الرسالة: 2كو 6:4-15
يا إخوةُ إِنَّ الله الذي أمرَ أَن يُشرِقَ من ظُلمةٍ نُورٌ هو الذي أَشَرقَ في قلوبِنا لإِنارةِ معرِفَةِ مجدِ الله في وجهِ يسوعَ المسيح، ولنا هذا الكنزُ في آنِيةٍ خَزَفِيَّة ليكونَ فضلُ القوَّةِ لله لا منَّا، مُتضايِقينَ في كُلِ شَيءٍ ولكن غيرَ مُنحصرين ومُتَحِيّرينَ ولكن غيرَ يائسين، ومُضطهَدين ولكن غيرَ مَخذولين. ومَطروحين ولكن غيرَ هالِكين، حامِلينَ في الجَسَدِ كُلَّ حينٍ إِماتَةَ الربِّ يسوعَ لتظهَرَ حياةُ يسوعَ أيضاً في أجسادِنا، لأنَّا نحنُ الأحياءَ نُسلَّمُ دائماً إلى الموتِ من أجلِ يسوعَ لتظهَرَ حياةُ المسيحِ أيضاً في أجسادِنا المائِتَة، فالموتُ إذَن يجُرَي فينا والحياةُ فِيكم، فإِذْ فينا روحُ الإيمانِ بِعَينِهِ على حَسَبِ ما كُتبَ إِنّي آمنتُ ولذلكَ تكلَّمتُ فَنحنُ أيضاً نؤْمِنُ ولذلِك نَتَكلَّم، عالمينَ أَنَّ الذي أقام الربَّ يسوعَ سيقُيمُنا نحنُ أيضاً بيسوعَ فننتصِبَ مَعَكم، لأنَّ كلَّ شيءٍ هو من أجلِكم لكي تتكاثَرَ النعمَةُ بشُكرِ الأكثرينَ فتزدادَ لمجدِ الله.
وعظة أحد السامرية بسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد. آمين. هذا الأحد بحسب التعليم الكنسي اسمه أحد السامرية، ونقرأ في الإنجيل الذي تُلي على مسامعكم والذي صار من خلال ما سمعنا لقاءٌ في بلدة السامرة عند بئر يعقوب بين يسوع وامرأة أتت لتستقي الماء وكان التلاميذ حين ذاك قد ذهبوا إلى المدينة ليبتاعوا طعاماً للجميع. لماذا يتجه يسوع إلى أورشليم بعد أن كان في اليهودية؟ ولماذا يمر في السامرة من بلدةٍ اسمها سوخار؟ لأن إنسان الحق غير مرغوب فيه بدنيا الاعوجاج، حيث النفاق يسود على الاستقامة التي هي موطن الناموس الأخلاقي والروحي. إنسان الحق و إن لم يُهاجِم، فإن كلماته الداعية إلى الخير تكشف لوحدها أولئك الذين لا يبتغون هذا الصلاح، فينكشفوا. فيسوع بتعليمه الإنجيلي أكد على الدور الإلهي، ليكون معاش بين البشر، فتعارضَ تعليمه مع مصالح بعض الناس مما جعل من يسوع غير مرغوب به. ويسوع عرف بنوايا أولئك الفريسيين خاصةً، فاتخذ طريق الحكمة، مبتعداً عن مجتمع أورشليم، متجهاً إلى الجليل حيث المراقبة عليه أقل، والحياة فيها أبسط وأهدأ. اختار يسوع دربه عابراً في السامرة التي نادراً ما يمر فيها يهودي لأن اليهود يعتبرون السامريين غير أنقياء من الناحية الدينية لأنهم ارتبطوا بتزاوج مع الآشوريين، فلم يعودوا مخلصين لدينهم ولوطنهم ولم تبقى ذريتهم يهودية ولا عقيدتهم مستقيمة. ولما وصل يسوع إلى سوخار وهي بلدة ليعقوب قديمة، جلس عند حافة البئر المدعو بئر يعقوب، وهو باقٍ ليومنا هذا، أما تلاميذه فلقد ذهبوا ليبتاعوا من المدينة طعاماً. فأتت امرأة تستقي الماء من البئر، وهناك صار حديثٌ حواري ذو قيمة بينهما. كما وأسفر عن حقائق ونتائج ذات قيمة أيضاً. فمع بداية التلاقي اندهشت المرأة أن يسوع يهودي ويرضى أن يحدثها خاصةً وأن عمر العداوة بين الشعبين تعود لحوالي خمسمائة عام حتى عهد المسيح، ومع نهاية الحديث اندهشت المرأة أكثر، أنّ هذا الذي حدثها اكتشفت فيه شخص الماسيّا أي المخلص، وأنه نبي لأنه عرف عنها كل شيء. لكن تعليمه استقاه من استسقائها له!! فإذا كان "قد طلب منها أن تسقيه ماءً ليشرب" (يو7:4)، إلا أنه عرّفها بوجود الماء الحي الذي "كل من يشرب منه، لا يعود يعطش أبداً، بل يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياةٍ أبدية" راجع (يو4: 13-14). ومن المهم القول أن هذه المرأة علاوةً على أنها سامرية أي مكروهة، فهي ذات سمعة سيئة. بالطبع التلاميذ استغربوا رؤية معلمهم يتحدث مع امرأة، فكم بالحري سامرية!! هنا نتعلم من يسوع الكثير، فبكلامه، واليوم بعطائه للماء الحي الذي هو غذاء الروح، كما أن الماء المادي هو حاجة لإرواء الجسد. وأن السامرية بجهلها لهذا الأمر تعرفنا نحن بسببها أن الإشباع الروحي مطلب يقدمه لنا المسيح عطاءً مقدساً. ولكن أيضاً تعلمنا أن يسوع الذي بشرنا بكلمات إنجيله، علمنا أيضاً بنمط حياته، إن كلماته وتعليمه معاشان حياتياً. يسوع وجه كلمته هذه للعالم أجمع، فهي تشمل جميع البشر. فالذكر والأنثى أو القومية والمذهبية، فالجميع واحد في المسيح والكل يستقي البشرة السارة لخلاصه. فإن تلاميذ يسوع تعلموا أيضاً أن عليهم في تبعيتهم له ألا يميزوا بين سامري ويهودي، وبلغة اليوم بين شرقي وغربي وأيضاً بين رجل وامرأة. فكما يخبر بولس الرسول: "الكل واحد في المسيح" (غلا28:3). نعود إلى المرأة السامرية، التي بعد أن علمها يسوع أسس العبادة السليمة لتكون درب خلاص لكل ذي بشر قائمة على "العبادة الصادقة لله الآب بالروح والحق"(يو23:4). لقد حررنا يسوع _بحديثه مع المرأة_ من كل القيود التي تعيق رابطتنا بالله. فنحن نُحمِّلُ أحياناً أنفسنا أحمالاً ثقيلة يصعب علينا التعايش مع الله بوجودها. فلنفك عنا هذه الأربطة ليبقى كما قال يسوع للسامرية، أمرٌ واحدٌ هو مركز اهتمامنا. فما هو هذا الأمر؟ لقد قال: "الله روح، والساجدون له ينبغي أن يعبدوه بالروح والحق" (يو24:4). هنا يوجد تماس بين انحطاط أخلاقية المرأة، التي كما كشف لها المسيح بقوله: "كان لكِ خمسة أزواج والذي تعيشين معه ليس زوجك. لقد صدقت قي قولك أنه ليس لكِ زوج، فكيف هذا" (يو17:4)، وبين العبادة السليمة. فالعبادة الصحيحة تعطي درباً صحيحاً وسلوكاً صحيحاً ليكن الله هو رابط هذه الحياة برضاه. وهل يرضى الله بالسلوك المشين؟ فلنتعلم من تعليم يسوع للسامرية عن كيفية عبادتنا لله، بأن من يعبد الله يلمس الله، بتماس صحيح روحياً، وعلى صعيد الحياة سلوكياً. فالمجتمع المنحط أخلاقياً، هو مجتمع يعوزه تقويم للعلاقة المستقيمة مع من يعبده. إن استقامة الرأي يولد استقامة في سبل الحياة وروابطها. ولما كشفت المرأة ذلك. صارت للمسيح مبشرة، ونسيت جرتها عند البئر أي نسيت الرغبات الخاطئة، والطلبات المادية التي كانت قد عبرت عنها بقولها للمسيح بأهمية حاجتها لعوز الجسد من الماء وغير الماء. وارتبط تفكيرها الجديد بعطاءات الروح القدس ينبوع الماء الحي، فصارت مبشرة، وانطلقت لقريتها تخبر الجميع بأنها قابلة من قال لها كل شيء عن حياتها. من هنا وبعد ذلك اُستقبل يسوع في هذه البلدة وكانت أيضاً هذه البلدة تحوي أناس ودعاء رحبوا بيسوع وقالوا من ثمّ: "نحن قبلناك لا لأن هذه المرأة قالت عنك ما قالته، بل لأننا أيضاً نحن مثلها اكتشفنا شخصك وآمنا بك." راجع (يو42:4). البشارة حديثٌ بيننا وبين الآخرين وهذا الحديث يعطينا معطيات نستمدها من لغة الإنجيل، ومن روحانية الكنيسة، وبها نُحدِّث كل إنسانٍ عن مضمون ما نريد أن نوصل إليه. ولكن علة كل إنسان أن يسعى جاهداً لكي يقتني الخبر السار بنفسه الداخلية، بجهده الروحي، وبإيمانه الشخصي. هذا ما حدث لأبناء هذه البلدة كلهم فتنعموا ببركة مرور يسوع المسيح بأرضهم في بلدتهم في مدنتهم مع أشخاصهم. عسى أن هذا الحوار يبقى معنا وبيننا لنتحدث كلنا بكلمات يسوع لننقل لبعضنا البعض هذه البشارة، وليكن يسوع المسيح حاضراً معنا من خلال كل حواراتنا. عسى أن حضور يسوع بيننا يعطينا رابطة به لكي نصل من خلاله إلى الخلاص الحقيقي، فيسوع هو المخلص وهو قد أتى لكي يزيل عنا عبء ما نحن متعبون به لننال به الفرح والسلام. ونعمته فلتكن معكم الآن ودائماً. آمين. |