع. فيفيض النهر ضفادع فتصعد وتدخل إلى بيتك وإلى مخدع فراشك وعلى سريرك وإلى بيوت عبيدك وعلى شعبك والى تنانيرك وإلى معاجنك. عليك وعلى شعبك وعبيدك تصعد الضفادع. فقال الرب لموسى قل لهرون مد يدك بعصاك على الأنهار والسواقي والآجام واصعد الضفادع على ارض مصر. فمد هرون يده على مياه مصر فصعدت الضفادع وغطت ارض مصر. وفعل كذلك العرافون بسحرهم واصعدوا الضفادع على ارض مصر. فدعا فرعون موسى وهرون وقال صليا إلى الرب ليرفع الضفادع عني وعن شعبي فأطلق الشعب ليذبحوا للرب. فقال موسى لفرعون عين لي متى اصلي لأجلك ولأجل عبيدك وشعبك لقطع الضفادع عنك وعن بيوتك ولكنها تبقى في النهر. فقال غدا فقال كقولك لكي تعرف أن ليس مثل الرب إلهنا. فترتفع الضفادع عنك وعن بيوتك وعبيدك وشعبك ولكنها تبقى في النهر. ثم خرج موسى وهرون من لدن فرعون وصرخ موسى إلى الرب من اجل الضفادع التي جعلها على فرعون. ففعل الرب كقول موسى فماتت الضفادع من البيوت والدور والحقول. وجمعوها كوما كثيرة حتى أنتنت الأرض."

    1. مرة أخرى هي أحكام موجهة ضد آلهتهم فالضفادع كانت مفرزة للإله أوزريس. والإله بتاح رمزه الضفدعة. ويسمونها ملكة العالمين الدنيا والآخرة. وهي بالنسبة لهم رمز للخصب والنماء. ويقولون أن إنتفاخها علامة وحي إلهي. فسمح الله بهذه الضربة لكي يخجلهم من آلهتهم بل تصير آلهتهم ضربة كبرى لهم.

    2. حين أخرج السحرة الضفادع فهم لم يخلقوها بل بقوة سحرهم استطاعوا أن يخرجوها من أماكنها لكنهم أيضاً لم يستطيعوا أن يعيدوها حيث كانت ويخلصون المصريين منها.

    3. هي ضفادع حقيقية والدليل أنها حين ماتت أنتنت.

    4. تشير الضفادع بنقيقها المزعج لكثيري الكلام بالأمور الباطلة الذين بلا عمل إيجابي.

    5. إن كان فرعون قد ألزم الشعب بالعمل في الطين فقد كان تأديبه أن تقفز الضفادع من الطين بشكلها القبيح ورائحتها غير المقبولة وصوتها المزعج وتقتحم مائدته وسريره..

    آية (3): تنانيرك= أفران الخبز

    آية (9): طلب موسى من فرعون أن يعين وقت ليصلي فيه حتى لا يظن فرعون أن قطع الضفادع كان صدفة. بل أن رفعها كان بصلاته. تبقى في النهر= أي تبقى بوفرة تذكاراً لقوة الله في هذه الضربة.

    آية (10): فقال غداً= ولم يقل الآن لأنه كان له أمل أن تنقطع الضفادع دون الحاجة إلى موسى.

    آية (15): ولم يسمع لهما= لاحظ أن فرعون بعناده يجلب على نفسه مزيد من الضربات.



    الضربة الثالثة: ضربة البعوض

    الآيات (16-19): "فلما رأى فرعون انه قد حصل الفرج اغلظ قلبه ولم يسمع لهما كما تكلم الرب. ثم قال الرب لموسى قل لهرون مد عصاك واضرب تراب الأرض ليصير بعوضا في جميع ارض مصر. ففعلا كذلك مد هرون يده بعصاه وضرب تراب الأرض فصار البعوض على الناس وعلى البهائم كل تراب الأرض صار بعوضا في جميع ارض مصر. وفعل كذلك العرافون بسحرهم ليخرجوا البعوض فلم يستطيعوا وكان البعوض على الناس وعلى البهائم."

    كان المصريين أشهر أمة في النظافة. وكان الكهنة يستحمون مساءً وصباحاً ويلبسون كتاناً نقياً ولا يلمسون شيئاً نجساً ويحترسون من التدنس بالبعوض والقمل. فضربهم الله بالبعوض وفي هذه الضربة وما بعدها فشل العرافون أن يصنعوا مثلها فهي تشتمل على إيجاد حياة وعجيب هو الله فهو يشعرهم بضعفهم فها هم لا يستطيعون مقاومة أحقر وأضعف المخلوقات وهي البعوض. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). واضطر السحرة للاعتراف بأن هذا قوة إلهية= اصبع الله



    الضربة الرابعة: ضربة الذبان

    الآيات (20-32): "فقال العرافون لفرعون هذا إصبع الله ولكن اشتد قلب فرعون فلم يسمع لهما كما تكلم الرب. ثم قال الرب لموسى بكر في الصباح وقف أمام فرعون انه يخرج إلى الماء وقل له هكذا يقول الرب أطلق شعبي ليعبدوني. فانه أن كنت لا تطلق شعبي ها أنا أرسل عليك وعلى عبيدك وعلى شعبك وعلى بيوتك الذبان فتمتلئ بيوت المصريين ذباناً وأيضاً الأرض التي هم عليها. ولكن أميز في ذلك اليوم ارض جاسان حيث شعبي مقيم حتى لا يكون هناك ذبان لكي تعلم أني أنا الرب في الأرض. واجعل فرقا بين شعبي وشعبك غدا تكون هذه الآية. ففعل الرب هكذا فدخلت ذبان كثيرة إلى بيت فرعون وبيوت عبيده وفي كل ارض مصر خربت الأرض من الذبان. فدعا فرعون موسى وهرون وقال اذهبوا اذبحوا لإلهكم في هذه الأرض. فقال موسى لا يصلح أن نفعل هكذا لأننا إنما نذبح رجس المصريين للرب إلهنا أن ذبحنا رجس المصريين أمام عيونهم أفلا يرجموننا. نذهب سفر ثلاثة أيام في البرية ونذبح للرب إلهنا كما يقول لنا. فقال فرعون أنا أطلقكم لتذبحوا للرب إلهكم في البرية ولكن لا تذهبوا بعيدا صليا لأجلي. فقال موسى ها أنا اخرج من لدنك واصلي إلى الرب فترتفع الذبان عن فرعون وعبيده وشعبه غدا ولكن لا يعد فرعون يخاتل حتى لا يطلق الشعب ليذبح للرب. فخرج موسى من لدن فرعون وصلى إلى الرب. ففعل الرب كقول موسى فارتفع الذبان عن فرعون وعبيده وشعبه لم تبق واحدة."

    كان المصريون وغيرهم من الشعوب الوثنية يعبدون آلهة تقوم بطرد الذباب مثل بعل زبوب إله عقرون وهركيوليس وغيرهم. وهنا كشف الله عجز آلهتهم. والذباب يأتي بالأمراض للإنسان. ويبدو أن الضربة اشتملت على هوام مؤذي أيضاً للمواشي وبعض الحشرات المؤذية للزروع والنباتات لذلك قيل خربت الأرض من الذبان (آية24). ولكن ميز الله بين أرض المصريين وأرض جاسان أرض شعب الله التي لم يصبها الذبان، وبهذا يعلم فرعون أن يهوه هو الله.

    (آية25): فرعون يسمح لهم بأن يذبحوا (يقدموا العبادة لله) لكن في أرض مصر. هكذا إبليس يماطل حتى لا يطلق الخاطئ من يده، يريده عبداً له كل الحياة.

    (آية26) موسى يرفض التفاوض مع فرعون ويقدم عذراً وجيهاً وهو.. كيف نذبح أمام المصريين حيوانات هم يقدسونها ويعبدونها أمام عيونهم.

    (آية28): لا تذهبوا بعيداً= فرعون يماطل حتى يستطيع أن يعيدهم للعبودية ثانية.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://temaf-erene.yoo7.com
    ثروت
    خادم المنتدي
    خادم المنتدي
    ثروت


    عدد الرسائل : 5787
    العمر : 55
    الموقع : https://temaf-erene.yoo7.com
    تاريخ التسجيل : 10/06/2008

    تفسير سفر الخروج Empty
    مُساهمةموضوع: رد: تفسير سفر الخروج   تفسير سفر الخروج Emptyالجمعة 26 أغسطس 2011, 11:55 am

    تفسير سفر الخروج 9
    6. ضربة الوباء الذي أصاب المواشي:
    كان المصريون يعتقدون بالقداسة في بعض الحيوانات ولا سيما العجل أبيس الذي يحسبون أن فيه روح إلههم أوزوريس، فبضربة الحيوانات يدرك المصريون خطأ معتقداتهم، ويرى القديس أغسطينوس أن بضربة الحيوانات أراد أن يضبط الإنسان الشهوة الحيوانية فيه ويروضها فلا يعيش كالحيوان بل في حياة الطهارة[129]].



    7. ضربة البثور:
    كان للمصريين آلهة كثيرة يقدمون لها أناسًا أحياء، قيل أنهم كانوا يحرقون بعض العبرانيين على مذبحٍ عالٍ ويذرُّون رمادهم في الهواء، لكي تنزل مع كل ذرة بركة، لذلك أخذ موسى رمادًا من التنُّور وذرَّاه، فنشرته الرياح ونزل على الكهنة والشعب والحيوانات بالقروح والدمامل، حتى لم يستطع السحرة أن يقفوا أمام موسى من أجل الدمامل [11]، كأن الله أراد أن يعلن أنه إن كان قد طال أناته عليهم لكنه يستطيع أن يُخلص هؤلاء الذين يحرقونهم بلا ذنب.



    8. ضربة الرعد والبرد والنار:
    كانت هذه الضربة شديدة إذ لم يعتد المصريون على البرد القارص وهذا الجو العنيف، وقد رأينا أن أصوات الرعد كانت تُشير إلى إعلانات الله وإنذاراته، والبرد يُشير إلى قتل الزرع الرخيص (العشب) الذي أقامه العدو في القلب، والنار تحرق الأشواك الخانقة للنفس ليلتهب القلب بمحبة الله.

    ويرى القديس أغسطينوس أن البرد يُشير إلى خطية سلب أموال الآخرين مثل السرقة واللصوصية والاغتصاب، وأن النار تُشير إلى خطية الغضب التي تشتعل في القلب حتى تؤدى إلى جريمة القتل[130].
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://temaf-erene.yoo7.com
    ثروت
    خادم المنتدي
    خادم المنتدي
    ثروت


    عدد الرسائل : 5787
    العمر : 55
    الموقع : https://temaf-erene.yoo7.com
    تاريخ التسجيل : 10/06/2008

    تفسير سفر الخروج Empty
    مُساهمةموضوع: رد: تفسير سفر الخروج   تفسير سفر الخروج Emptyالجمعة 26 أغسطس 2011, 11:57 am

    تفسير سفر الخروج 10
    9. ضربة الجراد:
    الجراد مفسد للزرع ومُجلب للقحط، إذ يُبيد كل نبات أخضر، فكانت الضربة تُشير إلى عجز آلهتهم عن إعالتهم حتى جسديًا.

    ويرى القديس أغسطينوس في الجراد إشارة إلى الشهادة الباطلة، إذ تؤذي كالجراد غيرها خلال الفم[131].



    10. ضربة الظلام:
    كان المصريون يعبدون الإله رع أي الشمس. كأن هذه الضربة قد وُجهت ضد هذا الإله، وفي نفس الوقت كشفت لهم عن عمى بصيرتهم الداخلية، وأعلنت عن حاجتهم لمجيء شمس البر الذي يشرق علي الجالسين في الظلمة. وقد بقى الظلام ثلاثة أيام، لعلّ ذلك إشارة إلى انتظار النفس للدخول في نور قيامة المسيح يسوع.



    11. موقف فرعون من الضربات:
    حاول فرعون أمام هذه الضربات أن يدخل في مفاوضات مع موسى وهرون مقدمًا أنصاف حلول غير مجدية
    أ. ففي البداية إتهم موسى وهرون أنهما يبطلان الشعب، وأن الشعب متكاسل يهرب من العمل (5: 17).

    ب. إذ بدأت الضربات صرخ فرعون إليهما ولما حدث الفرج غلظ قلبه ولم يسمع لهما (8: 15).

    ج. إذ اشتدت الضربات قال لهم: "اذهبوا اذبحوا لإلهكم في أرض مصر" (8: 25)، أي يتعبدوا لله دون أن يعتزلوا الشر، ودون تغيير في حياتكم.

    د. إذ أصرّ موسى وهرون على موقفهما قال: "أنا أطلقكم لتذبحوا للرب إلهكم في البرية، ولكن لا تذهبوا بعيدًا، صليا لأجلي" (8: 28)، تظاهر بالورع والحاجة إلى صلاتهما، لكنه لا يُريدهما أن يسيرا الثلاثة أيام كاملة، أي لا يتمتع الشعب بقوة القيامة مع المسيح يسوع المخلص.

    ه. إذ اشتدت الضيقة سمح لهم بالخروج كما يُريدون (أي يسيرون ثلاثة أيام)، لكنه قال: "اذهبوا أنتم الرجال واعبدوا الرب لأنكم هكذا طالبون" (10: 10)، مشترطًا أن يتركوا نساءهم وأولادهم ومواشيهم، يسمح لنا العدو أن نتعبد لله لكن بدون نسائنا أي أجسادنا، لأن الزوجة إنما تُشير للجسد، كقول الرسول للرجال أن يحبوا نساءهم كأجسادهم، ولا يكون لهم أولاد أي ثمار الروح، وبدون المواشي أي دون تقديس الحواس والعواطف، أنه يريد العبادة منفصلة عن كل حياة الإنسان العملية حتى عن تقديس جسده وعواطفه.

    ز. وأخيرًا، سمح لهم أن يخرجوا بنسائهم وأولادهم "غير أن غنمكم وبقركم تبقى" (10: 24). (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و التفاسير الأخرى). وكانت الإجابة "لا يبقى ظلف" (10: 26). نخرج جميعنا بنسائنا وأولادنا ومواشينا، مقدمين كل شيء للرب، ولا نترك لإبليس موضعًا في حياتنا... لن نترك له ظلفًا في حياتنا، حتى لا يكون له مجال للعمل الشرير في داخلنا
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://temaf-erene.yoo7.com
    ثروت
    خادم المنتدي
    خادم المنتدي
    ثروت


    عدد الرسائل : 5787
    العمر : 55
    الموقع : https://temaf-erene.yoo7.com
    تاريخ التسجيل : 10/06/2008

    تفسير سفر الخروج Empty
    مُساهمةموضوع: رد: تفسير سفر الخروج   تفسير سفر الخروج Emptyالجمعة 26 أغسطس 2011, 11:58 am

    تفسير سفر الخروج 11
    إن كان الفصح يُعتبر نقطة تحول في تاريخ الشعب القديم، خلاله عبروا من أرض العبودية إلى البرية منطلقين نحو أرض الموعد، لذا حمل خروف الفصح بكل طقوسه مفهومًا خاصًا، يقام في أول شهور السنة (12: 2)، يعيدونه كل عام فريضة أبدية (12: 14)، تلتزم به كل الجماعة (12: 6)، حمل أيضًا مفهومًا روحيًا يمس حياة الجماعة الكنسية في علاقتنا بالله، فلم يكن خروف الفصح مجرد تذكار لقصة تاريخية حدثت في الماضي، لكنه يمثل عملاً حاضرًا ودائمًا لله في حياة شعبه. عيد الفصح أيضًا كان يعني وجود علاقة شخصية بين كل عضو في الجماعة والله نفسه، هذا فيما يخص خروف الفصح الرمزي، أما وقد قدم السيِّد المسيح نفسه "فصحًا" حقيقيًا عن العالم كله، صارت آلامه وصلبه ودفنه وقيامته فصحًا دائمًا ومستمرًا في حياة الكنيسة، تعيده الكنيسة ليس فقط مرة كل عام، بل وفي كل قداس إلهي، بل وتختبر قوته خلال حياتها اليومية، صار هذا العمل الفصحي الإلهي موضوع لهج كل مؤمن حقيقي، خلاله يعبر من مجد إلى مجد ليدخل بالروح القدس إلى حضن الآب.

    هذا ما جعل الأصحاحين الحادي عشر والثاني عشر من سفر الخروج مركزًا للسفر كله، بل وبغير مبالغة للعهد القديم كله، كما أن صلب السيِّد المسيح وقيامته هما مركز الإنجيل، لذلك رأيت الضرورة ملحة إلى تقديم دراسة دقيقة ومختصرة قدر الإمكان لخروف الفصح على ضوء التقاليد المعروفة في ذلك الحين، وعلي ضوء التقليد اليهودي، وخلال آلام السيِّد وصلبه وقيامته، لنعرف أثره في حياة الكنيسة الجامعة وفي حياة كل عضو فيها.



    الفصح والتقاليد القديمة:
    في أيام آدم الأول، قدم ابناه تقدمتين مختلفتين: قدم هابيل - كرجل صيد - ذبيحة دموية كفارة عن خطاياه، تسلمها بلا شك عن والديه، وقدم قايين من محصولات الأرض بكونه رجل زراعة. على أي الأحوال تسلمت البشرية هذين العملين وشوهت صورتهما خلال انحراف البشرية عن الطريق الإلهي، فصارت قبائل البدو في العالم تلطخ خيامها بعلامة الدم اعتقادًا منها أنها تطرد الأرواح الشريرة فلا تؤذيهم. أما القبائل العاملة في الزراعة فصار لها تقليد مغاير، يمتنعون عن أكل الخبز المختمر لبضعة أيام في بداية المحصول الجديد، حتى لا يدخل الخمير الخاص بالمحصول القديم مع دقيق المحصول الجديد... بهذا يرون أنهم يبدءون عامًا جديدًا بطعام جديد وحياة جديدة.

    ويلاحظ أن هذين الطقسين (رش الدم والامتناع عن الخمير) لهما أصل إيماني نقي، لكن البشرية انحرفت بهما عن مسارهما الإيماني، فجاء طقس الفصح يرد الطقسين إلى مسارهما السليم من جديد.

    حمل الفصح طقس "علامة الدم"، بمفهوم المصالحة بين الله والإنسان خلال دمّ الفادي، حيث يشعر المؤمن أنه كالبدو يعيش غريبًا ليس له هنا موضع يستقر فيه، إنما هو دائم العبور، في تحرك مستمر نحو أورشليم العليا، بدهن العتبة العليا والقائمتين أي عقله وقلبه لا ليطرد الأرواح الشريرة، وإنما لكي يعبر بكل ذهنه وأحاسيسه إلى الأحضان الأبدية خلال اتحاده بالمخلص، غالبًا قوات الشر تحت قدميه.

    أما الطقس الثاني الخاص بالفطير، ونزع كل خميرة من بيته، إنما يخص حياة المؤمن، الذي وإن كان في حركة دائمة نحو السمويات وفي حالة تغرب علي الأرض، لكنه يشعر في أعماقه أنه متكئ علي صدر الرب، مستريح في أحشاء الله، يعمل في كرم الرب في الأرض الجديدة، لذا يأكل الفطير سبعة أيام، أي يبقى كل أيام أسبوعه، أو كل أيام حياته لأكل الطعام الجديد الذي لا يصيبه القدم، ينعم علي الدوام بالحياة الجديدة، ويتمتع بخبز الملائكة، ويترنم بالتسبحة الجديدة، قائلاً مع الرسول: "هوذا الكل قد صار جديدا".

    والعجيب أن الكنيسة في احتفالها بعيد الفصح "القيامة" مارست منذ العصور الأولي طقسين متكاملين ومتلازمين، هما طقس عماد الموعوظين وطقس الإفخارستيا[132]. ففي ليلة العيد يقوم الأسقف بعماد الموعوظين ليحملوا علامة الدم علي جباههم الداخلية وفي قلبهم، ينعمون بالمصالحة مع الله في ابنه يسوع المسيح بواسطة روحه القدوس. ويتنعمون بروح البنوة الذي يعينهم علي العبور نحو الأمجاد الإلهية، ثم يتقدمون مع بقية المؤمنين للاشتراك في الطقس الآخر- أي الإفخارمتيا - حيث تظهر الكنيسة المجاهدة علي الأرض وكأنها، وسط جهادها مستقرة حول مذبح الله الأبدي، فتأكل الفطير الجديد علي الدوام، تتمتع بالجسد والدم المقدسين اللذين لا يََقْدُما ولا يشيخا.

    هذا هو فصحنا الجديد الذي حمل الفصح القديم ظلاً له ورمزًا.



    فصح شخصي:
    أمر الله أن تقوم كل الجماعة بتقديم الفصح، فهو فصح الكنيسة كلها المتحدة بعريسها، واشترط فيما بعد أن يقدم في أورشليم دون سواها، الموضع الذي فيه دُعي اسمه، لأنه فصح الرب.

    هذه الصورة الجماعة الحيَّة لم تتجاهل الجانب الشخصي لكل عضو في الجماعة، بل ركزت عليها خلال اتحاد العضو بالجماعة، فلم يأمر الله أن يرش الدم على كل بيت فحسب، وإنما ألزم كل رجل وامرأة أن يأكلاه مشويًا بالنار. والأكل علامة العلاقة الشخصية والاشتراك الشخصي في ممارسة الطقس، حقًا لم يكن ممكنًا للأطفال الصغار جدًا والرضَّع أن يشتركوا في الأكل، لكنهم كانوا يحضرون الطقس ويفرحون به، بل وخلصوا من الهلاك خلال إيمان والديهم الذين يشتركون في أكل خروف الفصح.

    لم يقف الأمر عند عبور الجماعة ككل وعبور كل عضو فيها: رجال ونساء وشيوخ وأطفال، لكنه حتى بعد العبور إذ كانوا يعيِّدونه سنويًا عبر الأجيال. أُعتبر كل مشترك في الاحتفال قد تمتع شخصيًا بشركة الإيمان مع الذين خلصوا، ونال نصيبًا في عمل الحرية التي عاشها الآباء السابقون، ففي سفر الخروج يقول: "تحفظ عيد الفطير... لأنه فيه خرجت (أنت) من مصر" (23: 15)، موجهًا الحديث إلى كل عضو في الجماعة كأنه قد خرج بنفسه من مصر. وفي سفر التثنية يقول: "أحفظ شهر أبيب واعمل فصحًا للرب إلهك، لأنه في شهر أبيب أخرجك الرب إلهك من مصر ليلاً" (16: 1)، هذه وصية موجهة لكل مؤمن عبر الأجيال كأنه خرج مع آبائه ليلاً...

    هذا أيضًا ما أكده التقليد اليهودي، فعلى سبيل المثال جاء في الحجادة[133]: "لم يُخلص أسلافك وحدهم؛ بل وهو يُخلصهم خلصنا نحن أيضًا معهم، فهو ليس بعدو واحد الذي يقف ضدنا ليُبيدنا! القدوس المبارك يُخلصنا من أيديهم!".

    إذن الاحتفال بعيد الفصح، حتى في الفكر اليهودي السليم، حمل اتجاهًا داخليًا يمس حياة المؤمن وعلاقته الشخصية مع الله خلال اتحاده بالجماعة. وهو ذات الأمر الذي تعنيه الكنيسة إذ تحتفل بالفصح الجديد ليدخل كل مؤمن إلى التمتع بالحياة المقامة الجديدة خلال عبوره واستقراره في حضن الله، كعضو حيّ في الجماعة المقدسة.



    من الناموس إلى المسيَّا:
    كان عشاء الفصح عند اليهود له طقسه الخاص الذي سجله لنا الأصحاح الثاني عثسر من سفر الخروج، مع بعض التقاليد الأخرى التي حملت صلوات بركة وتسابيح ومزامير معينة سجلت في المشنة[134]، وقد سبق أن ذكرت ملخصًا لها[135]. كان هذا العيد غنيًا في ذكرياته ووعوده التي حملت رعاية الله للإنسان خاصة خلال الخلاص المقدم بالمسيَّا. فكانوا يعرفون هذه الليلة أنها ذكرى سنوية لخلقة العالم ولختان إبراهيم وذبيحة إسحق وخروج يوسف من السجن والعتق المنتظر من السبي، وظهور المسيَّا، ومجيء موسى وإيليا وقيامة الآباء ونهاية العالم[136]... لهذا قدم السيِّد المسيح نفسه فصحًا للعالم في عيد الفصح، ليعلن أن الحقيقة تبتلع الرمز وتدخل به إلى كمال هدفه.

    يقول الأب ميليتو أسقف ساردس[137]:

    * [يتحقق سرّ الفصح في جسد الرب...

    فقد اُقتيد كحمل، وذبح كشاه، مخلصًا إيَّانا من عبودية العالم (مصر)، ومحررنا من عبودية الشيطان كما من فرعون، خاتمًا نفوسنا بروحه، وأعضاءنا الجسدية بدمه...

    إنه ذاك الواحد الذي خلصنا من العبودية إلى الحرية، ومن الظلمة إلى النور، ومن الموت إلى الحياة، ومن الظلم إلى الملكوت الأبدي...

    إنه ذاك الذي (فصح) عبور خلاصنا...

    هو الحمل الصامت... الذي أخذ من القطيع، واُقتيد للذبح في المساء، ودُفن بالليل.

    من أجل هذا كان عيد الفطر مرًا، كما يقول كتابكم المقدس: تأكلون فطيرًا بأعشاب مرَّة،

    مرَّة لكم هي المسامير التي استخدمت،

    مُرّ هو اللسان الذي جدف،

    مرَّة هي الشهادة الباطلة التي نطقتم بها ضده...

    كما يقول أيضًا: [تأمل هذا أيها العزيز المحبوب، كيف أن سرّ الفصح جديد وقديم، أبدي وزائل، غير قابل للفساد وقابل للفساد، خالد ومائت!

    إنه قديم حسب الناموس، وجديد حسب اللوغس (الكلمة الإلهي).

    زائل خلال عبارات الرمز، وأبدي في عبارات النعمة.

    قابل للفساد خلال موت الحملان، وغير قابل للفساد خلال حياة الرب...

    هكذا ذبيحة الحملان وطقس الفصح وحرف الناموس، هذه قد تحققت في المسيح يسوع. عوض الناموس جاء اللوغوس، فصار القديم جديدًا، وصارت الوصية نعمة، والرمز حقيقة[138]].



    من الفصح الأرضي إلى الفصح السماوي:
    يقول القدِّيس هيبوليتس الروماني: [يُعيد اليهود بالفصح الأرضي منكرين الفصح السماوي. أما نحن فنُعيد بالفصح السماوي عابرين على الأرضي. الفصح الذي كانوا يُعيدونه هو رمز لخلاص أبكار اليهود. لقد مات أبكار المصريين أما أبكار اليهود فلم يهلكوا لأنهم كانوا في حمى الرمز، بدم الذبيح الفصحي. أما الفصح الذي نُعيد به فيُسبب خلاصًا لجميع الناس، مبتدئًا بالأبكار الذين يخلصون ويتمتعون بالحياة تمامًا[139]].

    ويقول القدِّيس أمبروسيوس: [والآن وأنتم تحتفلون بالبصخة (الفصح) المقدسة، يلزمكم أن تعرفوا أيها الإخوة ما هي البصخة؟... البصخة تعني العبور، وهكذا دُعيَ العيد بهذا الاسم، لأنه في هذا العيد عبر ابن الله من هذا العالم إلى أبيه.

    أي نفع لكم أن تحتفلوا بعيد الفصح إن لم تمتثلوا بذاك الذي تتعبدون له... فتعبرون من ظلمة الأفعال الشريرة إلى نور الفضيلة، ومن محبة هذا العالم إلى محبة البيت السماوي؟! فإنه يوجد كثيرون يحتفلون بهذا العيد المقدس ويُكرمونه قدره لكنهم يفعلون هذا بغير استحقاق، وذلك بسبب شرهم، وعدم عبورهم فوق هذا العالم إلى أبيهم، أي لا يعبرون شهوات هذا العالم ومن الملذات الجسدية إلى محبة السماء. يا لهم من مسيحيين تُعساء، لا يزالون تحت سيطرة إبليس، مبتهجين بهذا الشر...

    لأجل هذا أُنذركم يا إخوتي، بأن تحتفلوا بعيد الفصح كما يلزم، أي ينبغي أن تعبروا. فمن كان من بينكم لا يزال في الخطية، فليُقدس هذا العيد، عابرًا من الأعمال الشريرة إلى حياة الفضيلة. ومن كان فيكم سالكًا في حياة مقدسة، فليعبر من فضيلة إلى فضيلة وهكذا لا يوجد فيكم أحد لا يعبر[140]].

    وقد تحدث القدِّيس أثناسيوس في رسائله الفصحية كثيرًا عن العبور من الفصح الزمني إلى الفصح السماوي، من ذلك:

    * [والآن يا أحبائي قد ذُبح الثسيطان (فرعون)، ذلك الطاغية الذي هو ضد العالم كله، فنحن لا نقترب من عيد زمني بل عيد دائم سمائي، مُعلنين إيَّاه لا خلال ظلال (وحرف) بل في الحق. لأن أولئك بعدما شبعوا من جسد الخروف الأبكم تمموا العيد، وإذ مسحوا قوائم بيوتهم بالدم نجوا من المُهلك. أما الآن فإذ نأكل "كلمة الآب" وتُمسح قلوبنا بدم العهد الجديد نعرف النعمة التي يهبنا إيَّاها المخلص، الذي قال: "ها أنا أعطيكم سلطانًا لتدوسوا الحيات والعقارب وكل قوة العدو" (لو 10: 19)، لأنه لا يعود يملك الموت، بل تتسلط الحياة عوض الموت، إذ يقول الرب: "أنا هو الحياة" (يو 14: 6). حتى إن كل شيء قد امتلأ بالفرح والسعادة كما هو مكتوب: "الرب قد ملك فلتفرح الأرض".

    يلزمنا أن نأتي إلى العيد بغيرة وسرور، حتى إذ نبدأ هنا بالفرح تشتاق نفوسنا إلى العيد السماوي. إن عيَّدنا هنا بنشاط، فإننا بلا شك نتقبل الفرح الكامل الذي في السماء، وكما يقول الرب: "شهوة اشتهيت أن آكل هذا الفصح معكم قبل أن أتألم. لأني أقول لكم إني لم آكل منه بعد حتى يكمل في ملكوت الله" (لو 22: 15-16).

    الذين يحفظون العيد في نقاوة يكون الفصح طعامهم السماوي.

    ليتنا لا نُعيد العيد بطريقة أرضية، بل كمن يحفظ عيدًا في السماء مع الملائكة. لنمجد الله بحياة العفة والبر والفضائل الأخرى! لنفرح لا في أنفسنا بل في الرب، فنكون مع القدِّيسين! [141]].



    طقس الفصح:
    يرى القدِّيس ميليتو أسقف ساردس أن الناموس كان مقدمة لعهد النعمة، ليس فقط خلال الوصايا والكلمات، ولكن أيضًا خلال الرمز، إذ يقول: [الكلمات والأعمال (الطقسية) أيها الأعزاء لا معنى لها إن بُتر عنها ما ترمز إليه[142]]. هذا هو في الواقع الفكر الكنسي بروح إنجيلي تسلمته الكنيسة منذ بدء انطلاقها.

    والآن نتحدث عن طقس الفصح كما ورد في سفر الخروج وما يرمز إليه، مُستعينًا بالنصوص الإنجيلية وكتابات الآباء:

    1. لماذا تم بالليل؟
    يقول الرب لموسى: "إني نحو نصف الليل أخرج في وسط مصر" (11: 4)، ويؤكد في سفر التثنية "لأنه في شهر أبيب أخرجك الرب إلهك من مصر ليلاً" (16: 1). ويقدم لنا القدِّيس هيبوليتس تعليلاً لذلك قائلاً: [تمت الضربة في الظلام ليلاً، لأنه في ظل الليل بعيدًا عن نور النهار الواضح يتحقق العدل في الشياطين وجرائمهم القاتمة "وأُعطي عجائب في السماء والأرض دمًا ونارًا وأعمدة دخان. تتحول الشمس إلى ظلمة، والقمر إلى دم قبل أن يجيئ يوم الرب العظيم المخوف" (يوئيل 2: 30-31). وأيضًا "ويل للذين يشتهون يوم الرب. ماذا لكم يوم الرب؟ هو ظلام لا نور. كما إذا هرب إنسان من أمام الأسد فصادفه دب، أو دخل البيت ووضع يده على الحائط فلدغته حية، أليس يوم الرب ظلامًا لا نورًا، قتامًا ولا نور له؟! (عا 5: 18-20)[143]].

    كأنه بالليل حيث يسكُن الشيطان في الظلمة يقتله الرب في عرينه، بينما هو مطمئن ليس من يُقاومه فيهلك وكل أعماله معه. لقد أسلم الرب "فصحنا الجديد" روحه في آخر النهار ودخل بالليل إلى الجحيم ليفك قيود المأسورين في الظلمة، وينطلق بهم إلى نور الفردوس الذي بلا ظلمة!

    2. في شهر أبيب أول الشهور:
    كلم الرب موسى وهرون قائلاً: "هذا الشهر يكون لكم رأس الشهور. هو لكم أول شهور السنة" (12: 1). كأنه في كل فصح يدخلون عامًا جديدًا، ليعيشوا في حالة تجديد قلبي مستمر في المسيح يسوع الذبيح.

    كما أن السيِّد المسيح "فصحنا" هو رأس الخليقة وبكرها صار هذا الشهر هو بكر الأزمنة، وبدء انطلاق الحياة الجديدة، كقول الرسول "دُفنا معه بالمعمودية للموت حتى... نسلك نحن أيضًا في جدة الحياة" (رو 6: 2). وكما يقول القدِّيس هيبوليتس: [هذا يعني أن ذبيحة الفصح الحقيقي بالنسبة لنا هي بدء الحياة الأبدية[144]]، ويرى القدِّيس أثناسيوس[145] أن الفصح الرمزي جاء في بدء الشهور، أما الرب (الفصح الحقيقي) فجاء في آخر الأزمنة (عب 9: 26) ليعلن أنه نهاية الناموس وغايته ( رو 10: 4).

    ويلاحظ أن "أبيب" تعني "سنبلة"، وكأنه خلال الفصح تصير النفس سنبلة الرب أي حصاده.

    3. الحفظ في اليوم العاشر [3]:
    كان إشارة إلى دخول السيِّد المسيح أورشليم ليبقى تحت الحفظ حتى يُقدم نفسه فصحًا من أجلنا. أما اختياره اليوم العاشر فإشارة إلى مجيئه بعد الناموس (الوصايا العشر) يكمل الوصية التي كسرها الإنسان، واهبًا لنا إمكانية تنفيذها.

    4. تقديمه في اليوم الرابع عشر [6]:
    في اليوم الرابع عشر يكون القمر بدرًا، ولما كانت الشمس رمزًا للسيِّد المسيح والقمر للكنيسة، كأنه خلال "المسيح فصحنا" (1 كو 5: 7)، تكتمل استنارة الكنيسة ويُعلن بهاؤها.

    أما أيام الحفظ فهي خمسة (10-14 أبيب)، تمثل البدايات الخمس للعالم في تاريخ الخلاص. آدم به بدأ الجنس البشري، ونوح به بدأ العالم بعد الطرفان، إبراهيم بدأ كأب للمؤمنين ومن صلبه خرج شعب الله، وموسى بدأ العالم في الناموس المكتوب وأخيرًا جاء المسيح في اليوم الخامس ليبدأ عهد النعمة، فيه قدم نفسه فصحًا، له فاعليته في كل الحقبات الخمس.

    الخمسة أيام أيضًا تُشير إلى فاعلية الفصح الحقيقي لجميع الذين يعملون في أي ساعة من ساعات النهار الخمس، أي الذين بدءوا العمل في الساعة الأولى أو الثالثة أو السادسة أو التاسعة أو الحادية عشر.

    5. دعوة الجار القريب [4]:
    تُشير هذه الدعوة إلى دعوة الأمم بكونهم "القريب" الذي ينعم أيضًا بذبيحة الفصح الحقيقي.

    6. شاة صحيحة [5]:
    اشترط أن يكون إما خروفًا، رمز للوداعة كقول إشعياء النبي: "ظُلم أمَّا هو فتذلل، ولم يفتح فاه، كشاة تُساق إلى الذبح" (53: 7)، أو من الماعز الذي يقدم فدية عن الخطية حسب الناموس (عد 7: 16).

    لقد دُعيَ المسيح المخلص بالحمل، إذ جاء في سفر إرميا "وأنا كخروف داجن يُساق إلى الذبح ولم أعلم أنهم فكروا عليَّ أفكارًا قائلين لنُهلك الشجرة بثمرها ونقطعه من أرض الأحياء فلا يُذكر بعد اسمه" (11: 19). (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و التفاسير الأخرى). وقال عنه إشعياء النبي: "كشاة تُساق إلى الذبح وكنعجة صامتة أمام جازَّيها فلم يفتح فاه" (53: 7)... وإذ نظره القدِّيس يوحنا المعمدان قال: "هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم" (يو 1: 29). وفي السماء رآه القدِّيس يوحنا اللاهوتي "وفي وسط القسوس خروف قائم كأنه مذبوح" (رؤ 5: 6).

    أما كونه صحيحًا بلا عيب، فلأن السيِّد المسيح قدوس بلا عيب يقدر أن يُكفِّر عن خطايانا بدم نفسه (عب 9: 14). يقول القدِّيس هيبوليتس الروماني: [لأن المسيح وحده بلا عيب في كل فضيلة، وبلا خطأ في أي أمر، يُقدم كل برّ من البداية حتى النهاية، إذ قال عن نفسه: "يليق بنا أن نُكمل كل برّ" (مت 3: 15)[146]]. كما يقول الرسول: "إنكم أُفتديتم... بدم كريم كما من حمل بلا عيب دم المسيح".

    أما كونه ذكرًا فإشارة إلى رئاسته، لكونه عريس كل المؤمنين (2 كو 11: 2)، إذ "من له العروس فهو العريس" (يو 3: 29).

    "ابن حول"، أي شاب ليس فيه ضعف الشيخوخة ولا يصيبه القِدم، يبقى جديدًا في حياتنا على الدوام، مع أنه هو القديم الأيام الأزلي.

    7. يذبحه كل جمهور جماعة إسرائيل [6]:
    من جهة تحقق هذا الأمر في شخص السيِّد المسيح الذي قيل عنه "اجتمع على فتاك القدوس يسوع الذي مسحته هيرودس وبيلاطس البنطي مع أمم وشعوب إسرائيل" (أع 4: 27)، ومن ناحية أخرى فإن السيِّد هو الذي تقدم بنفسه ليقدم نفسه ذبيحة حب عنَّا. لهذا يقول القدِّيس يوحنا الذهبي الفم: [الأمر لم يكن هكذا بالنسبة للمسيح، فإنه لم يُؤمَر بعمل هذا إنما تقدم بنفسه وصار هكذا، مقدمًا نفسه ذبيحة وقربانًا لله[147]].

    بالرغم من تعدد العائلات التي تقدم الحملان لكن الجميع يشتركون في ذبيحة واحدة، أما السيِّد المسيح فقد قدم نفسه فصحًا واحدًا يُكفر عن كل الأمم والشعوب، جامعًا الكل حوله كما في بيت واحد. في هذا يقول القدِّيس هيبوليتس: [كما كانت بيوت العبرانيين عديدة لكنها تُحسب كأنها بيت واحد، هكذا مهما كثرت الكنائس في المدينة والبلدة فهي تمثل كنيسة واحد. المسيح الذي هو كامل غير منقسم في بيوت متنوعة، إذ يقول بولس نفسه أننا واحد في المسيح[148]].

    اشترط أيضًا ألاَّ يحملونه خارج البيت، وفي هذا يقول القدِّيس هيبوليتس: [لأن الاجتماع واحد، البيت واحد. إنها الكنيسة الواحدة حيث يؤكل جسد المسيح المقدِّس، أما خارج هذا البيت الواحد أي الكنيسة فلا يُحمل الجسد. من يأكله في موضع آخر يُعاقب كشرير ولص[149]].

    8. ذبحه في العشية [6]:
    إشارة إلى تقديم السيِّد المسيح نفسه فصحًا عن العالم في ملء الأزمنة.

    9. رش الدم على العتبة العليا والقائمتين [7]:
    يتحدث عن فاعلية الدم قائلاً: "فأرى الدم وأعبر عنكم"، "لأنه بدون سفك دم لا تحصل مغفرة" (عب 9: 22).

    بلا شك رأى كثير من المصريين ذبح الخرفان ورش الدم واستهزءوا بهم فهلكوا، وأيضًا لو أن عبرانيًا ربط الخروف عند الباب بدلاً من ذبحه فهلك أيضًا، إذ لا خلاص لنا إلاَّ خلال موت السيِّد المسيح وسفك دمه عنا، لهذا يقول: "الحق الحق أقول لكم إن لم تقع حبة الحنطة في الأرض وتموت فهي تبقى وحدها".

    فدم الخروف كان رمزًا لدم السيِّد المسيح الذي بدونه ليس من خلاص. وكما يقول الأب لاكتانتيوس: [خلُص العبرانيون وحدهم بواسطة علامة الدم، ليس لأن دم الخروف في ذاته له فاعلية لخلاص البشر، وإَّما كان رمزًا للأمور المقبلة[150]].

    ويتحدث القدِّيس هيبوليتس الروماني عن قوة علامة الدم قائلاً: [أنها توضع في البيوت كما في النفوس حيث يجد فيها روح الرب مسكنه المقدس[151]]. كما يقول أن: [الدم على العتبة العليا كما على الكنيسة، وعلى القائمتين كما في الشعبين (اليهود والأمم)].

    ويرى القدِّيس غريغوريوس أسقف نيصص أن رش الدم هكذا على العتبة العليا والقائمتين إنما يُشير إلى تقديس النفس بجوانبها الثلاثة: العقلي والعاطفي والروحي[152]، أي تقديس الإنسان بكل طاقاته الفكرية واشتياقاته وعواطفه وأحاسيسه الداخلية.

    هكذا رأي الآباء في علامة الدم تقديس الكنيسة الجامعة والنفس البشرية كعضو في هذه الكنيسة.

    ويلاحظ أن رش الدم لا يكون على العتبة السفلية حتى لا يُداس بالأقدام، إذ يقول الرسول: "كم عقابًا أشر تظنون أنه يُحسب مستحقًا من داس ابن الله وحَسب دم العهد الذي قُدِّس به دنسًا وازدرى بروح النعمة" (عب 10: 29). أما عن جهادنا للتمتع بثمر هذا الدم فيقول القدِّيس أثناسيوس: [يليق بنا أن نطيل صلواتنا وأصوامنا وأسهارنا حتى يمكننا أن ندهن مقدمة منازلنا بالدم الثمين فيهرب المُهلك[153]].

    10. استخدام الزوفا [22]:
    "خذوا باقة زوفا واغمسوها في الدم الذي في الطست، ومسوا العتبة العليا والقائمتين بالدم".

    لم يستطع العلماء الوصول إلى رأي قاطع عن نبات الزوفا، إلاَّ أن الرأي التقليدي بين اليهود إنه هو الزعتر أو السعتر، أُستخدم في الكتاب المقدس للتطهير من البرص (لا 14: 4، 6)، ومن الخطية (مز 50: 7)، ومن الأوبئة (لا 4: 49، 50)، وللطهارة الطقسية (عد 6: 18-19). واستخدم أيضًا لرفع إسفنجة من الخل التي قُدمت للسيِّد على الصليب (يو 19: 29). ويقال أن الزوفا نبات عطري الرائحة ينبت في الجدران وفي الصخور.

    يرى القدِّيس أغسطينوس [أن الزوفا عشب ضعيف ومنخفض، لكن جذوره عميقة وقوية. كأنه يدخل بجذوره إلى الحب ويتعمق فيه ليدرِك مع القدِّيسين ما هو العرض والطول والعمق والارتفاع (أف 3: 17-18)، ويتعرف على صليب ربنا[154]]. كأنه خلال الدم النابع عن الحب الذي بلا حدود نتقدس، يُنزع عنا برص الخطية ونُشفى من أمراضنا وتتطهر نفوسنا ونشترك مع المسيح في آلامه على الصليب.

    11. يأكلونه مشويًا بالنار [9]:
    أ. لا يقف الطقس عند رش الدم، إنما يلتزم المؤمنون بأكل اللحم مشويًا بالنار، للإتحاد بالسيِّد المسيح الذي اجتاز من أجلنا العدل الإلهي قائلاً: "قلبي كالشمع ذاب في وسط أحشائي. قوتي نشفت كزق ولصق لساني بحنكي".

    ب. لا نقف عند الإيمان بالسيِّد المسيح المتألم الذي اجتاز النار من أجلنا، وإنما أيضًا يُلزمنا أن نتناول جسده ودمه المبذولين عنا ليكون لنا معه شركة آلام ونتعرف على قوة قيامته، بهذا نثبت فيه وهو فينا (يو 6: 4).

    ج. يرى القدِّيس غريغوريوس أسقف نيصص أن طعام الفصح هو [الإيمان الحار المتقد[155]]. ويتحدث عنه العلامة أوريجانوس قائلاً: [ليكن لنا الروح الحار، ولنتمسك بالكلمات النارية التي يقدمها الله لنا كما قدمها لإرميا النبي قائلاً: "هأنذا جاعل كلامي في فمك نارًا" (إر 5: 14). ولننظر أن جسد الحمل قد طُهي جيدًا حتى يقول الذين يشتركون فيه أن المسيح كان يتكلم فينا "ألَم يكن قلبنا ملتهبًا فينا إذ كان يُكلمنا في الطريق ويوضِّح لنا الكتب؟!" (لو 24: 32)[156]].

    د. كانت العادة أن يُشوى الخروف على سيخين متقاطعين يرمزان للصليب.

    12. لا تأكلوا منه نيئًا أو طبيخًا مطبوخًا بالماء [9]:
    يُريدنا أن نتمتع بالكلمة الإلهي الملتهبة بالنار، لا نأكل منها نيئًا أو مطبوخًا بالماء، أي لا نتقبلها بطريقة مائعة كالماء، بل نتقبلها بروح حار، جادين في التمتع بها.

    يُريدنا أن نقبل الإيمان بالصليب خلال الألم لا بروح التراخي والميوعة.

    13. رأسه مع أكارعه وجوفه [9]:
    إذ نتناول فصحنا الجديد ندخل إلى الرأس والقدمين والجوف، أي نتعرف على محبة المسيح لعلنا ندرك ارتفاعها (الرأس) وأعماقها (القدمين) وعرضها (الجوف)، فنجدها تحصرنا من كل جانب.
    يرى القدِّيس هيبوليتس الروماني[157]: أن الرأس هو الناموس الذي بدأ بالكشف عن "سر االفصح"، والقدمين هما التلاميذ الذين حاولوا أن يكرزوا بالسلام على جبال صهيون، أما الجوف فهو الفصح ذاته الذي عرفناه خلال الناموس والإنجيل.

    14. مع فطير [8]:
    يُشير الخمير إلى الشر والخبث (1 كو 5: 7-Cool، وإلى الرياء، لذا ينصحنا القدِّيس أمبروسيوس قائلاً: [إذا كان الاحتفال بعيد الفصح قد أُعتيد فيه قديمًا أن يأكلوا الفطير خلال السبعة أيام، هكذا يلزم على كل مسيحي أن يأكل من جسد الحمل الحقيقي أي المسيح وأن وأن يعيش في حياة مقدسة بسيطة كل أيام حياته، أي خلال السبعة أيام. احذروا من الخمير القديم، فلا تبقوا فيه يا إخوتي، وذلك كما يحذرنا الرسول قائلاً: "إذًا نقوا منكم الخمير العتيقة" (1 كو 5: 7)، أي تنقُّوا من السلوك القديم. فإن تحولتم عن كل الشر الذي يُشار له بالخمير العتيق، ولاحظتم بإيمان ما قد تعهدتم به في المعمودية، عندئذ تكونون مسيحيين حقيقيين! [158]].

    يقول القدِّيس أثناسيوس الرسولي معلقًا على قول الرسول: "إذًا لنُعيد ليس بخميرة عتيقة، لا بخميرة الشر والخبث، بل بفطير الإخلاص والحق" (1 كو 5: Cool، يقول: [إذ نخلع الإنسان العتيق وأعماله، نلبس الإنسان الجديد المخلوق بحسب الله (أف 4: 22، 24)، ونلهج في ناموس الله نهارًا وليلاً، بعقل متضع وضمير نقي. لنطرح عنا كل رياء وغش، مبتعدين عن كل كبرياء ومكر. ليتنا نتعهد بحب الله ومحبة القريب، لنصبح خليقة جديدة، متناولين خمرًا جديدًا... إذًا لنحفظ العيد كما ينبغي[159]].

    ويرى بعض الآباء مثل أوريجانوس أن الفصح القديم ارتبط بالخمير حتى لا يختمر المؤمنون بخمير العالم، منتظرين الخمير الجديد الذي لملكوت الله (مت 13: 33).

    و يلاحظ أن السيِّد المسيح في سرّ الإفخارستيا استخدم خبزًا مختمرًا، لأنه حمل في جسده خطايانا.

    15. على أعشاب مرَّة يأكلونه [8]:
    أ. يرى القدِّيس جيروم أن الله قد منع استخدام العسل في التقدمات وفي نفس الوقت أمر بأكل خروف الفصح على أعشاب مرَّة، كأنه لا يريدنا أن نعيش مدللين بل نحتمل الضيق في العالم[160].

    ب. الأعشاب المرة تُذكر الشعب مرارة عبودية الخطية التي يتحررون منها خلال خروف الفصح.

    ج. تُشير الأعشاب المرة إلى إلتزامنا بالتقدم إلى سرّ الفصح الجديد في مرارة قلب وانسحاق روح من أجل خطايانا. فإذ يتمرر فمنا بسبب الخطية يمتلئ قلبنا من حلاوة جسد الرب ودمه. بمعنى آخر لا تمتع بسرّ الإفخارستيا دون التوبة والاعتراف.

    16. لا تبقوا منه إلى الصباح [10]:
    إشارة إلى سرّ الفصح كسرّ "الحياة الجديدة". وقد حرصت كنيستنا على عدم إبقاء الأسرار الإلهية لليوم التالي.

    17. عظمًا لا تكسروا منه [46]:
    يُشير إلى السيِّد المسيح الذي لما جاؤا ليكسروا ساقيه وجدوه قد مات سريعًا (يو 19: 36) فلم يكسروهما. ويرى القدِّيس هيبوليتس أنه بهذا نستطيع التعرف على قيامته (يو 20: 27)، الذي قام يحمل آثار الجراحات، لكنه ما كان يليق أن يقوم برجلين مكسورتين.

    كما أن عظام السيِّد لم تُكسر، هكذا يليق بنا أن نتقبل "كلمة الله" التي نأكلها متقدة بالنار دون أن نكسر عظامها، أي دون أن نتفهمها بطريقة بشرية حرفية قاتلة، إنما نتفهمها خلال الروح الذي يبني.

    وكما أن الفصح لا يُكسر عظامه، هكذا الصديقون المتحدون بالسيِّد المسيح فصحهم لا تُكسر عظامهم، إذ يقول المرتل: "يحفظ جميع عظامهم. واحد منها لا تنكسر" (مز 34: 20). وكما يقول القدِّيس أغسطينوس[161]: [إن المرتل لا يتحدث عن العظم بالمفهوم الحرفي إنما يقصد الإيمان الحيّ الذي لا ينكسر، مدللاً على ذلك باللص اليمين الذي انكسرت عظام قدميه، أما عظام نفسه فقد حفظها الرب، إذ تمسك بالإيمان في لحظات الضيق المرّ فاستحق الدخول إلى الفردوس محفوظًا بين يديّ الله.

    18. يأكلوه وهم في استعداد للرحيل [11]:
    اشترط أن يأكلوه هكذا "أحقاؤكم مشدودة وأحذيتكم في أرجلكم وعصِّيكم في أيديكم، وتأكلونه بعجلة. هو فصح للرب" [11].

    يُقدم القدِّيس يوحنا الذهبي الفم[162] لهذه العبارة تفسيرين:

    * [التفسير الأول هو التفسير التاريخي، حيث يتذكر اليهود أنهم راحلون، وكأنهم بهذا العمل يقولون: "نحن مستعدون للرحلة. ها نحن خارجون من مصر إلى أرض الموعد. ها نحن خارجون". لقد عرف هذا الشعب بكثرة النسيان فأعطاهم هذه الوصية حتى لا ينسوا غاية الفصح.

    التفسير الثاني هو التفسير الرمزي، إذ يقول: نحن أيضًا إذ نتناول الفصح الذي هو المسيح (1 كو 5: 7)... يليق بنا أن نتناوله محتذين متمنطقين. لماذا؟ لكي نكون نحن أيضًا مستعدين لخروجنا ورحيلنا. ليت كل أحد يتناول هذا الفصح ولا ينظر إلى مصر (العالم) بل إلى السماء، متطلعًا إلى أورشليم العليا (غلا 4: 6)... فالتمنطق هو جزء من رحيل النفس. أنظر ماذا يقول الله لإنسان بار: "أشدد الآن حقويك كرجل فإني أسألك فتعلمني" (أي 38: 3). (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و التفاسير الأخرى). هذا أيضًا ما قاله لكل الأنبياء، وما قاله أيضًا لموسى سائلاً إيَّاه أن يكون متمنطقًا. بل والله نفسه ظهر لحزقيال متمنطقًا (9: 11 الترجمة السبعينية). والملائكة أيضًا يظهرون مُتمنطقين (رؤ 15: 6) بكونهم جنود... إذن فلنتمنطق لنقف بشجاعة... ولا نخف لأن قائد خروجنا يسوع وليس موسى].

    إذن كانوا يأكلونه كأناس ينتظرون الرحيل والعبور من أرض العبودية متجهين نحو أرض الموعد، مستعدين بجسدهم (المنطقة) وبأيديهم (العصا) وبأرجلهم (الأحذية). هذا هو مفهوم الاستعداد لسرّ الإفخارستيا، إننا نتناول ونحن مشتهين للعبور إلى حيث المسيح جالس.

    الأحقَّاء المشدودة تُشير إلى ضبط شهوات الجسد وملذاته، ليسلك الإنسان ليس حسب أهواء جسده بل حسب شهوات الروح السماوية. لذلك إذ يتحدث القدِّيس يوحنا كاسيان عن تمنطق الراهب بمنطقة يقول: [ليعرف جندي المسيح وهو يحتمي بمنطقة يطويها حوله أنه ليس فقط يهيئ ذهنه لقبول أي عمل في الدير، وأن تكون حركته بلا عائق بسبب ملابسه... وإنما استخدامه منطقة من الجلد الميت تعني أنه يحمل إماتة جميع أعضائه التي تحوي بذار الشهوة والدنس، فيعرف على الدوام وصية الإنجيل القائلة: "فأميتوا أعضاءكم التي على الأرض الزنا النجاسة الهوى الشهوة الردية" (كو 3: 5)[163]].

    الحذاء الذي في الرجل يُشير إلى ما حدث مع موسى النبي، فقد خلع الحذاء المصنوع من جلد الحيوانات الميتة حتى يقدر أن يتمتع بالعليقة المتقدة نارًا. أما هنا فهو يلبس حذاءً من نوع آخر، هو حذاء السيِّد الذي قال عنه معلمنا يوحنا المعمدان أنه غير مستحق أن ينحني ويحل سيوره. إذًا فليكن لنا حذاء السيِّد حتى كما سلك ذاك نسلك نحن بحذائه لا نخاف أشواك هذه الحياة، ولا عنف فرعون وسطوته بل ندّك كل قوات الشر تحت أقدامنا. وكما يقول القدِّيس أمبروسيوس: [من يحتفل بفصح الرب ويُعيد بالحمل يلزم أن تكون قدماه محصنتين ضد هجمات الوحوش المفترسة الروحية ولدغات الحيّة[164]].

    أما العصا التي في أيدينا فهي عصا الله التي دُعيت أيضًا عصا موسى وعصا هرون... إننا نتكئ على قوة الله التي للخلاص (الصليب) ونمسك بعصا الوصية (موسى) ونمارس العبادة الروحية (هرون).

    يرى بعض الآباء في العصا "الرجاء" الذي تستند عليه النفس في رحلتها نحو السماء لتطرد تهديدات إبليس المحطمة لها كما يطرد المسافر الكلاب بعصاه.

    أخيرًا فإن القدِّيس أثناسيوس الرسولي يتحدث عن الاستعداد لهذه الرحلة، قائلاً: [ربنا يسوع المسيح هو النور الحقيقي، الذي هو عوض العصا صولجاننا، وعوض الفطير هو الخبز النازل من السماء (أف 6: 15)، وباختصار يقودنا الرب بهذه جميعها إلى أبيه[165]].

    أما عن أكل الفصح بعجلة [11] فيقول القدِّيس هيبوليتس: [يجب على من يقترب إلى هذا الجسد العظيم أن يكون ساهرًا وصائمًا[166]]، أي مستعدًا للانطلاق.

    19. يعيِّدونه فريضة أبدية [14]:
    تأكيدًا لعمل الفصح الأبدي، وأيضًا حتى يبقى الشعب القديم منتظرًا مجيء الفصح الحقيقي الذي يُقدس دمه إلى الأبد.

    20. لا يأكل منه غريب [43، 48]:
    اشترط ألاَّ يشترك فيه أهل الغُرلة، إنما يشترك أهل الختان وحدهم. هكذا لا يقدر أن يتمتع بالتناول من الأسرار المقدسة إلاَّ الذي نال الختان الروحي، أي المعمودية، فصار ابنًا لله، له حق الاتحاد معه في المسيح يسوع.

    في الرسالة السادسة من رسائل القيامة يقول البابا أثناسيوس الرسولي: [الإنسان المخادع وغير النقي القلب والذي ليس فيه شيء طاهر... هذا بالتأكيد غريب عن القدِّيسين ويُحسب غير مستحق أن يأكل الفصح، لأن كل ابن غريب لا يأكل منه. لهذا عندما ظن يهوذا أنه حفظ الفصح بينما كان يدبر خداعًا ضد المخلص، صار غريبًا عن المدينة التي هي من فوق وبعيدًا عن الصحبة الرسولية، إذ أمرت الشريعة أن يؤكل الفصح بحرص لائق، أما هو فبينما كان يأكل نقبه الشيطان ودخل إلى نفسه (يو 22: 31) [167]].

    21. فصح للرب [11]:
    يُميز الكتاب المقدس بين "فصح الرب" و"فصح اليهود"، ففي الشريعة لا يقول "فصحكم" أو "فصح اليهود" وإنما دائمًا يقول "فصح للرب"، ناسبًا الفصح له، لكنه حين سقط الشعب في الشر وعاشوا بلا توبة لا يدعوه منسوبًا إليه بل إليهم[168]، قائلاً: "رؤوس شهوركم وسبوتكم ونداء محفلكم لست أطيق. رؤوس شهوركم وأعيادكم بغضتها نفسي" (إش 1: 13).

    لاحظ العلامة أوريجانوس أن هذا الأمر يحدث في كل أنواع العبادة فيسمى السبت "سبت للرب"، وفي سفر العدد يقول: "قرباني طعامي مع وقائدي رائحة سروري تحرصون أن تقربوه في وقته" (28: 1). وأيضًا يسمي الشعب "شعبي" لكنه عندما إنحرف عن العبادة له قال لموسى: "إذهب إنزل لأنه قد فسد شعبك الذي أصعدته من أرضي" (خر 32: 7)، إذ لم يعد شعب الله بل شعب موسى.



    قتل الأبكار:
    أ. يرى العلامة ترتليان أن المصريين قد دفعوا ثمن ما فعلوه بقتلهم أولاد العبرانيين وإلقائهم في النهر، فأدبهم الرب بذات فعلهم[169].

    ب. سمح الله بقتل جميع الأبكار، ولا تترك ماشية واحدة في مصر، هذه صورة رمزية لعمل الله الذي سيُبيد الشر، أما أولاده فحتى شعور رؤوسهم محصاة وتحت رعايته.

    ج. يرى القدِّيس غريغوريوس أسقف نيصص في هذا الأمر إشارة رمزية لإبادة كل علَّة للخطية، إذ يقول: [يليق بمن يمسك بشر خلال الفضيلة أن يقتله منذ بدايته، بهذا يُحطم ما يأتي وراءه. هذا ما يعلمنا به الرب في الإنجيل فيدعونا بكل وضوح أن نقتل أبكار الشر... إذ أمرنا بإبادة الشهوة والغضب فلا نخاف من وصمة الزنا وجريمة القتل (مت 5: 22، 28). فإن هذين لا يأتيان فجأة، إنما الغضب يُنتج قتلاً، والشهوة تولِّد زنا... فبتحطيم الأبكار (الشهوة والغضب) نقتل بلا شك ما ينجم وراءهما. فلو أخذنا الحيّة مثالاً، فإنه يسحق رأسها يكون جسدها قد قتل في نفس الوقت[170]].
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://temaf-erene.yoo7.com
    ثروت
    خادم المنتدي
    خادم المنتدي
    ثروت


    عدد الرسائل : 5787
    العمر : 55
    الموقع : https://temaf-erene.yoo7.com
    تاريخ التسجيل : 10/06/2008

    تفسير سفر الخروج Empty
    مُساهمةموضوع: رد: تفسير سفر الخروج   تفسير سفر الخروج Emptyالجمعة 26 أغسطس 2011, 11:59 am

    تفسير سفر الخروج 12
    (12: 37-19: 2)

    في هذا الجزء يصف موسى النبي الرحيل من رعمسيس ويضع القواعد الخاصة بالفصح والشروط التي يخضع لها الغرباء للإشتراك في هذا العيد (12: 43-51)، وفرض تقديس كل بكر (ص 13)، كما تحدث عن الأحداث التالية:

    عبور البحر الحمر ص [14].

    تسبحة الخلاص [15].

    المياه المرَّة والمن والسلوى [15-16].

    الصخرة المتفجِّرة [17].

    الانتصار على عماليق [17].

    زيارة يثرون حميه [18].



    تابع: الأصحاح الثاني عشر

    خروج الشعب

    استدعى فرعون موسى وهرون وقال لهما: "قوموا أخرجوا من بين شعبي... واذهبوا اعبدوا الرب كما تكلمتم. خذوا غنمكم أيضًا وبقركم كما تكلمتم واذهبوا. وباركوني أيضًا [31-32]، وكان المصريون يلحُّون عليهم بالخروج...

    هكذا يعمل الله في حياتنا، ليس فقط يدعونا للعبور إليه، وليس فقط يلهب الحنين في القلب للعبور، وإنما إن ثابرنا حتى النهاية يجعل حتى المقاومين لنا يدفعوننا للعبور دفعًا.

    لقد طلب الشعب من المصربين ذهبًا وفضة وثيابًا فأعطوهم، وقد رأينا أن ذلك كان بسماح إلهي، كتعويض عن الأجرة التي سلَبهم إيَّاها المصريون أيام السخرة وبناء البيوت لهم مجانًا، كما حملت رمزًا لتقديس الطاقات والأحاسيس التي كانت تُستخدم لحساب الخطية لتكون آلات بر الله[171]. ويرى القدِّيس غريغوريوس أسقف نيصص في هذا التصرف صورة رمزية لعمل الكنيسة التي استعارت من العالم فلسفاته وعلومه وانتفعت بها: [تكون هذه الأمور نافعة إذا ما زين سرّ الهيكل الإلهي بغنى العقل[172]]. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و التفاسير الأخرى). [كثيرون قدموا لكنيسة الله علومهم الزمنية كنوع من التقدمة، من هؤلاء باسيليوس الكبير الذي طلب الغنى المصري من كل ناحية أثناء شبابه وكرّس هذا الغنى لله لتزيين الكنيسة، خيمة الاجتماع الحقيقية[173]].



    محطات الرحلة:
    تحدث العلامة أوريجانوس كثيرًا عن محطات هذه الرحلة بكونها تحمل ملامح انطلاق النفس من أرض العبودية إلى أورشليم العليا، وسنحاول بمشيئة الله أثناء دراستنا لهذا السفر ولسفر العدد أن نتحدث عن هذه المحطات:

    "رعمسيس": هذه هي بدء انطلاق الرحلة، حيث انطلق منها الشعب إلى سكوت. "رعمسيس" عند أوريجانوس تعني "بلد الفساد"، وكأن بداية الطريق هو خروج الإنسان من "بلد الفساد" أو من مثيرات الخطية والشر، فإننا لا نقدر أن ننعم برحلة الخلاص ونحن مستسلمون في أماكن الخطية، في هذا يقول: [إن أردت أن يكون الرب قائدك، يتقدمك في عمود السحاب، وتتقدمك الصخرة، وتأكل المن الروحي وتتمتع بالشراب الروحي، فلترحل من رعمسيس "لا تكنزوا لكم كنوزًا على الأرض حيث يفسد السوس والصدأ، وحيث ينقب السارقون" (مت 6: 29). كما يتحدث الرب بوضوح قائلاً: "إن أردت أن تكون كاملاً فاذهب وبع كل مالك واعط الفقراء وتعال اتبعني" (مت 19: 21). هذا هو معنى الرحيل عند رعمسيس وأتباع المسيح[174]].

    "سكوت": عند أوريجانوس تعني "خيمة"، وكأن المؤمن إذ يترك مثيرات الخطية يُلزمه أن يتطلع إلى حياته هنا كغربة، وكما يقول العلامة أوريجانوس: [إذ تنفض عنك صدأ الفساد وتبتعد عن مجال الرذيلة أسكن في الخيام، هذه التي لا نريد أن نخلعها بل أن نلبس فوقها (2 كو 5: 4). يسكن في الخيام من يركض نحو الله حرًا بلا قيود ولا أحمال[175]].



    عدد الخارجين:
    "الذين خرجوا ستمائة ألف ماشين من الرجال عدا الأولاد" [37].

    هذا الرقم يحمل رمزًا لعبور الكنيسة فإنه يتكون من رقم 6 × 100× 1000.

    رقم 6 يُشير إلى كمال العمل الإنساني، لأنه في ستة أيام خلق الله العالم، وفي اليوم السادس أوجد الإنسان أكمل خليقة الله على الأرض، كأن الإنسان يخرج حاملاً كمال إمكانياته البشرية من أفكار ودوافع وأحاسيس وعواطف ومواهب مكرسًا جسده وروحه بالكمال لله. أما رقم 100 فيُشير إلي كمال عدد الجماعة، وكأنه يليق أن تنطلق الكنيسة بأجمعها ولا تترك عضوًا حيًا لا يخرج خلالها نحو الله. أما رقم 1000 فكما رأينا في تفسيرنا لسفر الرؤيا[176] تعني الحياة السماوية... وكأن الكنيسة تخرج بكل أولادها بكل طاقاتهم الروحية والجسدية منطلقين نحو أورشليم العليا بفكر سماوي وحياة سماوية.

    أما دعوتهم "ماشين من الرجال" فتعني أن الكنيسة في حالة تحرك مستمر نحو السماء بروح الجهاد والمثابرة بلا يأس، لا تعرف التوقف عن العبور.

    أما قوله "عدا الأولاد" إنما تُشير أنهم رجال يحملون ثمارًا روحية مستمرة.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://temaf-erene.yoo7.com
    ثروت
    خادم المنتدي
    خادم المنتدي
    ثروت


    عدد الرسائل : 5787
    العمر : 55
    الموقع : https://temaf-erene.yoo7.com
    تاريخ التسجيل : 10/06/2008

    تفسير سفر الخروج Empty
    مُساهمةموضوع: رد: تفسير سفر الخروج   تفسير سفر الخروج Emptyالسبت 27 أغسطس 2011, 12:35 pm

    تفسير سفر الخروج 13
    لآيات (1-Cool: "وكلم الرب موسى قائلاً. قدس لي كل بكر كل فاتح رحم من بني إسرائيل من الناس ومن البهائم انه لي. وقال موسى للشعب اذكروا هذا اليوم الذي فيه خرجتم من مصر من بيت العبودية فانه بيد قوية أخرجكم الرب من هنا ولا يؤكل خمير. اليوم انتم خارجون في شهر أبيب. ويكون متى أدخلك الرب ارض الكنعانيين والحثيين والأموريين والحويين واليبوسيين التي حلف لآبائك أن يعطيك أرضاً تفيض لبناً وعسلاً انك تصنع هذه الخدمة في هذا الشهر. سبعة أيام تآكل فطيراً وفي اليوم السابع عيد للرب. فطير يؤكل السبعة الأيام ولا يرى عندك مختمر ولا يرى عندك خمير في جميع تخومك. وتخبر ابنك في ذلك اليوم قائلاً من اجل ما صنع إلى الرب حين أخرجني من مصر. ويكون لك علامة على يدك وتذكاراً بين عينيك لكي تكون شريعة الرب في فمك لأنه بيد قوية أخرجك الرب من مصر."

    حتى يذكر الشعب هذه الليلة طلب الرب ثلاثة أشياء منهم وهي:

    1. الفصح.

    2. الفطير.

    3. تقديس الأبكار (موضوع هذا الإصحاح).

    ويبدأ الإصحاح بقوله قدس لي كل بكر (آية2)= وقدس أي إفرز وخصص لله. فقبل العبور لابد من التقديس وإلا سيكون العبور عبوراً من عبودية إلى عبودية أخرى. والبكر هو أثمن وأعز شيء لدى العائلة، وهذا ما يطلبه الله أن نقدم له أثمن شيء عندنا. ونلاحظ أن هذه الوصية هي أول وصية يقدمها موسى ويأمر بها الله بعد الخروج مباشرة. وهي ليست وصية بمقدار ما هي وعد وعطية، فبخروج الشعب من دائرة العبودية والإنطلاق نحو أورشليم العليا (غل26:4) يدخل المؤمن في دائرة ملكية الله، ويصير عضواً حياً في هذا الملكوت الإلهي، إذ يقول الله "إنه لي" وتقول النفس وأنا له.. أنا لحبيبي وحبيبي لي.



    خطوات التقديس:

    1. الفرز: لسنا للعالم فقد إشترانا المسيح (آية2).

    2. الإيمان: أذكروا هذا اليوم (آية3) = في الشدائد نذكر عمل الله فيكون لنا إيمان بل يزداد كل يوم.

    3. عزل الشر كل أيام الحياة= لا يؤكل خمير (آية6).

    4. إتحاد بجسد المسيح ودمه= تصنع هذه الخدمة (آية5).

    5. التعليم: وتخبر إبنك (آيةCool.

    ولقد اهتم الرب بموضوع البكور، وطلب البكر من الإنسان والحيوان والنباتات. راجع (لا10:23-14، 26:27-29 + عد19:15-21 + 13:18-20 + 23:19). والمفهوم أنه بتقديم البكر يتقدس الكل وبهذا يحسب أن الكل قد قدم للرب. وكان هذا رمزاً لما صنعه لنا المسيح بكرنا، وبكر كل خليقة ورأسها (كو15:1،18 + رو29:Cool. فهو تقدم نيابة عنا نحو إخوته الأصاغر مقدماً حياته للآب ذبيحة طاعة وحب بلا عيب، فإشتمه أبوه الصالح رائحة رضا وسرور، فصارت البشرية المتحدة فيه موضوع سرور الآب ورضاه. وكما فقد رأوبين وعيسو وغيرهم بكوريتهم لينالها من هم أصغر منهم فقد آدم بكوريته للبشرية وصار المسيح آدم الثاني هو بكر البشرية الجديدة، هو القدوس وحده وبلا عيب. تقدم كبكر ثمار البشرية للآب فتقدس فيه كل المؤمنين. والآن فإن الآب قدَّم لنا أثمن ما عنده فهو يطالبنا أن نقدم له أثمن ما عندنا (هو يريد قلبنا المملوء حباً له) هو يريدنا بالكلية (ولاحظ أننا حين نعطي أنفسنا لله يكون هذا حرية لنا أما لو أعطينا أنفسنا لأي أحد غيره نستعبد).

    ونلاحظ ن الله طلب الأبكار فهو الذي أنقذ الأبكار في ليلة الخروج فهو يعتبرهم له. ونحن صرنا في المسيح أبكاراً أعطانا المسيح حياة بعد موت بفدائنا كما أعطى أو أبقى حياة أبكار الشعب في ليلة الخروج وكما طلب الأبكار الذين أبقى حياتهم يطلبنا نحن الذين وهبنا حياته.

    وكان البكر يحصل على نصيب إثنين في الميراث (تث17:21) إشارة إلى فيض نعم الله علينا في الميراث الأبدي. وكان بكر الملك يملك مكانه فنحن في المسيح ملك الملوك نكون ملوكاً. ولقد طلب الله بتقديم اللاويين له بعد ذلك عوضاً عن الأبكار بعد أن شرحت وصية تقديس البكر عمل المسيح لنا. إذاً وصية تقديم الأبكار لله كانت مجرد شرح أن الله يريد لنفسه من أنقذهم من الموت. وهذا إشارة لنا نحن الذين أنقذنا الله من الموت فصرنا أبكاراً (عب23:12) أي صرنا له مقدسين أي مخصصين ومكرسين له.



    آية (9): "ويكون لك علامة على يدك وتذكاراً بين عينيك لكي تكون شريعة الرب في فمك لأنه بيد قوية أخرجك الرب من مصر."

    ويكون لك علامة على يدك وتذكاراً بين عينيك.. في فمك= فهم اليهود هذه الوصية حرفياً للأسف فكانوا يرتدون عصابات على رؤوسهم وعلى أياديهم (مثل الساعة الآن) وكانت تصنع من جلد على هيئة علبة صغيرة لها سوار جلدي ومكتوب داخلها آيات من الشريعة هي (خر2:13-10 + خر11:13-16 + تث13:11-21 + تث4:6-9)

    ولكن كان قصد الله أن تكون الوصية منفذة عملياً ومطبقة في حياتنا= علامة على يدك وأن تكون وصايا الله وشرائعه موضع لهجنا وحديثنا (مز15:119،16،31..)= في فمك.



    (آية 13): "ولكن كل بكر حمار تفديه بشاة وأن لم تفده فتكسر عنقه وكل بكر إنسان من أولادك تفديه."

    الحيوانات الطاهرة كانت تقدم منها الذبائح التي تشير للمسيح، أما البهائم غير الطاهرة فتشير للإنسان في حالته الطبيعية، الذي إن لم يفدي بشاة تًكْسَرْ عنقه. ونحن إن لم يكن المسيح قد إفتدانا لكنا قد هلكنا. ولعل الإنسان يتواضع إذ يتساوى هنا بالحيوان غير الطاهر. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). ولاحظ أن الله يرفض الحيوانات غير الطاهرة فهو لا يريد أبكارها. إنه لا يريدها بل يريد من يفتديها (شاة فداءً عن بكر الحيوان غير الطاهر). وعملياً فالحمار وسيلة للركوب والنقل وهو حيوان ثمين لدى الفلاح والشاة أرخص منه كثيراً فكان الفلاح يفضل فداء حماره عن قتله. والحمار هنا إتخذ كعينة لكل الحيوانات غير الطاهرة فهو الشائع استخدامه. وكسر العنق حتى لا تسول لهم نفوسهم أن يأكلوه. وكانت الشاة تعطى للكهنة.



    (آية 17): "وكان لما أطلق فرعون الشعب أن الله لم يهدهم في طريق ارض الفلسطينيين مع أنها قريبة لأن الله قال لئلا يندم الشعب إذا رأوا حرباً ويرجعوا إلى مصر."

    الله لم يهدهم في طريق ارض الفلسطينيين كان الطريق السهل من مصر إلى فلسطين هو الطريق الذي يمر بالساحل الشمالي لكن الله أرشدهم لطريق آخر، فكان عليهم أن يدوروا بسيناء كلها. وقطعاً لقد تحيَّر الشعب لماذا أتى بهم الله لطريق غير الطريق المعروف؟!

    وكان لهذا أسباب عديدة:

    1. كان الطريق الرسمي من مصر إلى فلسطين به كثير من الحاميات المصرية بالإضافة إلى أن جيش الفلسطينيين هو جيش قوي. فالله أراد أن يجنبهم الحرب مع المصريين والفلسطينيين فهو يعلم إمكانياتهم وأنهم لا يحتملون مثل هذه الحرب وغير مؤهلين لها. والله لا يدعنا نجرب فوق ما نحتمل (1كو13:10)= قال لئلا يندم الشعب إذ رأوا حرباً ويرجعوا إلى مصر.





    1. أراد الله لهم في البرية فترة تنقية من أثار العبودية، هي فترة صقل واختبارات روحية.إذ كيف يدخلون لكنعان بوثنيتهم وروح العبودية فيهم. وهي أرض الله.

    2. كان يجب أن تتم كل الرموز، بعبورهم في البحر رمزاً للمعمودية، وهلاك جيش فرعون رمزاً لدينونة إبليس، ورمزاً للهلاك الأبدي للأشرار من أتباعه.

    3. كانت فرصة البرية فرصة لهم لنمو إيمانهم (مدرسة للإيمان) يعرفون فيها الله ويختبرون أنه لا يستحيل عليه شيء فهو يعطي المن من السماء والماء من الصخرة.

    4. كان لهم تدرج في الحروب، فهم لا يستطيعون الحرب مع الجيوش الكبيرة. لكن بعد أن عبروا البحر وشربوا الماء وأكلوا المن سمح الله لهم بالحرب مع عماليق (تدرج في الحروب).

    5. كان الله يخطط لدمار فرعون نهائياً، وإلا لظل يتبعهم في طريق فلسطين.

    6. كان من السهل على الله أن يبيد أمامهم كل جيوش الأعداء ويدخلوا فلسطين بعد أيام قليلة من خروجهم من مصر لكن طبيعة التذمر وضعف الإيمان كان سيبقى داخلهم.

    7. كانت انتصاراتهم وعمل الله معهم مصدر رعب لشعوب كنعان (يش9:2،10).

    8. لذلك وإن بدت طريق الخروج طريق متخبطة لكنها كانت بحكمة وإرشاد الله.

    فكان هناك سحابة تقودهم



    (آية 18): "فأدار الله الشعب في طريق برية بحر سوف وصعد بنو إسرائيل متجهزين من ارض مصر."

    متجهزين= أي سائرين بنظام دقيق عكس ما يتصوره المرء من أناس هاربين فهم لم يكونوا مشوشين وبلا نظام فإلهنا إله ترتيب.



    (آية 19): "واخذ موسى عظام يوسف معه لأنه كان قد استحلف بني إسرائيل بحلف قائلاً أن الله سيفتقدكم فتصعدون عظامي من هنا معكم."

    عظام يوسف معه= كأن يوسف أدرك أن شعبه سيخرج من أرض مصر ويستريح في أرض الموعد، فكان يود أن يستريح جسده في أرض كنعان كتعبير عن اشتهائه أن يقوم بجسده النوراني بعد القيامة في كنعان السماوية. وكانت عظام يوسف مع الشعب خلال الرحلة رمزاً للكنيسة التي تحمل ذكرى القديسين الذين سبقوا فرقدوا (السنكسار والمجمع).



    (آية 20): "وارتحلوا من سكوت ونزلوا في إيثام في طرف البرية."

    إيثام هي المحطة الثالثة (الأولى رعمسيس والثانية سكوت) وإيثام تعنى حد أو تخم. وأول مرة نسمع عن السحابة كانت بعد ذكر إيثام. والسحابة تشير للروح القدس الذي يقود الكنيسة والذي أعطى للكنيسة بعد قيامة المسيح في اليوم الثالث. كما سمعنا عن السحابة بعد المحطة الثالثة. (نفس مفهوم مسيرة الثلاثة أيام).



    (آية 21): "وكان الرب يسير أمامهم نهاراً في عمود سحاب ليهديهم في الطريق وليلاً في عمود نار ليضيء لهم لكي يمشوا نهاراً وليلاً."

    الله سمح لهم بالتوهان بعيداً عن الطريق السهل لكنه كان هو قائدهم فكيف يضلون الطريق. وهذه السحابة ظلت معهم حتى كنعان ولم تتركهم حتى في لحظات تمردهم وتذمرهم ومعاني هذه السحابة:-

    1. السحاب فيه معاني المطر والخير والتنقية. وتحمل معنى المعمودية (1كو2:10).

    2. كانت السحابة تظللهم في النهار فتمنع عنهم حرارة الشمس المحرقة (1كو1:10).

    3. عمود النار يحمل معاني التنقية والنور للإرشاد والتطهير (راجع مز39:105، أش5:4).
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://temaf-erene.yoo7.com
    ثروت
    خادم المنتدي
    خادم المنتدي
    ثروت


    عدد الرسائل : 5787
    العمر : 55
    الموقع : https://temaf-erene.yoo7.com
    تاريخ التسجيل : 10/06/2008

    تفسير سفر الخروج Empty
    مُساهمةموضوع: رد: تفسير سفر الخروج   تفسير سفر الخروج Emptyالسبت 27 أغسطس 2011, 12:36 pm

    تفسير سفر الخروج 14

    يتحدث هذا الاصحاح عن:

    1. النزول إلى فم الحيروث [1-2].

    2. ندم فرعون على إطلاقهم [3-9].

    3. تذمر الشعب [10-14].

    4. صرخة موسى الصامتة [15].

    5. عبور البحر الأحمر [16-31].



    1. النزول إلى فم الحيروث:
    بأمر إلهي رجع بنو إسرائيل ونزلوا أمام فم الحيروث، وهي بين مجدل والبحر، أمام بعل صفون [2]. يرى العلامة أوريجانوس أن "فم الحيروث" تعني "الصعود القاسي أو الصعود القفر"، "ومجدل" تعني "برج"، "وبعل صفون" تعني "الصعود بخفة أو بسرعة".

    قبل أن يعبروا البحر الأحمر ليعيشوا أربعين عامًا في البرية حتى يدخلوا أرض الوعد، ألزمهم الرب أن يقفوا أمام فم الحيروث، أي أمام الصعود القاسي، كأنه يعلن لهم مقدمًا أن طريق الخلاص هو صعود مستمر خلال الطريق الكرب والباب الضيق. فالمؤمن لا يعرف التراخي بل الجهاد المستمر خلال شركته مع الله. أما موقع فم الحيروث فهو بين مجدل وبين بعل صفون، أي بين البرج والصعود السريع، بمعنى أن المؤمن يلتزم أن يُحسب نفقة بناء البرج حتى لا يبدأ ولا يقدر أن يكل فيهزأ المارة به، وإذ عرف حساباته التزم ألاَّ يتباطأ في الطريق بل يصعد بسرعة نحو الحياة السماوية، أما كونها أمام البحر فهذا إعلان عن دخولنا في التجارب (البحر) والضيقات طوال طريق جهادنا، حتى نعبر إلى الأرض الجديدة والسماء الجديدة حيث لا يكون للبحر موضع (رؤ 21).

    هذا ما يراه العلامة أوريجانوس الذي يقول: [قد تظن إن طريق الله مستوىٍ وسهل، لا يحتاج إلى مجهود أو تعب، كلا! إنه صعود، وصعود صعب. فطريق الفضائل لا ينحدر إلى أسفل بل يصعد، هو صعود ضيق وكرب. اسمعوا ما يقوله الرب في الإنجيل: "ما أضيق الباب وأكرب الطريق الذي يؤدي إلى الحياة؟!" (مت 7: 14). يا للتوافق بين الإنجيل والناموس! فالناموس يُظهر أن طريق الحياة صعود كرب، والإنجيل يُعلن عن ضيقه، والرب نفسه هو الطريق المؤدى إلى الحياة...

    إذن فالطريق الذي ينبغي علينا أن نسيره هر طريق صاعد وضيق، يتطلب السهر والإيمان. فالإيمان والأعمال يتطلبان مشقات ومجهودات ضخمة، والذين يريدون السير حسب الله يواجهون تجارب وضيقات عديدة...

    في هذا الطريق نجد برجًا... هذا الذي قال عنه الرب في الإنجيل: "من منكم وهو يريد أن يبني برجًا لا يجلس أولاً ويحسب النفقة، هل عنده ما يلزم لكماله؟!" (لو 14: 28). هذا البرج هو الأساس القوي الذي تقوم عليه الفضيلة مرتفعة...

    وفي خروجك أيضًا... تأتي إلى البحر حيث تلتق بالأمواج، إذ لا يوجد طريق للحياة بغير أمواج التجارب، كقول الرسول "جميع الذين يريدون أن يعيشوا بالتقوى في المسيح يسوع يُضطهَدون" (2 تي 3: 12). وكما يقول أيوب أيضًا: "أليس جهاد للإنسان على الأرض كأيام الأجير أيامه؟" (7: 1). هذا هو معنى الوصول إلى البحر[180].



    2. ندم فرعون على إطلاقهم:
    أ. أوضح الرب سرّ إنزالهم إلى فم الحيروث قائلاً: "أُشدد قلب فرعون حتى يسعى وراءهم" [4]. لقد سمح لهم بالدخول في الضيقة حتى يتمجد الرب فيهم، وأيضًا كما يقول: "ويعرف المصريون إني أنا الرب" [4].

    كيف شدد الرب قلب فرعون؟" أسلمه الله إلى شهوات قلبه" (رو 1: 24)، تركه لقساوة قلبه، فثار على الشعب وتشدد قلبه. وكما يقول القديس أغسطينوس: [إن كان الله قد تركه لقساوة قلبه فإننا لا نستطيع أن نتجاهل حرية إرادة فرعون في صنع الشر].

    ب. سعى فرعون ومعه ستة مائة مركبة. قلنا أن رقم 6 يُشير إلى كمال العمل البشري، والمائة تُشير إلى كمال عدد الجماعة. كأنه خرج بكل طاقاته البشرية وبكل رجاله، لكنهم لم يحملوا الطبيعة السماوية (رقم 1000) لذلك فشل وهلك.



    3. تذمر الشعب:
    أ. اشتهى الشعب في أول ضيقة تصادفه بعد الرحيل، أن يعود إلى حياة العبودية عوضًا عن حياة الحرية ومعها الجهاد، مع أنه "من الأفضل لنا أن نموت ونحن في الطريق نبحث عن حياة الكمال عن أن نمتنع عن البحث عنها"[181].

    ب. طلب موسى من الشعب أن يقفوا وينظروا خلاص الرب الذي يصنعه لهم... قائلاً لهم: "الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون" [14]. إنه لا يدفعهم للحرب مع فرعون كما فعل معهم في حربهم مع عماليق وغيرهم فيما بعد، لأنهم لم يختبروا بعد المن السماوي ولا الشراب الروحي، خروجوا من مصر بلا خبز للجهاد... هكذا لا يطالب الإنسان بالجهاد إلاَّ بالقدر الذي يناسب إمكانياته وقدراته!



    4. صرخة موسى الصامتة:
    يقول الرب لموسى: "مالك تصرخ إليّ" [15]، مع أن موسى لم يصرخ له علانية أمام الشعب، بل كان يحدث الشعب المتذمر في مرارة قلب يبعث فيهم روح الرجاء في الخلاص قائلاً: "الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون".

    بلا شك صرخ موسى في قلبه صرخة مرارة هزت السماء، سمعها الله وحده دون الشعب، وجاءت الاستجابة سريعة... وقد اهتز كثير من الآباء لهذه الصرخة الصامتة فسجلوا تعليقات قوية إيمانية، نذكر منها:

    قال العلامة أوريجانوس: [إن الله يسمع صرخات القديسين الصامتة بالروح القدس[182]]، وفي موضع آخر يعلق على هذه العبارة هكذا: [قال الله لموسى: "لماذا تصرخ إليَّ؟ بينما لم يصرخ موسى بصوت مسموع قط، ولا سجل سفر الخروج أنه فعل هذا، لكن موسى صرخ صرخة قوية، قدمها كصلاة يسمعها الله وحده! لهذا يقول أيضًا داود: "بصوتيّ إلى الرب صرخت، فاستجاب ليّ" (مز 77: 7) [183]].

    يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [تستطيع أن تضبط أفكارك وتسبح الله دون أن يسمعك آخر، حتى وإن كنت في السوق، فقد صلى موسى هكذا وسمع له، إذ قال الرب: "لماذا تصرخ إليّ"، مع أنه لم ينطق بشيء، وإنما صرخ في فكره بقلب منسحق حيث سمعه الله وحده، فليس ثمة ما يمنع من أن يصلي الإنسان وهو يسير في الطريق فيسكن الأعالي[184]].

    كما يقول: [حنة أيضًا لم يُسمع صوتها، نالت كل اشتياقها قدر ما صرخ قلبها (1 صم 1: 13). (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و التفاسير الأخرى). هابيل أيضًا لم يصلِ فقط بصمت، وإنما صلى عندما مات، إذ أصدر دمه صرخة أقوى من صوت البرق (تك 4: 10)... أيضًا "من الأعماق صرخت إليك يا رب"، من الأعماق أي من القلب يصدر الصوت وتكون صلاتك سرًا[185]].

    ويقول القديس غريغوريوس أسقف نيصص: [الفكر الذي ارتفع من موسى نحو الله دُعي صرخة، ولو أنها تمت في فكر القلب الداخلي دون صوت![186]].



    5. عبور البحر الأحمر:
    سلك الشعب بالإيمان إذ رأوا البحر أمامهم فانفتح لهم طريق ونجوا، أما الأعداء فرأوا الطريق بالعيان فساروا فيه، فغرقوا وهلكوا. ويلاحظ في هذا العبور الآتي:

    أولاً: عبور البحر الأحمر هو رمز المعمودية، حيث ينعم المؤمن بالخلاص خلال الدفن مع المسيح المتألم والتمتع بقوة قيامته، ويهيج إبليس وجنوده وتباد أعماله الشريرة. وكما يقول القديس غريغوريوس أسقف نيصص: [إلى الآن حينما يدخل الشعب مياه التجديد، هاربين من مصر (رمزيًّا محبة العالم)، أي من ثقل الخطية، يتحرر ويخلص، أما إبليس وخدامه، أقصد بلا شك الأرواح الشريرة - فإنهم يُصدمون بالحزن ويهلكون، حاسبين خلاص البشرية شرًا بالنسبة لهم[187]].

    يقول القديس أغسطينوس: [تحرر شعب الله من مصر (رمزيًا محبة العالم) بعظمتها واتساعها واُقتيد إلى البحر الأحمر، لكي تكون فيها نهاية أعدائهم (الشياطين) في المعمودية. لأنه بهذا السر- كما في البحر الأحمر - يتقدسون بدم المسيح بينما تهلك الخطايا المقتفية آثارهم...[188]].

    ويقول القديس جيروم: [إذ ندم فرعون وجنوده أنهم أطلقوا شعب الله من مصر غرقوا في البحر الأحمر، فصار ذلك رمزًا لعمادنا. وقد وصف سفر المزامير هلاكهم قائلاً: "أنت شققت البحر بقوتك. كسرت رؤوس التنانين في المياه. أنت رضضت رؤوس لوياثان" (مز 74: 13-14). لهذا تسكن الحيات والعقارب الأماكن الجافة (تث 8: 15)، أما إذا اقتربت إلى المياه فإنها تصير في حالة هياج أو جنون[189]].

    ويرى القديس اغريغوريوس أسقف نيصص أن غرق فرعون وقواده ومركباته وكل إمكانياته الحربية إنما يُشير إلى موت الشر بكل طاقاته من طمع وشهوة وأفكار شريرة وغضب وحقد وحسد... الخ في مياه المعمودية السرية[190]. ويرى أنه كما التزم الشعب في سرّ الفصح بأكل الفطير غير المختمر حتى لا يخلطوا دقيق المحصول الجديد بخميرة من المحصول القديم. هكذا يليق بنا بعد عبورنا مياه المعمودية ألاَّ نترك لقوات فرعون أن تعيش في حياتنا، إنما تكون لنا الحياة الجديدة دون عودة لأعمال الإنسان القديم[191].

    ثانيًا: يرى البابا أثناسيوس الفارق بين السيِّد المسيح الذي ينتهر البحر ويأمر الرياح فتطيعه بسلطانه الإلهي (مز 4: 37-41)، وبين انشقاق البحر الأحمر الذي تم على يد موسى لكن بأمر إلهي إذ يقول: [وإن كان البحر الأحمر قد انشق بواسطة موسى، لكن ليس موسى هو الذي فعل هذا، لأن ما قد حدث تم بناءً على أمر إلهي وليس بسبب كلام موسى[192]].

    ثالثًا: ليتنا نتمثل بموسى النبي فنمسك بعصا الرب، أي صليبه المقدس، ونضرب بها أمواج الخطية الثائرة داخلنا فينفتح لنا طريق يهلك أعداءنا الروحيين.

    يرى العلامة أوريجانوس في هذه العصا أيضًا الناموس أو الوصية الإلهية إذ يقول: [إضرب الأمواج الهائجة بعصا موسى فينفتح لك طريق وسط أعدائك[193]].

    رابعًا: أعلن هذا العمل حب الله للإنسان وعمله الخلاصي، إذ يقول العلامة أوريجانوس: [المياه تصير جبالاً! المياه الراجعة تصير سورًا!... ويظهر عمق البحر، وإذا هو رمال فقط! ليتك تدرك محبة الخالق، فإنك إن أطعت إرادته وحفظت ناموسه يسخر الأشياء لتعمل ضد طبيعتها لأجل خدمتك[194]].

    تظهر محبة الله أيضًا في انتقال عمود السحاب من أمامهم إلى الوراء [19]، حتى يحجبهم عن أعين فرعون وجنوده ويكون حماية لهم.

    خامسًا: يرمز هذا الخلاص لعمل السيِّد المسيح من جوانب كثيرة منها[195]:

    أ. قسّى فرعون قلبه لكي يهلك الشعب فغرق هو وجنوده، وقسّى إبليس أيضًا قلبه فأراد أن يقتل السيِّد المسيح ويُبيد اسمه من كورة الأحياء، وإذا به هو يهلك مع جنوده.

    ب. رأى فرعون البحر منشقًا فاندفع وراء الشعب ليهلكه بدلاً من أن يخاف ويرتعب، ورأى إبليس الطبيعة ثائرة في لحظات الصليب ولم يبال بل اندفع ليكمل الصليب.

    ج. ضرب موسى البحر بالعصا فغرق فرعون، وضرب السيد المسيح إبليس بخشبة الصليب فأغرقه في الجحيم.

    د. بعد العبور اجتاز الشعب البرية، ونحن أيضًا إذ تمتعنا بعمل الصليب في المعمودية نجتاز برية هذا العالم مع قائدنا يسوع المسيح حتى نبلغ أورشليم السماوية.

    سادسًا: يعلق القديس غريغوريوس أسقف نيصص على العبارة: "فخاف الشعب الرب وآمنوا بالرب وبعبده موسى" [31] قائلاً: [من يعبر البحر ويرى المصريين (الملذات الأرضية) موتى داخله كما سبق فشرحت، لا يعود ينظر موسى وحده كحامل عصا الفضيلة، إنما يؤمن بالله ويكون مطيعًا لموسى [31]. نحن أيضًا نرى ذات الأمر يحدث مع الذين يعبرون المياه مكرسين حياتهم لله، وفي طاعة وخضوع للذين يخدمونه في الكهنوت (عب 13: 17)[196]].


    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://temaf-erene.yoo7.com
    ثروت
    خادم المنتدي
    خادم المنتدي
    ثروت


    عدد الرسائل : 5787
    العمر : 55
    الموقع : https://temaf-erene.yoo7.com
    تاريخ التسجيل : 10/06/2008

    تفسير سفر الخروج Empty
    مُساهمةموضوع: رد: تفسير سفر الخروج   تفسير سفر الخروج Emptyالأحد 28 أغسطس 2011, 3:58 pm


    تفسير سفر الخروج 15
    لم نسمع من الشعب قبل العبور سوى الصراخ والأنين والشكوى. ولكنهم سبحوا فوراً عقب خروجهم للحرية، سبحوا في فرح لخلاصهم من العبودية. والنفس التي مازالت مستعبدة للخطية بالقطع لا تستطيع التسبيح أما من تحرر من الخطية فلا يستطيع أن يكف عن التسبيح لذلك يقول المزمور (137) "على أنهار بابل (حيث كان الشعب في السبي) هناك بكينا على الصفصاف علقنا أعوادنا.. كيف نرنم ترنيمة الرب في أرض غريبة"

    وهذه أول ترنيمة في الكتاب المقدس وقد كتبها موسى بالتأكيد فهي تشبه أشعار المصريين فالله يستغل إمكانيات أولاده ومواهبهم. وهنا الله استغل ثقافة موسى وترمز هذه التسبحة لتسبحة المفديين في السماء، إذ خلصهم الله وعبر بهم من العالم إلى السماء (رؤ3:15) لهذ1 وضعتها الكنيسة في التسبحة اليومية بكونها الهوس الأول وكلمة هوس تعني تسبحة، لتؤكد لأولادها ضرورة التسبيح لله وتقديم الشكر المستمر من أجل عمله الخلاصي معنا. وكنيستنا تهتم بالتراتيل والتسابيح والمزامير والألحان وتعلمنا ذلك لنشكر الله على أعماله العظيمة معنا. فعلينا أن نسبح الله إذا حصلنا على أي نعمة، ونسبحه فوراً كما فعل الشعب إذ سبحوا الله حالما خرجوا، لنسبحه قبل أن نفتر وننسى.



    (آية1): "حينئذ رنم موسى وبنو إسرائيل هذه التسبيحة للرب وقالوا أرنم للرب فانه قد تعظم الفرس وراكبه طرحهما في البحر."

    ارنم للرب= فالرب هو موضوع تسبيح موسى. فهو مصدر قوته (آية2). ومن شعر أن الرب قوته لابد وأن يكون الرب تسبحته ونشيده. ومن شعر أن الرب خلاصه فلابد أن يعظم اسمه= فإنه قد تعظم. وموسى شعر أن الرب خلاصه ونجاته لذلك هو يعبده ويسبحه إذ هو إلهه وإله آبائه (آية2). وعظمته ظهرت في أعماله. ومن الذي يرنم؟ هو الشعب المفدي الذي اعتمد في البحر. والآن من الذي يسبح؟ الشعب المفدي بدم المسيح ، والمعمد والتائب (فالتوبة معمودية ثانية). ونحن بالمعمودية إذ ندفن مع مسيحنا المصلوب ونقوم معه في جدة الحياة ينفتح لساننا الداخلي لنسبح الرب ونشكره. الفرس وراكبه طرحهما في البحر= ونحن نسبح المسيح الذي تمجد بالصليب حيث داس إبليس وكل قواته، ليعتق الذين سبق فأسرهم. وكان هذا الجزء من الترنيمة هو القرار الذي يردده الشعب مع مريم (راجع آية21).



    (آية2): "الرب قوتي ونشيدي وقد صار خلاصي هذا الهي فأمجده إله أبي فارفعه."

    إله أبي= أي أن مراحم الرب من جيل إلى جيل. هي كانت لأبائنا وهي لنا.



    (آية3): "الرب رجل الحرب الرب اسمه."

    الرب رجل الحرب= هو الغالب في الحروب التي يثيرها أعداء شعبه وهو قدير في ذلك وهي تشير للإله المتجسد الذي حارب وغلب بالصليب. الرب إسمه= أي يهوه أسمه.



    (آية5): "تغطيهم اللجج قد هبطوا في الأعماق كحجر."

    اللجج= الماء الكثير. هبطوا.. كحجر= القديس يكون كسحابة خفيفة فهو يشتاق للسماويات (أش1:19 هذه عن العذراء + عب1:12). أما الأشرار فهم كالرصاص ثقيل ومنجذب لأسفل (زك7:5،Cool. فالروح يشتهي ضد الجسد والجسد يشتهي ضد الروح. فمن يستجيب للروح يصير سماوي ينتمي إلى فوق وأما الجسداني ينتمي إلى أسفل ويغرق. والبحر يشير للعالم بخطاياه وأمواجه تشير لاضطراب العالم ومن يستجيب لشهوات جسده يغرق في أمواج هذا العالم ويهلك.



    (آية6): "يمينك يا رب معتزة بالقدرة يمينك يا رب تحطم العدو."

    يمينك يا رب= اليمين تشير للقدرة والقوة. معتزة بالقدرة= ممجدة بقدرتها والمسيح هو قوة الله (1كو24:1). إذن الابن هو يمين الرب الذي حطّم العدو بصليبه.



    (آيةCool: "وبريح انفك تراكمت المياه انتصبت المجاري كرابية تجمدت اللجج في قلب البحر."

    بريح انفك= قد تشير للرياح التي شقت البحر ثم جمعته ثانية ليغرق المصريين وريح الأنف تشير للغضب الإلهي على أعدائه. تراكمت المياه= أي وقفت كسد على الجانبين. تجمدت اللجج= وقفت المياه عن الجريان وصارت كجسم صلب.



    (آية9): "قال العدو اتبع أدرك اقسم غنيمة تمتلئ منهم نفسي اجرد سيفي تفنيهم يدي."

    قال العدو= هذا كان تصور فرعون حينما وجد الشعب أمام البحر وهو وجيشه من وراء أن الشعب صار في قبضة يده وأنه سيفترس الشعب. وهذا هو تصور إبليس عن المسيح إذ تصور أنه يمسك به على الصليب. وهذا هو تصوره عن الشهداء وعن كل من في ضيقة أنهم سيكونون غنيمة له بسبب ضعفهم. فعمل إبليس هو الإرهاب المستمر حتى يخيفنا لعل أحد يستسلم فيقع في قبضته.



    (آية11): "من مثلك بين الآلهة يا رب من مثلك معتزاً في القداسة مخوفاً بالتسابيح صانعاً عجائب."

    من مثلك= ليس لله شبيه في قدرته وحبه وفي طبيعته هو الغير مدرك وغير منظور ولا متغير. معتزاً في القداسة= الرب كلي القداسة وكل الخلائق تمجد قداسته مخوفاً بالتسابيح= أي تسبحه الخليقة في خوف.



    (آية12): "تمد يمينك فتبتلعهم الأرض."

    تبتلعهم الأرض= ربما حدث زلزال فتح الأرض وابتلع أعداداً منهم (مز18:77) وهذا حدث بعد ذلك مع قورح وجماعته ولكن المقصود غالباً هو البحر، والأرض كناية فالأرض تشمل الماء واليابسة، وقيلت هكذا كنبوة عن عمل المسيح ضد إبليس. والأرض تبتلع كل من وضع رجاؤه فيها ويشتهيها غير ناظر للسماويات.



    الآيات (13-18): "ترشد برأفتك الشعب الذي فديته تهديه بقوتك إلى مسكن قدسك. يسمع الشعوب فيرتعدون تأخذ الرعدة سكان فلسطين. حينئذ يندهش أمراء أدوم أقوياء موآب تأخذهم الرجفة يذوب جميع سكان كنعان. تقع عليهم الهيبة والرعب بعظمة ذراعك يصمتون كالحجر حتى يعبر شعبك يا رب حتى يعبر الشعب الذي اقتنيته. تجيء بهم وتغرسهم في جبل ميراثك المكان الذي صنعته يا رب لسكنك المقدس الذي هيأته يداك يا رب. الرب يملك إلى الدهر والأبد."

    هي نبوة عن عناية الله بشعبه بعد خروجهم من مصر وحتى يصلوا إلى أرض الميعاد مسكن قدسه، أي حيث يسكن الرب في هيكله وسط شعبه. والله هو الذي قادهم برأفته ليس عن استحقاق لهم= ترشد برأفتك. يسمع الشعوب فيرتعدون= (راجع يش9:2-11 + عد21). فهذا حدث فعلاً لكنه نبوة عن فزع مملكة إبليس من عمل المسيح. حتى يعبر الشعب الذي إقتنيته= أي اشتريته فالله اشترانا بفدائه العجيب. وتكرار موسى حتى يعبر شعبك هو إعلان ان غاية العمل هو الخلاص والعبور إلى الأبدية. وربما ترديدها مرتين هو للإعلان عن أن الله سيقبل الأمم مع اليهود (أي أن العبور للشعبين). (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). تغرسهم في جبل ميراثك لقد أقيم الهيكل فعلاً على جبل المريا. والله لا يغرس شعبه في أماكن شريرة وفاسدة بل على جبل أي في السماويات. وعلى جبل يعني أنه على أساس راسخ قوي شامخ. الله يريدنا أن نسكن في الأعالي. وقوله ميراثك لأن الله اقتني الشعب لذاته. المقدس الذي هيأته يداك= هذه تشبه الحكمة بنت بيتها (أم3:9). فهذا الأمر يخص تجسد المسيح، فإن الرب أخذ له جسداً ليس من زرع بشر بل بالروح القدس ومن بطن العذراء. الرب يملك إلى الدهر= عكس فرعون الذي هلك أمامهم.

    (آية19): "فان خيل فرعون دخلت بمركباته وفرسانه إلى البحر ورد الرب عليهم ماء البحر وأما بنو إسرائيل فمشوا على اليابسة في وسط البحر."

    وبنو إسرائيل فمشوا على اليابسة وأولاد الله قادرون أن يعيشوا وسط العالم بتقلباته وأمواجه وهم كأنهم على يابسة.



    (آية20): "فأخذت مريم النبية أخت هرون الدف بيدها وخرجت جميع النساء وراءها بدفوف ورقص."

    لا نعرف لمريم سوى هذا التسبيح فلم يذكر لها أي عمل آخر في الكتاب. ومن نبوة ميخا (مي4:6) نفهم أن مريم كانت من القادة. وأنه لعمل عظيم أن يقود أحد شعب الله ويعلمه التسبيح. أخت هارون= فموسى تربي في القصر وظلت مريم تدعى أخت هرون طوال فترة غياب موسى في القفر ثم هربه في البرية بالإضافة إلى أن هرون هو الأكبر سناً وأن موسى يميل لإنكار ذاته. بدفوف ورقص= كان الرقص يستخدم في التسبيح وداود رقص أمام تابوت الرب. ولكن هذا بطل لأن الرقص استخدم استخداماً دنيئاً.



    الآيات (22-25): "ثم ارتحل موسى بإسرائيل من بحر سوف وخرجوا إلى برية شور فساروا ثلاثة أيام في البرية ولم يجدوا ماء. فجاءوا إلى مارة ولم يقدروا أن يشربوا ماء من مارة لأنه مر لذلك دعي اسمها مارة. فتذمر الشعب على موسى قائلين ماذا نشرب. فصرخ إلى الرب فأراه الرب شجرة فطرحها في الماء فصار الماء عذباً هناك وضع له فريضة وحكما وهناك امتحنه."

    ما أن عبر الشعب وفرح وتهلل حتى بدأت التجارب والآلام، إذ شعروا بالعطش فتذمروا على موسى، إذ وجدوا ماءً مراً لا يقدر أن يرويهم. وأرشد الرب موسى عن شجرة ألقاها في المياه فصارت حلوة. وكان هذا هو أول دروس مدرسة الإيمان وقد فشل الشعب في فهم الدرس أن الله يستطيع كل شئ. كان هذا امتحان= هناك إمتحنه والله لا يمتحن شعبه ليعرف إن كان سيجتاز الإمتحان وينجح أو أنه لن يجتازه فيرسب فالله يعلم مقدماً نتيجة الامتحان. لكن الله كان قد اظهر قوته للشعب في معجزات عديدة والآن فالله يُثَّبِتْ لهم أنه قادر على كل شيء (هذه هي التمارين التي تعطى للطالب ليقوم بحلها بعد أن شرحت له النظرية، ويكون هذا لتثبيت النظرية في ذهن الطالب) والشجرة كانت ترمز للصليب الذي حول مرارة حياتنا إلى عذوبة وعوض ما نحمله من أعمال الإنسان القديم نتمتع بالطبيعة الجديدة التي صارت لنا في المسيح يسوع.

    وإن تعقدت المشاكل أمامنا فلنسبح للمسيح أن يتدخل فيها فيحول ما هو للموت إلى ما هو للحياة وإن عشنا بمنطق الصليب لا يصبح فينا مرار داخلي بل سيكون كل شيء حلو في حياتنا فنحن إن قبلنا أن نحمل الصليب مع المسيح لن نتذمر وتتحول ألامنا إلى عذوبة وتسبيح.

    ولنلاحظ أن أول ضربات موسى كانت تحويل الماء إلى دم وأول معجزات البرية تحويل الماء المر إلى ماء عذب وأول معجزات المسيح تحويل الماء إلى خمر (رمز الفرح). وهل يمكن وسط هذا العالم بآلامه أن يكون هناك فرح؟! هذا هو سر الصليب. فمن يقبل أن يحمل الصليب وراء المسيح تتحول حياته إلى عذوبة لأنه سيقبل داخله فرحة القيامة سيكون كل جهاد وتغصب وألم له طعم القيامة. هي حياة الرجاء في الأمور العتيدة ومن إنشغل بالحياة الأبدية فحتى الآلام ستكون لها طعم آخر.



    (آية26): "فقال أن كنت تسمع لصوت الرب إلهك وتصنع الحق في عينيه وتصغي إلى وصاياه وتحفظ جميع فرائضه فمرضاً ما مما وضعته على المصريين لا أضع عليك فإني أنا الرب شافيك."

    إن سمعوا لصوت الله يحول لهم مرارة الحياة إلى عذوبة فيقيهم من الأمراض التي ضرب بها المصريين لعنادهم. وإن مرضوا يشفيهم. والله استغل درس تحويل الماء المر إلى ماء عذب ليشرح أنه قادر على تحويل الماء المر في حياتنا أو أي مرارة في حياتنا لعذوبة. هو قادر أن يحميهم ويحمينا من آلام العالم وإن أصابتهم هذه الآلام قادر أن يشفيهم ويشفينا منها. ولكن إن سلكوا بالعصيان فسيعاملهم كما عامل المصريين.



    (آية27): "ثم جاءوا إلى ايليم وهناك اثنتا عشرة عين ماء وسبعون نخلة فنزلوا هناك عند الماء."

    إيليم بها تعزيات كثيرة نخيل وماء كثير. فالله يسمح لنا بأن نعبر من مارة إلى إيليم أي خلال جهادنا في حياتنا ننتقل من فترة آلام إلى فترة تعزيات إستعداداً لفترة آلام أخرى وبعدها تعزيات أخرى وهكذا وفي كل مرحلة ينمو الإيمان تدريجياً. وفترات التعزية هي عربون لأفراح السماء، كما أن إيليم هي عربون لكنعان المتجه إليها الشعب، فهذا النخيل وعيون الماء هي عربون الأرض التي تفيض لبناً وعسلاً. وإن سمح الله ببعض الآلام خلال الرحلة فهذه ليست النهاية بل من المؤكد أن هناك أفراح تعقب الآلام. فهناك إيليم بعد كل مارة. وتشير ال12 عين ماء للإثني عشر تلميذاً والسبعين نخلة للسبعين رسولاً (فالعبور كان من العهد القديم للعهد الجديد) ويشيروا للإثني عشر سبطاً والسبعين شيخاً بمعنى أن الله ملتزم ومتكفل بكل واحد في شعبه يعوله ويشبعه ويعزيه.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://temaf-erene.yoo7.com
    ثروت
    خادم المنتدي
    خادم المنتدي
    ثروت


    عدد الرسائل : 5787
    العمر : 55
    الموقع : https://temaf-erene.yoo7.com
    تاريخ التسجيل : 10/06/2008

    تفسير سفر الخروج Empty
    مُساهمةموضوع: رد: تفسير سفر الخروج   تفسير سفر الخروج Emptyالأحد 28 أغسطس 2011, 3:59 pm

    تفسير سفر الخروج 16
    1. في برية سين:
    في سفر الخروج يقول: "ثم ارتحلوا من إيليم وأتى كل جماعة بني إسرائيل إلى برية سين" [1]، أما سفر العدد فيوضح بأكثر تفصيل قائلاً: "ثم ارتحلوا من إيليم ونزلوا على بحر سوف ونزلوا في برية سين" (عد 33: 10-11).

    يرى العامة أوريجينوس إن إيليم تعني "الأكباش"، ولو أن البعض يرى أنها تعني "الأشجار". في رأيه أن الأكباش تمثل قادة القطيع حيث الاثنا عشر تلميذًا (عين ماء) والسبعون رسولاً (نخلة)، هؤلاء قادوا بالمسيح يسوع الشعب إلى شاطئ بحر سوف (عد 33: 10)، لكنه من الجانب المملوء أمانًا، إذ عبروه مرة واحدة، وفيه هلك إبليس وجنوده. الآن "يستطيعون أن ينظروا البحر ويرون أمواجه، لكنهم لا يخافون حركاته ولا عواصفه"[222].

    ارتحلت الجماعة المقدسة من بحر سوف ونزلت إلى برية سين، وهي المدينة التي أنزل الله فيها المنّ للشعب للمرة الأولى، ولعلَّ موضعها الآن دبة الرملة، وهي كومة رمال عند سفح جبل التيه. ويرى العلامة أوريجينوس أن "سين" تعني "عليقة" أو "تجربة"[223]. فكما أن أول ظهورات الله لموسى كان في العليقة، ليعلن له سرّ التجسد الإلهي، فإنه في سين قدم الله لشعبه لأول مرة المنّ - إشارة أيضًا إلى السيِّد المسيح النازل من السماء شبعًا للنفس البشرية. أما معناها "تجربة"، إنما ليذكرنا أنه حيث توجد الإعلانات يجب أن يكون لنا روح التمييز (1 كو 2: 5)، لئلا يخدعنا عدو الخير بتجاربه التي يظهر فيها أحيانًا كملاك نور (2 كو 11: 4)، لتضليل إن أمكن حتى المؤمنين.



    2. تذمر الشعب:
    إذ مضى شهر على خروجهم من أرض العبودية قدموا لله تذمرًا عوض تسبحة الشكر والحمد له، إذ قالوا لموسى وهرون: "ليتنا متنا بيد الرب في أرض مصر، إذ كنا جالسين عند قدور اللحم نأكل خبزًا للشبع، فإنكما أخرجتمانا إلى هذا القفر لكي تميتا كل هذا الجمهور بالجوع" [3].

    يقول الكتاب: "رجعوا بقلوبهم إلى مصر"، حقًا لقد ذاقوا مرارة العبودية والذل واختبروا عربون أرض الموعد ومارسوا حياة الغلبة والنصرة ومع هذا كانوا في كثير من الأوقات يشتاقون إلى رائحة قدور اللحم، إلى "شهوة العين وشهوة الجسد وتعظم المعيشة". أمام لذة الخطية الدنيئة ينسى الإنسان بركات الله ونعمه، مشتهيًا الذل عن الحرية!

    لقد حذرنا كثير من الآباء من "شيطان النهم"، حتى لا تصير آلهتنا هي بطوننا، وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [تذكر اليهود قدور اللحم فظهر استبداد البطن العظيم[224]]. وعندما تحدث الأب أوغريس عن حروب الشيطان خلال الأفكار الشريرة الثمانية اعتبر "الشراهة في الأكل" هو أول هذه الأفكار[225]. ويسمي القديس يوحنا كليماكوس المعدة بالسيِّد المستبد، كما يقول: [كن سيِّدًا على معدتك قبل أن تسود هي عليك. الذي يرعى شرهه ويأمل في التغلب على روح الفجور يشبه من يحاول أن يخمد النار بزيت[226]]، ويقول الأب يوحنا من كرونستادت: [تأكد تمامًا أن العدو يهاجم القلب عن طريق امتلاء البطن].

    هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى كان التذمر جزءًا من طبيعة هذا الشعب. إذ يتسلط على قلبهم ويبررونه بسبب أو بآخر، لذا يشبههم القديس يوحنا الذهبي الفم بالأطفال الصغار الذين يوجدون كل علة للتذمر والهروب من المدرسة، إذ يقول: [كانت البرية بالنسبة لهم مدرسة، وكأطفال طال بهم الوقت في المدرسة يريدون الانقطاع عنها، هكذا كان هؤلاء يرغبون في الرجوع إلى مصر باكين قائلين: لقد ضعنا، لقد متنا! [3][227]].

    لم يكن الجوع هو السبب في التذمر بل كان ذلك طبعهم، فإنهم حتى بعد أن قدم لهم هذا الطعام اليومي الطازج الذي لا يتعبون فيه، لم يكفوا عن التذمر، بل عادوا يبكون قائلين: "من يطعمنا لحمًا؟ قد تذكرنا السمك الذي نأكله في مصر مجانًا والقثاء والبطيخ والكرات والبصل والثوم. والآن قد يبست أنفسنا. ليس شيء غير أن أعيننا إلى هذا المن؟! (عد 11: 4-6). وكما يقول القديس جيروم: [احتقروا طعام الملائكة وتنهدوا على لحم مصر. صام موسى أربعين يومًا وأربعين ليلة على جبل سيناء مظهرًا أن الإنسان لا يعيش على الخبز وحده بل على كلمة الله. يقول الرب إن الشعب شبع فصنع أوثانًا. كان موسى يتسلم الشريعة المكتوبة بإصبع الله بمعدته الخاوية، أما الشعب فأكل وشرب وقام ليلعب أمام العجل الذهبي، مفضلين العجل المصري عن جلالة الرب. حقًا لقد ضاع تعب أيام كثيرة كهذه خلال الشبع لساعة واحدة[228]].



    3. المنّ والسلوى:
    تذمر الشعب ولم يكن لدى موسى خزائن مادية لتُشبع جوعهم، لكنه إذ قبل عار المسيح حاسبًا إيّاه غنى أعظم من خزائن مصر (عب 11: 26)، لم يتركه الرب هو وشعبه معتازين إلى شيء. وكما يقول القديس أمبروسيوس: [حسب موسى خزائن مصر خسارة بالنسبة له، مظهرًا في حياته عار صلب الرب. لم يكن غنيًا حين كان معه مال وفير (في قصر فرعون) ولا افتقر حين صار في عوز إلى طعام، اللهم إلاَّ إذا ظن أنه كان أقل سعادة حين كان في احتياج إلى الطعام اليومي ليشبع شعبه. لكنه قدم له من السماء المنّ الذي هو طعام الملائكة، علامة الخير العظيم والطوباوية... كما كان سيل من اللحم يمطر عليه ليشبع الجموع[229]].

    هذا المنّ يُشير إلى السيِّد المسيح الذي قدم جسده المقدس غذاءً للنفس، إذ قال: "الحق الحق أقول لكم ليس موسى أعطاكم الخبز من السماء بل أبي يعطيكم الخبز الحقيقي من السماء، لأن خبز الله هو النازل من السماء الواهب حياة للعالم... آباؤكم أكلوا المنّ في البرية وماتوا. هذا هو الخبز النازل من السماء إن أكل أحد من هذا الخبز يحيا إلى الأبد، والخبز الذي أنا أعطي هو جسدي الذي أبذله من أجل حياة العالم" (يو 6).

    فيما يلي مقارنة مبسطة بين المنّ القديم والمنّ الجديد:

    أ. بعد العبور كان يلزم للشعب أن يأكل طعامًا جديدًا غير طعام أرض العبودية، يشبع كل واحد منهم. ونحن أيضًا إذ دخلنا عهدًا جديدًا قدم لنا السيِّد طعامًا روحيًا حقيقيًا، يقدر أن يُشبع النفس ويهبها حياة أبدية.

    والعجيب إن المنّ بدأ ينزل على الشعب يوم الأحد كما هو واضح من قول الرب لموسى: "وفي اليوم السادس أنهم يهيئون ما يجيئون به فيكون ضعف ما يلتقطونه يومًا فيومًا" [5]، وكان يوم الاستعداد للسبت (الجمعة) هو سادس يوم ينزل فيه المن، فيكون قد بدأ النزول بالأحد. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و التفاسير الأخرى). وبقيامة السيِّد المسيح من الأموات فجر الأحد قدم لنا جسده القائم من الأموات، سرّ قيامة لنفوسنا وأجسادنا. وصار الأحد العيد الكنسي الأسبوعي حيث نتمتع فيه بالمنّ السماوي.

    ب. سقط المنّ من السماء [4]، وأخذ كل واحد قدر احتياجه حسب أكله [18]، فشبع الكل. ونزل السيِّد المسيح كلمة الله من السماء وقدم نفسه سرّ شبع للجميع. قدم نفسه لبنًا للأطفال، وطعامًا دسمًا للناضجين، لكي لا يترك نفسًا في عوز أو جوع.

    ج. الذين أخذوا المنّ بغير إيمان، مخالفين الوصية، ومحتفظين به لليوم التالي صار بالنسبة لهم دودًا ونتنًا. هكذا من يتناول جسد السيِّد بغير إيمان ولا استحقاق يحمل فيه رائحة الموت عوض الحياة والعذوبة التي يذوقها المؤمنون عند تمتعهم به.

    كلمة الله كالمنّ، هي سرّ حياة للتائبين المؤمنين، وسرّ هلاك للمُصرّين على عدم الإيمان.

    في هذا يقول العلامة أوريجينوس: [في المنّ الآن عذوبة العسل بالنسبة للمؤمنين، وفيه دود لغير المؤمنين. إن كلمة الله (السيِّد المسيح) يفند الأفكار الشريرة وينخس ضمير الخطاة بالمناخس الحادة ويضرم نارًا في قلوب الذين يفتحون له، حتى يقولوا: "ألم يكن قلبنا ملتهبًا فينا وهو يفسر لنا الكتب؟!" (لو 24: 32). وعلى العكس هو نار تحرق الأشواك التي على الأرض الرديئة[230]].

    من يجمع منًا ليحتفظ به دون أن يأكله، أي يسلك مخالفًا للوصية وبغير إيمان، يكون كمن يدرس الكتاب المقدس ويتعرف على الإيمان المسيحي معرفة نظرية، فيكون إيمانه ميتًا كقول معلمنا يعقوب الرسول (يع 2: 14-15، 26). وفي هذا يقول العلامة أوريجينوس: [إن أخذ غير المؤمن كلمة الله ولم يأكلها (أي يعيش بها)، بل أخفاها، يتولد فيها الدود[231]].

    د. قال موسى النبي: "الرب يعطيكم في المساء لحمًا لتأكلوا، وفي الصباح خبزًا لتشبعوا" [8]. ما هو هذا المساء إلاَّ آخر الأزمنة أو ملء الزمان الذي فيه حمل كلمة الله جسدًا، مقدمًا ذاته لنأكل ونشبع! وبمجيئه في ملء الزمان، وسط الظلمة في المساء، أشرق بنوره علينا فتحول مساؤنا نهارًا، ودخلنا في صباح جديد، مقدمًا لنا خبزًا جديدًا تشبع به البشرية المؤمنة.

    مرة أخرى يقول: "في المساء تعلمون أن الرب أخرجكم من مصر، وفي الصباح ترون مجد الرب" [6-7]. ما هو هذا المساء إلاَّ تلك اللحظات التي فيها أسلم السيِّد المسيح الروح في يدي الآب، حيث غطّت الظلمة وجه الأرض، فأخرجنا من عبودية إبليس وحرر الذين كانوا في الجحيم؟! وما هو هذا الصباح الذي فيه رأينا مجد الرب إلاَّ فجر الأحد الذي فيه قام من الأموات وأعطانا قوة قيامته وبهجتها؟!.

    ه. المنّ لم يعرفه الشعب [15]، والسيِّد المسيح تحيّر في حقيقته الشعب (1 كو 2: Cool.

    و. نزل المنّ على الخيام التي تُشير إلى أجسادنا، وجاءنا السيِّد المسيح إلى مساكننا وفي جسدنا، صار كواحد منا.

    ز. نزل المنّ بعد تذمر الشعب، وجاء السيِّد المسيح بعدما قامت العداوة بيننا وبين الله، وكما يقول الرسول بولس: "ونحن أعداء صولحنا مع الله بموت ابنه" (رو 5: 10). وبنزول المنّ أعلن الله حبه ولطفه، برغم تذمر شعبه عليه. ومجيء السيِّد المسيح إلينا علامة رعاية الله ومحبته اللانهائية.

    س. وصف المنّ أنه كدقيق أبيض كالثلج [14]، وصارت ثياب السيِّد المسيح القدُّوس "بيضاء كالثلج" (مز 9: 3).

    ش. طعم المنّ كرقاق بعسل، والسيِّد المسيح "حلقه حلاوة وكله مشتهيات" (نش 5: 6).

    ص. كان الشعب يلتقط المنّ صباحًا فصباحًا... وشركتنا مع ربنا يسوع المسيح متجددة كل يوم، ولقاؤنا معه مبكرًا جدًا "الذين يبكرون إليَّ يجدونني" (أم 8: 17).

    ط. يلتقط المنّ ويطحن ويدق ويطبخ ليصير صالحًا للأكل، والسيِّد المسيح جاء متأنسًا، صُلب وتألم ومات وصار غذاًء وسرّ حياة لمن يأكله (مر 14: 13، 24).

    ظ. إذ احتقر الشعب المنّ ضربهم الله ضربة عظيمة جدًا، ومن يأكل جسد الرب بدون استحقاق ينال دينونة لنفسه (1 كو 11: 27-33).

    أخيرًا فإننا إذ نتحدث عن المنّ نجد فيه صورة حيَّة للشبع والاكتفاء، لكن بغير ترف زائد أو نهم. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [لنا معدة واحدة فقط لكي نملأها. أما أنت يا من تريد أن تقوتها بترف زائد، فإنك تقدم لها ما تريد أن تتخلص هي منه. فكما أن الذين جمعوا (من المنّ) أكثر مما يجب، إذا بهم يجمعون دودًا ونتانة لا منًا، الذين يعيشون في ترف وطمع ونهم وسكر إنما يجمعون لأنفسهم فسادًا وليس طعامًا لذيذًا[232]].



    4. شريعة السبت:
    من جمع لنفسه منًا فائضًا لليوم التالي جمع دودًا ونتانة، وصار موضع سخط الله وغضب موسى النبي، لكنه إذ جاء يوم الاستعداد للسبت إلتزم الجميع بجمع ضعفين، وكان ذلك إشارة إلى الجمع والحفظ ليوم الراحة العظيم. وكما يقول القديس غريغوريوس أسقف نيصص: [هذا اليوم (السابق) إنما هو الحياة الحاضرة التي فيها نعد أنفسنا للأشياء العتيدة[233]].

    ماذا نعد للحياة العتيدة؟ يقول الرسول: "من يزرع لجسده فمن الجسد يحصد فسادًا، ومن يزرع للروح فمن الروح يحصد حياة أبدية" (غلا 6: Cool. ويقول العلامة أوريجينوس: [يليق بنا في اليوم السادس أن نجمع ونخزن ما يكفي لليوم التالي. إن كنت تجمع هنا أعمالاً صالحة، إن كنت تخزن هنا كنوزًا للبرّ والرحمة والتقوى، فإنها تمثل غذاءك في الدهر الآتي. ألا تسمع في الإنجيل أن الذي ربح عشرة وزنات أخذ مقابلها عشر مدن، والذي ربح خمس وزنات أخذ مقابلها خمسة مدن. هذا ما يقوله لنا الرسول بصورة أخرى "ما يزرعه الإنسان إيّاه يحصد" (غلا 6: 7)[234]]. كما يقول: [من خزَّن للسبت لم يفسد ولا أتى فيه دود بل بقى سليمًا، أما إن كُنت تُخزن للحياة الحاضرة حبًا في هذا العالم فسيتولد فيك الدود[235]].



    5. قسط المنّ:
    أمر موسى هرون أن يأخذ قسطًا واحدًا ويجعل فيه ملء العمر منًا ويضعه أمام الرب، يوضع فيما بعد في تابوت العهد. بقى هذا تذكارًا لعمل الله معهم، ويحمل شهادة رمزية لمجيء السيِّد المسيح المنّ الحقيقي النازل من السماء. وقد رأت الكنيسة في القسط رمزًا للقديسة مريم الحاملة للسيِّد المسيح في أحشائها.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://temaf-erene.yoo7.com
    ثروت
    خادم المنتدي
    خادم المنتدي
    ثروت


    عدد الرسائل : 5787
    العمر : 55
    الموقع : https://temaf-erene.yoo7.com
    تاريخ التسجيل : 10/06/2008

    تفسير سفر الخروج Empty
    مُساهمةموضوع: رد: تفسير سفر الخروج   تفسير سفر الخروج Emptyالإثنين 29 أغسطس 2011, 12:41 pm

    تفسير سفر الخروج 17
    آية (1): "ثم ارتحل كل جماعة بني إسرائيل من برية سين بحسب مراحلهم على موجب أمر الرب ونزلوا في رفيديم ولم يكن ماء ليشرب الشعب."

    رفيديم= معناها راحات أو متسعات. بحسب مراحلهم= أي بنظام وترتيب فقد تم تقسيمهم إلى مراحل، وربما تعنى بحسب محطاتهم التي توقفوا فيها (راجع عد12:33) ومن سفر العدد نفهم أنهم قبل رفيديم توقفوا في دفقة ثم ألوش لأن الطريق إلى رفيديم طويل ولا يمكن قطعة مرة واحدة. ولم يكن ماء= إمتحان آخر في مدرسة الإيمان.



    آية (2): "فخاصم الشعب موسى وقالوا أعطونا ماء لنشرب فقال لهم موسى لماذا تخاصمونني لماذا تجربون الرب."

    هذا التذمر يثبت أن فهمهم أو إيمانهم مازال ضعيفاً وهم مازالوا في حاجة لمزيد من الامتحانات والتجارب حتى يثبت إيمانهم.



    آية (4): "فصرخ موسى إلى الرب قائلا ماذا افعل بهذا الشعب بعد قليل يرجمونني."

    هذه المرة صرخ موسى بلسانه وليس بقلبه فقط. وهذا درس لكل واحد منا، فحين تقابلنا شدائد وضيقات خلال رحلتنا في برية هذا العالم لنصرخ من قلوبنا لله.



    آية (5،6): "فقال الرب لموسى مر قدام الشعب وخذ معك من شيوخ إسرائيل وعصاك التي ضربت بها النهر خذها في يدك واذهب. ها أنا اقف أمامك هناك على الصخرة في حوريب فتضرب الصخرة فيخرج منها ماء ليشرب الشعب ففعل موسى هكذا أمام عيون شيوخ إسرائيل."

    الصخرة تشير للمسيح (1كو3:10) كما قال بولس الرسول. وضرب الصخرة يشير للآلام التي جاز فيها المسيح والماء الذي تفجر من الصخرة رمز للروح القدس. وما كنا لنحصل على الروح القدس ما لم يضرب المسيح محتملاً ثمن خطايانا على الصليب. والمسيح صُلب مرة واحدة لذلك ما كان يجب أن تضرب الصخرة سوى مرة واحدة. وعلى الصليب طُعِنَ المسيح في جنبه فخرج دم وماء كفارة وتطهيراً لكل من يؤمن به. ولأن إسرائيل كله إشترك في صلب المسيح، والمسيح صُلِبَ أمام الشعب أخذ موسى معه من شيوخ إسرائيل. ولاحظ أن الله لم ينزل مطراً من السماء لئلا يظنه الشعب مطراً عادياً. وهذا الماء لم يكن ماءً عادياً بل أسماه بولس الرسول شراباً روحياً فهو رمز للروح القدس (راجع يو37:7-40). ها أنا أقف أمامك هناك= ربما وقف عمود السحاب عند الصخرة التي سيضربها موسى، والله أرشد موسى لصخرة معينة ليكون حجمها كافياً أن يقف عندها كل الشعب ليشرب. وقد تعني العبارة أن الله سيكون حاضراً هناك بقوته كقادر على كل شيء ليجري المعجزة.

    ولاحظ أن الشعب تمتع بهذه الشراب الروحي بعد [1] ذبح خروف الفصح (الفداء بدم المسيح) [2] عبور البحر (المعمودية) [3] ضرب جيش فرعون وغرقه (هزيمة إبليس) [4] المرور بإيليم (قبول كرازة وتعليم ال12 تلميذ وال70 رسول).



    آية (7): "ودعا اسم الموضع مسة ومريبة من اجل مخاصمة بني إسرائيل ومن اجل تجربتهم للرب قائلين أفي وسطنا الرب أم لا."

    مسة= مخاصمة، مريبة= تجربة.



    آية (Cool: "وأتى عماليق وحارب إسرائيل في رفيديم."

    هذه هي المرة الأولى التي يدخل فيها الشعب في حرب علانية مع شعب آخر، في الحرب مع فرعون قال لهم موسى "قفوا وانظروا خلاص الرب.. الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون" أما الآن وبعد عبور البحر وأكل المن وشرب الماء من الصخرة التزموا أن يحاربوا ليس بقوتهم البشرية إنما خلال عمل الله فيهم. هذه الحرب رمز للحروب الروحية بين ملكوت الله وملكوت إبليس، ويسمح الله لنا بالحروب مع إبليس لنختبر قوة الله التي معنا والتي تنصرنا فننمو في الإيمان. وهذه الحرب مع عماليق درس آخر في مدرسة الإيمان. وعماليق هم نسل عماليق بن اليفاز بن عيسو وكانوا يسكنون جنوبي فلسطين وهم هاجموا مؤخرة الشعب في دناءة وهم مُتعَبون (تث17:25،18). ولعل حرب عماليق كانت تأديب على تذمرهم لأجل الماء، أو الأدق أنه إتضح بتذمرهم أنهم مازالوا في حاجة لمزيد من الدروس حتى يثبت إيمانهم. وهنا كان درس جديد فمن قبل كان الرب يحارب عنهم والآن فالرب يحارب فيهم ويغلب بهم.

    وكلا فرعون وعماليق يمثلوا حروب إبليس وقد لاحظنا أن الكتاب لم يذكر أن فرعون غرق في البحر الأحمر بل إنكسرت قوته فقط. وهكذا إبليس بالصليب إنكسرت قوته لكنه مازال يحارب شعب الله. فرعون يمثل إبليس الذي يستغل لذات العالم ليمنع انطلاقنا من عبوديته، وعماليق يمثل حرب الجسد (الإنسان العتيق الذي فينا رو12:6) فينا بعد أن أصبحنا شعب الله، فعالميق هو ابن أدوم الذي باع بكوريته بأكلة عدس. ولنلاحظ أن الجسد يشتهي ضد الروح والروح يشتهي ضد الجسد فنحن في حرب مستمرة بل حينما نأخذ عطايا جديدة من الروح يهتاج الشياطين ويحاربون ضدنا ولنلاحظ أن المسيح بعد أن حل عليه الروح القدس يوم العماد تعرض لتجربة إبليس مباشرة. وهنا نجد أن الشعب تعرض لحرب عماليق بعد أن شرب الشراب الروحي.



    آية (9): "فقال موسى ليشوع انتخب لنا رجالاً واخرج حارب عماليق وغداً اقف أنا على رأس التلة وعصا الله في يدي."

    فقال موسى ليشوع= هذه أول مرة يذكر فيها اسم يشوع وهو من سبط أفرايم وكان اسمه هوشع وتعنى خلاصي فغيره موسى إلى يشوع وتعني الرب خلاصي. (عد8:13). وهو الذي قاد الشعب بعد موت موسى. ويشوع يرمز للمسيح يسوع. يشوع= يهوشوع= يهوه شع= الرب خلاصي. وكان يشوع يحارب بينما موسى واقف على رأس التلة يصلي وعصا الله في يده= عصا الله أي قوة الله. هذه تشير لقوة شفاعة المسيح بفدائه. هنا نرى موسى واقفاً باسطاً يديه على شكل صليب فشفاعة المسيح كانت بدم صليبه. وقوف موسى بهذا الشكل رمز لغلبة الصليب. ولاحظ أن الشعب تذمر على موسى والآن يرى الشعب أن ذراع موسى المرفوع هو الذي أنقذهم وليست سيوفهم. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). وكان كلا موسى ويشوع يمثلان وجهين مختلفين لعمل المسيح فموسى يمثل المسيح في شفاعته الآن أمام الآب (موسى فوق التل) ويشوع يمثله وهو يحارب مع شعبه وفي شعبه "فهو خرج غالباً ولكي يغلب" (رؤ2:6) فالمسيح بدونه لا نستطيع أن نفعل شئ.



    آية (10): "ففعل يشوع كما قال له موسى ليحارب عماليق وأما موسى وهرون وحور فصعدوا على رأس التلة."

    تقول التقاليد اليهودية أن حور هو زوج مريم وهو جد بصلئيل وهو من سبط يهوذا راجع (خر3:31 + 1أي3:2-20). وبذلك يجتمع فوق التلة موسى وهرون كرئيس كهنة وحور من سبط يهوذا الملك. فالمسيح الذي يشفع فينا هو ملك الملوك ورئيس كهنتنا الأعظم. فصعدوا = لتشير لشفاعة المسيح في السماء.



    آية (12): "فلما صارت يدا موسى ثقيلتين أخذا حجرا ووضعاه تحته فجلس عليه ودعم هرون وحور يديه الواحد من هنا والآخر من هناك فكانت يداه ثابتتين إلى غروب الشمس."

    كان هرون وحور يسندان ذراعي موسى فلكل فرد عمله ودَوْرَهُ مهما كان صغيراً وكما ظل موسى رافعاً ذراعيه حتى الغروب هكذا ظل المسيح على الصليب حتى الغروب. ورفع يدي موسى إشارة لأن الصلاة هي سلاح قوى ضد إبليس "قاوموا إبليس فيهرب منكم" (يع7:4) وقارن مع (مز2:140) "لتكن رفع يدي كذبيحة مسائية".



    آية (14): "فقال الرب لموسى اكتب هذا تذكاراً في الكتاب وضعه في مسامع يشوع فأني سوف أمحو ذكر عماليق من تحت السماء."

    في الكتاب= يبدو أن موسى كان قد بدأ كتابة التوراة.



    آية (15): "فبنى موسى مذبحا ودعا اسمه يهوه نسي."

    يهوه نسي= الرب رايتي أو علمي. فالرب هو علمهم الحقيقي وفي سبيله يجاهدون وبقوته يغلبون. وهو رايتنا نرفعه فوق رؤوسنا وننظر إليه ونفتخر به ونعترف به ونسير بأوامره. إذاً يهوه هو الذي حارب عن إسرائيل وتحت حراسته.



    آية (16): "وقال أن اليد على كرسي الرب للرب حرب مع عماليق من دور إلى دور."

    أن اليد على كرسي الرب= أي أن حرب عماليق ضد الشعب كانت كأنها ضد كرسي الرب لذلك سيحاربهم الرب من دور إلى دور أي مادامت أمة عماليق قائمة أو أمة يهوذا قائمة وهذا قد تحقق فقد حاربهم جدعون ثم شاول الملك ثم كسرهم داود.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://temaf-erene.yoo7.com
    ثروت
    خادم المنتدي
    خادم المنتدي
    ثروت


    عدد الرسائل : 5787
    العمر : 55
    الموقع : https://temaf-erene.yoo7.com
    تاريخ التسجيل : 10/06/2008

    تفسير سفر الخروج Empty
    مُساهمةموضوع: رد: تفسير سفر الخروج   تفسير سفر الخروج Emptyالإثنين 29 أغسطس 2011, 12:42 pm

    تفسير سفر الخروج 18
    1. يثرون يلتقي بموسى النبي:
    "سمع يثرون كاهن مديان حمو موسى كل ما صنع الله إلى موسى وإلى إسرائيل شعبه" [1]، ولعلَّه سمع من ابنته صفورة التي رافقت موسى كل الطريق وعبرت معه البحر الأحمر، وعندما اقتربت من سكن أبيها ذهبت إليه تكرز له بأعمال الله العجيبة، وتأتي بأبيها الكاهن الوثني ليسمع ويرى عمل الله فيقدم "محرقة وذبائح لله" [12].

    إن كان يثرون قد جاء بقلبه يمجد الله على أعماله الخلاصية، فإن موسى أيضًا العظيم في الأنبياء، الذي وهبه كل هذه العجائب لاقى حماه بكل اتضاع... "خرج موسى لاستقبال حميه وسجد وقبله" [7]. النبوة لم تعلِّمه التشامخ على الآخرين بل الاتضاع أمام حميه الكاهن الوثني. ولعلَّه باتضاع كسبه أيضًا للتعرف على أعمال الله.



    2. حديث في الله:
    امتاز هذا اللقاء بأنه كان في الرب، لم يخرج عن تمجيد اسمه، كما امتاز بالفرح الروحي، إذ يقول الكتاب: "ففرح يثرون بجميع الخير الذي صنعه إلى إسرائيل" [9]، "وبارك يثرون الرب" [10]، وشهد له أنه "أعظم من جميع الآلهة" [11]، "وقدم محرقة وذبائح لله" [12].

    ما أجمل اللقاءات التي تسير كلها في دائرة الرب وأعماله الخلاصية العجيبة، فإنها تملأ القلب فرحًا وتطلق اللسان للتسبيح، وتكسب حتى غير المؤمنين للإيمان.

    لم يقف الأمر عند هذا الحد بل يقول الكتاب: "وجاء هرون وجميع شيوخ إسرائيل ليأكلوا طعامًا مع حمى موسى أمام الله" [12]... كأن يثرون عرف الله كصديق له، حتى في أكله وشربه يشعر بوجوده أمام الله. يعلق العلامة أوريجانوس على هذا التصرف قائلاً: [كل ما يفعله القديسون إنما يفعلونه أمام الله، أما الخاطئ فيهرب من وجه الله. فقد كتب عن آدم أنه بعدما أخطأ هرب بعيدًا عن وجه الله (تك 3: Cool... وقايين إذ حمل لعنة الله بقتله. هابيل هرب من وجه الله (تك 4: 16)... وهكذا يهرب من وجه الله من كان غير مستحق لهذا الوجه[251]]. ولا يقف الأمر عند الأمور الصالحة بل حتى عندما يخطئ القديسون أمام الله لذا سرعان ما يتوبون. وكما يقول العلامة أوريجانوس: [الذين ينالون معرفة الله بوفرة ويتشربون تعاليمه الإلهية هؤلاء حتى إن أخطأوا إنما يفعلون هذا في حضرة الله وقدامه، كقول النبي "الشر قدامك صنعت" (مز 50: 6)... فميزة الذي يخطئ أمام الله إنه سريع التوبة، إذ يقول "أخطأت"، وأما الذي يهرب من وجه الله فإنه لا يقدر أن يتوب ولا أن يتطهر من خطاياه. هنا يظهر الفارق بين من يخطئ قدام الله ومن يهرب من الله بخطاياه[252]].



    3. مشورة يثرون:
    أولاً: إذ رأى يثرون موسى يتحمل كل المسئولية بمفرده، يقضي في كل كبيرة وصغيرة، من الصباح حتى المساء، أشار عليه أن يقيم رؤساء ألوف ورؤساء مئات ورؤساء خمسين ورؤساء عشرات، أناس ذوي قدرة، خائفين الله، أمناء، مبغضين الرشوة، يقضون بين الشعب كل حين، أما الدعاوي الكبيرة فتقدم إليه، وأطاع موسى حماه.

    يرى الآباء في موقف موسى البطولة الحقة من جهة اتضاعه، إذ يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [يقول الله عن موسى: "وأما الرجل موسى فكان حليمًا جدًا أكثر من جميع الناس الذين على وجه الأرض" (عد 12: 3). لم يكن من هو أكثر منه اتضاعًا، هذا الذي مع كونه قائدًا لشعب عظيم كهذا، وقد أغرق ملك المصريين (فرعون) وكل جنوده في البحر الأحمر كالذباب، وصنع عجائب عظيمة هكذا في مصر وفي البحر الأحمر وفي البرية، وتسلم شريعة عظيمة هكذا، ومع ذلك كان يشعر أنه إنسان عادي، وكزوج ابنة كان أكثر اتضاعًا من حميه؛ أخذ منه مشورة دون غضب. لم يقل له: ما هذا؟ هل تأتي إليَّ بمشورتك بعد أن قمتُ أنا بكل هذه الإنجازات الضخمة؟ هذه مشاعر أكثر الناس، فقد يقدم إنسان مشورة حسنة لكنها تُحتقر بسبب خسّة مركزه، أما موسى فلم يفعل ذلك، وإنما في اتضاع فكره تصرف حسنًا.

    ازدرى موسى بالبلاط الملكي (عب 11: 24-26) من أجل اتضاعه الحقيقي، لأن التفكير السليم والروح العالية إنما من ثمرة الاتضاع. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و التفاسير الأخرى). أيّ سمو وأي عظمة أن يحتقر موسى القصر الملوكي والمائدة الملوكية؟! فقد كان الملوك عند المصريين يكرَّمون كآلهة، ويتمتعون بغنى وكنوز لا تُقدّر. لكنه ترك هذه كلها، ملقيًا بصولجان مصر، ومسرعًا إلى الالتصاق بالمستعبَدين والمثقَّلين بالأتعاب، الذين يستهلكون كل طاقتهم في الطين وعمل اللّبن، هؤلاء الذين يشمئز منهم عبيده. لقد جرى إليهم، وفضَّلهم عن سادتهم! حقًا إن كل إنسان متضع إنما يحمل روحًا سامية وعظيمة... فإن الاتضاع يصدر عن فكر عظيم ونفس عالية![253]].

    وفي موضع آخر يقول القديس الذهبي الفم: [ترك موسى هذه القصة - أي قبوله مشورة حميه - للعالم، منحوتة كما على عمود، إذ عرف أنها نافعة لكثيرين... إن كان موسى قد تعلم عن حميه أمورًا لائقة لم يكن يدركها، فكم بالأكثر يحدث هذا داخل الكنيسة؟! (أي يستفيد كل واحد من الآخرين). كيف حدث هذا أن غير المؤمن أدرك أمورًا لم يدركها الشخص الروحي؟![254]...].
    ويرى العلامة أوريجانوس في هذا الأمر صورة رمزية لاستخدام الكنيسة لعلوم العالم وفلسفاته، فلا تعاديها، وإنما تنتفع منها بحكمة، إذ يقول: [عندما أتأمل موسى الممتلئ من الله، الذي كان الله يكلِّمه وجهًا لوجه، يستجيب لمشورة يثرون حميه كاهن مديان يصيبني الذهول من فرط إعجابي. يقول الكتاب "سمع موسى لصوت حميه وفعل كل ما قال" [24]. إنه لم يعارض، ولا قال له إن الله يكلمني، وكلمات السماء تسطر ليّ أفعالي، فكيف أقبل نصيحة إنسان، وإنسان وثني، غريب عن شعب الله؟! لكنه سمع له وفعل كل ما قاله له. إن لم ينظر إلى من الذي يحدثه بل استمع إلى الكلمات نفسها. هكذا إن تقابلنا نحن أيضًا مع كلمات بحكمه ينطق بها وثنيون فلا نرفضها من أجل مصدرها، معتذرين أننا تسلمنا الناموس من الله، فننتفخ بالكبرياء ونزدري بكلمات الحكماء...

    موسى الذي كان حليمًا جدًا أكثر من جميع الناس (عد 12: 3) قبِل المشورة من إنسان أقل منه، مقدمًا مثالاً للاتضاع أمام رؤساء الشعب وصورة للسرّ القادم[255]].

    ثانيًا: إن رجعنا إلى سفر العدد نرى موسى يقول للرب: "لماذا أسأت إلى عبدك، ولماذا لم أجد نعمة في عينيك حتى أنك وضعت ثقل جميع هذا الشعب عليّ. ألعلِّي حبلت بجميع هذا الشعب أو لعلِّي ولدته؟!" (عد 11: 11-12).

    ما كان لموسى أن يستثقل عمل الرعاية، لأن الله هو الراعي الحقيقي، والأب غير المنظور الذي يرعى أولاده، لذلك إذ طلب الله من موسى أن يختار سبعين رجلاً قال له: "فأنزل أنا وأتكلم معك هناك وآخذ من الروح الذي عليك وأضع عليهم فيحملون معك ثقل الشعب، فلا تحمله أنت وحدك" (عد 11: 7)، وكأن الرب الذي يعطي موسى سحب منه ليعطي مساعديه...

    إننا لا ننكر أهمية تشغيل الطاقات الروحية في الكنيسة، لكن ليس بروح التذمر ولا بالشعور كأننا نحن الذين نحمل أثقال الشعب... إنما نحمل بركة مشاركتنا السيِّد المسيح، رئيس الكهنة وأسقف نفوسنا الخفي، الحامل ضعفات الكل!
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://temaf-erene.yoo7.com
    ثروت
    خادم المنتدي
    خادم المنتدي
    ثروت


    عدد الرسائل : 5787
    العمر : 55
    الموقع : https://temaf-erene.yoo7.com
    تاريخ التسجيل : 10/06/2008

    تفسير سفر الخروج Empty
    مُساهمةموضوع: رد: تفسير سفر الخروج   تفسير سفر الخروج Emptyالثلاثاء 30 أغسطس 2011, 12:20 pm

    تفسير سفر الخروج 19
    لم يكن ممكناً للخارج من أرض العبودية، السالك في طريق البرية، أن يبلغ أرض الموعد وأن يستقر في أورشليم دون استلامه الشريعة الإلهية أو الوصية (مز19:119). ولنقل أن الله أراد أن يفيض من نعمه على شعبه ولكن هناك شروط حتى يحدث هذا وهذه الشروط هي أن يلتزموا بالوصية والشريعة. وما هي هذه الوصية والشريعة إلا أنها كلمة الله، والمسيح هو كلمة الله، فكيف نفهم هذا؟ أن الوصية تحمل في داخلها السيد المسيح، من يدخل إلى أعماقها ويعيشها بالروح يلتقي بالكلمة الإلهي نفسه. لذلك تحدث مزمور (119) عن الشريعة الإلهية كسند للمرتل في غربته فهي سر فرحه وسط ألام البرية (آيات16،47،103) وسر تسبيحه (54) وسر غناه الداخلي (72) وقائدة للنفس (11،61،92) وسر حياته (25) وسر الاستنارة (105،135).



    الآيات (1،2): "في الشهر الثالث بعد خروج بني إسرائيل من ارض مصر في ذلك اليوم جاءوا إلى برية سيناء. ارتحلوا من رفيديم وجاءوا إلى برية سيناء فنزلوا في البرية هناك نزل إسرائيل مقابل الجبل."

    جاءوا إلى برية سيناء= استقر الشعب هنا من الشهر الثالث للخروج وحتى العشرين من الشهر الثاني للسنة الثانية من الخروج (عد11:10) أي ما يقرب من سنة كاملة حدثت فيها أحداث هامة شملت باقي الخروج وسفر اللاويين والعشرة إصحاحات الأولى من سفر العدد. وهنا في برية سيناء استلموا الوصايا وأقاموا خيمة الاجتماع. وكونه يحدد أن بدء استلام الشريعة هو الشهر الثالث ورقم (3) هو رقم القيامة فهذا يشير لأن الوصية هي سر قيامة لنا في الأمجاد الإلهية.



    آية (3): "وأما موسى فصعد إلى الله فناداه الرب من الجبل قائلاً هكذا تقول لبيت يعقوب وتخبر بني إسرائيل."

    تقول لبيت يعقوب وتخبر بني إسرائيل= بيت يعقوب تشير لشعب اليهود ........... وأما بني إسرائيل فتشير للكنيسة. فإسرائيل هو اسم يعقوب بعد أن أخذ نعمة من الله بل اسمه هو عطية ونعمة من الله، حصل عليه بعد صراع مع ملاك الرب. وهذه الوصايا معطاة لكلا الشعبين لليهود وللكنيسة حالياً جسد المسيح.



    آية (4): "انتم رأيتم ما صنعت بالمصريين وأنا حملتكم على أجنحة النسور وجئت بكم إلىّ."

    حملتكم على أجنحة النسور وجئت بكم إلىّ= النسر يطير عالياً ويحمل صغاره على جناحيه ليحميهم من أي خطر ويطير بسرعة وحين يتعبون يستقرون عليه. وهذا ما عمله الله مع شعبه. فهو أخذ شعبه عالياً (للسماويات) وهو حملنا وحمل شعبه وحفظهم من أي خطر وطار بهم بسرعة (خرج بهم من مصر بسرعة) وهو يعلمهم الطيران (علمهم الجهاد والحرب) ولكنه هو راحتهم. وقوله جئت بكم إلىّ ليختبروا أحشاء محبته ويتعرفوا على أبوته.



    الآيات (5،6): "فالآن أن سمعتم لصوتي وحفظتم عهدي تكونون لي خاصة من بين جميع الشعوب فان لي كل الأرض. وانتم تكونون لي مملكة كهنة وأمة مقدسة هذه هي الكلمات التي تكلم بها بني إسرائيل."

    هذه هي غاية الشريعة تكونون لي خاصة من بين جميع الشعوب، وأنتم تكونون لي مملكة كهنة وأمة مقدسة. مع أن الله له كل الأرض لكنه يريد أن نكون خاصته، هو إله كل الأرض ولكنه يهوه الرب لخاصته، لنا دالة البنوة، هو يحبنا وهو كل شيء لنا ونحن نحبه ونخضع له. ونكون أمة مقدسة تحمل طبيعته كقدوس. هو إله كل الأرض يهتم بالكل ولكن شعبه هو الابن البكر (وحلت الكنيسة روحياً مكانهم).



    آية (Cool: "فأجاب جميع الشعب معا وقالوا كل ما تكلم به الرب نفعل فرد موسى كلام الشعب إلى الرب."

    الله لا يلزمنا بالعهد ما لم نعلن قبولنا له أولاً. ولكن الشعب للأسف قبلوا العهد بالكلام ولم ينفذوه عملياً، فهم كسروا الوصية وحنثوا بالعهد. وكان الأفضل أن يقولوا " ليعيننا الرب حتى نفعل" بدلاً من أن يقولوا "كل ما تكلم به الرب نفعل" وظل شعب الله غير قادر أن يلتزم بالوصية حتى جاء المسيح المخلص الذي وحده يقدر أن يتمم مشيئة الرب ووصيته في كمالها، وفيه نصير نحن أيضاً كاملين غير كاسرين للناموس فرد موسى كلام الشعب إلى الرب= لا لأن الرب لم يعرف، لكن ليتسلم موسى مزيد من التوجيهات.



    آية (9): "فقال الرب لموسى ها أنا آت إليك في ظلام السحاب لكي يسمع الشعب حينما أتكلم معك فيؤمنوا بك أيضاً إلى الأبد واخبر موسى الرب بكلام الشعب."

    ها أنا آت إليك في ظلام السحاب= وقارن مع (آية16) فهذا حدث بالفعل. فهناك أمران يحيطان بالرب هما السحاب والضباب (الظلام) فالسحاب يعلن مجد الله (خر34:40 + عد25:11 + 1مل10:8 + حز24:1 + أش1:19 + مت5:17 + مت30:24 + 1تس7:4) والسحاب يشير لقديسي الله (أش1:19 + عب1:12) إذ هم باشتياقاتهم السماوية وحياتهم السماوية ارتفعوا عن الأرضيات ومجدوا الله في حياتهم (لذلك يشبهون بالسحاب) وفي (أش1:19) فالسحابة السريعة التي أتى بها الرب إلى مصر هي العذراء مريم. أما الضباب فلأن هناك أسرار تحيط بالله فالشعب غير قادر على التعرف على الأسرار أما موسى فكان وحده يقدر أن يفهم لذلك يقول الكتاب "جعل الظلمة حوله والسحاب والضباب أيضاً لحماية الشعب حتى يحجبوا عن الشعب نور الله ومجده اللذان لن يحتملهما الشعب بحالته. نحن لا نستطيع أن ننظر لنور الشمس دون أن يكون هناك ساتر يحمي عيوننا.

    ولماذا تكلم الله مع موسى أمام الشعب؟ فيؤمنوا بك أيضاً إلى الأبد بالإضافة إلى:

    1. سيعرفوا أن موسى لا يتكلم من عندياته بل أن الله يكلمه وهو الذي أعطاه الناموس.

    2. إذا كان الله أعطى الناموس فسيخافوا أن يكسروا وصاياه.

    3. سيستمعوا لكلام موسى ويوقروه وهذا ما حدث فعلاً حتى اليوم.

    4. سيعرفوا أنه لا أحد يستطيع أن يقترب إلى الله المخوف إلا عن طريق وسيط في العهد القديم كان الوسيط هو موسى وفي العهد الجديد الوسيط هو المسيح (عب18:12-24).



    الآيات (10،11): "فقال الرب لموسى اذهب إلى الشعب وقدسهم اليوم وغداً وليغسلوا ثيابهم. ويكونوا مستعدين لليوم الثالث لأنه في اليوم الثالث ينزل الرب أمام عيون جميع الشعب على جبل سيناء."

    قدسهم اليوم وغداً.. لأنه في اليوم الثالث ينزل الرب أمام عيون جميع الشعب . مرة أخرى نرى أن الله سيتراءى لهم في اليوم الثالث أي ما كان لأحد أن ينتفع بالوصية إن لم يتعرف على إمكانية تنفيذها خلال المسيح القائم من الأموات والواهب الطبيعة الجديدة القادرة على تنفيذ الوصية الإلهية. وقوله "ينزل الرب" أي يتجلى مجده أمام الشعب وتكرار رقم (3) يشير للتأكيدات المستمرة لقبول قوة القيامة فينا.

    والتقديس الجسدي هنا يرمز للتقديس الروحي. وليغسلوا ثيابهم= هي استعدادات خارجية وداخلية ليقابلوا الرب. خارجية بغسل الثياب وداخلية بعزل أي شر من داخلهم. فخلال الفضيلة يدخل الإنسان إلى الله أما خلال الرذيلة فيخرج من حضرة الله كما حدث مع قايين. وغسل الثياب يشير للمعمودية والتوبة التي هي معمودية ثانية.



    آية (12): "وتقيم للشعب حدوداً من كل ناحية قائلاً احترزوا من أن تصعدوا إلى الجبل أو تمسوا طرفه كل من يمس الجبل يقتل قتلاً."

    هم لم يحتملوا وجه موسى فبالتأكيد لن يحتملوا مجد الله دون ضباب يحميهم ويبقى على حياتهم، لأن الإنسان مازال تحت الغضب الإلهي ولأن الإنسان كان مازال بخطاياه لم ينقيه دم المسيح منعوا من الاقتراب بل كانوا يقتلون من يقترب. أما في العهد الجديد جاء المسيح وأكل وشرب مع الخطاة وجلس في وسطهم. في العهد القديم حدثت أصوات رعود وبروق حتى إرتعد الشعب بل حتى موسى قال أنا مرتعب ومرتعد (عب21:12) لكن في العهد الجديد جاء المسيح وجلس مع الخطاة على الجبل. في العهد القديم حتى وإن نزل الرب وتراءى للشعب، كان الشعب كمرفوضين إذا اقتربوا يقتلوا، أما في العهد الجديد فصرنا مقبولين في المسيح المحبوب (أف5:1-7).



    آية (13): "لا تمسه يد بل يرجم رجماً أو يرمى رمياً بهيمة كان أم إنساناً لا يعيش أما عند صوت البوق فهم يصعدون إلى الجبل."

    وإن مس أحد الجبل يرمي بسهم أو يرجم حتى لا تمسه يد. فهو بلمسه الجبل قد تقدس فيمتنع على أي إنسان أن يتلامس معه. وقوله بهيمة كان أو إنساناً لا يعيش= فالبهيمة تشير للإنسان الشهواني والإنسان يشير للعقلاني الذي يريد أن يعرف الله بعقله ويخضعه لمنطق البشر، كليهما لن يستطيعا أن يقتربا من الله. والإنسان المشغولة حواسه بالأمور المادية كالنظر والسمع وبالتالي فكره مشغول بهما (إنسان) أو هو مشغول بحواسه في الأمور الشهوانية (بهيمة) لن يستطيع أن يرتفع على جبل المعرفة ليرى الله لذلك يطلب بولس الرسول منا أن نستأسر كل فكر إلى طاعة المسيح (2كو5:10) وقطعاً قوله كل فكر تشمل العواطف والأفكار حتى نستطيع أن نصعد على جبل معرفة الله مع موسى. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). عند صوت البوق فهم يصعدون على الجبل= لم يكن كل واحد مسموح له أن يصعد إلى الجبل بل أشخاص معينين هم المسموح لهم (خر1:24،2،9،10) ولماذا استخدم صوت البوق؟ فالبوق صوته يبعث في الإنسان اليقظة والرهبة أكثر من أي صوت آخر أو آلة أخرى (1تس16:4 + رؤCool وكانت هذه الطريقة مستخدمة إذ كانوا لا يزالون أطفالاً والبوق هو صوت إنذار (وكانت نبوات الأنبياء تشبه ببوق هوشع 1:Cool. فيكون المعنى أن من يستجيب لإنذارات الله هو يصعد على الجبل.



    آية (15): "وقال للشعب كونوا مستعدين لليوم الثالث لا تقربوا امرأة."

    لا تقربوا امرأة= ليس لأن العلاقات الزوجية تحمل شيئاً من الدنس، وإنما من أجل أن تتكرس كل الطاقات والعواطف والأفكار في إنتظار لقاء الرب. وفي هذا يقول المسيح من أحب أباً أو أماً.. لا يستحقني. ولذلك وضعت الكنيسة على أولادها أن يمتنعوا عن فراش الزوجية ليلة تناولهم "الكلمة الإلهية".



    آية (16): "[1]وحدث في اليوم الثالث لما كان الصباح انه صارت رعود وبروق وسحاب ثقيل على الجبل وصوت بوق شديد جداً فارتعد كل الشعب الذي في المحلة."

    قارن مع العهد الجديد إذ كان المسيح يتكلم بصوت هادئ وديع ليجذب الكل إليه في العهد القديم قُدِّم الناموس لأشرار ليرهبهم حتى يخافوا أن يخالفوه وفي العهد الجديد يحدثنا كأبناء ناضجين يريدنا أصدقاء وأحباء له. في العهد القديم عاملهم كعبيد أما في العهد الجديد فكأبناء. في العهد القديم كان يستحيل أن توجد شركة بين نار الله والخطاة ولكن بتجسد المسيح صارت هذه الشركة لكل من يتواضع ويتوب.



    آية (18): "وكان جبل سيناء كله يدخن من اجل أن الرب نزل عليه بالنار وصعد دخانه كدخان الأتون وارتجف كل الجبل جداً."

    الرب نزل عليه بالنار= فإلهنا نار آكلة (مز3:79 + مز4:104 + عب29:12).



    الآيات (20-25): "ونزل الرب على جبل سيناء إلى رأس الجبل ودعا الله موسى إلى رأس الجبل فصعد موسى. فقال الرب لموسى انحدر حذر الشعب لئلا يقتحموا إلى الرب لينظروا فيسقط منهم كثيرون. وليتقدس أيضاً الكهنة الذين يقتربون إلى الرب لئلا يبطش بهم الرب. فقال موسى للرب لا يقدر الشعب أن يصعد إلى جبل سيناء لأنك أنت حذرتنا قائلاً أقم حدوداً للجبل وقدسه. فقال له الرب اذهب انحدر ثم اصعد أنت وهرون معك وأما الكهنة والشعب فلا يقتحموا ليصعدوا إلى الرب لئلا يبطش بهم. فانحدر موسى إلى الشعب وقال لهم."

    الله في محبته يدعو موسى حتى لا يخاف أن يصعد ثم يطلب إليه أن ينزل ثانية لينبه الشعب فالله خاف على شعبه لئلا يقتربوا بسبب حب إستطلاعهم واقتحامهم المقدسات الإلهية المهوبة. ولم يصعد بعد ذلك سوى موسى وهرون. موسى ممثلاً للكلمة الإلهية وهرون كممثل لكهنوت السيد المسيح. فالمسيح وحده الكلمة الإلهي رئيس كهنتنا يدخل إلى المقدسات الإلهية وبدونه نهلك. ولاحظ أن موسى يقول للرب أن الشعب يعرف هذه الوصية والرب يكرر إذهب وإنحدر لتحذير الشعب ثانية وهذا يظهر مدى محبة الله لشعبه وحرصه على حياتهم. وليتقدس أيضاً الكهنة= كان الكهنوت اللاوي لم يتأسس بعد، والكهنة هنا هم رؤساء البيوت الذين يقدمون ذبائح عن عائلاتهم.

    [1] فائدة هذه الأمور هي إعداد القلب بالخشوع لكي يروا الله، وهذا ما حدث مع إيليا أيضاً.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://temaf-erene.yoo7.com
    ثروت
    خادم المنتدي
    خادم المنتدي
    ثروت


    عدد الرسائل : 5787
    العمر : 55
    الموقع : https://temaf-erene.yoo7.com
    تاريخ التسجيل : 10/06/2008

    تفسير سفر الخروج Empty
    مُساهمةموضوع: رد: تفسير سفر الخروج   تفسير سفر الخروج Emptyالثلاثاء 30 أغسطس 2011, 12:21 pm

    تفسير سفر الخروج 20
    . مقدمة الوصايا العشر:
    ما كان يمكن للشعب أن يتقبل الوصايا الإلهية أو يتذوق الشريعة وهو في أرض العبودية، لذا خرج به الرب إلى البرية ليسلمه الشريعة هناك، مبتدأ بالقول: "أنا الرب إلهك الذي أخرجك من أرض مصر من بيت العبودية" [2]. وبالرغم من أن هذه العبارة جاءت كمقدمة للوصايا وليست في شكل وصية إلاَّ أن اليهود اعتبروها جزءً من الوصية الأولى.

    تُسمى الوصايا العشر بالكلمات العشر Decalogue (خر 34: 28، تث 4: 13، 10: 4)، كُتبت على لوحيّ حجر (خر 32: 15)، وتدعى "كلمات العهد" (تث 29: 1) ولوحي الشهادة (خر 31: 18)، والشهادة (خر 25: 16).

    ورد نص هذه الوصايا مرة أخرى في سفر التثنية (5: 6-21)، والفارق بينهما أن النص في سفر الخروج قدم تبريرًا لوصية تقديس السبت أن الله استراح بعد الخلقة في اليوم السابع، أما في سفر التثنية فارتكز على أنه في ذلك تذكار للخلاص من أرض العبودية والدخول إلى الراحة.

    لم تأخذ الوصايا العشر أرقامًا في الكتاب المقدس لهذا ظهر نوعان من التقسيم:

    أولاً: التقسيم القديم الذي عرفه اليهود، وأورده يوسيفوس[267] وفيلون[268]، وأخذ به العلامة أوريجانوس ولا تزال الكنائس البروتستانتية غير اللوثرية تأخذ به. يقوم هذا التقسيم على التمييز بين الوصية الخاصة بمنع تعدد الآلهة [3]، والوصية الخاصة بعدم إقامة عبادة الأوثان [4]، باعتبارهما الوصيتين الأولى والثانية، هذا مع اعتبار "لا تشته امرأة قريبك..." جزءًا من الوصية التي تأمر ألاَّ يشتهي ممتلكات القريب [17].

    بهذا التقسيم تصير الوصايا الأربع الأولى خاصة بعلاقة الإنسان بالرب، أما الوصايا الباقية "الستة" فخاصة بعلاقة الإنسان بأخيه. وقد نادى هذا الرأي بأن كل لوح حمل خمس وصايا، فتكون الوصية الخامسة الخاصة بإكرام الوالدين قد نُقشت مع الوصايا الخاصة بعلاقة الإنسان بالله على اللوح الأول، ويبرر أصحاب هذا الرأي ذلك، بأن اليهود كانوا يرون إكرام الوالدين أمرًا مطلقًا بلا شرط (مر 7: 10-13)، وكأن الوصية الخاصة بذلك هي امتداد للوصايا الخاصة بعلاقة الإنسان بالله. ويلاحظ أن الرسولي بولس حين ضم الوصايا الخمسة الأخيرة معًا لم يضم هذه الوصية إليها، ولو أنه ترك المجال لدخولها مع هذه الوصايا (رو 18: 5). أما السيِّد المسيح فقد ضمها إلى ذات المجموعة (مر 10: 19).

    ثانيًا: التقسيم الذي تُنادي به الكنيسة الكاثوليكية والكنائس اللوثرية، وقد اعتمدت الكنيسة على أغسطينوس الذي اعتبر أن الوصية الخاصة بعدم تعدد الآلهة تضم معها الوصية الخاصة بعدم عبادة الأوثان، بينما جعل من الوصية الخاصة بعدم اشتهاء امرأة القريب وصية مستقلة عن عدم اشتهاء ممتلكات القريب. بهذا يرى أن الوصايا الخاصة بعلاقة الإنسان بالله هي ثلاثة، والوصايا الخاصة بعلاقة الإنسان بقريبه سبعة، اللوح الأول شمل الثلاث وصايا الأولى، والثاني شمل الوصايا السبع الأخيرة.

    ويلاحظ أن الوصايا العشر قد حملت جانبًا سلبيًا فيما عدا وصيتيّ تقديس السبت وإكرام الوالدين، كما أن الوصية الخاصة بإكرام الوالدين هي الوصية الوحيدة التي لها وعد.

    وقد لخص السيِّد المسيح هذه الوصايا جميعها في وصية "المحبة لله والقريب" (مت 22: 37، رو 13: 9، غل 5: 14، يع 2: Cool.



    2. الناموس بين الحرف والروح:
    ما دمنا نتحدث عن الوصايا العشر التي هي صُلب الناموس، يلزمنا أن ندرسه على ضوء كلمات معلمنا بولس الرسول: "ظاهرين أنكم رسالة المسيح مخدومة منّا، مكتوبة لا بحبر بل بروح الله الحيّ، لا في ألواح حجرية بل في ألواح قلب لحمية. ولكن لنا ثقة مثل هذه بالمسيح لدى الله، ليس أننا كُفاة من أنفسنا كان نفتكر شيئًا كان من أنفسنا، بل كفايتنا من الله. الذي جعلنا كفاة لأن نكون خدام عهد جديد، لا الحرف بل الروح، لأن الحرف يقتل ولكن الروح يحييّ. ثم إن كانت خدمة الموت المنقوشة بأحرف في حجارة قد حصلت في مجد، حتى لم يقدر بنو إسرائيل أن ينظروا إلى وجه موسى لسبب مجد وجهه الزائل، فكيف لا تكون بالأولى خدمة الروح في مجد. لأنه إن كانت خدمة الدينونة مجدًا فبالأولى كثيرًا تزيد خدمة البرّ في مجد" (2 كو 3: 3-9).

    اهتم كثير من الآباء بالكشف عن العبارة "الحرف يقتل ولكن الروح يحييّ"، لكنني أكتفي هنا ببعض اقتباسات للقديس أغسطينوس عن مقاله "عن الروح والحرف" في كتاب بعث به إلى مرسيلينوس في ستة وستين فصلاً، أوضح فيه النقاط التالية:

    1. بالناموس انكشفت الخطية ولم تعالج: "حرف الناموس الذي يُعلمنا عدم ارتكاب الخطية يقتل إن غاب عنه الروح الذي يهبه حياة، إذ يجعلنا نعرف الخطية دون أن نتجنبها، كما يجعلها تتزايد بدلاً من أن تُقل، إذ يضيف إلى الشهوة الشريرة (التي يمنعنا عنها الناموس) تعدّينا للناموس نفسه"[269]. مع كون الناموس صالحًا في ذاته إلاَّ أنه يزيد من الشهوة الشريرة حينما يحرمها، فيكون الأمر كإندفاع الماء الذي يجري على الدوام في اتجاه معين فإذا قابله حاجز ما فبتعديه للحاجز تزداد قوته ويسرع في انحداره إلى أسفل (يصير شلالاً قويًا). ومع شيء من الفارق يصير ما نشتهيه محبوبًا جدًا حينما نُحرم منه، وتعتبر هذه هي الخطية التي تخدع وتقتل بواسطة الوصية، "إذ حيث ليس ناموس ليس أيضًا تعد" (رو 4: 15)[270].

    2. أعلن الناموس عن الحاجة إلى طبيب: "دخل الناموس لكي تكثر الخطية" (رو 5: 20). فبوجوده ظهر(الإنسان) مذنبًا ومرتبكًا وفي حاجة لا إلى طبيب بل إلى الله نفسه كمعين له، يوجه خطواته حتى لا تُسيطر عليه الخطية. صار لزامًا لكي يشفي أن يُسلم نفسه لمعونة الرحمة الإلهية. وبهذا إذ تكثر الخطية يجب أن تزداد النعمة جدًا (رو 5: 20)، ليس خلال استحقاق الخاطئ لكن خلال تدخل الله الذي يُعينه"[271]. "في الحقيقة إن الناموس بإصداره الوصايا مع التهديدات وعدم تبريره لأي إنسان، يكشف أن تبرير الإنسان هو عطية من الله بمعونة الروح القدس... متبررين مجانًا بنعمته (رو 3: 24)"[272].

    3. الناموس صالح والوصية عادلة: ونحن كمسيحيين نلتزم بالوصايا العشر (مع مراعاة السبت كرمز للأحد)، إذ يقول: "الوصايا العشر نافعة ومفيدة لمن يعمل بها، بل ولا يستطيع أحد أن ينعم بالحياة ما لم يحفظها"[273]. لكنها تعطي حزنًا للإنسان الحرفي إذ لا تحرره من الخطية، لذا قيل "الذي يزيد علمًا يزيد حزنًا" (جا 1: 18)، أما الذي يحفظ الناموس روحيًا حسب الإنسان الداخلي فيكون له الناموس فرحًا، يقول القديس أغسطينوس: [لو وجد الإيمان الذي يعمل بالمحبة (غلا 5: 6)، يبدأ الإنسان يُسر بناموس الله حسب الإنسان الباطن (رو 7: 22). هذا هو عطية الروح القدس لا الحرف، حتى مع وجود ناموس آخر في أعضائنا يُحارب ناموس ذهننا، إذ نتغير عن حالنا القديم ونمضي في تجديد مستمر من يوم إلى يوم، أي أنه بنعمة الله يتحرر إنساننا الباطن من جسد هذا الموت بربنا يسوع المسيح[274]].

    4. الناموس والعهد الجديد: يقول القديس أغسطينوس: [لاحظ هذا أيضًا في الشهادة التي أدلى بها النبي بطريقة أكثر وضوحًا في هذا الأمر، إذ يقول: "ها أيام تأتي يقول الرب وأقطع مع بيت إسرائيل ومع بيت يهوذا عهدًا جديدًا، ليس كالعهد الذي قطعته مع آبائهم يوم أمسكتهم بيدهم لأخرجهم من أرض مصر حين نقضوا عهدي فرفضتهم يقول الرب، بل هذا هو العهد الذي أقطعه مع بيت إسرائيل بعد تلك الأيام يقول الرب. أجعل شريعتي في داخلهم وأكتبها في قلوبهم، وأكون لهم إلهًا وهم يكونون ليّ شعبًا. ولا يعلمون بعد كل واحد صاحبه وكل واحد أخاه قائلين اعرفوا الرب، لأنهم كلهم سيعرفونني من صغيرهم إلى كبيرهم يقول الرب. لأني أصفح عن إثمهم ولا أذكر خطيتهم بعد" (إر 31: 31-34)... ما الفرق الذي أظهره الله بين العهدين، القديم والجديد؟.. تم التغيير بسبب الروح المحيي الذي بدونه الحرف يقتل[275]...].

    إنه يرى أن العهد القديم سُميَ "قديمًا"، لأن الخطية التي للإنسان القديم كانت تعمل في الإنسان ولم يقدر حرف الناموس أن يشفيها، أما العهد الجديد فسُميَ كذلك من أجل عطية روح الله الحيّ (2 كو 3: 3) الذي نقش الوصية بطريقة جديدة لا في ألواح حجرية بل في ألواح قلب لحمية[276]. في العهد القديم جاءت الوصية منذرة من الخارج، أما في العهد الجديد فنلنا نعمة الروح القدس المحييّ في القلب في الداخل. في هذا يقول: "الاختلاف بين العهدين القديم والجديد، أن الأول كُتب على الألواح لكي يُنذر، الأول من الخارج، أما الثاني فيبهج في الداخل. بالأول صار الإنسان متعديًا خلال الحرف القاتل، أما بالثاني فصار حيًّا بواسطة الروح المحيي"[277].

    هذا ويرى القديس أغسطينوس أن كل الناموس قد لخصه السيِّد المسيح في الحب لله والقريب، فإن كنا قبلاً نسمع وصايا نعجز عن تنفيذها، ففي العهد الجديد تُسكب المحبة في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا (رو 5: 5)، بهذا صار تنفيذ وصايا الناموس ممكنة وسهلة، لأن هذا هو عمل الروح القدس الذي يُسكب الحب فينا فيكمل كل الناموس.



    3. ما جئت لأنقض بل لأُكمل:
    أكد السيِّد المسيح أنه ما جاء لينقض الناموس بل ليكمله (مت 5: 17)، فمن ناحية كشف أعماق الناموس ودخل بنا من حرفيته إلى روحه الخفي، فلم يعد الناموس مجرد وصايا وأوامر بل تلاقٍ مع "كلمة الله" الخفي، وكما يقول القديس مرقس الناسك: [يختفي الرب في وصاياه، فمن يطلبه يجده فيها، لا تقل إني قد أتممت الوصايا ولم أجد الرب، لأن من يبحث عنه بحق يجد سلامًا[278]].

    ومن ناحية أخرى أوصانا الرب في العهد الجديد بقتل رأس الخطايا، فلم يطالبنا بعدم القتل فحسب وإنما عدم الغضب الذي هو بداية الطريق للقتل، ولم يسألنا الامتناع عن الزنا وإنما عدم النظر إلى امرأة بقصد شرير، الذي هو بداية السقوط في الزنا الخ...

    كذلك أعطانا إمكانية التنفيذ ففي القديم أعلنت الوصية أو الناموس عجز الإنسان تمامًا عن تقديس ذاته وتبريره، فجاء السيِّد المسيح ليعطينا نعمة الروح القدس القادر على تقديس نفوسنا وأجسادنا، فتصير الوصية التي كانت مستحيلة هي قانون إنساننا الجديد.

    رقم عشرة:
    يُشير رقم 10 إلى الكمال على الأرض، فقد شبَّه العالم كله بعشر عذارى (مت 25: 1)، وبعشرة عبيد لله أعطاهم عشرة أمناء ليتاجروا فيها (لو 19: 13). وشُبهت الكنيسة بامرأة لها عشرة دراهم (لو 15: Cool، وقد جاءت وصية العشور مفترضة أن الإنسان يملك عشر وحدات هو كل ماله، يقدم جزء منه ( 1 ÷ 10 ) لله[279]...

    أخيرًا إذ أتكلم عن الوصايا العشر فإني أعمل كل الجهد على الاختصار، راجيًا الرجوع إلى كتاب "الوصايا العشر في المفهوم المسيحي" لقداسة البابا شنودة الثالث.



    4. الوصية الأولى: لا تكن لك آلهة أخرى أمامي:
    تبدأ الوصايا العشرة هكذا: "أنا الرب إلهك الذي أخرجك من أرض مصر من بيت العبودية. لا يكن لك آلهة أخرى أمامي... لأني أنا الرب إلهك إله غيور" [2-5].

    في قوله: "لا يكن لك آلهة أخرى أمامي" لا يعني وجود آلهة أخرى، إنما يحذر شعبه من السقوط في التعبد لآلهة الوثنيين مع عبادتهم لله. ويرى القديس أثناسيوس الرسولي [أن الله أعطانا هذه الوصية لكي يسحب البشر بعيدًا عن التخيلات الخاطئة غير العاقلة الخاصة بعبادة الأوثان... ليس كما لو كانت هناك آلهة أخرى يمنعهم عنها، وإنما أوصى بذلك لئلاَّ ينحرفوا عن الله الحقيقي ويقيموا لأنفسهم آلهة مما لا شيء، كما فعل الشعراء والكتّاب[280]].

    إن كنا الآن لا نتعرض لعبادة الأوثان، لكن الله يُحذرنا من الآلهة الأخرى التي تملك في القلب كمن يحب العالم أو الكرامة أو مديح الناس أو الشهوات... وهناك "الذين آلهتهم بطونهم" (في 3: 19).

    إنه يُريدنا أن نحبه ليملك على القلب تمامًا، ليس لأنه يُريد أن يستعبدنا أو يذلنا، وإنما لأنه "إله غيور"... لذلك أصر أن يصف نفسه هكذا "أنا الرب إلهك إله غيور". وقد علق القديس يوحنا الذهبي الفم على هذه العبارة قائلاً: [قال الله هذا لكي نتعلم شدة حبه. فلنحبه كما يُحبنا هو، فقدم ذخيرة حب كهذه. فإننا إن تركناه يبقى يدعونا إليه، وإن لم نتغير يؤدبنا بغضبه، ليس من أجل التأديب في ذاته. أُنظر ماذا قال في حزقيال عن المدينة محبوبته التي احتقرته: "هأنذا أجمع جميع محبيك ضدك، وأسلمك ليدهم فيرجمونك بالحجارة ويذبحونك، فتنصرف غيرتي عنك، فأسكن ولا أغضب بعد" (راجع حز 16: 37-42). ماذا يمكن أن يقال أكثر من هذا بواسطة محب متقد احتقرته محبوبته، ومع هذا يعود ويحبها مرة أخرى بحرارة؟! لقد فعل الله كل شيء لكي نحبه، حتى أنه لم يشفق على ابنه من أجل أن نحبه، ومع هذا فنحن متراخون وشرسون[281].

    ويعلق العلامة أوريجانوس على نفس العبارة قائلاً: [أنظروا محبة الله، فإنه يحتمل ضعفات البشر لكي يعلمنا ويدخل بنا إلى الكمال... كل امرأة مرتبطة برجلها تخضع له وإلاَّ صارت زانية، تبحث عن الحرية لكي تخطئ. ومن يذهب إلى زانية يعرف أنه يدخل إلى امرأة زانية تُسلم نفسها لكل من يَقْدم إليها، لذا فهو لا يغضب إن رأى آخرين عندها. أما المتزوج شرعيًا فلا يحتمل أن يرى زوجته تُخطئ، وإنما يعمل دائبًا على ضبط طهارة زواجه، ليتأكد أنه الأب الشرعي (للطفل ثمرة زواجه). إن فهمت هذا المثل تستطيع أن تقول أن النفس تتنجس مع الشياطين والأحباء الآخرين الكثيرين، فعادة يدخل عندها روح الزنا، وعند خروجه يدخل روح البخل ثم روح الكبرياء ثم روح الغضب ومحبة الزينة والمجد الباطل، ويدخل آخرون كثيرون يزنون مع النفس الخائنة دون أن يَغييّر أحدهم من الآخر... ولا يطرد الواحد الآخر، بل بالعكس كل منهم يقدم الآخر... وكما رأينا الروح الشرير الذي يقول عنه الإنجيل: "إن خرج من إنسان يرجع ومعه سبعة أرواح أشر منه" (يو 11: 24-26)، ويسكن هذه النفس. هكذا لا يغير الواحد الآخر في النفس التي تبيع ذاتها للزنا مع الشياطين.

    أما إن اتحدت النفس مع زوج شرعي، العريس الذي يخطبه بولس للنفوس، قائلاً: "إني خطبتكم لرجل واحد لأقدم عذراء عفيفة للمسيح" (2 كو 11: 2)، هذا الزواج تكلم عنه الإنجيل قائلاً: "إن ملكًا صنع عرسًا لابنه" (مت 22: 2)، تهب النفس ذاتها له وترتبط به شرعيًا، حتى وإن كانت في ماضيها خاطئة وسلكت كزانية، لكنها متى ارتبطت به تتعهد ألاَّ تخطئ مرة أخرى. النفس التي اختارته عريسًا لها لا يحتمل أن تلهو مع الزناة. وهو أيضًا يَغيّير عليها، ويدافع عن طهارة حياته الزوجية.

    يُدعى الله "إلهًا غيورًا"، لأنه لا يحتمل أن ترتبط النفس التي وهبت ذاتها له بالشياطين...

    إن كنا قد عرفناه بعد ما استنرنا بكلماته الإلهية ونلنا المعمودية، بعد الاعتراف بالإيمان، والارتباط بمثل هذه الأسرار العظيمة فإنه لا يريدنا أن نخطئ أيضًا، ولا يحتمل أن يرى النفوس التي دُعيَ لها عريسًا وزوجًا أن تلهو مع الشياطين، وتزني مع الأرواح النجسة، وتتمرغ في حمأة الإثم. وإن حدثت هذه المصيبة، فعلى الأقل يريدها أن ترجع وتتوب.

    هذا نوع جديد من محبته لنا: أن يقبل النفس التي ترجع إليه بعد الزنا وقد تابت بكل قلبها كقول النبي: "إذا طلّق رجل امرأته فانطلقت من عنده وصارت لرجل آخر، فهل يرجع إليها بعد؟! ألا تتنجس تلك الأرض نجاسة. أما أنت فقد زنيت بأصحاب كثيرين، لكن ارجعي إليّ يقول الرب" (إر 3: 1). ثم يقول: "انطلقت إلى كل جبل عالِ إلى كل شجرة خضراء وزنيت هناك فقلت بعدما فعلتِ كل هذه ارجعي إليّ فلم ترجع" (إر 3: 7).

    إذن الله الغيور، يبحث عنك ويشتهي أن ترتبط نفسك به ويحفظك من الخطية ويقوِّمك ويؤدبك ويغضب عليك... والخلاصة إن كان يستخدم إتجاهك نوعًا من الغيّرة فتيقن أنه بالنسبة لك هو رجاء خلاصك[282].

    أخيرًا فإن هذا الحب الزوجي الذي يربط النفس بعريسها قد سحب قلوب الخطاة والزناة للتوبة، كما شد قلوب الكثيرين لحياة البتولية والرهبنة، إذ رأوا في العريس السماوي ما يشبع القلب بفيض. وقد احتل هذا "الحب" مركز الصدارة في الكتابات الآبائية الروحية.



    5. الوصية الثانية: لا تصنع لك تمثالاً منحوتًا:
    جاءت الوصية هكذا: "لا تصنع لك تمثالاً منحوتًا ولا صورة ما مما في السماء من فوق وما في الأرض من تحت وما في الماء من تحت الأرض، لا تسجد لهن ولا تعبدهن، لأني أنا الرب إلهك إله غيور" [4-5]. وقد سبق أن تحدثنا عن هذه الوصية في كثير من التوسع[283]، وقلنا أن الكنيسة ملتزمة بلا شك بتنفيذ هذه الوصية، لكنها تحفظ روح الوصية لا حرفها، لأن الحرف يقتل وأما الروح فيحييّ (2 كو 3: 6).

    روح الوصية هو وقف تسلل العبادة الوثنية إلى الشعب وليس منع استخدام الصور في ذاتها، فقد عرف الشعب اليهودي بتعرضه للسقوط في نوعين من الانحراف الوثني:

    أ. الامتثال بالوثنيين المحيطين بهم، كما سقط سليمان الملك في عبادة الآلهة الغريبة عندما تزوج بوثنيات.

    ب. الخلط بين العبادة الوثنية وعبادة الله الحيّ، كما يظهر من عبادتهم للعجل بقصد التعبد لله الحيّ خلال هذا العمل الرمزي (خر 32: 5).

    هذا من جانب ومن جانب آخر، كما يقول الأب يوحنا الدمشقي: [إن منع الصور في العهد القديم قام جوهريًا على عجز الشعب اليهودي عن التمييز بين العبادة Lateria الخاصة بالله وحده والتكريم Probynesis الذي يمكن تقديمه لغير الله[284]].

    ويظهر ذلك بوضوح من أمر الله لشعبه قديمًا بإقامة صورًا معينة هو حددها، لا كحليّ يتزين بها بيت الرب، وإنما كجزء حيّ في الطقس التعبدي. فخيمة الاجتماع نفسها والهيكل فيما بعد جاء برسم إلهي، أيقونة مبدعة تصور السمويات (عب 8: 5، خر 25: 40)، كما احتويا صورًا مثل تمثاليّ الكاروبين على غطاء تابوت العهد... (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و التفاسير الأخرى). وكان موسى وجميع الشعب يسجدون أمام التابوت، والرب يتكلم معهم من بين الكاروبين (عد 10: 35-36، خر 25: 22). هذا وكان الشاروب مصورًا على حجاب خيمة الاجتماع بين قدس الأقداس والقدس. كما صارت صورة الكاروب وحدة فنية متكررة منقوشة على حوائط الهيكل، وعلى مصراعيّ الباب (1 مل 6: 27-29، 32؛ 2 أي 3: 7) دلالة على حلول الله في بيته المقدس.

    أمر الله موسى أن يعمل تمثالاً من النحاس لحيّة محرقة (نارية) يضعها على عمود في البرية لتكون سرّ شفاء لكل من ينظر إليها (عد 21: 8-9).

    إذن الله لم يمنع الأيقونات والتماثيل إلاَّ من حيث الخوف عليهم من السقوط في الانحرافات الوثنية. لكن إذ زال هذا الخوف صارت الأيقونات تقوم بدور تعليمي بكونها لغة جامعة يفهمها كل إنسان أيًا كان جنسه، ودور روحي... في ذلك يقول الأب يوحنا الدمشقي: [إن سألك وثني أن تعرفه عن إيمانك فخذه إلى الكنيسة وأقمه أمام الأيقونات]. كما كتب البابا غريغوريوس الكبير رسالة إلى سيرينوس أسقف مرسيليا الذي أمر بتحطيم الأيقونات لكي يمنع ما رآه عملاً شريرًا، جاء فيها: [نمى إلى علمنا إنكم حطمتم صور قديسين في غيرة لا يمكن تصورها، وقد بررتم هذا على أساس أنه لا يجوز عبادة الصور.

    منعكم عبادتها أمر يستحق المديح.

    أما تحطيمكم لها فهذا تُلامون عليه.

    التعبد للصورة شيء واستخدامها لاستذكار موضوعها شيء آخر. فإن الرسم بالنسبة للأُمِّي كالكتابة للمتعلم. تستخدم الرسومات في الكنائس حتى يقدر على الأقل الأُمِّيون أن يقرءوا خلال تطلعهم إلى الحوائط ما لا يستطيعون قراءته في الكتب].

    يقول الأب يوحنا من كرونستادت: [الأيقونات في البيوت والكنائس ليست قطعًا فنية للعرض أو الزينة، وإنما هي معين لنا في تحقيق حياة الصلاة خلال المنظورات].

    ويقول الأب ليونتيوس: [كما أنك في تكريمك لكتاب الشريعة لا تنحني لمادة الجلد أو الحبر بل لأقوال الله الواردة فيه، هكذا إذ أكرِّم أيقونة المسيح لا أقدم الكرامة للخشب والرسم، حاشا! [285]...

    أفتقد ذنب الآباء في الأبناء:

    يرتعب البعض إذ يسمعون الرب يقول: "أفتقد ذنوب الآباء في الأبناء" [5]، قائلين: وما ذنب الأبناء ليحملوا أجرة ما فمله آباؤهم؟

    نجيب على ذلك بالآتي:

    أولاً: نحن لا ننكر أن الأبناء يحملون ثمار أخطاء آبائهم، فالجنين الذي يتغذى طوال فترة الحمل على دم أم غضوب وثائرة يحمل ثمرة هذا الغضب في صحته الجسدية والنفسية، فغالبًا ما يخرج حاملاً بعض الأمراض الجسدية والطبائع الفظة... لكن الله أكد لنا أنه لا يجازي الإنسان على أخطاء والديه، فكثيرون ممن لهم الطبائع الحارة بالتوبة صاروا قديسين فنالوا بركة أعظم مما لغيرهم.

    أكد الله هذا الأمر على لسان إرميا النبي القائل: "في تلك الأيام لا يقولون بعد الآباء أكلوا حصرمًا، وأسنان الأبناء ضرست؛ بل كل واحد يموت بذنبه؛ كل إنسان يأكل الحصرم تضرس أسنانه" (إر 31: 29-30).

    وشرح حزقيال هذا الأمر بأكثر وضوح، قائلاً: "وكان إليَّ كلام الرب قائلاً: ما بالكم تضربون هذا المثل... قائلين: الأباء أكلوا الحصرم، وأسنان الأبناء ضرست. حتى أنا يقول السيِّد الرب، لا يكون لكم من بعد أن تضربوا هذا المثل في إسرائيل. ها كل النفوس هي ليّ. نفس الأب كنفس الابن، كلاهما ليّ. النفس التي تخطئ هي تموت... الابن لا يحمل من إثم الأب، والأب لا يحمل من إثم الابن. برّ البار عليه يكون، وشر الشرير عليه يكون" (خر 18: 1-25).

    ثانيًا: كلمات الرب لا تعني أن الله ينتقم لنفسه في الأبناء عما فعله آباؤهم... لكنه يريد أن يؤكد طول أناته، فإنه يترك الأشرار للتوبة سنة فأخرى، وجيلاً فآخر، وإذ يصمم الإنسان على عمل الشر يؤدب في الجيل الثالث أو الرابع ليس من أجل خطايا آبائهم لكن من أجل إصرار الأبناء على السلوك الشرير بمنهج آبائهم.

    في هذا يقول القدِّيس يوحنا الذهبي الفم: [ليس معنى هذا أن إنسانًا يتحمل عقوبة جرائم ارتكبها غيره، ولكن مادام هذا الإنسان يرتكب خطايا كثيرة ولم ينصلح حاله، إنما يرتكب ما فعله آباؤه، فبعدل يستحق العقاب أيضًا[286]].

    ويقول القدِّيس أغسطينوس: [من تغير حاله في المسيح كفّ عن أن يكون ابنًا للأب الشرير، إذ لم يعد يمتثل بشره، بهذا لا تفتقد شرور آبائه فيه[287]].

    بهذا إذ قال اليهود: "دمه علينا وعلى أولادنا" صدقوا، إذ يتحمل أبناؤهم هذا الدم الذي سفكه آباؤهم ماداموا مُصرِّين على جحد هذا الدم، أما إن قبلوا المخلص فإنهم لا يعودوا أولادًا لسافكي دم المسيح بل أولادًا لله.



    6. الوصية الثالثة: لا تنطق باسم الرب إلهك باطلاً[288]:
    الوصيتان الأولى والثانية خاصَّتان بعبادة الله الحيّ بعيدًا عن كل انحراف وثني، أما الوصية الثالثة فتخص "اسم الله".

    إذ خشى الله على شعبه أن يُقسموا بأسماء آلهة أخرى أعطاهم الرب أن يحلفوا باسمه، إعلانًا لاسم إلههم وتمييزًا لهم (تث 6: 13، 10: 20؛ إش 48: 1؛ مز 63: 1)؛ كما أمرهم: "لا تدخلوا إلى هؤلاء الشعوب... ولا تذكروا اسم آلهتهم، ولا تحلفوا بها، ولا تعبدوها ولا تسجدوا لها" (يش 23: 7).

    وقد اشترط عليهم ألاَّ يحلفوا باسم الرب كذبًا (لا 19: 12)، وأن يوفرا ما قد حلفوا به باسم الرب.

    هذا بالنسبة للقسَم، أما بالنسبة لترديد اسم الله، فقد طلب منهم أن لا يرددونه باطلاً، أي بلا سبب جوهري، فإن اسمه قدوس (لو 1: 49)، مهوب (مز 111: 9)، عظيم بين الأمم (ملا 1: 11)، عجيب في الأرض كلها (مز 8: 9)... علينا أن نهابه ونوقِّره، لا ننطق به إلاَّ في خشوع وبكل إجلال، فقد أمرنا موسى النبي قائلاً: "لتهاب هذا الاسم الجليل المرهوب، الرب إلهك" (تث 28: 58)، موضوع حبنا وشبعنا وصلواتنا: "باسمك أرفع يدي، فتشبع نفسي كما من لحم ودسم" (مز 63: 4)، "محبوب هو اسمك يا رب، فهو طول النهار تلاوتي" (مز 119: 97)...

    أما في العهد الجديد فقد بلغ المؤمن إلى النضوج الروحي فيليق ألاَّ يحلف البتة كقول السيِّد: "ليكن كلامكم نعم نعم لا لا، وما زاد على ذلك فهو من الشرير" (مت 5: 37). وعرفنا اسم السيِّد المسيح المخلص، "فكل من يدعو باسم الرب يخلص" (رو 10: 13)، ومن أجل اسمه نحتمل بصبر ولا نكل (رؤ 2: 3)، ومن أجله نهان فنفرح ونُسرّ (أع 5: 14)، وباسمه تخرج الشياطين (مر 16: 17)، وتجرى آيات وعجائبها (أع 4: 29-0 3).



    7. الوصية الرابعة: تقديس يوم السبت:
    سبق أن تحدثنا عن هذه الوصية بشيء من التوسع، لذا أرجو الرجوع إلى هذا البحث منعًا من التكرار[289].

    قلنا إنها وصية أبدية تلتزم الكنيسة بتنفيذها، بالدخول إلى "السبت" الحقيقي، أي "الراحة"، التي صارت لنا خلال قيامة السيِّد المسيح، فإن كان الله قد استراح في اليوم السابع بعد نهاية عمل الخليقة، صارت راحتنا ببداية الخليقة الجديدة التي صارت لنا بقيامتنا مع السيِّد المسيح. وفيما يلي بعض أقوال الآباء في هذا الشأن:

    * نحن نحفظ اليوم الثامن بفرح، اليوم الذي فيه قام الرب من الأموات، ليعلن عن نفسه أنه يصعد إلى السموات.
    رسالة برنابا (القرن الثاني)[290]

    * أعطانا اليوم السابع راحة بسبب تعب الحياة، إذ لنا جسد يحتاج إلى راحة، أما الله فلا يتعب ولا يمسه ألم ولا عوز.
    * إننا نتمسك بالسبت الروحي (الأحد)، حتى مجيء المخلص، إذ استرحنا من الخطية.
    القدِّيس إكليمنضس السكندري[291]

    * الذين يعيشون حسب التدبير القديم الخاص بالأمور المستقبلة لا يحفظون السبت بل يحفظون يوم الرب، اليوم الذي فيه قامت حياتنا بواسطة المسيح بموته.
    القدِّيس أغناطيوس[292]

    يقول القدِّيس باسيليوس الكبير: [إن أمورًا كثيرة تسلمناها من التقليد الذي وضعه الرسل بجانب التعاليم المكتوبة من بينها تقديس اليوم الأول (الأحد) من الأسبوع. فقد اعتاد السيِّد المسيح أن يلتقي بتلاميذه - بعد قيامته - في اليوم الأول من الأسبوع (يو 20: 19، لو 24، يو 20: 26). وكان هذا اليوم هو يوم العبادة الجماعية للكنيسة في عصر الرسل (1 كو 16: 2، أع 20: 7).



    8. الوصية الخامسة: إكرام الوالدين:
    وضع الرب إكرام الوالدين في مقدمة الوصايا الخاصة بعلاقتنا بالآخرين، فيأمرنا بإكرامنا لهما قبل أن يوصينا "لا تقتل" أو "لا تزن" الخ... وهي الوصية الوحيدة والمقترنة بمكافأة أو وعد (أف 6: 2). وكانت الشريعة صارمة على من يكسر هذه الوصية: "من ضرب أباه أو أمه يُقتل قتلاً... ومن شتم أباه أو أمه يقتل قتلاً" (خر 21: 15-17). من يعاند ولا يسمع لقول أبيه ولا لقول أمه يرجمه جميع رجال مدينته بحجارة حتى يموت (تث 21: 18-21). ومن يستخف بأبيه أو أمه يصير تحت اللعنة (تث 27: 16).

    يبدو أن اليهود إستغلوا هذه الوصايا فأساء البعض التصرف في معاملة أولاده، إذ أرادوا الطاعة المطلقة بلا اعتبار لنفسية الأولاد وشخصياتهم. فجاء السيِّد المسيح ليكشف المفاهيم العميقة لهذه الوصية، ففي الوقت الذي فيه كان السيِّد خاضعًا للقديسة مريم والقدِّيس يوسف (لو 2: 51)، هذا الذي تخضع له كل القوات السماوية (في 2: 10)، واهتم بأمه وهو على الصليب مشغولاً بخلاص العالم كله وساقطًا تحت الآلام، مسلمًا إيَّاها لتلميذه القدِّيس يوحنا (يو 19: 27)... إذ به يضع مفهومًا جديدًا لهذه الطاعة وذلك عندما عاتبته أمه قائلة: "يا بنيّ لماذا فعلت بنا هكذا؟! هوذا أبوك وأنا كنا نطلبك معذبين" (لو 2: 48-49)، أجابها: "لماذا كنتما تطلبانني؟! ألم تعلما أنه ينبغي أن أكون فيما لأبي!" (لو 2: 49)... ويعلق الإنجيلي على هذه الإجابة قائلاً: "فلم يفهما الكلام الذي قاله لهما" (لو 2: 50).

    إجابة السيِّد المسيح كانت أشبه بثورة في عالم الطفولة، إذ أعطى للأبناء حق التفاهم مع الوالدين، والطاعة في الرب (أف 6: 1)، وليس الطاعة المطلقة كما فهمها اليهود، وكما كانت البشرية في ذلك الحين تفهمها.

    هذا المفهوم الإنجيلي امتد للطاعة للأب الروحي، إذ يقول الرسول بولس: "إن بشرناكم نحن أو ملاك من السما بغير ما بشرناكم فليكن أناثيما" (غلا 1: Cool، معطيًا لأولاده الروحيين حق عدم الطاعة إن كانت ليست في الرب.

    يتحدث القدِّيس جيروم عن الطاعة في الرب، قائلاً: [تقول الوصية "إكرم أباك" لكن فقط إن كان لا يفصلك عن أبيك الحقيقي. تذكر رباط الدم، ما دام والدك يعرف خالقه، أما إذا لم يفعل ذلك فسيرنم لك داود قائلاً: "اسمعي يا ابنتي وانظري وأميلي سمعك. انسي شعبك وبيت أبيك، فإن الملك اشتهى حسنك فهو ربك" (مز 44: 10-11). ففي هذه الحالة تكون المكافأة عظيمة لنسيانك الوالد إذ "اشتهى الملك حسنك"[293]].

    أما مفهوم إكرام الوالدين فمتسع، يشمل الطاعة والخضوع وقد ضرب اسحق مثلاً حيًا لطاعة أبيه إبراهيم الذي أراد أن يقدمه ذبيحة للرب كأمر الله له؛ وأيضًا المحبة والاحترام ونرى في سليمان الحكيم مثلاً حيًا، إذ جاءته والدته "قام الملك للقائها وسجد لها وجلس على كرسيه ووضع كرسيًّا لأم الملك فجلست عن يمينه" (1 مل 2: 19)، والنجاح أيضًا نوع من إكرام الوالدين، إذ يقول الكتاب: "الابن الحكيم يُسر أباه، والابن الجاهل حزن أمه" (أم 10: 1). الإعالة هي تكريم عملي للوالدين، وكما يقول القدِّيس جيروم: [لا تفسر التكريم في كلمات مجردة... بل مدهم باحتياجاتهم الضرورية للحياة. لقد أمر الرب بإعالة الوالدين المحتاجين بواسطة أولادهم، وفاءً لأعمالهم الحسنة التي قدمت للأولاد في طفولتهم[294]]. وقد وبّخ السيِّد المسيح الفريسيين الذين وضعوا تقليدًا يخالف كلمة الله، فقد سمحوا للأبناء أن يقدموا ما يحتاج إليه الوالدان إلى الخزينة في الهيكل لحساب الفقراء، فإن سألهم الوالدان شيئًا يقولون: "قربان" (مت 15: 4)! فأبطلوا وصية الرب بتقليدهم الشرير[295].

    أخيرًا إن كانت هذه الوصية حملت إكرام الوالدين حسب الجسد، والآباء الروحيين فبالأولى جدًا تنفيذها على الأبوين الروحيين يكون الله أبونا والكنيسة هي أمنا. ويرى القدِّيس إكليمنضس السكندري أن الأبوين هنا هما الله بكونه أب ورب لنا، والأم هي المعرفة الحقة والحكمة التي تلد الأبرار[296].



    9. الوصية السادسة: عدم القتل:
    لا يطيق الله أن يرى الدم البريء مسفوكًا بلا ذنب، إذ يقول لقايين: "صوت دم أخيك صارخ من الأرض" (تك 4: 11)، ولا يحتمل حتى سفك دم الشرير، إذ يقول: " كل من قتل قايين فسبعة أضعاف ينتقم منه، وجعل الرب لقايين علامة لكي لا يقتله كل من وجده" (تك 4: 14-15). تظهر كراهيته لسفك الدم قوله لداود النبي المحبوب لديه: "قد سفكت دمًا كثيرًا وعملت حروبًا عظيمة، فلا تبني بيتًا لاسمي" (أي 22: Cool.

    الله الذي أوصى بعدم القتل صرح به بالنسبة للزناة (لا 20: 10-16)، وللقاتل نفسه (خر 21: 14)، ولضارب أبيه أو أمه أو شاتمهما (خر 21: 15، 17)، ولكاسر يوم السبت (خر 31: 15)، والمجدف على اسم الرب (لا 24: 16)... وأمر به في بعض الحروب مع الوثنيين. كان هذا كله يناسب العهد القديم، إذ لم يكن يستطيع الإنسان أن يميز بين الخاطئ والخطية، وعابد الأوثان وعبادة الأوثان، فبالقتل أراد أن يؤكد رفضه التام للخطية وعبادة الأوثان التي للأمم. أما في العهد الجديد، إذ دخل المؤمنون إلى النضوج الروحي لم يعد القتل عقوبة للخاطئ، إنما يلزم خلاصه من الخطية علة موته.

    والقتل لا يعني مجرد سفك الدم، فهناك من يقتل بلسانه كقول الكتاب: "لسانهم سيف قتّال" (إر 9: Cool، "ألين من الزيت كلماته وهي سيف مسلول" (مز 55: 21). وهناك قتل بالنيَّة: "كل من يبغض أخاه فهو قاتل نفس" (1 يو 3: 15). وهناك قتل بالمسئولية كمن يترك إنسان ثوره النطَّاح ينطح آخر فيقتله (خر 21: 28-29). وهناك قتل للروح كقول الكتاب "الحرف يقتل" (2 كو 3: 6). وقد اعتبر القدِّيس إكليمنضس الإسكندري المبتدعين أشر من القتلة، إذ يقول: [القتل هو هلاك أكيد، فمن يرغب في استبعاد التعليم الحقيقي الخاص بالله والخلود... أكثر ضررًا من القاتل[297]].



    10. الوصية السابعة: عدم الزنا[298]:
    يقول الرسول: "اهربوا من الزنا؟ كل خطية يفعلها الإنسان هي خارجة عن الجسد، لكن الذي يزني يخطئ إلى جسده" (1 كو 6: 18).

    بالزنا نسيء إلى أجسادنا التي هي أعضاء المسيح (1 كو 6: 15)، والتي هي هيكل الروح القدس (1 كو 6: 19).

    ليست خطية بشعة يكرهها الله مثل الزنا، حتى دعيت في الكتاب "نجاسة" (2 بط 2: 10)، بها تتنجس النساء (خر 18: 11)، وينجس الرجل جسده (2 بط 2: 10). وتتنجس ثيابه (رؤ 3: 4)، وينجسون الأرض (إر 3: 6-9).

    من فرط بشاعتها دعيت عبادة الأوثان زنًا (إر 3: 6-9)، وبسببها عاقب الرب الأرض بالطوفان (تك 6: 1-2)، وحرق سدوم وعمورة (تك 19: 24-25)، وكاد يفنى سبط بنيامين كله (قض 20)، وقدم الرسول بولس تأديبًا قاسيًا حتى كاد الزاني أن يُبتلع من الحزن المفرط (1 كو 5: 3، 5)، واعتبرها الرب السبب الوحيد لحل رباط الزوجية المقدس (مت 5).

    وأراد السيِّد المسيح أن يحفظنا منها تمامًا فأوصانا ألاَّ نتطلع إلى امرأة لنشتهيها، وكأنه أراد أن يغلق الباب من بداية الطريق.

    وجاءت القوانين الكنسية صارمة في هذا الأمر فعاقب الكاهن الذي يسقط فيها بالحرمان من عمله الكهنوتي كل أيام حياته.

    ويرى القدِّيس إكليمنضس الإسكندري أن للزنا مفهوم أوسع من المعنى الدارج إذ يقول: [من يترك المعرفة الكنسية الحقيقية والإيمان بالله ويَجري وراء باطله فهو يزني...)[299].

    وقد كتب الآباء كثيرًا عن حياة العفة والطهارة سواء بالنسبة للمتزوجين أو البتوليين[300].



    11. الوصية الثامنة: عدم السرقة:
    ليست السرقة هي أخذ مال الغير بل سلبه، فالتلاميذ لما جاعوا قطفوا السنابل من الحقل، والشريعة تقول: "إذا دخلت كرم صاحبك فكلْ عنبًا حسب شهوة نفسك، شبعتك، ولكن في وعائك لا تجعل. إذا دخلت زرع صاحبك، فاقطف سنابل بيدك، ولكن منجلاً لا ترفع على زرع صاحبك" (تث 23: 24-25).

    أُعتبر إتهام يعقوب بسرقة آلهة لابان أمرًا بشعًا (تك 31: 30، 32)، وأيضًا اتهام إخوة يوسف بسرقة الكأس (تك 44: 7-9).

    تزداد بشاعة هذه الخطية إن كان المسروق منه محتاجًا مثل الأرملة (مر 12: 40)، أو الإقراض بربا لمحتاج أو رهن ثياب أحد أو غطائه (خر 22: 25-27)، أو كان الشيء المسروق من المقدسات.

    اعتبر الله من يمتنع عن دفع العشور سرقة (غلا 3: 7-10)!

    واعتبر القدِّيس إكليمنضس الإسكندري أن كل من ينسب شيئًا لغير صاحبه فهو يسرق[301]، كمن يسرق أفكار الآخرين وينسبها لنفسه.



    12. الوصية التاسعة: عدم الشهادة بالزور:
    الشهادة بالزور تعني الكذب، ويعتبر الشيطان "كذابًا أبو الكذاب" (يو 8: 44)، فمن يكذب يعمل أعمال أبيه الشيطان.

    لما كانت الشهادة الزور لها خطورتها على الجماعة وضعت الشريعة، "على فم شاهدين أو ثلاثة تقدم كل كلمة" (تث 19: 15).

    وقد اهتم الكتاب المقدس بالصمت المقدس، لأن كثرة الكلام لا تخلو من معصية، والتسرع في الحديث قد يدفع الإنسان للكذب بغير عمد.



    13. الوصية العاشرة: لا تشته:
    "لا تشته امرأة قريبك.

    ولا تشته بيت قريبك، ولا حقله، ولا عبده، ولا أمَته، ولا حماره، ولا شيئًا مما لقريبك" (خر 20: 17، تث 5: 21).

    هذه الوصية كشفت عن عمق الناموس، إنه أراد أن يقتل الخطية من جذرها[302]، لكن اليهود لم يفهموا.

    يتساءل البعض أوصى الناموس الموسوي "لا تشته"، وأوصى العهد الجديد بذات الوصية، فما الفارق؟ أوصى الناموس لكنه لم يعط العلاج، كشف عن عجز الإنسان عن تنفيذ الوصية لكي يطلب العلاج، أما العهد الجديد فأعطانا إمكانيات التنفيذ بالروح القدس العامل فينا. في هذا يقول القدِّيس أغسطينوس: [يقول الناموس: لا تشته، حتى أننا إذ نجد أنفسنا ساقطين في هذه الحالة المرضية نطلب العلاج. بهذه الوصية نعرف في أي اتجاه نهدف بجهادنا![303]]. كما يقول: [بناموس الأعمال يقول لنا الله إصنعوا ما آمركم به (لا تشته)، ولكن بناموس الإيمان نقول لله إعطنا ما أوصيت به[304]].

    لا تقف الشهوة عند الأمور الخاصة بشهوات الجسد، وإنما شهوة الامتلاك أيضًا ومحبة المال، فيقول القدِّيس أمبروسيوس: [محبة المال رذيلة قديمة وعتيقة، أظهرت ذاتها حتى في إعلان الناموس، إذ جاء الناموس لكي يقمعها[305]].



    14. خوف الشعب ورعدته:
    تكلمنا في الأصحاح السابق عن البروق والرعود والجبل الذي كان يدخن، كما تحدثنا عن الضباب الذي اقترب إليه موسى حيث كان الله. هنا أكتفي بتقديم مقارنة بين رعدة الشعب وخوفه أثناء استلام موسى للشريعة، ومنظر العلية في العهد الجديد حيث حل الروح القدس على الكنيسة، على لسان القدِّيس أغسطينوس: [في العهد القديم منع الشعب خلال الرعب الفظيع من الاقتراب من المكان الذي فيه الناموس، أما في الحالة الثانية فحلّ الروح القدس على الذين اجتمعوا معًا في انتظار عطية الله التي وعد بها. هناك عمل إصبع الله على ألواح حجرية، أما هنا فعمل في قلوب البشر. هناك أعطى الناموس ظاهريًا حتى يرتعب الأشرار، أما هنا فأعطى سرًا لكي يتبرَّروا (أع 2: 1-47). لأن هذا: "لا تزن لا تقتل لا تسرق لا تشهد بالزور لا تشته، وإن كانت وصية أخرى هي مجموعة في هذه الكلمة أن تحب قريبك كنفسك، المحبة لا تصنع شرًا للقريب، فالمحبة هي تُكمل الناموس" (رو 13: 109). والآن هذا ليس مكتوبًا على ألواح حجرية، بل "انسكب في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا" (رو 5: 5). لذلك فإن المحبة هي ناموس الله... وإذ تنسكب المحبة نفسها في قلوب المؤمنين حينئذ يكون لدينا ناموس الإيمان والروح الذي يهب حياة لكي نحب[306]].



    15. تأكيد ضد عبادة الأوثان:
    كما افتتح الله حديثه في الوصايا بتأكيده إنه الله الواحد الذي لا يعبدون معه آخر غيره، هكذا بعد أن ختم الوصايا حذر الرب موسى لئلاَّ ينحرف بنو إسرائيل في عبادة الأوثان...
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://temaf-erene.yoo7.com
    ثروت
    خادم المنتدي
    خادم المنتدي
    ثروت


    عدد الرسائل : 5787
    العمر : 55
    الموقع : https://temaf-erene.yoo7.com
    تاريخ التسجيل : 10/06/2008

    تفسير سفر الخروج Empty
    مُساهمةموضوع: رد: تفسير سفر الخروج   تفسير سفر الخروج Emptyالأربعاء 31 أغسطس 2011, 1:23 pm

    تفسير سفر الخروج 21
    خرج الشعب من مصر كأمة بلا خبرة، لهذا التزم الله بكل احتياجاتهم ليس فقط الخاصة بتحريرهم من بيت العبودية فحسب، وإنما برعايتهم ماديًا أيضًا إذ كان يهتم بِقوتهم اليومي، ويظلل عليهم نهارًا، وينير لهم ليلاً، كما اهتم بالتشريع لهم في أمور العبادة والحياة المدنية والأمور الجنائية بل حتى في الأمور الطبية والهندسية والزراعية. إذ أنه كشعب بدائي صار الله بالنسبة لهم الأب والقاضي والطبيب والمهندس المدني والمهندس الزراعي يتكفل بكل التزاماتهم. هذا ما سبق أن أوضحناه في الكتيب الذي سبق أن صدر عن سفر اللاويين، والذي أرجو أن أعود إليه فيما بعد بشيء من التفصيل.

    1. جاءت التشريعات في الأصحاحات الثلاثة (خر 21-23) أشبه بتطبيق عملي للوصايا العشر لتناسب الظروف التي كان يعيشها اليهود في ذلك الوقت، وهي تقدم لنا فهمًا إيمانيًا حيًا عن علاقتنا بالله، وعلاقتنا بإخوتنا بل وبالحيوان والأرض!! لهذا فنحن لا ندرس هذه الأصحاحات بطريقة تفصيلية كقوانين وشرائع، إنما نُريد أن نتعرف على النظرة الإلهية للحياة البشرية. كمثال نجد بعض القواعد التي تحكم العلاقة المتبادلة بين العبيد وسادتهم، أما الآن إذ لا يوجد عبيد لا نتجاهل هذه القواعد، لأنها تحمل روح العلاقات المتبادلة بين البشر وبعضهم البعض.

    2. في هذه القوانين ظهرت العداله واضحة، فلا محاباة لغني أو شريف، بالرغم مما كان عليه الإنسان بوجه عام في ذلك الحين، حيث انحط البعض ليضطجع مع بهيمة (22: 19) أو يذبح لوثن (22: 20).

    3. لم يهتم الله فقط بعلاقة الإنسان بأخيه الإنسان خاصة إن كان عبدًا أو يتيمًا أو أرملة أو فقيرًا، لكنه كان يهتم حتى بعلاقته بحيوانات الحقل إذ أمره أن يعطيها يومًا كل أسبوع للراحة (23: 12)، كما ألزمه أن يهتم بحمارعدوّه المتعثِّر (23: 5)، ويعطى الأرض راحة لمدة سنة كل سبعة سنين لتستريح ويأكل منها الفقير ووحوش البرية (23: 11).

    إلى هذه الدرجة الله يهتم ليس فقط بالعبد والفقير واليتيم والأرملة والغريب، وإنما حتى بالحيوانات والأرض؟! فكم بالأحرى يكون اهتمام الله بأولاده؟!

    يرى القدِّيس بولس الرسول أن هذه القوانين حملت معانٍ خفية تخص شعب الله وحياتنا الداخلية، إذ يقول: "مكتوب في ناموس موسى لا تُكمّ ثورًا دارسًا" (تث 25: 4)، ألعل الله تهمه الثيران؟! أم يقول مطلقًا من أجلنا. إنه من أجلنا مكتوب. لأنه ينبغي للحرّاث أن يحرث على رجاء، وللدارس على الرجاء أن يكون شريكًا في رجائه..." (1 كو 9: 9-10). لهذا اهتم العلامة أوريجانوس وغيره من الآباء الرمزيين أن يبحثوا عن المعاني الخفية وراء هذه القوانين... وإذ لا يتسع المجال هنا سأُعطي بعض الأمثلة.

    4. في الوصايا العشر بدأ بالوصايا التي تخص علاقة الإنسان بالله، ثم تلاها بالوصايا الخاصة بعلاقة الإنسان بأخيه، حتى لخص السيِّد المسيح الوصايا في عبارة واحدة "تحب الله والقريب"، أما هنا فبدأ بالوصايا أو القوانين الخاصة بالقريب مثل العبيد والمقتولين والمظلومين والمديونين والغرباء والأرامل واليتامى... الخ. تلاها بعد ذلك بالوصايا الخاصة بالأعياد ثم علاقتنا بالله. فإن كانت هذه القوانين تفسيرًا للوصايا العشر، كأن الله أراد أن يوضح عدم الفصل بين وصايا خاصة بعلاقتنا بالله وأخرى خاصة بعلاقتنا بإخوتنا في البشرية، فهي تمثل وحدة واحدة، أو حياة واحدة، فلا نظن أننا نسترضي الله بالعبادة والعطاء على حساب علاقتنا بالآخرين، كما لا نظن أن معاملتنا الحسنة مع إخوتنا تكفر عن إهمالنا في العلاقة مع الله!



    محتويات الشريعة:
    تحدثت هذه الأصحاحات عن:



    1. العبد العبراني [21: 1-11].

    2. القتل والضرب [12-36].

    3. السرقة [22: 1-15].

    4. الزنا [16-20].

    5. الظلم [21-27].

    6. السب [28].

    7. سلب حق الله [29-31].

    8. النفاق [23: 1-3].

    9. مساعدة الآخرين [4-6].

    10. العدالة وعدم الرشوة [7-9].

    11. السبت وحقوق الغير [10-13].

    12. الأعياد [14-19].

    13. الحضرة الإلهية [20-23].

    14. عدم مخالطة الأمم [24-33].



    الأصحاح الحادي والعشرون

    الشريعة (يتبع)

    1. العبد العبراني [1-11].

    2. القتل والضرب [12-36].

    1. العبد العبراني:
    يتحدث هذا الأصحاح عن حقوق العبد العبراني، إذ تُميز الشريعة بين العبد العبراني والعبد الغريب (الأممي). ولكي نتفهم ما ورد في الشريعة يلزمنا أن نتفهم نظرة الوثنية لنظام الرق، وما هو موقف الشريعة اليهودية؟ وما هو دور المسيحية في ذلك الشأن؟

    الوثنية ونظام الرق:
    عرفت الشعوب الوثنية نظام الرق، يستوي في ذلك الشعوب المتخلفة مع المتحضرة كالإغريق والرومان... وقد أيَّد بعض فلاسفة العالم الوثني هذا النظام، كنظام طبيعي وضروري، وأعلن أرسطو أن جميع البرابرة (غير المتحضرين) عبيد بالمولد، ولا يصلحون إلاَّ لهذا العمل. ولم يعطِ القانون الروماني للعبيد أي حق مدني أو إنساني... إذ لا يُعاقب السيِّد أو يُحاسب إن عذب عبدًا (أو أمَة) أو قتله، أو صنع معه الفحشاء أو اغتصب منه زوجته لتكون محظيته أو لتصير عاهرة![307]

    اليهودية ونظام الرق:
    لم يكن ممكنًا للشريعة اليهودية أن تمنع هذا النظام دفعة واحدة، لهذا التزمت بتقديم قواعد ونظم تحفظ للعبد حقه الإنساني، وتنزع عنه -إلى حد كبير- جانب الإذلالي، ليعيش كإنسان وأخ تحت ظروفه القاسية. وقد عرف اليهود نوعين من العبودية: عبودية العبرانيين، وعبودية الأمميين.

    أولاً: عبودية العبرانيين:
    كانت تتم في أحد الظروف التالية:

    أ. بسبب الفقر قد يبيع الإنسان نفسه (لا 25: 29)، أو أولاده (2 مل 4: 1).

    ب. بسبب السرقة، إن لم يكن له ما يوفي فيباع بسرقته (خر 22: 3).

    ج. قد يبيع الإنسان ابنه عبدًا أو ابنته أمَة (خر 21: 7، 17، نح 15: 5).

    د. قد يصير الإنسان عبدًا بالميلاد إذا كان والده عبدًا.

    أما الحقوق التي قدمتها الشريعة للعبد العبراني والأمَة العبرانية فهي:

    أ. يُعامل العبد العبراني كأخٍ، ليس في مذلة "لا تُستعبده استعباد عبد، كأجير كنزيل يكون عندك... لأنهم عبيدي الذين أخرجتهم من أرض مصر لا يباعون بيع العبيد. لا تتسلط عليه بعنف، بل إخشَ إلهك" (لا 25: 39-43). بذلك قدمت الشريعة نظرة جديدة للعبد، أنه أخْ، شريك في العبودية لله الواحد.

    ب. يتمتع العبد بالعتق من العبودية في السنة السابعة من عبوديته (أي بعد ست سنوات)، أي إن صح التعبير، في السنة السبتية، سنة الراحة. هذه إشارة إلى الحرية التي صارت لنا جميعًا بمجيء الرب في السنة السبتية، أي في ملء الزمان وقدم لنا ذاته "سرّ الراحة الحقيقية"، واضعًا حدًا لعبودية الخطية. في هذا يقول "إن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحرارًا" (يو 8: 36).

    للعبد حق الخيار أن يترك بيت سيِّده أو يطلب أن يبقى معه كل أيام حياته، فإن كان العبد يُحب سيِّده وزوجته وأولاده عليه أن يستعبد نفسه لسيِّده بمحض إرادته إلى النهاية، فيقدمه سيِّده إلى الباب ويثقب أذنه، علامة الطاعة الكاملة، كقول داود المرتل "أذني فتحت (ثقبت)" (مز 40: 6). هذا ما صنعه السيِّد المسيح الذي وهو الابن صار من أجلنا عبدًا، أحب أباه وعروسه وأولاده (أف 5: 25-27)، فحمل في جسده جراحات الصليب لأجل خلاصنا. صار عبدًا لكي يرفعنا من العبودية إلى البنوة لله.

    ج. في سنة اليوبيل (لا 25: 39-40) يتحرر جميع هؤلاء العبيد حتى الذين لم يكملوا السنوات الست في خدمتهم لسادتهم، لأن اليوبيل يتم في السنة الخمسين، رمزًا لعمل الروح القدس الذي يهب الكنيسة كمال الحرية في استحقاقات دم المسيح. وبالروح القدس ننال غفران الخطايا، ونتمتع بالشركة مع الله في ابنه، ونحمل روح التبني الذي به نُنادي الله كأب لنا.

    د. لا يخرج العبد فارغًا بعد تحرره، بل يأخذ معه من الغلات والقطيع ومن البَيْدر والمعصرة (لا 25: 43)، هكذا لم يحررنا السيِّد المسيح فحسب لكنه وهبنا غنى روحه القدوس، فننطلق حاملين بره وقداسته فينا.

    ه. يمكن للعبد أن يتزوج ابنة سيِّده (1 أي 2: 35)، كما يمكن للسيِّد أن يتزوج الأمَة أو يعطيها زوجة لابنه، ولا يحق له أن يبيع العبد العبراني أو الأمَة لسيِّد أجنبي (خر 21: 7-11)... بهذا تصير الأَمَة من أهل البيت لها كل الحقوق كأحد أفراد الأسرة. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و التفاسير الأخرى). هذه صورة حيّة لعمل الله معنا الذي قدمنا نحن عبيده كعروس لابنه، فصار لنا شركة أمجاده السماوية.

    و. إن أهمل السيِّد أو ابنه في حق الأمة التي تزوجها، من جهة الطعام أو الملابس أو حقوقها الزوجية تصير الأمَة حرة!

    أخيرًا، فقد أُلغيت عادة العبيد العبرانيين وحُرمت بعد العودة من السبي.

    ثانيًا: عبودية الأممي:
    غالبًا ما يكونون من أسرى الحرب (عد 31: 9، 2 مل 5: 2)، أو مشترين (تك 17: 27، 37: 28، 36؛ خر 27: 13؛ يؤ 3: 6، Cool، أو بالميلاد (تك 17: 12). لكننا لا نشتم من الكتاب المقدس ولا من التاريخ أنه وُجد سوق للرق عند اليهود[308].
    بل الشريعة الموسوية قدم لنا إبراهيم أب الآباء مثلاً حيًا في التعامل مع العبيد، فقد وضع في قلبه إن لم ينجب يترك ميراثه لأحد عبيده "اليعازر الدمشقي" (تك 15: 20)، الذي جعله وكيلاً على كل أمواله. وفي زواج اسحق برفقة (تك 24) ظهرت ثقة إبراهيم في عبده، وكان العبد في تصرفاته يكشف عن استحقاقه أن يكون موضع هذه الثقة.

    وإذ جاءت الشريعة الموسوية قدمت للعبيد حقوقًا تحفظ لهم آدميتهم، منها:

    أ. من يسرق إنسانًا ويبيعه أو يوجد في يده يقتل (خر 21: 16).

    ب. جريمة قتل العبد تتساوي مع قتل الحرّ (لا 24: 17، 22).

    ج. إذا فقد عبد عينه أو يده يُعتق (خر 21: 26-27).

    د. أُعطت الشريعة للعبيد أن يعبدوا آلهتهم الخاصة، أي حرية العقيدة حتى وإن كانوا مخطئين، لكن من حق السيِّد العبراني أن يختن عبيده.

    ه. أعطتهم حق الاشتراك مع سادتهم في الأعياد (خر 20: 10، 23: 12).



    المسيحية ونظام الرق:
    عالجت المسيحية مشكلة "نظام الرق" بطريقة موضوعية، إذ لم تشأ إثارة العبيد ضد سادتهم، الذين كانوا يمثلون في المملكة الرومانية نصف تعدادها، ويذكر بليني أن أحد الأثرياء الرومان يدعى كلوديوس إسيدورس في أيام أغسطس ترك بين ممتلكاته 4116 عبدًا[309]. إنما طالبت العبيد بالطاعة (أف 6: 5-8، كو 3: 22-25، 1 تي 6: 1-2؛ 1 بط 2: 18-21)، كما أنها آمنت حتى بإمكانية تأثير العبد على سيِّده خلال الحياة المقدسة في الرب. فلا نعجب إن رأينا القديس يوحنا الذهبي الفم يقول لحاضري اجتماعاته: [إن كل واحد منهم يُعلِّم الذين في الخارج أنه كان في صحبة السيرافيم، فالأب يُعلم ابنه والأم ابنتها، وأيضًا العبد سيِّده].

    عملت الكنيسة على إعادة العبد الهارب إلى سيده فليمون، لكي يحرره بإرادته ويعفو عنه دون ضغط أو إلزام.

    لقد بدأ نظام الرق ينهار من جذوره، وكان ذلك أحد الأسباب الرئيسية لهياج الدولة الرومانية على الكنيسة المسيحية[310]، أما سرّ انهياره فيكمن في الأسباب التالية:

    أ. ألزمت الكنيسة أولادها أن يعاملوا العبيد إخوة لهم (1 كو 7: 21-22، غل 3: 28؛ كو 3: 11). ولا ننسى أن السيِّد المسيح قد أُسلم مقابل ثلاثين من الفضة كأنه بيع كعبد، فدخل إلى زمرة العبيد، ولم يأنف منهم بل قدّس حياة المؤمنين منهم.

    ب. إن كان الرسول بولس قد ردّ العبد الهارب أنسيموس إلى سيِّده فليمون، فقد بعث معه برسالة تُعتبر أروع ما يمكن أن يُكتب من رسول بخصوص عبد هارب، إذ يلقِّبه "ابني أنسيموس، الذي ولدْته في قيودي، هو أحشائي، اقبله نظيري". كما جاء في الرسالة "لأنه ربما لأجل هذا افترق عنك إلى ساعة لكي يكون لك إلى الأبد، لا كعبد فيما بعد بل أفضل من عبد أخًا محبوبًا ولا سيما إليَّ".

    ج. إذ عاش بعض السادة بروح الإنجيل التزموا بتحرير عبيدهم بواعز داخلي، دون وجود أمر صريح بذلك.

    د. كثيرون ممن كانوا عبيدًا نالوا رتبًا عالية أو كرامة كنسية سامية، من هؤلاء من هم شهداء مثل بلاندينا وبابليس وفليكتاس، الذين كانت تذكرهم الكنيسة كأبطال إيمان[311]. ومن العبيد أيضًا صار أسقف مثل أنسيموس تلميذ القديس بولس، إذ صار أسقفًا على Borea بمكدونية[312]؛ وكالستوس أسقف روما في القرن الثالث.

    ه. شجعت الكتابات الكنسية الأولى على انهيار هذا النظام، نذكر على سبيل المثال ما جاء في الديداكية: [لا تنتهر (بمرارة) عبدك أو أمتك اللذين يترجيان الله إلهك، لئلا يفقدا مخافة الله، الذي هو فوق الكل، وليس عنده محاباة الوجوه[313]].

    يقول القديس إكليمنضس الإسكندري: [العبيد هم أناس مثلنا[314]].

    ويقول الأب لاكتانتيوس: [العبيد ليسوا عبيدًا لنا، لكننا نحسبهم إخوة في الروح، وهم عبيد شركاء معنا في الدين[315]].

    كما جاء في كتابات القديس أغناطيوس الأنطاكي: [لا تحتقر العبيد، ولا تدعهم ينتفخون في كبرياء، بل بالحرى يتضعون لأجل مجد الله[316]].

    واعتبر القديس أغسطينوس أن ظهور العبودية إنما هو ثمرة الخطية، فإن المقاصد الإلهية لا تقبل أن يملك إنسان على زميله الإنسان ويسيطر عليه[317]. ونادى القديس يوحنا ذهبي الفم بذات الفكرة[318]، حيث قال: [إن العبودية ظهرت فقط حينما سقط كنعان تحت اللعنة (تك 9: 25)].



    2. القتل والضرب:
    أعلنت الوصايا العشر كراهية الله للقتل، فجاءت الوصية صريحة "لا تقتل". أما الشريعة فكشفت عن تفاصيل أكثر لهذه الوصية، وربطت بين القتل والضرب المؤدي إلى إصابات مستديمة في الجسم، تتلخص في الآتي:

    أ. القتل عمدًا: عقوبته قتل القاتل، ولا يمكن أن يحميه شيء، حتى إن احتمى بمذبح الرب [14]، ويستوى قتل الحرّ كقتل العبد [16]. كما جعلت الشريعة ضرب أحد الوالدين [15] أو سبّه [17] نوعًا من القتل عقوبته أيضًا القتل.

    وقد حرمت الشريعة افتداء القاتل المستحق القتل بالمال، لأن دم القتيل يُدنس الأرض (عد 35: 31-34)، بهذا ساوى بين الغني والفقير، وصاحب السلطان والمحتقر.

    ولا يحكم بالموت على قاتل على شهادة شاهد واحد (عد 35: 30)، إنما بعد ثبوت الجريمة على فم شاهدين أو ثلاثة.

    ب. القتل بالمسئولية: إن أهمل إنسان في ضبط ثوره النطاح مثلاً، ثم قتل الثور إنسانًا يُقتل الثور مع صاحبه، إذا قتل ذلك الثور حيوانًا يدفع صاحبه تعويضًا لذلك [36]. أما إذا لم يثبت إهمال صاحبه كأن يكون الثور غير نطاح فيقتل الثور، ويكون صاحبه بريئًا، وإذا قتل ثور إنسانًا آخرًا يُباع الثور الحيّ ويقتسم الاثنان ثمنه.

    يخضع الإنسان لذات المسئولية إن حفر بئرًا وأهمل في تغطيتها [33]. كذلك إن أهمل في بناء سورٍ لسطح بيته وسقط إنسان عن السطح، فيعتبر صاحب البيت كقاتل (تث 22: Cool... هكذا جعل الرب الإهمال خطية يتحمل صاحبها المسئولية.

    ج. القتل مع غير العمد [13]: كان للقاتل في هذه الحالة الحق في الهروب من أمام وجه وليّ الدم إلى إحدى مدن الملجأ، فلا يجوز قتله مادام داخل المدينة إلى أن يموت الكاهن العظيم، حينئذ يستطيع أن يخرج من المدينة ولا يجوز قتله (عد 35: 11، تث 19: 3، يش 2: 3). وكانت هذه المدن رمزًا للسيِّد المسيح، الملجأ الذي تلجأ إليه النفس التائبة فتحتمي فيه فلا تسقط تحت حكم الموت، أما إن خرجت عن الإيمان به وتركته فتهلك بخطيتها. وقد حدد الله مدن الملجأ وأمر بوضع علامات تُشير إليها حتى يمكن للهارب أن يهتدي بها... الأمور التي أرجو العودة إليها في دراستنا لسفر العدد.

    هنا يظهر تقديس النظرة للحياة الإنسانية ضد القتل والضرب، فأمرت الشريعة بقتل القاتل عمدًا، ولا هروب لأجل ردع القتلة، وفي نفس الوقت حمت القاتل عن غير عمد لأنه بلا ذنب، إنما الله هو الذي سمح بموته، إذ يقول: "أوقع الله في يده" [13].

    د. الضرب: تظهر نظرة الله المقدسة للحياة الإنسانية ليس فقط في عدم القتل، وإنما أيضًا في عدم احتماله أذية إنسان، أيًّا كان. فإن أُصيب عبد أو أمَة إصابة مستديمة يتحرر فورًا [26]، وإن حدثت أذية لإنسان حرّ فعين بعين وسن بسن ويد بيد ورجل برجل... حتى يتأدب الضارب ويتعظ الشعب كله. على أن الشريعة بهذا منعت المضروب أن ينتقم لنفسه بأكثر مما أصابه. فنحن نعلم أن الإنسان في طبعه البدائي لا يسكت غضبه إلاَّ بانتقام أشد، لأن الضارب هو الذي ابتدأ، لكن الشريعة أرادت أن تضع له حدًا، حتى متى نضج الإنسان روحيًا يعرف كيف يقابل الشر بالخير. وقد تحدث القديس أغسطينوس عن خمس درجات للحب والغضب هي[319]:

    الدرجة الأولى: هي رغبة الإنسان في الاعتداء على أخيه بلا سبب، كما يحدث في القبائل البدائية التي تثورعلى بعضها البعض في أنانية.

    الدرجة الثانية: هي ألاَّ يبتدئ الإنسان بالاعتداء، وإنما إن أُعتدى عليه يرد الاعتداء مضاعفًا.

    الدرجة الثالثة: هي إذا أُعتدى على الإنسان يرد الاعتداء بذات الاعتداء، ولا يتجاوزه، أي عين بعين وسن بسن ويد بيد ورجل برجل... وقد رفعت الشريعة الموسوية الإنسان عن المرحلتين السابقتين ودخلت به إلى هذه المرحلة، وهي ليست بقليلة في ذلك الوقت. إنها لا تُلزم المضروب أن يرد العين بالعين لكن تمنعه من أن يرد العين بعينين! ليست تصريحًا برد الضرر بضرر مساوٍ له لكنها منعت من رده بضرر أكبر.

    الدرجة الرابعة: رد الضرر بضرر أقل لأجل التأديب فقط.

    الدرجة الخامسة: رد الضرر بالحب، ومقاومة الشر بالخير، ومعالجة المعتدي كمريض... وهذا ما رفعنا إليه السيِّد المسيح في عظته على الجبل (مت 5: 43-48)، فنمتثل بالله أبينا الذي يشرق شمسه على الأشرار والصالحين ويمطر على الأبرار والظالمين.

    نعود للشريعة الموسوية لنجدها تعطي المضروب حق نوال تعويض عما أصابه، فيدفع له الضارب ثمن العلاج، وأيضًا تعويضًا عن بطالته [18-19].

    إجهاض امرأة بسبب رجال متخاصمين:

    "إذا تخاصم رجال وصدموا امرأة حبلى فسقط ولدها ولم تحصل أذية يُغرَّم كما يضع عليه زوج المرأة، ويدفع على يد قضاة. وإن حصلت أذية نفسًا بنفس، وعينًا بعين، وسنًا بسن، ويدًا بيد، ورجلاً برجل..." [22-25].

    يُعلق العلامة أوريجانوس على هذا التشريع قائلاً: [المتخاصمون هم الذين يتناقشون في بعض النقط الخاصة بالناموس، مستخدمين ما تحدث عنه الرسول "مماحكات الكلام" (1 تي 6: 4). نحن نعلم أن هذه الخصومات كثيرة الحدوث بين الإخوة، لهذا يوصي الرسول قائلاً: "مناشدًا قدام الرب أن لا يتماحكوا بالكلام، الأمر غير النافع لشيء، لهدم السامعين" (2 تي 2: 14)، "المباحثات الغبية والسخيفة اجتنبها، عالمًا أنها توَلِّد خصومات، وعبد الرب لا يجب أن يخاصم" (2 تي 2: 23). فإن الذين يتخاصمون في هذه الأمور يعملون ذلك لهدم السامعين، أي يضربون المرأة الحبلى فيسقط الجنين. هذه المرأة الحبلى هي النفس التي تحبل بكلمة الله. نقرأ عن هذا الحبل في موضع "حبلنا تلدينا" (إش 26: 18). الذين يحبلون ويلدون لا يُشبَّهون بالنساء بل بالرجال الكاملين. اسمعوا النبي يقول: "هل تمخض بلاد في يوم واحد؟ أو تولد أمَّة دفعة واحدة؟!" (إش 66: Cool. هذا هو جيل الكاملين الذين يولدون في ذات اليوم الذي يحبلون فيه.

    لا تظنوا إني أتحدث بشيء غريب حين أعلن أن الرجال يلدون فقد سبق أن قلت لكم بأي معنى ينبغي أن تؤخذ هذه الكلمات، متجنبين التفسير الجسدي، طالبين تفسير الإنسان الداخل...

    اسمعوا أيضًا ما يقوله الرسول: "يا أولادي الذين أتمخض بهم إلى أن يتصوَّر المسيح فيهم" (غلا 4: 9). إذن الذين يلدون بعد الحبل مباشرة. إنهم رجال أقوياء وكاملون، هؤلاء الذين يثمرون بالعمل بكلمة الإيمان التي أخذوها. أما النفس التي تحبل وتحتفظ بالثمر في داخلها ولا تلده فتُدعى امرأة، كقول النبي: "الأجنَّة دنت إلى المولد ولا قوة على الولادة" (إش 37: 3). هذه هي النفس التي تُدعى امرأة بسبب ضعفها، تتعذب وتتعثّر عندما يتخاصم الرجال ويتضاربون. هذه هي النتيجة الحتمية للخصام، تدفع عنها كلمة الإيمان التي حبلت بها وترفضها. هذا هو الخصام الذي يؤدي إلى هدم السامعين.
    إن كانت النفس التي تعثرت قد ألقت عنها الكلمة التي لم تكتمل بعد فيها، فعلى من أعثرها أن يتحمل العقاب.

    أتُريد أن تعرف إن كانت هناك بعض النفوس قد تكونت فيها الكلمة أم لا؟!... يعلمنا الرسول: "حتى يتصور المسيح فيهم" (غلا 4: 19). المسيح هو كلمة الله. بهذا يُشير الرسول بولس أنه في وقت كتابته لم تكن كلمة الله قد تكونت فيهم، فإن رفضت الكلمة قبل أن تكتمل داخلها تستوجب الدينونة.

    يُحدثنا الرسول بولس أيضًا عن عقاب المعلمين، إذ يقول: "إن احترق عمل أحد فسيخسر، أما هو فسيخلص لكن كما بنار" (1 كو 3: 15). والرب نفسه يقول في الإنجيل: "ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟!" (مت 16: 16)[320].

    ويعلق العلامة أوريجانوس على العبارة "يُغرّمَ كما يضع عليه زوج المرأة" قائلاً: [إن زوج النفس التي تتعلم هو سيِّدها... المسيح الذي يرأس الكنيسة[321]]. هذا السيِّد يقطع المعلمين المعثرين عن جسد الكنيسة.

    ماذا يعني أنه أصاب عينها أو أسنانها أو يدها أو رجلها أو أصابها بالكيّ؟... يرى العلامة أوريجانوس أن العين التي تُصاب لدى صغار النفوس هو إدراكها لله وبصيرتها الداخلية. أما الأسنان فتُشير إلى قدرتها على هضم كلمة الله وإدراك أسرارها والشبع بها. تُشير اليد إلى قدرة النفس على التمسك بالروحيات والتثبت فيها. أما الرجل فتُشير إلى القدرة على السير
    متجهًا نحو الله. أما الكيّ فتعني ما تُعانيه النفس التي تحترق بسبب حرمانها من الله. هذه هي العثرات التي يسقط فيها الصغار روحيًا بسبب المماحكات الغبية.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://temaf-erene.yoo7.com
    ثروت
    خادم المنتدي
    خادم المنتدي
    ثروت


    عدد الرسائل : 5787
    العمر : 55
    الموقع : https://temaf-erene.yoo7.com
    تاريخ التسجيل : 10/06/2008

    تفسير سفر الخروج Empty
    مُساهمةموضوع: رد: تفسير سفر الخروج   تفسير سفر الخروج Emptyالأربعاء 31 أغسطس 2011, 1:25 pm

    تفسير سفر الخروج 22
    1. السرقة [1-15].

    2. الزنا [16-20].

    3. الظلم [21-27].

    4. السب [28].

    5. سلب الله حقوقه [29-31].



    1. السرقة:
    إعتبر الله نفسه مسئولاً ليس فقط عن حياة الإنسان وجسده وإنما أيضًا على ممتلكاته، فكل أنانية في حياة إنسان خلالها يُريد أن يقتني لنفسه شيئًا على حساب أخيه يعتبر خطية يرتكبها الإنسان في حق الله نفسه، وقد جاءت الشريعة فيما يخص السرقة والسارق والمعتدي عليه بالسرقة غاية في المرونة بالنسبة لذلك العصر، فعلى سبيل المثال:

    أ. بالنسبة للص أو السارق نفسه الذي يعرض حياته وحريته وممتلكاته للضياع إن قتل أثناء سرقته ليلاً لا يعوض عنه بدم، وإذا سرق يلزم بتعويض المعتدي عليه بالضعف إن كانت السرقة في يده، أما إن كان قد تصرف فيها بالبيع أو الذبح فيرد الثور بخمسة ثيران والشاة بأربعة من البقر، ولو باع كل ممتلكاته، أو باع نفسه عبدًا!!

    مع كل هذه الصرامة كانت "حياة اللص" موضع إهتمام الله، فإن ضبط اللص يسرق وضرب في النهار حتى مات يطلب دمه من القاتل. فإن الله لا يُريد روح الإنتقام بل التأديب! أما بالليل فيفترض أن صاحب الممتلكات كان يضربه في الظلام فإن مات اللص يكون اللص هو المسئول عن نفسه!

    ب. لا تقف السرقة عند السطو، ولكنها تتم أيضًا خلال الإهمال، كأن يترك إنسان ماشيته في حقله بلا أسوار فترعى في حقل غيره، أو يوقد نارًا في شوك أرضه فتلتهم محاصيل جاره، أو يأتمنه إنسان على ذهب أو فضة أو حيوان فيهمل في الحفاظ على الأمانة، وهنا يقوم القضاء بالحكم.

    ج. في حالة ضياع الأمانة أو موت ماشية مودعة كأمانة أو مستعارة يكون الحكم مرنًا، حسبما يقضي القضاة، وأيضًا حسب إمكانية صاحب الوديعة، فإن كان في عوز يلتزم المودع لديه بالتعويض.

    د. إعتبر الله الإنسان ملتزمًا بالمحافظة على ممتلكات جاره خاصة في غيابه، فإذ لم توجد مخازن في بنوك وتأمينات، تعاون الجماعة يسند الكل، فلا يترك إنسان حيوانًا يرعى في حقل جاره ولا يهمل في إشعال نار تلحق الضرر بمحاصيل جاره.



    2. الزنا:
    سبق الحديث عن جريمة الزنا في الأصحاح العشرين "الوصية السادسة". (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و التفاسير الأخرى). هنا يتسع مفهوم الزنا ليشمل السحر والذبح لآلهة غريبة. فمن يستخدم السحر كمعين له يكون كالزوجة التي تترك زوجها لتبحث عن آخر يعولها. والذبح للأوثان يكون كالعروس التي عوض أن تقدم حياتها ذبيحة حب لعريسها الأوحد، تسلم قلبها ذبيحة شهوة ونجاسة لآخرين.

    يظن البعض خطأ أن الزنا قد حرمه الله لأجل الإساءة إلى أحد الطرفين جسديًا أو إجتماعيًا أو معنويًا أو لطرف ثالث كزوج المعتدى عليها. لكن الشريعة تكشف خطورة الزنا بكونه دنس ونجاسة لا يحتملها الله، فيأمر بقتل من يصنع شرًا مع الحيوان، لأنه يدنس نفسه وجسده بل ويدنس الأرض.



    3. الظلم:
    لا يحتمل الله ظلم الإنسان لأخيه، خاصة إن كان المعتدي عليه غريبًا أو أرملة أو يتيمًا أو فقيرًا. وقد منع الربا [25]، لأنه لم تكن تستخدم القروض في أعمال تجارية لزيادة الدخل وإنما بسبب العوز حتى اضطر البعض أن يرهن ثوبه الذي يتغطى به... الله يريد رحمة، فلا يسمح لإنسان أن يترك ثوب أخيه رهينة لديه بعد غروب الشمس.

    لقد حذرهم من الظلم وذكرهم بجانبين: أنهم ذاقوا الغربة وذلها، فكيف لا يشعرون بألم الغرباء؟! ثانيًا أنه لا يحتمل أن يسمع صرخات المتألمين والمحتاجين فيحمى غضبه على الظالمين.



    4. عدم السب:
    يقول: "لا تسب الله، ولا تلعن رئيسًا في شعبك" [28].

    تقوم الكنيسة على الإحترام المتبادل وطاعة الصغير للكبير، فالمؤمن يشعر برعاية الله وعنايته فلا يخطئ إلى الله، وأيضًا يطيع الرؤساء في الرب.



    5. سلب حقوق الله:
    إذ يتحدث في هذا الأصحاح عن عدم إغتصاب ممتلكات الآخرين (السرقة) وعدم ظلم الغرباء والضعفاء والمحتاجين يتحدث عن عدم سلب حقه في البكور، ليس لأن الله في عوز، لكن لأجل الفقراء والمحتاجين.

    تكلمنا قبلاً عن تقديم بكور البنين (راجع أصحاح 13) كعلامة تقديس كل الشعب الله.

    والعجيب أنه ليس فقط بالبكور حتى يجد المحتاجين كفايتهم في بيت الرب، وإنما يهتم حتى بالكلاب، فيقول: "لحم فريسة في الصحراء لا تأكلوا، للكلاب تطرحونه" [31].

    هذا من جانب ومن جانب آخر طالبنا بالتقديس له، إيجابيًا بتقديم بكورة البنين وبكورة الحيوانات والمحاصيل، وسلبيًا بالإمتناع عن المحرمات والأمور الدنسة: "لحم فريسة في الصحراء لا تأكلوا". وكأن المؤمن في شركته مع الله يُجاهد في عمل الفضيلة وأيضًا في الكف عن الرذيلة، يصنع الخير ويمتنع عن الشر
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://temaf-erene.yoo7.com
    ثروت
    خادم المنتدي
    خادم المنتدي
    ثروت


    عدد الرسائل : 5787
    العمر : 55
    الموقع : https://temaf-erene.yoo7.com
    تاريخ التسجيل : 10/06/2008

    تفسير سفر الخروج Empty
    مُساهمةموضوع: رد: تفسير سفر الخروج   تفسير سفر الخروج Emptyالخميس 01 سبتمبر 2011, 1:22 pm

    ]color=red] تفسير سفر الخروج23
    الآيات (1-9): قوانين تخص الوصية التاسعة



    آية (1): "لا تقبل خبراً كاذباً ولا تضع يدك مع المنافق لتكون شاهد ظلم."

    لا تقبل خبراً إن لم تتأكد من صحته ومن صدق صاحبه. وبالتالي لا تروج الخبر.



    آية (2): "لا تتبع الكثيرين إلى فعل الشر ولا تجب في دعوى مائلاً وراء الكثيرين للتحريف."

    الحق ليس مع الكثرة ولا تخف في شهادة الحق أن تكون ضد الكثرة. ولا تجري وراء الجماعة إذا إنحرفت.



    آية (3): "ولا تحاب مع المسكين في دعواه."

    الله يطلب منا الشفقة على الفقير ولكن على ألا تظلم الغني لأجل الفقير.



    الآيات (4،5): "إذا صادفت ثور عدوك أو حماره شاردا ترده إليه. إذا رأيت حمار مبغضك واقعاً تحت حمله وعدلت عن حله فلا بد أن تحل معه."

    مساعدة الآخرين ليست أمراً إختيارياً لكنها وصية إلهية إلزامية، لا تقف عند حد الإنسان، وإنما مساعدة حتى حمار العدو إن وقع تحت حمله. ومعنى آية (5) أن تقاوم الفكر في داخلك أن تترك عدوك ولا تساعده. وإن كانت الشريعة إهتمت بأن يساعد الشخص حمار عدوه فكم بالأولى شخص عدوه نفسه.



    آية (6): "لا تحرف حق فقيرك في دعواه."

    الله يهتم بالفقير والمسكين فلا نظلمه لحساب الغني،



    آية (7): "ابتعد عن كلام الكذب ولا تقتل البريء والبار لأني لا ابرر المذنب."

    الشهادة الزور أو الكذب وإطلاق الشائعات الكاذبة قد تكون سبباً في قتل برئ.



    آية (Cool: "ولا تأخذ رشوة لأن الرشوة تعمي المبصرين وتعوج كلام الأبرار."

    الرشوة تعمي بصيرة المبصرين لأن المرتشي يضطر أن يجامل فيشهد كاذباً.



    الآيات (10-13): "وست سنين تزرع أرضك وتجمع غلتها. وأما في السابعة فتريحها وتتركها ليأكل فقراء شعبك وفضلتهم تآكلها وحوش البرية كذلك تفعل بكرمك وزيتونك. ستة أيام تعمل عملك وأما اليوم السابع ففيه تستريح لكي يستريح ثورك وحمارك ويتنفس ابن أمتك والغريب."

    هنا يتكلم عن السبت ليس من وجهة العبادة لكن من جهة حق الآخرين على الإنسان. في السنة السابعة تستريح الأرض. والفقراء يجدون طعاماً بل ووحوش البرية. وفي اليوم السابع يعطي الإنسان لنفسه راحة ولعائلته وابن أمته والغريب بل وللحيوانات. وذكر السبت والسنة السبتية (السابعة) متعاقبان معناه أن الأساس واحد. وفي السنة السابعة (السبتية) كان الإنسان لا يزرع أرضه. وكان الفقراء يأكلون ما يجدونه فيها (راجع لا1:25-7) فالزريعة التي تخرج هي لصاحب الأرض ولكل فقير وحتى للحيوانات. وكانت هذه السنة يقضونها في التعبد. وكان مما يزيد إيمانهم أن الله يبارك في محصول السنة السادسة. ولقد راعى اليهود السنة السبتية فترات قليلة فعوقبوا بالسبي وإمتنع زراعة الأرض 70سنة (2أي21:36) وبعد العودة من السبي راعى اليهود السنة السبتية حتى أن يوليوس قيصر سمح بإعفاء اليهود من الجزية في السنة السابعة. وفي آية (13) يمنع ذكر آلهة أخرى وكان لا ينطق أسماء الآلهة الأخرى سوى الأنبياء والمعلمين حتى يهاجمونها.



    الآيات (14-17): "ثلاث مرات تعيد لي في السنة. تحفظ عيد الفطير تأكل فطيراً سبعة أيام كما أمرتك في وقت شهر أبيب لأنه فيه خرجت من مصر ولا يظهروا أمامي فارغين. وعيد الحصاد أبكار غلاتك التي تزرع في الحقل وعيد الجمع في نهاية السنة عندما تجمع غلاتك من الحقل. ثلاث مرات في السنة يظهر جميع ذكورك أمام السيد الرب."

    عند اليهود 7 أعياد مذكورة في سفر اللاويين ولكن يذكر منها هنا ثلاث أعياد فقط وهي التي يعيدون فيها أمام بيت الرب (كل الذكور) ووجودهم معاً فيه معنى المحبة والشركة والوحدة. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). فالكل في فرح فتزداد الروابط الاجتماعية.

    1. عيد الفطير: مرتبط بعيد الفصح ولمدة 7 أيام، تذكار خروجهم من مصر.

    2. عيد الحصاد: ويسمى عيد البندكستي أو عيد الأسابيع ويأتي في اليوم الخمسين من عيد الفصح في أول حصاد القمح وتقدم فيه باكورات الغلات.

    3. عيد الجمع: ويسمى عيد المظال أو عيد الشكر في نهاية السنة الزراعية عند حصاد الثمار. وكانوا يقيمون 7 أيام في مظال وفي اليوم الثامن يكون فرح كبير.

    هو شكر لله على إحساناته والإقامة في مظال هو تذكار لغربتهم في البرية، هو أيضاً تذكار لغربتنا في هذه الحياة والفرح الكبير في اليوم الثامن هو رمز للحياة الأبدية. وكانوا يأكلون الفطير في الأعياد عموماً فتكون فرصة لمراجعة النفس على أخطائها فالخمير رمز للشر.



    آية (18): "لا تذبح على خمير دم ذبيحتي ولا يبت شحم عيدي إلى الغد."

    تذبح على خمير دم ذبيحتي= الخمير رمز للشر فلا شركة للنور مع الظلمة. ولا يبت شحم عيدي إلى الغد= هنا يقول عيدي فهو ليس للإنسان ولكنه عيد للرب فيه يفرح الله بالإنسان. وكان من المفروض أن الشحم يوقد في نفس اليوم حتى لا يفسد. ولعله قصد بهذه الوصية أن يوزع كل ما يملكه بخصوص العيد في ذلك اليوم ولا يترك شيئاً لنفسه بل يعطيه للمحتاجين.



    آية (19): "أول أبكار أرضك تحضره إلى بيت الرب إلهك لا تطبخ جدياً بلبن أمه."

    هناك خرافة وثنية أنهم يطبخون الجدي بلبن أمِّه ويرشوا الحقول بهذا المرق وكانوا يعتقدون أن هذا يعطي بركة لغلاتهم. وهنا يمنع الله هذه العادة الوثنية وهذه القساوة. ويربط البكور وبين هذه الوصية فما يبارك محصولنا هو تقديم البكور، أي أن نعطي الله حقوقه.



    آية (20): "ها أنا مرسل ملاكاً أمام وجهك ليحفظك في الطريق وليجيء بك إلى المكان الذي أعددته."

    الملاك بمعنى مرسل هو الأقنوم الثاني الذي يتنازل ليكون في وسطهم فيصير كملاك مرسل لحمايتهم وقيادتهم والدخول إلى الوعود الإلهية. وهذه نبوة عن المسيح ولذلك قيل أن الشعب جرّب المسيح (1كو9:10). وقد يعني الملاك موسى كرمز للمسيح أو ملاكاً فعلياً ليحميهم ولكن الغالب أنه المسيح وراجع آيات (21-23).



    آية (21): "احترز منه واسمع لصوته ولا تتمرد عليه لأنه لا يصفح عن ذنوبكم لأن اسمي فيه."

    اسمي فيه= أي يهوه يسكن فيه= يسكن فيه كل ملء اللاهوت جسدياً (كو9:2) ومخالفة المسيح خطيرة (عب29:10) لذلك قيل لا يصفح عن ذنوبكم فهو ليس إنساناً عادياً يمكننا أن نخالفه. فمن هو هذا الذي له سلطان أن لا يغفر سوى من له سلطان أيضاً أن يغفر أي المسيح. إذاً فالملاك هو رمز للمسيح الذي نزل إلينا ليقودنا إلى أورشليم العليا. وموسى قد طلب ليسر السيد في وسطنا (خر16:33) ووافق الله (17:33) ولقد نبه موسى الشعب لهذا المرسل وطلب منهم أن يسمعوا له (تث15:18).



    آية (23): "فان ملاكي يسير أمامك ويجيء بك إلى الأموريين والحثيين والفرزيين والكنعانيين والحويين واليبوسيين فأبيدهم."

    فأبيدهم= يبيدهم من أن يكونوا أمة فهم بقوا واندمجوا مع الشعب اليهودي.



    آية (24): "لا تسجد لآلهتهم ولا تعبدها ولا تعمل كأعمالهم بل تبيدهم وتكسر أنصابهم."

    أنصابهم= هي أعمدة تذكارية لها قيمة مقدسة وهي من الحجر مثل المسلات الفرعونية، أو هي شاهد على إتفاق أو منحوت عليها منظر شيء أو شخص.



    آية (26): "لا تكون مسقطة ولا عاقر في أرضك واكمل عدد أيامك."

    كان السقوط للمرأة الحبلى والعقم في هذه الأيام من علامات غضب الله.



    آية (28): "وأرسل أمامك الزنابير فتطرد الحويين والكنعانيين والحثيين من أمامك."

    الزنابير قد تكون زنابير حقيقية تجعلهم يهربون ويتركون الأرض. أو هم المصريين الذين ضربوا الحثيين وفلسطين وكان الزنبور أو النملة علامة للمصريين وقد أرسل الله زنابير فعلاً لتساعدهم.



    الآيات (29،30): "لا اطردهم من أمامك في سنة واحدة لئلا تصير الأرض خربة فتكثر عليك وحوش البرية. قليلاً قليلاً اطردهم من أمامك إلى أن تثمر وتملك الأرض."

    قارن مع (2مل25:17،26). وعدم طرد الشعوب أمامهم مرة واحدة يعطي فرصة لهذه الشعوب الوثنية أن تؤمن وتتهود وتتوب عن أعمالهم النجسة.



    آية (31): "واجعل تخومك من بحر سوف إلى بحر فلسطين ومن البرية إلى النهر فأني ادفع إلى أيديكم سكان الأرض فتطردهم من أمامك."

    هذه تحققت أيام سليمان وبها تم الوعد لإبراهيم. والنهر هو نهر الفرات ثم فقدوا هذه الأرض ثانية بسبب خطاياهم.



    آية (32): "لا تقطع معهم ولا مع آلهتهم عهداً."

    المعاهدات بين الشعوب كانت بأن يعترف كل منهما بإله الآخر.



    آية (33): "لا يسكنوا في أرضك لئلا يجعلوك تخطئ إلىّ إذا عبدت آلهتهم فانه يكون لك فخاً."

    رَفْضْ اليهود أن يسكنوا مع هذه الشعوب الوثنية كان حماية لهم من أن يقلدوهم، فهم لم يكن لهم الإدراك أن يميزوا بين الخاطئ والخطية. ورفض هذه الشعوب كان يعني رفض آلهتهم وسلوكهم وخطاياهم. وكان هذا شرطاً ليستمر الله في وسطهم.
    [/color]
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://temaf-erene.yoo7.com
    ثروت
    خادم المنتدي
    خادم المنتدي
    ثروت


    عدد الرسائل : 5787
    العمر : 55
    الموقع : https://temaf-erene.yoo7.com
    تاريخ التسجيل : 10/06/2008

    تفسير سفر الخروج Empty
    مُساهمةموضوع: رد: تفسير سفر الخروج   تفسير سفر الخروج Emptyالجمعة 02 سبتمبر 2011, 12:19 pm

    تفسير سفر الخروج 24
    في الأصحاحات السابقة نرى تحرك الله المستمر نحو شعبه، هو الذي هيأ لهم موسى منقذًا، وهو الذي حرك قلب فرعون، وهو الذي عبر بهم البحر الأحمر وأهلك عدوهم (إبليس وجنوده) وعالهم بالمن السماوي وحولّ مرارة المياه إلى عذوبة إلخ... وأخيرًا قدم لهم وصاياه وشرائعه سندًا لهم، والآن تلتزم الكنيسة بالتحرك نحو الله وبمساندته، فقد جاء هذا الأصحاح يكشف عن العمل الكنسي في الله، والذي يمكن تلخيصه في النقاط التالية:



    1. الروح الجماعية:
    إن كان موسى "يقترب وحده إلى الرب" [2]، والشعب لا يصعد معه، لكن الله أمر موسى أن يصعد ومعه هرون وناداب وأبيهو وسبعون من الشيوخ [1]. فالكنيسة لا تعرف الإنفرادية، إنما يلزم أن تلقى القيادات الروحية بمواهبها المتعددة وأعمالها المتباينة بروح واحدة يلتقي موسى مستلم الشريعة مع هرون رئيس الكهنة وإبنيه ناداب وأبيهو ممثلين للكهنة واللاويين ومع السبعين شيخًا يمثلون أراخنة الشعب. في هذا يقول الرسول: "فإنه كما في جسد واحد لنا أعضاء كثيرة ولكن ليس جميع الأعضاء لها عمل واحد، هكذا نحن الكثيرين جسد واحد في المسيح وأعضاء بعضًا لبعض كل واحد للآخر. ولكن لنا مواهب مختلفة بحسب النقمة المعطاة لنا. أنبوة فبالنسبة للإيمان، أم خدمة ففي الخدمة، أم المعلم ففي التعليم، أم الواعظ ففي الوعظ. المعطي فبسخاء، المدبر فباجتهاد، الراحم فبسرور" (رو 12: 4-Cool.

    هكذا يعمل الكل معًا بروح واحد مع اختلاف المواهب، ليس لأحد يفتخر بموهبته على الآخرين، ولا يزدري أيضًا بما وهبه الرب من وزنات! ليعمل لا بروح الكبرياء ولا بصغر نفس! وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [ليتنا نأخذ هذه الأمور في اعتبارنا فلا نحسد ولا نحقد على الذين لهم مواهب أعظم، وفي نفس الوقت لا نحتقر الذين لديهم مواهب أقل[326]].



    2. رباط روحي لا جسدي:
    لم يأخذ واحدًا من ابنيه، بل ولا سمعنا عن ابنيه أنهما تسلما مسئواية معينة، إنما أخذ معه هرون وابنيه ناداب وأبيهو [1]. هنا تظهر القيادة الروحية الحية التي تعمل من أجل الله وحده، فلا يسلم ابنيه حسب الجسد أي مسئولية هم غير قادرين عليها، لكنه إذ أمره الله أن يعمل أخوه هرون معه لم يمتنع.

    ناداب هو ابن هرون البكر، واسمه يعني "كريم"، وكان أحد الذين كرسوا كهنة للرب، وأبيهو تعني "أب هو". وللأسف مات الإثنان عندما قدما نارًا غريبة أمام الرب (لا 10: 1، عد 26: 61)، ربما لأنهما في حالة سكر، على أي الأحوال صار هذان الرجلان مثلين مرعبين لكهنة الرب، فإنهما وإن صحبا موسى وهرون مع السبعين شيخًا ورأوا الرب [9] وتحت رجليه أمجاد سماوية، واشتركا في العمل الكهنوتي منذ بدء قيامه لكنهما حرما نفسيهما من التمتع بالله خلال تقديمهما نارًا غريبة. لهذا لا نعجب إن كان الرسول يحذرنا: "من يظن أنه قائم فلينظر أن لا يسقط" (1 كو 10: 12)، كما يقول: "أقمع جسدي وأستعبده حتى بعدما كرزت للآخرين لا أصير أنا نفسي مرفوضًا" (1 كو 9: 27).



    3. دور الشعب:
    إن كان قد صعد موسى قائد الشعب وهرون كاهنه وإبناه، والسبعون شيخًا أراخنة الشعب، لكن لا يمكن أن تقوم الحياة الكنسية على سلبية الشعب، فقبل أن يقدم موسى المحرقات وذبائح السلامة للرب وقبل أن يرش الدم على المذبح والشعب تحدث معهم عن "كل الأقوال التي تكلم بها الرب" وقبلوها بكل رضى [3]. من أجل الشعب جاء موسى، ومن أجلهم أقيم الكهنوت والأراخنة... لذلك فلهم الكلمة الأولى والمباشرة في علاقتهم مع الله.

    في الكنيسة يقوم الشعب بدور إيجابي، فلا تعرف الكنيسة القداسات السرية، وإنما يلزم إشتراك الشعب علانية مع الكهنة في الخدمة. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و التفاسير الأخرى). وكما يصلي الكاهن من أجل الشعب، يطلب الشماس من الشعب أن يصلوا عن الأب البطريرك وكل طغمات الكهنوت. ويلتزم الشعب بالشهادة أو الكرازة بالإنجيل بكونهم رسالة المسيح المقرؤة من جميع الناس[327].



    4. دور الفتيان:
    "وأرسل فتيان بني إسرائيل فأصعدوا محرقات وذبحوا ذبائح سلامة للرب من الثيران" [5].

    ليس فقط يقوم الشعب بدور إيجابي في الحياة الكنسية، وإنما أعطى موسى إهتمامًا بالفتيان الذين أرسلوا لإصعاد محرقات وذبائح سلامة للرب. فدور الفتيان لا يقف عند الإستماع والطاعة لكنهم يحملون عملاً أساسيًا في حياة الكنيسة.

    الله يطلب محرقات الحب وذبائح السلامة منك في أيام شبابك، لذا يقول الكتاب: "أذكر خالقك في أيام شبابك" (جا 12: 1).



    5. روح التلمذة:
    "قام موسى ويشوع خادمه، وصعد موسى إلى جبل الله" [13].

    رأى القديس أمبروسيوس في التصاق يشوع بموسى صورة حية للتلمذة، فإن القائد الناجح هو الذي يُقدم للكنيسة تلاميذ للرب، ويعرف نجاحه بعد رحيله إن كان قد ترك من يكمل الرسالة الإلهية أم انتهى عمله برحيله.

    يقول القديس أمبروسيوس عن يشوع: [كان ملاصقًا لموسى الطوباوي في كل موضع، وسط كل الأعمال العجيبة والأسرار الرهيبة... ما أجمل الوحدة بين الشيخ والشاب. أعطى الأول شهادة (لوحي الشريعة) وقدم الآخر راحة (أرض الموعد). قدم الواحد قيادة والآخر سعادة... أحدهما تحكم في البحر والآخر في السماء (يشوع 10: 12)[328]].



    6. العمل بروح الصلاة مع الحكمة:
    التصق هرون بحور[329]، فكانا يعملان معًا حين كانا يسندان يديّ موسى أثناء حرب يشوع ضد عماليق (17: 12)، وها هما يعملان الآن في القضاء لدعاوي الشعب أثناء غياب موسى.

    هرون يمثل الكهنوت، أما حور فهو من سبط يهوذا جد بصلئيل الذي قال عنه موسى: "دعا الرب بصلئيل بن أوري بن حور... وملأه من روح الله بالحكمة والفهم والمعرفة" (خر 35: 30-31). فكأن حور يمثل الحكمة الإلهية. فإن كان موسى يبسط يديه كان يمثل الصليب، فإن هذا الصليب قام على عمل المسيح الكهنوتي وحكمة الله لخلاصنا. هنا أيضًا في غياب موسى يترك هرون وحور للقضاء في دعاوي الشعب، وكأن الكنيسة يلزمها في رعايتها للشعب أن يجتمع العمل الكهنوتي المملوء حنوًا وترفقًا مع الحكمة في التدبير.



    7. التقديس بالدم:
    لا يمكن أن يقدم العمل الكنسي إلاَّ خلال المذبح والذبيحة، لهذا بكر موسى في الصباح وبنى مذبحًا في أسفل الجبل واثنى عشر عمودًا لأسباط إسرائيل الاثنى عشر، فلا وجود لهذه الأسباط إلاَّ خلال المذبح... ولا تقديس لهم إلاَّ برش نصف الدم على المذبح والنصف الآخر على الشعب. خلال دم الذبيحة الحقيقية، دم السيد المسيح يدخل الشعب إلى الأقداس، وكما يقول معلمنا بولس الرسول: "فإذ لنا أيها الأخوة ثقة بالدخول إلى الأقداس بدم يسوع، طريقًا كرسه لنا حديثًا حيًا بالحجاب أي جسده، وكاهن عظيم على بيت الله. لنتقدم بقلب صادق في يقين الإيمان مرشوشه قلوبنا من ضمير شرير ومغتسلة أجسادنا بماء نقي..." (عب 10: 19، 21).



    8. ربط الحياة السماوية بالواقع الزمني:
    ظهر لهم الرب وتحت رجليه شبه صنعة من العقيق الأزرق الشفاف وكذات السماء في النقاوة [10]، كأن الله أراد من العاملين في الكنيسة جميعًا أن يحملوا الطبيعة السماوية والفكر السماوي، لكن دون تجاهل لواقعهم الزمني واحتياجات أجسادهم، إذ يكمل الكتاب قائلاً: "فرأوا الله وأكلوا وشربوا" [11].

    هكذا يليق بنا كخدام الله أن نراه ونتشبه له ونحمل أفكاره فينا، دون أن نتجاهل أحتياجات جسدنا الضرورية من مأكل ومشرب في حضرة الرب!!!



    9. موسى على الجبل أربعين يومًا:
    تحدثنا قبلاً عن السحاب وظهور مجد الله كنار آكلة، لكننا لننظر الآن إلى موسى وهو على الجبل "أربعين نهارًا وأربعين ليلة" [18].

    يرى القديس أغسطينوس أن رقم 40 يُشير إلى كمال حياتنا الأرضية أو الزمنية، وكأنه يليق بالمؤمن أن يقضي كل أيام حياته على جبل الله، أي في شريعة الله ووصاياه، يتأمل مجد الرب وينعم باللقاء معه وجهًا لوجه. وكما صام موسى الأربعين يومًا هكذا يعيش المؤمن الحقيقي في حياة الزهد كل أيام غربته، ليس من أجل الزهد في ذاته إنما لأجل ارتفاع قلبه لحياة الشركة مع الله والتطلع المستمر له. أو بمعنى أدق نقول مع العلامة ترتليان: [صام موسى وإيليا أربعين يومًا وعاشا على الله وحده[330]]، أي صار طعامهما المشبع!
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://temaf-erene.yoo7.com
    ثروت
    خادم المنتدي
    خادم المنتدي
    ثروت


    عدد الرسائل : 5787
    العمر : 55
    الموقع : https://temaf-erene.yoo7.com
    تاريخ التسجيل : 10/06/2008

    تفسير سفر الخروج Empty
    مُساهمةموضوع: رد: تفسير سفر الخروج   تفسير سفر الخروج Emptyالسبت 03 سبتمبر 2011, 11:54 am

    تفسير سفر الخروج 25
    1. بين الخيمة والكنيسة والسماء:
    سبق أن أصدرنا مجلدًا خاصًا بدراسة مبنى الكنيسة[331]، وتطوره من الفردوس حيث وُجد أبوانا الأولان حتى عبورنا إلى المدينة السماوية والدخول إلى قدس الأقداس الأبدي. تحدثنا فيه عن علاقة المبنى الكنسي بالجماعة الكنيسة والعبادة الليتروجية وحياة المؤمن الداخلية، كما تحدثنا عن تفاصيل محتويات المبنى وعلاقتها بما أحتوته خيمة الإجتماع والهيكل القديم على ضوء الفكر الإنجيلي وكتابات الآباء الأولين. لهذا أجد نفسي ملتزمًا بالإشارة إلى ضرورة الرجوع لهذا البحث لتكملة ما سأشير إليه أثناء تعرضنا للخيمة ومحتوياتها، منعًا من التكرار.

    الآن، إذ نعود إلى الأصحاح الخامس والعشرين من سفر الخروج نرى موسى النبي وقد انفصل عن معوقات الرؤيا الإلهية إرتفع على جبل المعرفة المقدسة، فقدمت له الوصايا الإلهية والشريعة، والآن يقدم له الرب رؤيا جديدة هي "المقدس السماوي" الذي ليس من صنع إنسان، فيه يسكن الله مع خليقته المحبوبة لديه، وقد طلب منه أن يصنع ظلاً لصورة هذا المقدس. مثالاً له للذين هم عند سفح الجبل، لكي يسكن الله في وسطهم ويهيئهم للدخول إلى المقدس السماوي. بمعنى آخر جاءت خيمة الإجتماع ظلاً لصورة السماء عينها حتى يجتاز الشعب إلى العهد الجديد فيدخلون صورة السماء أو عربونها، وأخيرًا ينطلقون في الحياة الأبدية إلى كمال المسكن السماوي.

    هذا ما عبر عنه الأب ميثوديوس إذ قال: [تنبأ اليهود عن حالنا، أما نحن فنتنبأ عن السمويات؛ حيث أن الخيمة هي رمز للكنيسة، وأما الكنيسة فهي رمز السمويات[332]].

    كما يقول: [أمر العبرانيون أن يزينوا الخيمة كمثال للكنيسة، حتى يستطيعوا خلال المحسوسات أن يعلنوا مقدمًا صورة الأمور الإلهية. فإن المثال الذي ظهر لموسى في الجبل، والذي التزم به عندما أقامها كان نوعًا من التمثيل الحقيقي للمسكن السماوي الذي نراه الآن بأكثر وضوح مما كان قبلاً خلال الرموز، لكنه يحسب قاتمًا عندما نرى الحقيقة كما هي. لأنه حتى الآن لا تسلم الحقيقة للبشرية كما هي في الحياة الحاضرة، لأنها لا تقدر على رؤية الأمور الخالدة النقية، كمن لا يستطيع التطلع إلى أشعة الشمس.

    أُعلن لليهود ظلال صورة السمويات، فنالوا ثلث الحقيقة؛

    أما نحن فعاينا صورة النظام السماوي،

    ولكن بعد القيامة فتتمثل الحقيقة واضحة عندما نرى المسكن السماوي، المدينة التي صانعها وباركها الله (عب 11: 10)، نراها وجهًا لوجه وليس في الظلمة ولا خلال جزيئيات (1 كو 13: 12)[333]].

    هذا ما كشفه لنا الرسول بولس في سفر العبرانيين عندما إقترب بالروح إلى الخيمة في خشوع وإجلال ليراها "شبه السمويات وظلها" (عب 8: 5)، تعلن أسرار عمل الله وسط شعبه، أمور لا يصوغ له أن يتكلم عنها بالتفصيل (عب 9: 5).



    2. تقدمات المسكن:
    طلب الله من موسى أن يسأل الشعب لكي يقدم كل إنسان حسبما يسمح قلبه (خر 35: 5)، أي قدرما تسمح محبته يساهم في التقدمة التي تستخدم في صنع "المقدس" الذي يسكن فيه الرب وسط شعبه: "من كل من يحثه قلبه تأخذون تقدمتي. وهذه هي التقدمة التي تأخذونها منهم: ذهب وفضة ونحاس واسمانجوني وأرجوان وقرمز وبوص وشعر معزى وجلود كباش محمرة وجلود تخس وخشب سنط وزيت للمنارة وأطياب لدهن المسحة وللبخور العطر وحجارة جزع وحجارة ترصيع للرداء والصدرة" [3-7].

    ما هي هذه المواد التي نُساهم بها في المبنى الذي يصير في ملكية الله وفيه يجتمع الله معنا؟

    لنأخذ أمثلة من هذه المواد ونتفهم معانيها الروحية:

    أ. الذهب: يرى العلامة أوريجانوس أن الذهب هو الإيمان الذي يجعل من القلب سماءً، لذا يُشير الذهب إلى السمويات، كما يُشير إلى القديسين بكونهم سماء يسكن الله في قلبهم.

    يقول: [إن آمنت تقدم قلبك وعقلك ذهبًا!... لأجل ذلك فإن موسى وهو يمثل الناموس الروحي يعلن "خذوا من عندكم" (35: 5). إن كنتم تستطيعون أن تأخذوا هذه الأشياء من عنكم، فهي إذن في داخلكم. تستطيع أن تقدم للرب شيئًا من مشاعرك، ومن كلماتك... الخ[334]].

    ويرى الأب ميئوديوس أن الذهب يُشير إلى حياة البتولية، إذ يقول: [لقد أمر بالذهب (أن تصنع منه أدوات داخل قدس الأقداس) لسببين: أولاً أنه لا يصدأ، وثانيًا أن لونه إلى حدما يُقارب من لون الشمس. بهذا فهو يناسب البتولية التي لا تحمل شيئًا دنسًا أو غضنًا إنما تشع دائمًا بنور الكلمة. خلالها نقف قريبين من الله، داخل قدس الأقداس وأمام الحجاب بأيد غير دنسة كالبخور، نقدم الصلوات للرب رائحة ذكية مقبولة، في مجامر الأربعة وعشرين قسيسًا (الذهبية) التي هي صلوات القديسين[335]].

    ب. الفضة: إن كان الذهب هو الإيمان القلبي، فإن الفضة هي كلمة الكرازة، لأن كلمة الله كالفضة مصفاة سبع مرات.

    وإن كان الذهب يُشير إلى البتولية فالآباء يرون في الفضة إشارة إلى عفة الزواج.

    ج. النحاس: يُشير إلى الصبر أو القوة. فالسيد المسيح، ظهرت يداه حلقتان من ذهب (نش 5: 14)، لأن أعماله سماوية، أما رجلاه فشبه النحاس النقي كأنهما محميتان في أتون (رؤ 1: 15)، بهما ندُكّ كل أشواك هذه الحياة وضيقات بلا خوف!

    د. الخشب الذي لا يسوس: يُتشير إلى العلم أو العفة التي لا تشيخ[336] ولا تفسد.

    ه . البوص (الكتان) المبروم: إذ يُشير البوص إلى الجسد، فكونه مبرومًا أي تحت الضبط والقمع[337]، كقول الرسول "أُقمع جسدي وأستعبده" (1 كو 9: 27). فكل جهاد لضبط الجسد والتحكم فيه في المسيح يسوع هو تقدمة لبيت الرب.

    و. القرمز: أن كان الحبل القرمزي الذي أنقذ حياة راحاب وكل بيتها (يش 2: 18) يُشير إلى دم السيد المسيح المخلص، فإن القرمز الذي نقدمه هو شهادتنا له حتى الدم، إذ يقول الرسول "من أجلك نمات كل النهار"؛ كان القرمز يُشير إلى الإستشهاد سواء بسفك دم المؤمنين في عصور الإستشهاد أو حياة الإماتة اليومية من أجل الرب.

    ز. الأرجوان: إن كان الأرجوان هو لباس الملوك، لذا عندما أرادوا الإستهزاء بالسيد المسيح كملك ألبسوه أرجوانًا، فإننا نلبس نحن الأرجوان، ثوب الملك، الذي هو "المحبة".

    يرى العلامة أوريجانوس أنه يُشير إلى ضياء المحبة[338]، كما يُشير أيضًا إلى النار[339]. فالمسيحي الحقيقي يحمل في قلبه نارًا، هي نار الروح القدس الذي يُنير الطريق، والذي يحرق الأشواك الخانقة للنفس.

    أكد السيد المسيح وجود هذه النار في قلوبنا إذ قال: "جئت لألقي نارًا على الأرض، فماذا أُريد لو اضرمت؟!" (لو 12: 39). وفي سفر أرميا يقول الرب: "هأنذا جاعل كلامي في فمك نارًا" (5: 14)، لأنه منقوش في القلب بالروح القدس الناري. لقد تقبل تلميذا عمواس نارًا إلهية عند سماعها كلمات المخلص، إذ قالا: "ألم يكن ملتهبًا فينا إذ كان يشرح لنا الكتب؟!" (لو 24: 32). وقبلت الكنيسة الألسنة النارية في يوم الخمسين (أع 2).

    س. شعر المعزى: يُشير إلى الموت عن الخطية (خر 35: 6، لا 4: 23). يقول العلامة أوريجانوس: [تقديمه يُشير إلى تحطيم الخطية، وموتها فيه، فلا تملك بعد في أعضائه[340]].

    ش. جلود الكباش: إن كانت المعزى تُشير إلى الخطية، فالكباش تُشير إلى الغضب، فمن يقدم جلودها إنما يعلن أنه قد مات الغضب فيه.

    اشتراك الكل في التقدمة:

    يقول العلامة أوريجانوس: [إشتراك كل أحد في التقدمة أمر لا يهمله الرب. يا للكرامة التي تأخذها!... وعلى العكس يا للعار إن اكتشف الرب أنك لم تقدم شيئًا في بناء المسكن! فإنك إن عشت في عدم تقوى وبغير أمانة لا تترك لك ذكرى في مسكن الرب.

    عندما يأتي رئيس العالم يبحث في قلوبنا لعله يجد شيئًا ملكًا له فيطالب به، أما الرب فإن وجد في قلبك تقدمة له فإنه يدافع عنك ويقيمك ملكًا.
    ربي يسوع، هبني الإستحقاق أن أترك لنفسي ذكرى في مسكنك. فإنني أشتاق أن يكون ليّ نصيب في هذا الذهب الذي يصنع منه المذبح أو يُغطى به التابوت أو الذي تصنع منه المنارة أو السرج، وإن لم يكن ليّ شيء في هذا فهب ليّ الإستطاعة على الأقل أن يكون ليّ نصيب في الفضة التي تقدم للأعمدة أو قواعدها، أو حتى أستحق أن يكون أستحق أن يكون ليّ نصيب في تقديم نحاس المسكن الذي يصنع منه الدوائر والأشياء الأخرى المذكورة في الكتاب المقدس.

    ليتني أكون أميرًا فأقدم الحجارة الكريمة للأفود وصدرة رئيس الكهنة. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و التفاسير الأخرى). إن كان ذلك فوق طاقتي لأقدم شيئًا آخر لمسكن الله كشعر المعزى، حتى لا أوجد عقيمًا بلا ثمر[341]!].

    في الأصحاح الخامس والثلاثين يشهد أن الرجال والنساء جاءوا إلى موسى بتقدماتهم... الأمر الذي نتحدث عنه في حينه إن شاء الرب وعشنا.

    من أين جاءوا بالتقدمات؟

    يرى العلامة أوريجانوس أن الشعب استخدم الذهب والفضة والحجارة الكريمة والثياب التي أخذوها من بيت العبودية في صنع خيمة الإجتماع بمحتوياتها، إذ يقول: [لم يستخدم المصريون هذه الأمور إستخدامًا حسنًا، اما العبرانيون فاستخدموها في أغراض دينية لأن حكمة الله كانت معهم[342]].

    يصنعون ليّ مقدسًا:

    طلب الرب من موسى أن يصنعوا له مقدسًا يسكن فيه الله معهم، يكون ظلاً للسمويات، إذ يقول: "بحسب جميع ما أريك من مثال المسكن ومثال جميع آنية هكذا تصنعون" [9].

    كما يحمل المبنى الكنسي الأصيل صورة للسمويات، هكذا يقام في القلب أيضًا مسكنًا للرب يحمل صورة السمويات. في هذا يقول العلامة أوريجانوس: [يستطيع كل واحد منا أن يبني مسكنًا للرب داخل نفسه[343]]. كما يقول: [يشتهي الله أن يصنع له مسكنًا، واعدًا إيانا برؤيته كمقابل لذلك]، إذ يقول الرسول للعبرانيين: "إتبعوا السلام مع الجميع والقداسة التي بدونها لن يرى أحد الرب" (عب 12: 14). هذا هو المسكن الذي يأمر ببنائه، والذي يود الرسول أن يراه في الأبكار، ليكونوا مقدسين جسدًا وروحًا، إذ كان يدرك تمامًا أن بناء مسكن الرب إنما يكون خلال طهارة القلب والجسد فيرى الله. إذن فلنبنِ للرب مسكنًا؛ لنبنه جميعًا معًا، وليبنه كل واحد منا في داخله. أما المسكن الذي نبنيه فهو الكنيسة المقدسة "التي لا دنس فيها ولا غضن" (أف 5: 27)[344].



    3. التابوت:
    كنا نتوقع في سفر الخروج أن يحدثنا بعد الدعوة للإشتراك في تقدمات بناء الخيمة أن يحدد أبعاد الخيمة ومواد بنائها وأقسامها وأخيرًا الأثاث الذي فيها، لكننا هنا نجده يبدأ بالحديث عن بعض أثاثها قبل حديثه عن الخيمة نفسها. فيحدثنا في هذا الأصحاح عن تابوت العهد ومائدة خبز الوجوه والمنارة، ولعله بهذا أراد أن يبدأ بالحديث عن أقدس الأمور في أقدس موضع في ذلك الحين؛ هذه الأشياء الثلاثة إنما تمثل سرّ حلول الله وسط شعبه (التابوت) وسرّ شبعهم بالله (مائدة خبز الوجوه) وسرّ استنارتهم به (المنارة الذهبية).

    جاء الحديث عن هذه الأمور الثلاثة قبل الحديث عن المنارة نفسها وبعد استلام الوصايا العشر والشريعة، وكأن الله أراد بهذا أن يقدم لشعبه الإمكانيات التي تسندهم في تنفيذ هذه الوصايا الإلهية، لأن الإنسان بإرادته الحرة وحدها لا يقدر أن ينفذ الوصايا الإلهية، لكنه في حاجة إلى التابوت الذي هو حلول الله نفسه داخل القلب، ومائدة خبز الوجوه التي هي الشبع بخبز الملائكة، وبالمنارة التي هي الإستنارة بالروح القدس. بهذا ليس فقط تصير الوصايا ممكنة التنفيذ، لكنها تصبح طبيعية في حياة أولاد الله ومفرحة لنفوسهم.

    والآن نتحدث عن تابوت العهد:

    شكل التابوت ومادته:
    يسمى بالعبرية "عارون"، وتعني الكلمة "صندوق". فقد كان أشبه بصندوق طوله ذراعان ونصف وعرضه ذراع ونصف وارتفاعه ذراع ونصف، مصنوع من خشب السنط ومغشى بصفائح ذهبية خالصة، من الداخل ومن الخارج [11]. يحيط برأسه إكليل من ذهب. فوقه غطاء من الذهب الخالص يسمى "كابورت"؛ هذا الاسم مشتق من "كافار" التي تعني "يغطي"، وكما تعني "يكفِّر". ويسمى أيضًا كرسي الرحمة حيث كان يمثل عرش الله المملوء حنوًا نحو أولاده. وفوقه كروبان، واحد من كل طرف، وهما من الذهب الخالص، يظللان الغطاء، باسطين أجنحتهما إلى فوق، ووجهاهما كل واحد نحو الآخر. وعلى كل من الجانبين حلقتان ذهبيتنان لكي يدخل في كل حلقتين عصا من خشب السنط المغشاه بالذهب، تُستخدم لحمل التابوت. وكان المنوط بحراسته وحمله بنوقهات من اللأويين (عد 3: 29-31).

    تاريخ التابوت وعمله:
    كان تابوت العهد يمثل الحضرة الإلهية، إذ يقول الرب: "وأنا أجتمع بك هناك وأتكلم معك على الغطاء من بين الكروبين اللذين على تابوت الشهادة بكل ما أوصيك به إلى بني إسرائيل" [22].

    بهذا كان التابوت يسير أمام الشعب يتقدمه عمود السحاب نهارًا وعمود النار ليلاً، وكان متى حمل يُقال: "قم يا رب فلتتبدد أعداؤك ويهرب مبغضوك من أمامك"، وإذا حلّ في موضع يُقال: "إرجع يا رب إلى ربوات ألوف إسرائيل" (عد 10: 33-36).

    عندما عبر الشعب الأردن حمل التابوت أمامهم فانشق النهر (يش 3: 14-17)، ثم بقى مدة في الخيمة في الجلجال، نقل بعده إلى شيلوه حيث بقى ما بين ثلاثة قرون وأربعة (إر 7: 12-15). وبسبب شر إبني عالي الكاهن وقع التابوت في يديّ الفلسطنيين في أفيق (1 صم 4) وجاؤا به إلى أشدود ووضعوه بجوار صنم داجون (1 صم 5: 2) فحلت بهم البلايا واضطروا إلى إرجاعه، فوضع في قرية يعاريم (1 صم 6: 7)، ثم نقله داود النبي إلى أورشليم، حتى بنى الهيكل (2 صم 6: 1-15، أي 15: 25-29).

    التابوت والمذبح المسيحي[345]:
    لا يُشير تابوت العهد إلى الحضرة الإلهية فحسب، وإنما يُشير إلى عمل الله الخلاصي خلال ذبيحة العهد، لذا جاء المذبح يكمل ما هدف إليه التابوت في كل تفاصيله ومحتوياته، نذكر على سبيل المثال:

    أ. كان التابوت مصنوعًا من خشب السنط، إشارة إلى الصليب الخشبي، سرّ اتحادنا مع الله وعلة دخولنا إلى مقدساته الإلهية.

    ب. مغشى بالذهب الخالص من الداخل والخارج، مع أن الداخل غير ظاهر للعيان، لكي يعمل عمل الذبيحة في أعماقنا الداخلية كما في تصرفاتنا الخارجية، فنحيا بروح سماوي (ذهبي).

    ج. يحيط برأسه إكليل من الذهب، علامة دخولنا إلى الأمجاد السماوية خلال المذبح الإلهي.

    د. يظلل الغطاء كروبان، علامة إنفتاحنا على الخليقة السماوية وشركتنا مع السيرافيم والكاروبيم في تسابيحهم وليتروجياتهم.

    و. ظهور السحاب بين الكروبين وتراءي الله هناك وسماع صوته، وظهور لون أزرق (سماوي) عند الكروبين... هذا جميعه عن اسخاتولوجية (أخروية) ليتروجيتنا في المذبح الجديد، واتسامها بالطابع السماوي.

    ز. يوجد في داخل التابوت لوحا العهد اللذان يشيران إلى كلمة الله الخلاصية التي نتقبلها خلال العمل الذبيحي، ووعاء المن الذي يُشير إلى جسد الرب المقدس، وعصا هرون التي تُشير إلى العمل الرعوي الكنسي وإرتباطه بالذبيحة.

    التابوت والكنيسة:
    حينما أتكلم عن الكنيسة لا أستطيع أن أفصل الكنيسة الجامعة عن كنيسة القلب إذ أن الأخير عضو في الجماعة المقدسة الكلية... وقد جاء التابوت يحمل رمزًا لهذه الكنيسة الواحدة، كنيسة الجماعة المقدسة، وكنيسة القلب.

    يقول القديس جيروم: [يليق بعروس المسيح أن تكون كتابوت العهد مغشى بالذهب من الداخل والخارج، وأن تكون حارسة لشريعة الله (للوحي الشريعة)، وكما أن التابوت لا يحوي سوى لوحي الشريعة[346] (1 مل 8: 9) هكذا يليق بك ألاَّ يكون في ذهنك شيء خارج الشريعة إذ يُسر الله أن يجلس في ذهنك كما جلس على كرسي الرحمة والكاروبين[22]"[347]].

    وإن كان التابوت يمثل الكنيسة، فهو يمثل أيضًا القديسة مريم العذراء بكونها حاملة للسيد المسيح، والعضو الأمثل في الكنيسة المقدسة.

    لقد سبق فتحدثنا بأكثر تفصيل عن مدى التشابه بين تابوت العهد والقديسة مريم، إنها مغشاه بالبتولية (الذهب) الروحية والجسدية، من الداخل والخارج. وكما كان التابوت يبعث في الشعب فرحًا حتى رقص داود أمامه (2 صم 6)، هكذا زيارة القديسة مريم الحاملة للسيد في أحشائها أبهجت الجنين يوحنا المعمدان في أحشاء أمه فرقص (سكيرتان) بابتهاج[348]!.



    4. مائدة خبز الوجوه:
    كانت مائدة خبز الوجوه مصنوعة من خشب السنط، طولها ذراعين وعرضها ذراعًا واحدًا وارتفاعها ذراعًا ونصف؛ وكانت مغشاه بالذهب، وعلى حافتها العليا إكليل ذهبي. وبها أربعة حلقات ذهبية عند أطرافها ليوضع فيها عصوان لحملها.

    وكانت الصحاف تستخدم في إحضار الخبز إلى المائدة ورفعها عنها، أما الصحون فتحوي البخور (لا 24: 7)، ويوضع في الكاسات الخمر للتقدمة، وتستخدم الجامات في صب الخمر وسكبه.

    توضع مائدة خبز الوجوه في القدس بجوار الحائط الشمالي، أي عن يمين الداخل في الخيمة (خر 40: 22). وقد وُجد في هيكل سليمان عشر موائد حبز وجوه، كما وجد به عشر منائر ذهبية، لكنه يبدو أنه لم يكن يستخدم إلاَّ مائدة واحدة في وقت واحد، كما لا تستخدم إلاَّ منارة واحدة في وقت واحد (2 أي 4: 8، 19؛ 3: 11).

    أما الهيكل الثاني فمائدته أخذها أنطيخوس أبيفانيوس، وقام يهوذا المكابي بعمل مائدة أخرى عوضًا عنها ( 1مك 22؛ 4: 49-51).

    مصطلحات خبز الوجوه:
    هناك مصطلحات كثيرة لهذا الخبز[349]، حملت معانٍ روحية تخص علاقتنا بالله، فهو يسمى خبز الوجوه Showbread, Shewbread أو خبز الخضرة Bread of Presence ( خر 25: 30؛ 35: 13)، والترجمة الحرفية للتعبير العبري هو خبز الوجه Bread of (the) face يُشير إلى وجود هذا الخبز أمام الله وفي حضرته. وكأن الله ملتزم شخصيًا باشباع احتياجات شعبه، لذلك كان عدد الخبز اثنى عشر علامة تعهده باشباع كل شعبه (جميع الأسباط). كما أن رقم 12 يُشير أيضًا إلى أشهر السنة، كأن الله يتعهد بإشباع شعبه طوال العام، لهذا يسمى "الخبز الدائم" (عد 4: 7)، كما يدعى "خبز الوجوه الدائم التقدمة" (2 أي 2: 4)... وكأن الديمومة هنا أيضًا تُشير إلى تقديمه بغير انقطاع، علامة وجود عهد دائم بين الله وكل الجماعة لا يتوقف. كما يسمى "الخبز المقدس" (1 صم 2: 14)، فلا يأكله إلاَّ الكهنة المقدسين للعمل، يأكلونه في الخيمة يوم السبت (الراحة) بعد أن يوضع خبز جديد ساخن، وكأنه لا يُشير إلى شبع مادي جسداني، لكنه يُشير إلى الشبع الروحي اللائق بحياة القداسة، يؤكل يوم السبت، أي يوم الراحة، كأنه يخص الراحة الأبدية!

    طقس الخبز:
    لهذا الخبز طقس دقيق جاء في اللاويين (24: 5-9)، فكان يصنع كل سبت حيث لا يجوز العمل، لأنه يُشير إلى الخبز السماوي الذي ليس من هذا العالم (أي المسيح نفسه السماوي)، يقدم على المائدة الذهبية ساخنًا، تأكيدًا لسمته السماوية وقلبه الملتهب حبًا لإشباعنا. يوضع الخبز على صفين أو جهين، ويوضع بخور فوق كل صف. وكما يقول يوسيفوس المؤرخ: [إنه كان يُقدم بخور على كاسات ذهبية[350]، يحرق يوم السبت[351]].

    يرى يوسيفوس أن هذا الخبز كان فطيرًا بلا خمير[352]. كل خبزة عبارة عن عشرى إيفة من الدقيق الفاخر، الذي كان يستخدم لتقديمه للضيوف أصحاب الكرامة، وعلى مائدة الملك (تك 18: 6، 1 مل 4: 22)، كما كان يستخدم في بعض التقدمات.



    5. المنارة وسرجها:
    وضع الرب تصميمها وحدد مادتها ومقاييسها. بلغ ارتفاعها ستة أقدام، وتتكون من قاعدة وساق وست شُعب، تزينت كاسات وعجر وأزهار وملاقط ومنافض، كلها من الذهب تحمل سبعة أسرج، تضاء بزيت نقي جدًا، طول المساء (خر 25: 31؛ 37: 17، لا 24: 4، عدد 8: 2). كانت الملاقط الذهبية تستخدم في إصلاح الأسرجة، أما المنافض فتوضع فيها الأشرطة المحترقة.

    لم تكن المنارة لمجرد الإضاءة فحسب، وإنما كانت جزءًا لا يتجزأ من الطقس التعبدي، لها مفاهيمها اللاهوتية الروحية. فالنور يذكرنا بالله الذي أوجده كأول أعمال خلقته (تك 1: 3) في النور يسكن الله (تك 24: 10)، وبه يلتحف (مو 10: 42). هو نور شعبه (إش 10: 27)، يضيئ عليه بمجيئه لخلاصه (إش 9: 2)، كما يضيئ على الأمم والشعوب (إش 42: 6، 49: 6)، ليحولهم من أبناء الظلمة إلى أبناء النور. لهذا ففي طقس العماد إذ يجحد طالب العماد الشيطان ينظر إلى الغرب، إشارة إلى مملكة الظلمة التي لإبليس، وإذ يعترف بعمل الله الخلاصي ينظر إلى الشرق، إشارة إلى مملكة النور التي لله.

    وكما أن السيد المسيح هو نور العالم (يو 1: 41، 8: 12) فبإشراقه على تلاميذه جعلهم نورًا للعالم (مت 5: 14، 16)، بهذا نرى الكنائس في سفر الرؤيا في شكل منابر سبع (رؤ 1).

    وجود السبعة أسرجة تُشير إلى عمل الروح القدس الناري، الذي يضيئ في الكنيسة ويلهبها بنار الحب الإلهي، يعمل في حياتها السرائرية (خلال الأسرار السبعة) بل وفي كل عمل روحي تمتد إليه يد الكنيسة لكي يعيش المؤمنون في استنارة دائمة.

    النور في كنيسة العهد الجديد:
    تسلمت الكنيسة عن التقليد اليهودي – التوراة والكتابات وطقوس العبادة – مفاهيم روحية للنور، واستخدمت كنيسة الرسل الأنوار أثناء العبادة، فلا يمكن لسفر أعمال الرسل أن يروي لنا عن وجود مصابيح كثيرة (20: Cool أثناء إقامة الإفخارستيا في ترواس بلا معنى، فلو إنها لمجرد الإضاءة، لكان هذا الامر طبيعيًا لا حاجة لذكره، لكن الكنيسة المسيحية منذ بدء انطلاقها رأت في الإضاءة طقسًا روحيًا يمس حياة العابدين. وقد سلكت الكنيسة بهذا الروح، فنجد الشاعر الأسباني Prudentius في القرن الرابع يتحدث عن السرج المنيرة داخل الكنيسة وقد انعكست أضواؤها على زجاج الكنيسة النقي وكأنها السموات قد تلألأت بالنور. وفي نفس القرن قدم الأب بولينوس أسقف نولا شهادة مشابهة عن استخدام الأنوار أثناء العبادة.

    سبق أن تحدثنا عن السراج المنير في الشرقية ليل نهار وكأنه نجم المشرق الذي ظهر للمجوس ليدخل بهم إلى المسيا المخلص[353]، وعن الشمعدانين حول المذبح وكأنهما الملاكان المرافقان لجسد السيد في القبر واحد عند الرأس والآخر عند القدمين[354]، والسراج التي تضيئ أمام أيقونات القديسين إذ صار القديسون بالمسيح يسوع ربنا نورًا في العالم وكواكب مضيئة في الفردوس.

    في القداس الإلهي حسب الطقس البيزنطي يبارك الأسقف الشعب بشمعة ذات فرعين dikri أو ثلاثة فروع trikri[355]، أما في الطقس القبطي فيبارك الكاهن الخادم الشعب بالصليب يرافقه ثلاث شمعات أثناء رفع البخور وطلب الرحمة من الله. أثناء قراءة الإنجيل تضاء كل أنوار الكنيسة كما يحمل شماسان شمعتين عن يمين الإنجيل وعن يساره، كقول المرتل "كلامك سراج رجلي ونور لسبيلي" وإشارة لعمل الإنجيل في إنارة العالم[356] . وتستخدم الأنوار – المصابيح والمشاعل- كجزء من طقس صلاة الجنازات، كما جاء في أعمال إستشهاد القديس كبريانوس [357]، ووصف جنازة القديسة ماكرينا أخت القديس غريغوريوس أسقف نيصص [358]، وجنازة الإمبراطور قسطنطين [359]، إشارة إلى عبور النفس الراحلة إلى النور السماوي والفرح الإبدي.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://temaf-erene.yoo7.com
     
    تفسير سفر الخروج
    الرجوع الى أعلى الصفحة 
    صفحة 1 من اصل 2انتقل الى الصفحة : 1, 2  الصفحة التالية
     مواضيع مماثلة
    -

    صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
    منتدي طماف ايرينى :: الكتـــــــــاب المقدس :: دراسه الكتاب المقدس-
    انتقل الى: