منتدي طماف ايرينى
اهلا بكم في منتدي طماف ايريني ونتمني لكم اوقات مباركة
ومنتظرين مشاركاتكم
منتدي طماف ايرينى
اهلا بكم في منتدي طماف ايريني ونتمني لكم اوقات مباركة
ومنتظرين مشاركاتكم
منتدي طماف ايرينى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلالتسجيــــلدخول
   1 فقال لا تخف لان الذين معنا اكثر من الذين معهم (2مل16:6). 2  الجواب اللين يصرف الغضب والكلام الموجع يهيج السخط (ام1:15).  3 يارب تجعل لنا سلاما لانك كل اعمالنا صنعتها لنا (اش12:26).  4طوبى للذى ينظرالى المسكين فى يوم الشر ينجيه الرب (مز1:41).  5 لانه لا يزل من قلبه ولا يحزن بنى انسان (مز33:31 .  6 واما التقوى مع القناعه فهى تجاره عظيمه (اتى6:6)  7 ليصل المسيح بالايمان فى قلوبكم (اف17:3).  8 فان جاع عدوك فاطعمه وان عطش فاسقه لانك ان فعلت هذا تجمع جمر نار على راسه (رو20:12)   9لانك انت رجائى يا سيدى الرب متكلى منذ صباى (مز5:71).  10 مخافه الرب ادب حكمه وقبل الكرامه التواضع (ام33:15)  11 الذين يزرعون بالدموع يحصدون بالابتهاج (مز5:126).  12 لا تقدر شجرة جيدة ان تصنع اثمارا رديّة ولا شجرة رديّة ان تصنع اثمارا جيدة .  13 كل شجرة لا تصنع ثمرا جيدا تقطع وتلقى في النار .  14 فاذا من ثمارهم تعرفونهم  15 ليس كل من يقول لي يا رب يا رب يدخل ملكوت السموات. بل الذي يفعل ارادة ابي الذي في السموات .  16 طريق الكسلان كسياج من شوك وطريق المستقيمين منهج (ام19:15).  17 لان الرب راض عن شعبه يجمل الودعاء بالخلاص (مز4:149)  18 اما رحمه الرب فالى الدهر والابد على خائفيه وعدله على بنى البنين (مز17:103).  19ان سالتم شيئا باسمى فانى افعله (يو14:14) .  20 افرحوا وتهللوا لآن اجركم عظيم فى السموات فانهم هكذا طردوا الانبياء الذين قبلكم (مت12,11:5) .  21 ويل للحكماء فى عين انفسهم والفهماء عند ذواتهم (اش21:5).  22 فقال لا تخف لان الذين معنا اكثر من الذين معهم (2مل16:6).  23 الق علي الرب همك فهو يعولك    
مواضيع مماثلة

     

     القديسة مريم فى المفهوم الأرثوذكسى القمص تادرس يعقوب ملطى

    اذهب الى الأسفل 
    كاتب الموضوعرسالة
    ثروت
    خادم المنتدي
    خادم المنتدي
    ثروت


    عدد الرسائل : 5787
    العمر : 55
    الموقع : https://temaf-erene.yoo7.com
    تاريخ التسجيل : 10/06/2008

    القديسة مريم فى المفهوم الأرثوذكسى القمص تادرس يعقوب ملطى   Empty
    مُساهمةموضوع: القديسة مريم فى المفهوم الأرثوذكسى القمص تادرس يعقوب ملطى    القديسة مريم فى المفهوم الأرثوذكسى القمص تادرس يعقوب ملطى   Emptyالخميس 07 يونيو 2012, 2:05 pm

    مقدمة

    هذا الكتاب في حقيقته مجموعة من المحاضرات، ألقيت بكنيسة السيدة العذراء مريم للأقباط الأرثوذكس بملبورن، أستراليا،عام 1975. نشرت مختصرة في النشرة الأسبوعية weekly bulletin للكنيسة، لمساندة خدام التربية الكنسية.

    وفي يناير عام 1978 صدرت هذه المحاضرات بالإنجليزية في صورة كتاب قامت كنائسنا بأستراليا وأمريكا وأوربا بنشره.

    والآن أشعر بالتزام أدبي أن أقدمه لأخوتي في مصر دون اتباع ترجمة حرفية للنص الإنجليزي.

    وفي هذه المناسبة أكرر شكري لهيئة مكتبة أورمند، جامعة ملبورن، إذ سمحوا لي باستعارة الكثير من المصادر والمراجع.

    الرب الصالح وحده قادر أن يسند هذا العمل بروحه القدوس لبنيان النفوس،

    ببركة والدة الإله القديسة مريم.

    نوفمبر 1978

    القمص تادرس يعقوب ملطي



    أيقظي أوتارك يا قيثارتي، في مديح مريم العذراء،

    ارفعي صوتك وترنمي، بسيرة العذراء العجيبة، ابنة صهيون،

    التي ولدت لنا "حياة العالم".

    مار أفرام السرياني



    بتولية القديسة مريم
    ما هي عصا هارون إلا مريم لأنها مثال بتوليتها، حبلت وولدت الكلمة، ابن العلي، بغير زرع بشر.



    حقيقة إنجيلية:

    بتولية القديسة مريم ليست أمرا يخص حياتها الشخصية، لكنها حقيقة إنجيلية، تخفي إيماننا بيسوع المسيح. فان كلمة الله عند تجسده لم يبالي بنوع الموضع الذي يضطجع فيه، أو الملابس التي يتقمط بها، أو الطعام الذي يقتات به، لكنه حدد بدقة "العذراء" التي تصير له أما فقد قدم أشعياء علامة نبوية لهذا الميلاد العذروي، قائلا: هوذا العذراء تحبل وتلد أبنا ويدعى اسمه عمانوئيل.

    يشير هذا النص بطريقة مباشرة وحرفية إلى مريم العذراء والدة عمانوئيل وفي دقة بالغة يحدد حال القديسة كعذراء ومخطوبة في نفس الوقت. فالكلمة العبرية المستخدمة لعذراء هي "آلما "ALMA وليس "بتولة" ولا "ايسا" فان كلمة "آلما" تعني عذراء صغيرة يمكن أن تكون مخطوبة، أما "بتولة" فتعني عذراء غير مخطوبة، بينما "ايسا" فتعني سيدة متزوجة.

    فلو استخدم الكاتب كلمة "ايسا" أي سيدة متزوجة لما حمل هذا آية غير عادية يحققها الله كما جاءت في أشعياء (7: 10، 11)، لان السيدة يمكن أن تحبل وتلد ابنا. ولو استخدم كلمة"بتولة" لما انطبقت النبوة على القديسة لأنها مخطوبة للقديس يوسف. أما كلمة "آلما" فهي بحق تناسب حالتها بدقة بالغة كعذراء ومخطوبة للقديس يوسف الذي كان بالنسبة لها مدافعا وشاهدا أمينا على عفتها، بوجوده ينتزع كل ريب أو ظن حولها. وجدير بالملاحظة أن كلمة "آلما" جاءت لغويا بما يفيد استمرار البتولية لهذا لم تترجم "عذراء" بل "العذراء" لتصف والدة عمانوئيل كعذراء حتى بعد إنجابها الطفل.

    أما دوام بتولية القديسة مريم فيؤكده نبي آخر بقوله:

    "ثم أرجعني إلى طريق باب المقدس الخارجي المتجه للشرق وهو مغلق فقال لي الرب: هذا الباب يكون مغلقا لا يفتح، ولا يدخل منه إنسان، لان الرب اله إسرائيل منه فيكون مغلقا. الرئيس الرئيس هو يجلس فيه..." حزقيال 44: 1-2

    يرمز هذا الباب الشرقي المختوم إلى بتولية القديسة مريم الدائمة، فان الرب وحده دخل أحشائها، ولم يفتح هذا الباب الآخر غيره، بل بقيت أختامه غير منحلة. في هذا تترنم الكنيسة القبطية، قائلة:

    "حزقيال شهد وأطهر لنا هذا، قائلا:

    أني رأيت بابا ناحية المشارق، الرب المخلص دخل إليه، وبقى مغلقا جيدا بحاله”

    وفي الطقس البيزنطي أعطى للعذراء هذا اللقب:

    "السلام لك، أيها الباب الفريد الذي عبر منه الكلمة وحده".



    البتولية ولاهوت المسيح:

    هذا الميلاد البتولي الذي حدث مرة ولن يتكرر بعد، أنما هو برهان على إيماننا في شخص يسوع المسيح أنه لبس من هذا العالم، بل هو ابن الله، ومن الأعالي. ويظهر ذلك واضحا في إعلان الملاك جبرائيل للقديسة مريم نفسها عندما تسائلت: كيف يكون لي هذا وأنا لا أعرف رجلا؟؟، أجابها: "الروح القدس يحل عليك، وقوة العلي تظللك، والمولود منك يدعى ابن الله لو: 1: 34، 35.



    هذا ما جعل"الميلاد البتولي" يمثل عنصرا أساسيا في قوانين الإيمان الخاصة بالكنيسة الأولى، لا لأنه يتحدث عن القديسة مريم، وأمنا لأنه يعلن عن شخص المسيح يسوع وطبيعته. نذكر على سبيل المثال ما ورد في قانون الإيمان للقديس هيبوليتس (حوالي 215م):

    "أتؤمن بيسوع المسيح ابن الله الذي ولد بالروح القدس من العذراء مريم...؟".



    هذا الدليل استخدمه المسيحيون الأوائل مثل القديس يوستين وأثيناغوراس في دفاعهم عن المسيحية، كما بشر به القديس أغناطيوس أسقف أنطاكية (الذي أستشهد عام 110 م)، موضحا أن الميلاد البتولي هو أحد الأسرار العظمى الخاصة بالسيد المسيح التي أعلنت في العالم في أيامه، إذ يقول:

    "بتولية مريم، وإنجابها (الطفل) وأيضا موت الرب، هذه أخفيت عن رئيس هذا العالم.

    أسرار ثلاث أعلنت جهرا لكنها تحققت في صمت الله".



    باختصار نقول أن التعليم الخاص بالميلاد البتولي، في حقيقته العلامة الظاهرة لسر التجسد، التي تؤكد أن يسوع المسيح، الابن الحقيقي لأم حقيقية، لم يحبل به من زرع إنسان، بل بالروح القدس. بهذا وهو "ابن الإنسان" لكنه لم يحمل الخطية، بل صار رئيسا لجنس بشري جديد.



    البتولية وخلاصنا:

    بتولية القديسة مريم تحمل إلينا مفاهيم روحية تخص خلاصنا، وتكشف عن دورنا في الخلاص، ونذكر منها:

    1- جاءنا الله مولودا من عذراء، حبلت يه من غير زرع بشر، كأنما اتحاده بنا لم يكن ثمرة جهاد بشري، أو استحقاقات ذاتية، إنما توهب لنا كنعمة إلهية. هذا العمل هو عطية الحب المجاني القدم لنا من قبل الله. أقول أن بتولية القديسة مريم تحمل علامة فقر الإنسان وعجزه الذاتي. عن القيام بخلاص نفسه أو الاتحاد مع مخلصه.

    2- ومن الجانب الآخر، فإن بتولية القديسة مريم لا تعني سلبيتنا في الحياة الروحية، إذ لم يقتحم الله نفسه في أحشائها ولا حبلت به بغير موافقتها بل قامت بدور إيجابي... ألا وهو القبول. سألها الله ذلك، وحين فبلت بأتضاع في طاعة تحقق التجسد الإلهي بواسطة نعمة الله المجانية.

    3- ميلاد يسوع المسيح من العذراء التي هي نموذج الكنيسة الجديدة، يؤكد طبيعة الملكوت السماوي المعلن في المسيح، لأن العذراوية أو البتولية هي سمة السماء وأما الزواج فيخص العالم الحاضر وحده.

    فالزواج وما يحمله من آثار أي إنجاب الأطفال يضمن استمرار الحياة البشرية على الأرض خلال تتابع الأجيال، أما في السماء فليس من موت ولهذا فلا حاجة للزواج أو الإنجاب لضمان استمرار الحياة هناك... وكأن البتولية هي سمة الخليقة كلها في السماء.

    وبهذا فإن بتولية القديسة مريم أثناء تجسد ابن الله يعني تأسيس الملكوت على أساس سماوي وسط الجنس البشري. هكذا دعي شعب الله للحياة الجديدة، أي ممارسة الحياة السماوية التي هي بتولية الفكر والقلب والنفس خلال اتحادهم مع الله في يسوع المسيح، العريس البتول. هذه هي طبيعة كنيسة العهد الجديد التي صارت العذراء مريم عضوها الأول والأمثل.



    الميلاد البتولي والميلاد الروحي:

    في الكنيسة القبطية يرتبط عيد الميلاد بالابيفانيا (الغطاس)، ففي القرون الأولى كان هذا العيدان السيديان يحتفل بهما في يوم واحد، ذلك لأنه في عيد الميلاد أخذ ما هو لنا أي نسوتيتنا، وفي الابيفانيا تقبلت الكنيسة المختفية في المسيح

    يسوع ما هو له له، أي تقبلت علاقته بالأب، أي البنوة. وهكذا صار هو "ابن الإنسان" ونحن نصير فيه"أبناء الله".

    وهذه حقيقة تعلنها التسبحة القبطية بقولها: "أخذ الذي لنا، أعطانا الذي له، نسبحه ونمجده...".

    هذا الترابط بين ميلاد الرب البتولي وميلادنا الروحي بطريقة مقارنه خلال التجسد الإلهي في أحشاء البتول. ففي الأحشاء أخذ الرب جسده البتولي، الذي هو بطريقة سرية الكنيسة المتحدة به. هناك خلقت الكنيسة العروس البتول متحدة بالعريس السماوي البتول.

    في هذا يقول:

    الأب بروكلس بطريرك القسطنطينية (429م):

    "القديسة مريم هي... معمل اتحاد الطبائع، هي السوق الذي يتم فيه التبادل المبجل. هي الحجال الذي فيه خطب "الكلمة" الجسد".

    وفيما يلي عرض سريع لبعض أقوال الآباء، توضح هذه العلاقة بين ميلاد الرب البتولي وميلادنا نحن الروحي:



    + بطهارة أفتتح السيد المسيح الأحشاء الطاهرة، لكي يولد الإنسان مرة ثانية على مثاله.

    القديس ايرنياؤس

    + الذين أعلنوا أنه عمانوئيل المولود من البتول (اش7: 14) أعلنوا أيضا اتحاد كلمة الله بصنعة يديه.

    إذ صار الكلمة جسدا، وابن الله ابنا للإنسان، وأفتتح الطهارة بنقاوة الأحشاء النقية معطيا للبشرية تجديدا في الله.

    القديس ايرنياؤس

    + فتح السيد المسيح مستودع الكنيسة المقدسة،

    ذاك المستودع الصامت، الذي بلا عيب، المملوء ثمرا، حيث يولد شعب الله.

    القديس أمبروسيوس

    + ميلادك الإلهي، يارب، قد وهب ميلادا للبشرية كلها... ولدتك البشرية حسب الجسد، وأنت ولدتها حسب الروح... المجد لك يا من صرت طفلا لكي تجعل الكل جديدا.

    مار أفرام السرياني

    v أخذ السيد المسيح جسد من امرأة، ولد منها حسب الجسد، لكي يعيد البشرية فيه من جديد.

    القديس كيرلس السكندري

    v إننا نؤكد أن الابن وحيد الجنس قد صار إنسانا،... حتى إذ يولد من امرأة حسب الجسد، يعيد الجنس البشري فيه من جديد.

    القديس كيرلس السكندري

    + جاء الكلمة الإلهي من الأعالي،

    وفي أحشائك المقدسة أعيد تكوين آدم (الخليقة الجديدة في المسيح)

    القديس غريغوريوس صانع العجائب

    + إن كان ابن الله قد صار ابن لداود، فلا تشك يا ابن آدم أنك تصير ابنا لله.

    إن كان الله قد نزل أعماقا كهذه، فأنه لم يفع هذا باطلا، أنما ليرفعنا للأعالي!

    ولد بالجسد لكي تولد أنت ثانية حسب الروح.

    ولد من امرأة لكي تصير أنت ابنا لله.

    القديس يوحنا ذهبي الفم

    + صار ابن الله إنسانا لنرحب به كعضو في عائلتنا، وبالرغم من خطايانا، فإننا نولد من جديد، حاملين رجاءا...

    + لقد هربنا من وجه معلمنا، تاركين النعمة المقدمة لنا، فماذا يفعل المعلم حسب رحمته؟ أنه يتعقب الهارب حتى يرده. يقترب إليه ليس وهو مرتدي عظمته بل يأتيه في أتضاع، متجسدا في أحشاء مريم. بهذا يصير المعلم معروفا لدى الشارد وصديقا له، جاعلا من نفسه خادما لنا حتى نصير نحن معه سادة!

    الأب ثيؤدوسيوس أسقف أنقرة

    بتولية القديسة مريم والبتولية الروحية في العهد القديم، كانت الفتاة في العهد القديم، كانت الفتاة البتول التي لا يرجى زواجها وبالتالي لا تتمتع بالأمومة، في موقف السيدة العاقر، في حال لا تحسد عليه، تحمل علامة غضب الله. أما في العهد الجديد

    في حال لا تحسد عليه، تحمل علامة غضب الله. أما في العهد الجديد فإن "العذراء" لأول مرة وآخر مرة تنجب"المسيا" فلم تعد بتوليتها عارا، إذ حملت ثمرا بالروح القدس. هكذا صارت البتولية علامة التصاق الله بالإنسان، لهذا يدعو القديس بولس الكنيسة "عذراء المسيح"، وفي سفر الرؤيا يرمز لجموع المختارين الذين بلا عدد بمائة أربعة وأربعين ألفا بتوليا، يتبعون الحمل أينما ذهب (رؤ 14: 4،5).

    هكذا ارتبطت البتولية بحياة القداسة، لا بمعنى أن كل بتول يحسب قديسا، وكل قديس يلزم أن يكون بتولا، لئلا بهذا نحقر من شأن الزواج المسيحي كسر مقدس. إنما نقصد أن بتولية الجسد ما هي إلا علامة للبتولية الروحية، فالبتولية في جوهرها تكريس كامل لله واتحاد مستمر معه بالمسيح يسوع. هي بتولية النفس والقلب والذهن والحواس والرغبات، ينعم بها المسيحيون بالروح القدس مقدس نفوسنا وأرواحنا وأجسادنا، مهيئا أيانا للعرس الأبدي.

    + لا تكرم (البولية) من أجل ذاتها، وأنما لا نتسابها لله.

    القديس أوغسطينوس

    + البتولية هي باب دوري لحياة القداسة...

    هي القناة التي تجتذب اللاهوت للشركة مع الإنسان

    أنما تقدم جناحين يسندان رغبة الإنسان في الانطلاق نحو السماويات.

    هي رباط الوحدة بين ما هو الهي وما هو بشري، بواسطتها يتم التوافق بعد حدوث هوة عظيمة بينهما...

    + لقد تبرهن أن اتحاد النفس مع اللاهوت غير الفاسد لا يمكن أن يتحقق بطريق آخر مثل دخول الإنسان في هذه النقاوة العظمى. بهذا يتشبه الإنسان بالله لينال البتولية العاكسة لنقاوة الله كما في مرآة، فتمتزج صورته بالجمال خلال تلاقيه بالجمال الأمثل وتأمله فيه...

    القديس غريغوريوس النصي

    + عظة في عهد الميلاد

    اليوم تحتفل الكنيسة البتول بالميلاد البتولي...

    فقد أكد السيد المسيح بتولية القلب التي يريدها للكنيسة أولا خلال بتولية جسد مريم.

    فالكنيسة وحدها هي التي تستطيع أن تكون بتولا فقط حين ترتبط بعريس، ألا وهو ابن البتول، إذ تقدم له ذاتها تماما.

    القديس أوغسطينوس

    + يلزم أن تكون بتوليتكم روحية...

    حقا لا يقدر كثيرون أن يكونوا بتوليين حسب الجسد، لكن يلتزم كل مؤمن أن يكون بتولا حسب الروح.

    إذن تيقظي، تيقظي يا نفسي، واحرصي على بتوليتك!

    + أم السيد المسيح عذراء، وعروسه "الكنيسة" عذراء أيضا...

    القديس أمبروسيوس

    + أما الآن، فإن حياة مريم هي مثال ينبغي أن تتمثلوا به، فمنها يشرق جمال العفة ومثال كل فضيلة كما من مرآة...

    القديس أمبروسيوس

    البتولية الدائمة
    عمانوئيل الذي ولدتيه،

    حفظك بغير فساد،

    مختومة هي بتوليتك.

    هل بقيت بتولية القديسة مريم عند ولادتها يسوع؟
    الكتب الغير القانونية الأولى:

    "ظهر في الكنيسة الأولى بعض الكتب نسب بعضها للتلاميذ بقصد ترويجها، لكنها لم تتقبلها الكنيسة منذ البدء، هذه الكتب وإن كانت ليست من قائمة الأسفار المقدسة، لكنها تعتبر كتب كنسية تحمل الكثير من الأفكار والتقاليد الكنسية الأولى، يستخدم بعضها كتراث فكري مسيحي مبكر، خاصة متى كانت أفكارها منسجمة مع فكر الكتاب المقدس والكنيسة.

    استنادنا على بعض النصوص الواردة في ثلاثة كتب أنما لان هذه النصوص تعكس اتجاه كنسي مبكرا".

    أكدت ثلاثة كتب غير قانونية أولى، ترجع إلى القرن الثاني، دوام بتولية القديسة مريم، وهي:

    1- جاء في كتاب"صعود أشعياء": "وجد رحمها كما هو عليه فبل الحمل".

    2- ورد في "أناشيد سليمان": أنها ولدت ابنا بغير آلام المخاض.

    3- يروي"إنجيل يعقوب الأولى" أن سيدة تدعى سالومى قد "لاحظت بتولية القديسة مريم بعد ولادة يسوع"

    على أي الأحوال أن تركنا تفاصيل ما ورد في هذه الكتب في هذا الشأن. نستطيع القول أنها حملت انعكاسا لفكر قوى ساد في القرن، ألا وهو أن القديسة مريم لم تفقد بتوليتها بميلادها الرب.

    الفكر الأبائي:

    يعتقد أن القديس بطرس بابا الإسكندرية (استشهد عام 311م)هو أول من أستخدم لقب"ايبارثينوس" أي "دائمة البتولية" للقديسة مريم قائلا: "يسوع المسيح... قد ولد حسب الجسد من مريم، سيدتنا القدسية المعظمة، والدة الإله "ثيؤتوكوس" الدائمة البتولية "ايبارثينوس"...

    في الواقع لم يكن القديس بطرس هو أول من اعتقد في دوام بتولية القديسة مريم، أى بتوليتها قبل ميلاد السيد المسيح (ante-portum") وعند ميلاده ""in-portum وبعد ميلاده ""post portum ففي القرن الثاني يذكر القديس ايرنياؤس ما ورد في أشعياء النبي (66: 7، Cool حيث يتنبأ عن عودة الشعب إلى أورشليم بطريقة ملحوظة خلال الأم صهيون، مفسرا ذلك، أن النبوة تشير إلى العذراء مريم التي ولدت ابنا ذكرا بطريقة بغير آلم المخاض (أي أن تفقد بتوليتها)، إذ يقول النبي: قبل أن يأخذها الطلق ولدت، قبل أن يأتي عليها المخاض ولدت ذكرا. يعلق القديس أن النبي قد أعلن بهذا عن المنظورات أي ميلاد الطفل من العذراء بطريقة فريدة وبهذا يؤكد القديس بتولية القديسة.

    وفي مصر يقول القديس أكليمنضس أن القديسة مريم استمرت عذراء، رافضا الادعاء بأنها قد صارت امرأة (أي فقدت بتوليتها) بسبب إنجابها الطفل.

    كما يؤكد العلامة أوريجين دوام بتوليتها في عظاته على سفر اللاويين. وفي موضع آخر يقول:

    "لقد تسلمنا تقليدا في هذا الشأن... أن مريم قد ذهبت (إلى الهيكل) بعدما أنجبت المخلص، لتتعبد، ووقفت في الموضع المخصص للعذارى. حاول الذين يعرفون عنها أنها أنجبت ابنا طردها من الموضع، لكن زكريا أجابهم أنها مستحقة المكوث في موضع العذارى،إذ لا تزل عذراء".

    كما يقول العلامة أوريجين: "يليق ألا ننسب لقب أولى العذارى، لغير مريم وحدها".

    هذا وقد استخدم البابا أثناسيوس تعبير "ايبارثينوس"، كما أعلن القديس ديديموس الضرير بتوليتها أثناء ميلاد الطفل "in-portum وبعد الميلاد "post portum مخابئ إياها: "الدائمة البتولية". وفي هذا المجال أقتبس بعض فقرات من أقوال الأباء في شأن دوام بتولية القديسة:

    + حقا إننا نجهل الكثير على سبيل المثال:

    كيف يوجد غير المحدود في الأحشاء؟

    كيف يحمل بذاك الذي يحوي كل شئ، ويولد من امرأة؟

    كيف تلد العذراء وتستمر عذراء؟

    القديس يوحنا ذهبي الفم

    + لم تحل بتولية العذراء الطاهرة خلال الميلاد غير الدنس، كما لم تقف البتولية في طريق ميلاد عظيم كهذا.

    القديس غريغوريوس النيصي

    + السيد المسيح وحده فتح أبواب بتوليتها المغلقة،

    ومع هذا بقيت الأبواب مغلقة تماما.

    القديس جيروم

    + مع أن الباب كان مغلقا، دخل يسوع إلى مريم، القبر الجديد المنحوت في صخر، الذي لم يرقد أحد فيه من قبله ولا بعده، أنها جنة مغلقة، ينبوع مختوم "نش 4: 12".

    هي الباب الشرقي الذي تحدث عنه حزقيال (14: 2)، المغلق على الدوام، المملوء نورا...يدخل إلى قدس الأقداس، منه يدخل ويخرج من هو على رتبة ملكي صادق. دعوهم يخبروني كيف دخل يسوع والأبواب مغلقة، وأنا أجيبهم كيف تكون القديسة مريم أما وعذراء بعد ميلاد أبنها، وكيف تكون أما قبل (بغير) زواج.

    القديس جيروم

    + لو أفسد ميلاده بتوليتها، لما حسب مولودا من عذراء، وتكون شهادة الكنيسة الجامعة بأنه ولد من العذراء مريم، شهادة باطلة (حاشا!).

    القديس أوغسطينوس

    + كما دخل الرب والأبواب مغلقة هكذا خرج من أحشاء البتول، فإنه بحق ولدته هذه العذراء بغير ألم...بقيت بتوليتها سالمة لم تحل!

    القديس أفرام السرياني

    + ما كان الرب يسوع قد أختار أن يولد من عذراء، لو عرف أنها ليست عفيفة فتقبل زرعا بشريا في ذات الموضع الذي قطن فيه جسد الرب، أي في بلاط الملك الأبدي.

    الأسقف سيريكس (392م)

    + يا له من شر مدهش!

    مريم كانت عذراء بعد زواجها، عذراء بعد الحمل، وبقيت هكذا بعد إنجاب الطفل! أخيرا فأنه لو وجد شئ أعظم من البتولية لقدمه ابن الله لأمه، إذ وهبها أن تفرح بكرامة البتولية الإلهية.

    الأب زينو أسقف فيرونا (372م)

    + إذ قارن القديس أفرام ميلاد الرب بقيامته، قال عن الميلاد:

    أراد العريس الممجد أن يظهر أنه ترك أوتار البتولية نائمة حتى لا تشعر بخروجه.

    مار أفرام السرياني

    + حقا لا تعرف الطبيعة عذراء تبقى هكذا بعد إنجاب الطفل، أما النعمة فجعلت العذراء والدة وحفظت بتوليتها.

    النعمة جعلت العذراء أما ولم تحل بتوليتها...

    أيتها الأرض غير المفلحة التي ازدهرت وجاءتنا بثمر يخلصنا!

    أيتها العذراء التي فاقت جنة عدن المبهجة!...

    العذراء ممجدة أكثر من الفردوس، لأن الفردوس فلحه الله، أما مريم

    فأنبتت الله نفسه حسب الجسد، إذ بإرادته شاء أن يتحد بالطبع البشري.

    الأب ثيؤدوسيوس أسقف أنقرة



    نذر البتولية:

    جاء في الكتاب غير القانوني"إنجيل يعقوب الأول"، الذي يعكس الاتجاهات السائدة في القرن الثاني، أن القديسة مريم ولدت من يواقيم وحنة الشيخين، وأن والدتها قد نذرت أبنتها خادمة للرب كل أيام حياتها.

    وفي الثالثة من عمرها، قدمت مريم للهيكل، حيث كانت تتغذى بأيدي ملائكة. وبحسب التقليد القبطي يحتفل بعيد "دخولها الهيكل" في الثالث من شهر كيهك، فيه نذكر الطفلة مريم كعذراء تعيش بين العذارى، فنترنم باللحنين التاليين:

    "في سن الثالثة قدمت يا مريم للهيكل، جئت كحمامة، وأسرعت الملائكة إليك!" "كانت بين العذارى تسبح وترنم معهن، دخلت الهيكل بمجد وكرامة".



    و في الثانية عشر من عمرها اجتمع الكهنة ليناقشوا أمرها إذ كان يلزم أن تترك الهيكل. فأحضروا اثني عشر رجلا من سبط يهوذا، وأودعوا عصيهم داخل الهيكل. وفي اليوم التالي أحضر أبيثار الكاهن العصي وقدم لكل منهم عصاه. وأن أمسك القديس يوسف بعصاه حتى جاءت الحمامة استقرت عليها، كانت بيضاء أكثر من الثلج وجميلة للغاية، صارت ترفرف لوقت طويل بين أجنحة الهيكل وأخيرا طارت نحو السماوات. عندئذ هنأ الشعب كله الشيخ، قائلين له: "هوذا قد صرت مطوبا في شيخوختك أيها الأب يوسف، فقد أظهرك الله مستحق الاستلام مريم. أما القديس ففي البداية أعتذر بشيخوخته، ولكنه أطاع الكهنة الذين هددوه بحلول غضب الله عليه إن رفض.



    زواج أم خطبة:

    كان الزواج حسب التقليد اليهودي يتم على مرحلتين: خطبة ثم زواج. فبعدما تتم بعض الترتيبات المالية يخطب العروسان في بيت العروس. هذه الخطبة في الحقيقة تعادل الزواج السائد حاليا في كل شئ ما خلا العلاقات الجسدية. فالمخطوبة تدعى"زوجة"، وتصير أرملة أن مات خطيبها، وتتمتع بجميع الحقوق المالية كزوجة أن ترملت أو طلقت. وفي حالة الخيانة وراء خطيبها تسقط تحت ذات العقوبة كزوجة خائنة. وكزوجة لا يقدر أن يتخلى عنها خطيبه بغير كتاب طلاق.

    أما الخطوة التالية وهي الزواج فغالبا ما تنتظر المخطوبة_ التي لم يسبق لها الزواج_ عاما قبل إتمام مراسيم الزواج.

    من هنا نستطيع أن ندرك سرعة دعوة القديسة مريم "امرأة يوسف"رغم كونها مخطوبة وليست متزوجة.

    لكن، البعض يتساءل عما إذا كان قد وجد بين القديسة مريم والقديس يوسف حتى بعد إتمام الخطوة الثانية من الزواج. في هذا يجيب القديس أوغسطينوس مؤكدا بالإيجاب. ففي تعليقه على سؤال القديسة مريم للملاك: كيف يكون لي هذا وأنا لا أعرف رجلا (لو 1: 34) يقول:

    "بالتأكيد ما كانت تنطق بهذا ويوجد نذر مسبق بأن تقدم بتوليتها لله، وقد وضعت في قلبها أن تحققه".



    اعتراض:

    إستخدم هيلفيدس في القرن الرابع العبارة الإنجيلية "لم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر" متى 1: 25 كدليل إنجيلي ضد دوام بتولية مريم مشيرا إلى أن يسوع هو أبنها البكر، له أخوة، هم أبناء مريم.

    يجيبه القديس جيروم بأنه "هكذا أعتاد الكتاب المقدس أن يستخدم كلمة "بكر" لا للشخص الذي له أخوة وأخوات، بل للمولود أولا (خر 34: 19، 20) حتى ولو لم يكن له أخوة أصاغر. هكذا يخرج القديس جيروم من الكتاب المقدس بأن "كل طفل وحيد هو بكر، لكن ليس كل بكر هو طفل وحيد".

    كذلك فإن العبارة "لم يعرفها حتى ولدت أبنها البكر" لا تعني بالضرورة أن القديس يوسف عرفها بعد ولادتها للسيد المسيح، لان الكلمة "حتى" لا تعني النتوء بما يحدث بعد ذلك، وذلك قول الكتاب مثلا: لم تنجب ميكال ابنة شاول حتى ماتت" لا تعني أنها ولدت بعد موتها.



    إخوة يسوع:

    في حوالي عام 382م كتب هيلفيدس كتابا يؤكد فيه أن يوسف ومريم قد تمما زواجهما بعد ميلاد يسوع، وأن مريم قد أنجبت أبناء آخرين، أشار إليهم الإنجيل بعبارة"أخوة يسوع" هذا الكتاب مفقود، لكن ما جاء فيه عرف تباعا خلال إجابة القديس جيروم عليه.

    وبعد أعوام تبنى ذات الفكرة كل من جوفنيانوس وبونيسيوس أسقف بيوغسلافيا، مستخدمين نفس التعبير "أخوة الرب" مر 6: 33، متى 13: 55، 56

    لكن إن كان العلامة أوريجين وهو يؤكد تقليدا كنسيا يقول:

    ليس من أحد أفكاره صادقة نحو مريم يدعى بأن لها طفل غير يسوع، فماذا يعني الإنجيل بقوله "أخوة يسوع"؟



    1- النظرية الأبيفانية:

    دافع كتاب إنجيل "يعقوب الأولى" غير القانوني عن بتولية القديسة مريم مشيرا إلى أن أخوة يسوع ليسوا إلا أبناء القديس يوسف من زواج سابق. هذه الفكرة انتقلت إلى الكتابات القبطية والسريانية واليونانية، كما نادى بها بعض الأباء العظام، فأشار إليها كل من القديس أكليمنضس الإسكندري غريغوريوس النيصي وكيرلس الإسكندري وأمبروسيوس العلامة أوريجين وهيجيسيوس ويوسابيوس أسقف قيصرية وهيلارى من بواتييه وأبيفانيوس أسقف سلاميس بقبرص الذي دافع عن هذه الفكرة بحماس شديد حتى نسبت إليه: "الأبيفانية"

    إلا أن هذا الرأي يرفضه بعض اللاهوتيين للأسباب التالية:

    أ‌- لو أن أخوة يسوع أكبر منه سنا، إذ جاءوا عن زواج سابق، فلماذا لم يشر إليهم في قصص الميلاد وخاصة الهروب إلى مصر؟

    ب‌- في "قصة يسوع في الهيكل" ترك لنا الإنجيل (لو 2: 41-52) هذا الانطباع أنه حتى مرور أثنى عشر عاما من ميلاد المسيح كانت العائلة المقدسة تتكون من الثلاث أشخاص (مريم- يوسف- السيد المسيح)

    ج- لو كان يسوع له أخوة لترك أمه لديهم عند الصليب وما كانت هناك حاجة لتسليمها إلى القديس يوحنا.



    2- نظرة القديس جيروم:

    يرى القديس جيروم أن تعبير "أخوة" أستخدم في الكتاب المقدس في الحالات التالية:

    أ‌- أخوة حسب الدم.

    ب‌- أخوة بسبب وحدة الجنسية.

    ج- أخوة بسبب القرابة الشديدة.

    د- الصداقة.

    وقد أستخدم تعبير "أخوة الرب" مطابقا الحالة الثالثة، وذلك كما دعي إبراهيم ابن أخيه لوط "أخاه" تك 13: 8، وأيضا أبان أستخدم ذات الكلمة عن زوج ابنته (تلك 29: 15).

    فمن المعروف لدى اليهود أن أبناء العم والخال والعمة والخالة يدعون أخوة، لأنهم غالبا ما يعيشون في العائلة الكبيرة تحت سقف واحد. وإلى يومنا هذا لازالت الكلمة مستخدمة في بعض قرى صعيد مصر، فيحسبونه عيبا أن يدعو الإنسان ابن عمه أو خاله أو عمته أو خالته بلقب غير "أخي". وفي اللغة الآرامية تستخدم نفس الكلمة "أخ" لتعبر عن كل هذه القرابات.

    هكذا بحسب نظريه القديس جيروم يكون "أخوة يسوع" هم أولاد القديسة مريم زوجة كلوبا، أخت القديسة مريم العذراء (يو 19: 25).



    الثيؤتوكوس

    والدة الإله

    أمومة القديسة مريم في الكتاب المقدس:

    يشهد الكتاب المقدس لأمومة القديسة مريم لله، إذ نرها في الكتاب المقدس تلقب ابنها "الله" يو 20: 28، فتكون هي أم الله.

    وفي البشارة يتحدث الملاك غبريال عن الطفل الذي تحبل به أنه ابن العلي و"القدوس" و"ابن الله".

    وعندما دخلت القديسة مريم بيت نسيبتها اليصابات وسلمت عليها، ركض الجنين في أحشائها بابتهاج (لو 1: 41، 44)، وامتلأت اليصابات من الروح القدوس الذي وهبها إدراك سر التجسد الإلهي. فنرى اليصابات السيدة التي بلغت سن الشيخوخة،زوجة الكاهن والحاملة في أحشائها نبي عظيم تتصاغر جدا أمام هذه الفتاة اليتيمة الفقيرة صغيرة السن، إذ تكشفت فيها أنها أم ربها، فقالت

    " من أين لي أن تأتي أم ربي إلى؟" لو 1: 43. هكذا بينما كان العالم كله يجهل كل شيء عن البشارة للقديسة مريم إذ بالقديسة اليصابات تعلن أمومة مريم لربها، رغم عدم وجود أي علامة ظاهرة لهذا الحدث الإلهي.

    والأمر المدهش في هذه الأحداث العجيبة (ركوض الجنين بابتهاج وامتلاء اليصابات بالروح القدس وشهادتها لأمومة العذراء لربها) تمت بمجرد اصفاء اليصابات لسلام مريم، وكأن ابن الله الساكن في أحشاء القديسة مريم قد تكلم بنفسه على فم أمه، وعمل خلال تصرفاتها.



    أمومة القديسة مريم في الكنيسة الأولى:

    برزت العقيدة الخاصة بالقديسة مريم وتطورت خلال صراع الكنيسة ضد الهرطقات، كان ذلك لتأكيد حقيقتين تخصان السيد المسيح:

    أ‌- أن يسوع المسيح قد ولد ميلادا حقيقيا من القديسة مريم، فلم يكن يسوع خيالا بل حمل جسدا حقيقيا مولودا من أم حقيقية.

    ب‌- أن يسوع المسيح المولود من القديسة مريم هو ابن الله الأبدي الذي بلا بداية.

    (أما الأهم الهرطقات فهي الغنوصية والمانية والأريوسية والنسطورية).

    1- الغنوصية:

    تقوم أغلب النظم الغنوصية على الفصل ما بين الله الخالق والكائن الإلهي السامي. ففي نظر البعض أن العالم المادي هو شر جاء نتيجة سقوط الحكمة "صوفيا".

    ويقسم الغنوصيون البشر إلى طبقتين أو ثلاث، هم:

    أ‌- الروحيون، يتمتعون بإشراقة من الجوهر الإلهي الروحي، ويعودون إلى أصلهم أي إلى الكائن الإلهي السامي، وذلك بواسطة المعرفة (الغنوصية) وممارسة طقوسها.

    ب‌- بقية البشر أي الجسدانيون أو الماديون، وهم منهمكون في العالم المادي مصيرهم الهلاك الأبدي.

    ج- يضيف البعض طبقة ثالثة متوسطة، وهي جماعة المسيحيين غير الغنوصيين، هؤلاء يبلغون حالة وسطى خاصة بالله الخالق، وذلك خلال إيمانهم وأعمالهم الصالحة.

    أما عن المسيح ففي نظرهم جاء عن الإله السامي، يقدم الغنوصية أي "المعرفة"، وهو كائن إلهي لم يأخذ جسدا بشريا حقيقيا ولا مات. بهنا لم يقبلوا تجسد المخلص ولا ولادته من امرأة.

    إحدى الأشكال الغنوصية تدعى Docetism، وهي هرطقة هددت كيان الكنيسة الأولى، أخذت أسمها عن كلمة dokein اليونانية التي تعني "يبدو" أو "يظهر هكذا" إذ نادت هذه الهرطقة بأن يسوع المسيح لم يصر أنسانا حقيقيا بل بدى هكذا كأنه يحمل جسدا. أنه عبر في العذراء دون أن يأخذ من جسدها شيئا.

    يقول القديس ايريناؤس أن ساتيرنانيوس (حوالي عام 120) قد أعلن بأن المخلص لم يولد، ولا تجسد ولم يكن له شكل... إذ يرى أن الزواج وإنجاب

    وعلم أيضا فالنتينوس في القرن الثاني بأن السيد المسيح قد أتحد بالإنسان يسوع "الذي ولد خلال مريم وليس من مريم، عبر فيها كما من قناة".

    أما مرقيون فعلم بأن يسوع لم تكن له نفس بشرية ولا تجسد أرضي. أنه لم يولد من مريم بل ظهر فجأة في اليهودية في تجسد خيالي كشخص كامل النمو مستعد للبدء في الخدمة حالا.

    أما إبليس Appeles فقد قبل أن يكون للسيد المسيح جسدا حقيقيا، لكنه جسد سماوي، نزل إلى هذا العالم من السماء، وليس من مريم.

    وقد حذر آباء الكنيسة مثل القديسين أغناطيوس أسقف أنطاكية ويوستين وايريناؤس والعلامة ترتليان والعلامة أوريجين المسيحيين من هذه التعاليم كما واجهوا الهراطقة مؤكدين حقيقة أمومة القديسة مريم بقصد تأكيد سر التجسد أي حقيقة ناسوتية المسيح.

    كتب القديس أغناطيوس إلى أهل تراليا: "سدوا آذانكم عندما يحدثكم أحد من هؤلاء الذين يأخذون جنبا من يسوع المسيح، الذي هو من نسل داود ابن مريم، الذي ولد ميلادا حقيقيا.

    2- المانية Manichaeism:

    مؤسس هذه البدعة هو ماني أو مانس أو مانخيوس من القرن الثالث النظام الماني في أصله هو وليد التقاليد الغنوصية القادمة من شرق بلاد فارس والتي تقوم على افتراض وجود صراع بين النور والظلمة، وبين الله والمادة. أما هدف ممارسة الدين عندهم فهو أدراك عناصر النور التي أغتصبها الشيطان من عالم النور وسجنها في ذهن الإنسان، وأن يسوع وبوذا والأنبياء وماني أنما جاءوا لهذا العمل.

    ظهور آدم كان غايته استعادة النور المسجون. أما يسوع

    "النور المتلألئ" فقد خلص آدم برؤيا.

    والممارسات الدينية عندهم من امتناع عن أكل اللحم والزهد في الحياة الجنسية هي وسائل لتحقيق استمرار تحرر هذا النور تدريجيا.

    أذن لا تعجب أن رأينا أتباع ماني قد ظنوا أن يسوع المسيح ليس ابن لمريم بأي حال من الأحوال.

    لهذا قام القديس الكسندروس، بابا الإسكندرية، يدافع عن حقيقة ناسوتية السيد المسيح وبالتالي عن أمومة القديسة مريم الحقة له، مقاوما الغنوصيين وأتباع ماني.

    وقام القديس أثناسيوس بنفس الأمر، إذ يقول "كان جسد الرب جسدا حقيقيا... مثل جسدنا".

    كما يقول القديس أمبروسيوس "قدمت العذراء شيئا من عندياتها ولم تعطه شيئا (جسدا) غريبا عنها بل من جسدها، قدمته بطريقة غير عادية لكن العمل (إعطاء الجسد للابن) كان عاديا، قدمت للثمرة جسدها".

    3- الأريوسية:

    أما اتباع أريوس، فعلى خلاف الغنوصيين والمانيين، أنكروا أن يسوع بن مريم هو ابن الله غير المخلوق، الواحد مع الآب في الجوهر الإلهي. أنكروا لاهوت السيد المسيح وبالتالي أنكروا أمومة القديسة مريم لله.

    لهذا فإن آباء الإسكندرية مثل القديسين الكسندروس وأثانسيوس في مواجهتهم للاريوسية لقبوا القديسة مريم "الثيؤتوكوس" (والدة الإله). ففي الخطاب الدوري الذي وجهة القديس الكسندروس للأساقفة (حوالي عام 319م) حيث أعلن حرمان أريوس استخدام لقب "ثيؤتوكوس" بطريقة يفهم منها أن هذا اللقب كان مستخدما بطريقة لا تحتمل المناقشة، إذ كتب هكذا:

    " أننا نعرف القيامة من الأموات، فان البكر هو يسوع المسيح الذي حمل جسدا حقيقيا وليس شكليا، مولودا من مريم الثيؤتوكوس (والدة الإله)". هكذا يسجل لنا قلمه لقب "الثيؤتوكوس" بطريقة طبيعية تاركا هذا الانطباع أن هذا اللقب كان دارجا مستقرا ولم يكن موضع نقاش في أيامه.

    وفي الجدال مع الأريوسية ركز القديس أثانسيوس على هذه الحقيقة أن السيد المسيح مولود من الأب، حمل هيئته الجسدية من الأرض غير المفلحة دائمة البتولية، الثيؤتوكوس.

    كما سجل القديس أمبروسيوس أسقف ميلان لحنا لعيد الميلاد علمه لشعبه لسند إيمانهم في المسيح يسوع بكونه الله الحقيقي لمواجهة الأريوسية:

    "تعالى يا مخلص العالم!

    اظهر ميلادك من البتول!

    ليعجب العالم كله من ميلاد كهذا يليق بالله!"

    4- النسطورية:

    وقف القديس كيرلس السكندري في بازيليكا والدة الإله (عام 431) يتحدث أمام آباء مجمع أفسس، قائلا:

    "السلام لمريم والدة الإله، كنز العالم كله الملوكي، المصباح غير المنطفئ، إكليل البتولية، صولجان الأرثوذكسية، الهيكل غير المفهوم، مسكن غير المحدود، السلام لك، يا من حملت غير المحوي في أحشائك البتولية المقدسة".

    في الحقيقة الصراع الذي قام بين القديس كيرلس الإسكندري ونسطور لم يقم أساسا حول لقب القديسة مريم "الثيؤتوكوس" بل حول شخص السيد المسيح نفسه وأننا نستطيع أن نلخص الظروف التي دفعت القديسة كيرلس ليدخل هذا النزاع هكذا.

    في العاشر من شهر أبريل عام 428م رسم نسطور الكاهن بإنطاكية وتلميذ تيؤدور أسقفا على القسطنطينية. وقد أعتاد أن يستخدم لقب خريستوكوس (والدة المسيح) للقديسة مريم وليس "ثيؤتوكوس"، لكن ملامح المعركة وضحت تماما عندما قام أحد كهنته يسمى أنسطاسيوس الذي جاء به من أنطاكية يعظ أمامه في ديسمبر عام 428 م قائلا:

    "ليته لا يسمي أحد مريم " ثيؤتوكوس"، لأن مريم لم تكن إلا امرأة، ومن المستحيل يولد الله من امرأة".

    وقد أكد نسطور نفسه هذا التعليم علانية، مقدما في عظاته تمييزا بين الإنسان يسوع المولود من مريم وابن الله الذي سكن فيه. في رأيه يوجد شخصان في المسيح: ابن مريم وابن الله، اتحدا معا اتحادا معنويا ولا أقنوميا. فالمسيح لا يسمى " الله" بل حامل الله " ثيؤبورون" على نفس المستوى الذي دعي إليه القديسون بالنعمة الإلهية التي توهب لهم هكذا فإن مريم لم تكن أما الله بل للإنسان يسوع الذي سكن فيه الله الرأس.

    انتقد نسطور وأتباعه المجوس لأنهم سجدوا أمام الطفل يسوع، ونادوا بأن اللاهوت قد أنفصل عن الناسوت في لحظة الصلب.

    بلغ ذلك إلى مسامع القديس كيرلس بابا الإسكندرية، فانتهر فرصة كتابة الرسالة الفصحية السنوية عام 429م ليكتب دون أي تلميح إلى شخص نسطور مؤكدا التعليم الخاص بالتجسد في عبارات واضحة وبسيطة، موضحا اتحاد ناسوت السيد المسيح الحقيقي الحقاني الكامل بلا هوته في الشخص الإلهي الواحد.

    وبعد أربعة شهور كتب رسالة أخرى إلى الرهبان في ذات الشأن بلغت هذه الرسائل مسامع نسطور فأثارت غضبه جدا، وطلب من شخص يسمى Photius أن يجيب عليها.

    أرسل القديس كيرلس إلى نسطور رسالتين يوضح فيهما طبيعة السيد المسيح كابن الله المتجسد، شخص واحد... معلنا أنه الله من حق القديسة مريم أن تدعى " ثيؤتوكوس".

    وفي رسالته الثانية كتب هكذا:

    "لسنا نقول بأن الكلمة صار جسدا بالتحول، فهو لم يتحول إلى إنسان كامل بنفس وجسد، بل الحرى أتحد الكلمة أقنوميا بطريقة غير موصوفة ولا مدركة بالجسد الحي بنفس عاقلة، وهكذا صار إنسانا ودعي ابن الإنسان...

    كما أنه لم يولد أولا من العذراء القديسة كإنسان عادي وبعد ذلك نزل عليه

    " الكلمة"، الحرى أتحد " الكلمة" بالجسد في الأحشاء ذاتها...

    لهذا السبب دعي " الآباء القديسون" بثقة العذراء القديسة " ثيؤتوكوس"، لا بمعنى أن طبيعة الكلمة أو اللاهوت قد تقبل بدءا جديدا من العذراء القديسة، بل يقال أنه ولد منها حسب الجسد مادامت نفسه العاقلة التي تحيي الجسد أتحد بها الكلمة أقنوميا مولودا منها.

    هكذا كتب إليك بدالة الحب التي لي في المسيح، متوسلا إليك كأخ محملا إياك المسئولية أمام السيد المسيح وملائكته المختارين أن تفكر وتعلم معنا هكذا لحفظ سلام الكنائس ورباط الحب والمودة القائم بين كهنة الله".

    بعد هذا أنعقد مجمع محلي بالإسكندرية بعث رسالة مجمعية إلى نسطور يوضح ذات التعاليم التي وردت برسائل القديس كيرلس، مذيلة بما يسمى " الأثنى عشر بندا أو الأثنى عشر حرمانا".

    جاء في الحرمان الأول: "من لا يتعرف بأن عمانوئيل هو الله حقا، وبالتالي فإن القديسة العذراء هي " الثيؤتوكوس" إذ ولدت كلمة الله المتجسد حسب الجسد فليكن محروما".

    وفي الثاني والعشرين من شهر يونيو عام 431م انعقد المجمع المسكوني الثالث بأفسس تحت رئاسة البابا كيرلس، الذي جرد نسطور من الكهنوت وحرمه، كما قرأت الرسالة التي وجهها القديس كيرلس لنسطور، ووافق على الحر ومات الأثنى عشر، وأدان المجمع رأى نسطور في شخص السيد المسيح، وثبت بكل وقار لقب "الثيؤتوكوس".



    أمومة القديسة مريم والتجسد:

    لخص الأب يوحنا الدمشقي عقيدتنا في الثيؤتوكوس بقوله " هذا الاسم يحوي كل سر التجسد..."

    كما أعلن القديس غورغوريوس النزينزي ضرورة إعطاء القديسة مريم حقها في الأمومة كنتيجة لعقيدتنا في التجسد الإلهي، قائلا:

    "من لا يقبل القديسة مريم بكونها " الثيؤتوكوس" يقطع من اللاهوت.

    من يقول بأن السيد المسيح عبر في العذراء كما في قناة، ولم يتشكل بطريقة تحمل لاهوتيته كما ناسوتيته أيضا، فهذا يحسب شريرا.

    من يقول بأن السيد قد تشكل فيما بعد بسكنى الله فيه، فهذا يدان.

    من يتحدث عن ابن الله الآب بكونه آخر غير ابن مريم، وليس هو شخص واحد، فهو محروم من شركه التبني".

    حقا لم تعطى القديسة مريم ابنها شخصيته اللاهوتية أو طبعه الإلهي أثناء التجسد ومع ذلك فكما يقول القديس كيرلس هذا لا يقلل من حقها في التمتع بلقب "والدة الإله". فإن الأمهات الأخريات أيضا لا يهبن أولادهن نفوسهم ولا شخصياتهم ومع ذلك فهن أمهات حقا، ولسن أمهات للتجسد وحده، بل للشخص نفسه المخلوق بواسطة الله الحي في هذا التجسد. هكذا القديسة مريم هي أم يسوع الذي هو نفسه الله.

    لقد تسائل البعض:

    لماذا اختار كلمة الله أن يولد من امرأة (غلا 4: 4)؟ ولم ينزل من السماء بغير جسد بشري أو على الأقل كان قد حمل جسدا سماويا من صنع يدي الله مباشرة (دون ولادته من امرأة)؟.

    1- إذ أخذ جسدا في أحشاء العذراء مريم صار كلمة الله ليس فقط أنسانا وأنما عضوا في الجنس البشري من نسل آدم، من ذرية إبراهيم، من سبط داود الملوكي. خلال بنوته الحقيقية للقديسة مريم ربط نفسه بحقيقة وجودنا المتواضع.

    بمعنى أخر، خلال أمومة القديسة مريم سرى دمنا في عروقه حتى يسفكه غفرانا لخطايانا.

    2- خلال أمومة العذراء لله أتحد الجانبان معا ليتصالحا: الله والإنسان. فقد أراد أن يخلصنا كرئيس كهنة كامل ووسيط بدخوله إلينا، كأخ لنا، وليس كغريب عنا.

    3- يقرر القديس أوغسطينوس بأنه لو أن ابن الإنسان رفض التجسد في أحشاء العذراء، ليأست النسوة ظانات أنهن خليقة فاسدة. فخلال بنوته للقديسة مريم أعاد لهذا الجنس كرامته وأعلن صلاح كل الخليقة.



    أمومتها وكلمة الله:

    يقول القديس أغسطينوس: "حبلت به مريم في ذهنها قبل أن تحبل به في جسدها".

    حقا مطوبة هي القديسة مريم لأنها قد اختيرت أما كلمة الله، لكنه قبل أن تحبل به جسديا حملته روحيا بالإيمان. فقد كانت مثالية في سماعها " الكلمة"، والإنصات لها وأطاعتها، وحفظها متفكرة بها في قلبها. لهذا يقول القديس أوغسطينوس: "أمومة مريم ما كانت بذي فائدة لها لو لم تحمل السيد المسيح في قلبها بفرح".



    أمومة النفس للسيد المسيح:

    القديسة مريم كوالدة الإله تمثل الكنيسة التي يحمل أعضاؤها الله روحيا في قلوبهم. هكذا يتطلع أباء الكنيسة القديسون إلى الحياة الروحية للمسيحي بعد عماده كحالة نمو للمسيح نفسه في داخل قلوبهم التي تتسم بالأمومة.

    + كما يتشكل الطفل في الرحم، هكذا يبدو لي أن كلمة الله يتشكل في قلب النفس التي تقبل نعمة المعمودية لتدرك في داخلها كلمة الإيمان الأكثر مجدا والأكثر وضوحا.

    + يبدو أنه من الخطأ أن نتحدث عن تجسد ابن الله من القديسة العذراء ولا نشير إلى تجسده أيضا في الكنيسة... إذ يليق بكل واحد منا أن يعرف مجيء ابن الله في الجسد بواسطة العذراء الطاهرة، وفي نفس الوقت أن يدرك مجيئه بالروح في كل واحد منا.

    العلامة أوريجانوس



    + ما حدث لمريم التي بلا عيب حين أشرق فيها كمال اللاهوت الذي في المسيح يتحقق في كل نفس تمارس البتولية كمنهج لها.

    حقا لا يعود يأتي السيد ليحل حلولا جسديا "فإننا لسنا نعرفه بعد حسب الجسد" "2 كو 5: 6"

    إنما يسكن فينا روحيا ويحضر معه أباه كما أخبرنا في الإنجيل في موضع آخر.

    + جاء هذا الميلاد من الله، وهو يتحقق في كل وقت فيه يحبل بخلود الروح في قلب الإنسان الحي، فليعطى ميلادا للحكمة والعدل والقداسة والنقاوة الكاملة.

    بهذا يستطيع كل مسيحي أن يصير أما لذلك الذي هو جوهريا في كل شيء، إذ يقول ربنا نفسه " من يصنع مشيئة أبي الذي في السماوات فهذا هو أمي" (مر 3: 25، متى 12: 5).

    القديس غريغوريوس أسقف نيصص

    + (كل مسيحي) يحبل بالله في قلبه.

    القديس أوغسطينوس

    + تستطيع أن تكون أما للرب على مثال الطوباوية مريم التي استحقت بطهارة كهذه أن تكون أما لله.

    القديس جيروم
    + ينادى على النفس التي تبدأ في الاتجاه نحو السيد المسيح هكذا:

    " يا مريم "، أي تتقبل اسم المرأة التي حملت به في أحشائها، إذ تلده النفس بمفهوم روحي.

    + أحرص أن تتمم مشيئة الآب لكي تكون أما للمسيح " مر 3: 35"

    القديس أمبروسيوس
    + من يبشر بالحق يحسب فوق كل شيء أما للمسيح، إذ يلد ربنا الذي يحضره في قلوب سامعيه. يصير أما للمسيح إذ يوحي بحب ربنا في روح قريبة خلال كلماته له.

    البابا غريغوريوس
    + اسمعوا هذا يا رعاة الكنائس يا رعاة الله، ففي هذا الوقت يأتيكم الملاك مبشرا أياكم: أنه ولد لكم اليوم وفي كل يوم المسيح الرب!.

    العلامة أوريجين
    + الكنيسة في حالة تمخض إلى أن يتشكل المسيح ويولد داخلنا، فكل قديس يتمتع بشركة مع المسيح كأنما يولد المسيح فيه من جديد!.

    ميثودوسيوس



    حواؤنا الجديدة

    السلام للقديسة مريم، أم جميع الأحياء. نطلب إليك أن تشفعي فينا!

    ثيؤتوكية الثلاثاء



    اعتادت الكنيسة أن تلقب القديسة مريم "أم جميع الأحياء" و"أم الحياة الجديدة" و"حواء الثانية". فإن كانت حواء فقدت المعنى اللائق باسمها كأم كل حي (تك 3: 20)، إذ خلال عصيانها جلبت على أولادها الموت عوض الحياة وصارت "أم كل ميت"، فإن ابنتها القديسة مريم قد احتلت مركزها من خلال أيمانها وطاعتها وأتضاعها، وهكذا صارت بالروح القدس أم "الحياة"، تقدم لأبناء آدم "شجرة الحياة" ليأكلوا ويحيوا إلى الأبد.

    هذا وقد صارت القديسة مريم خلال التجسد أما لا للرأس فقط بل ولأعضاء جسده السري كقول القديس أغسطينوس، وهكذا تقبلت أمومة جامعة"للكنيسة".

    خلال هذا المفهوم يتطلع الآباء القديسون إلى أحشاء البتول كحجال العرس، فيه التقى العريس السماوي بعروسه أي الكنيسة الجامعة، متحدا بها. ففي هذه الأحشاء قبلنا السيد المسيح ابنها عريسا لنا وأخا بكرا، فقبلناها أما له ولنا.

    فيما يلي مقتطفات من أقوال الآباء عن اتحادنا بالعريس ابنها داخل أحشائها، فصارت أما لنا:

    + ارتبط الكلمة بالجسد،

    تزوج الكلمة بالجسد،

    وصارت أحشائك حجال هذه الزيجة السامية.

    إنني أكرر أن أحشائك هي حجال هذه الزيجة العلوية التي للكلمة مع الجسد، حيث" يخرج العريس من خدره"...

    القديس أغسطينوس

    + أعد الله الآب لله الابن عرسا،

    فحين كان في أحشاء البتول اتحد مع الناسوت،

    حيث أراد الله الكائن قبل كل الدهور أن يصير في أواخر الدهور إنسانا...

    هكذا ضم الكنيسة المقدسة إلى نفسه خلال سر التجسد...

    والآن فإن أحشاء العذراء الأم صارت خدر هذا العريس، إذ يقول المرتل: "جعل من الشمس مظلته، مثل العريس الخارج من خدره" (مز 68: 6)

    فقد كان بالحقيقة خارجا من خدره كالعريس من خدره موحدا الكنيسة إلى نفسه، خرج الإله المتجسد من رحم العذراء دائم البتولية.

    البابا إغريغوريوس

    هذه العلاقة التي قامت بين حواء الجديد وكل المؤمنين خلال التجسد قد أعلنت رسميا بواسطة آدم الثاني وهو على الصليب، إذ قال لحواء خلال الجديدة " يا امرأة هوذا ابنك"، وقال لمؤمنيه "يا يوحنا هوذا أمك". خلال الصليب تقبلنا حواؤنا الجديدة من أيدي الله! في هذا يقول العلامة ترتليان: " الله يعلم أنه ليس حسن للرجل أن يكون وحده، هو يعلم أنه جيد للرجل أن يكون له امرأة، ألا وهي مريم وبعد ذلك الكنيسة".

    لقد تقبلنا القديسة مريم حواؤنا فنقول لإلهنا مع آدم: "المرأة التي أعطيتني معينة لي، حوا الجديدة، أعطتني، لأكل من شجرة الحياة، أي من صليب أبنها".

    هذا ويرى العلامة أوريجانوس أن كل إنسان كامل يقدر أن يتسلم مع القديس يوحنا من الابن المصلوب القديسة مريم أما له، شارحا الكلمات: " هوذا ابنك" هكذا "الإنسان الكامل لا يعيش فيما لنفسه وحده بل يحيا المسيح أيضا فيه، ومادام المسيح فيه، لهذا يقال عنه لمريم: هوذا، ابنك المسيح!".



    المقارنة بين حواء والقديسة مريم

    ربما يعود أصل المقارنة بين حواء والقديسة مريم إلى بابياس أسقف هليوبوليس بآسيا الصغرى في أواخر القرن الأول الميلادي. ويعتبر القديس يوستين في القرن الثاني الميلادي هو الذي جذب الأنظار إلى هذه المقارنة في محادثاته مع ترفو Trypho، إذ يقول: ["صار (ابن الله) إنسانا بواسطة العذراء، حتى يمكنه أن يمحو المعصية التي كانت بإيحاء الحية، وذلك بنفس الطريقة التي نبعت منها هذه المخالفة... فحواء التي كانت عذراء وغير دنسة إذ حملت كلمة الحية داخلها أنجبت عصيانًا وموتًا، أما مريم العذراء إذ امتلأت بالإيمان والفرح ما أعلنه الملاك جبرائيل لها في البشارة بأن الروح القدس يحل عليها وقوة العلي تظللها والقدوس المولود منها يدعى ابن الله، وأجابت: ليكن لي كقولك (لو 1: 35)...] واضح في هذه المقارنة أن القديس يوستين ركز لا على القديسة مريم بل على المولود منها.

    وقام القديس ايريناؤس (حوالي عام 172) بتطوير هذه المقارنة، إذ صبها في قالب لاهوتي قائلاً: [مع أن حواء كان لها زوج هو آدم كانت لا تزال عذراء، بعصيانها صارت سبب الموت لنفسها ولكل الجنس البشري، هكذا مريم أيضا وهي لها رجل مخطوبة وكانت عذراء عندما قدمت الطاعة صارت سبب الخلاص لنفسها ولكل الجنس البشري... هكذا انحلت العقدة التي سببتها عدم طاعة حواء بطاعة مريم. ما قد ربطته العذراء حواء شديدًا بعدم إيمانها، حلته العذراء مريم بالإيمان...] هكذا يبرز القديس ايريناؤس ما للقديسة مريم من دورٍ في خطة الله لخلاصنا، إذ قدمت الخضوع الكامل لله بكامل حريتها، قدمت الطاعة النابعة من الإيمان.

    هكذا وقد دعاها القديس " شفيعة حواء" أو "المحامية عنها" إذ يقول: [بينما خالفت حواء الله، أطاعت مريم الله، لتصير العذراء مريم محامية أو شفيعة للبتول حواء.]

    وبنفس المنهج كتب ترتليان في كتابه "جسد المسيح": [زحفت كلمة الشيطان إلى العذراء حواء لكي تقيم شرخا للموت، ودخل كلمة الله إلى العذراء ليقيم بناء الحياة. ما فقدناه بواسطة الجنس، أعيد إلينا بواسطة ذات الجنس وأنقذ الموقف. حواء صدقت الحية، ومريم صدقت جبرائيل. ما أفسدته الواحدة بعدم الإيمان استردته الأخرى بالإيمان... لهذا أرسل الله إلى أحشاء العذراء كلمته الذي هو أخانا البكر حتى يٌمحي تذكار الشر...]

    ويشير العلامة أوريجينوس إلى القديسة مريم بكونها قد أعادت الكرامة لجنس المرأة، هذه التي فقدتها خلال خطية حواء. في هذا وجدت المرأة خلاصها بولادة البنين (تي 2: 15). كما يقول أيضًا: ["الفرح الذي بوق به جبرائيل لمريم نزع حكم الحزن الصادر من الله ضد حواء.] [كما بدأت الخطية بالمرأة وبعد ذلك عبرت إلى الرجل، هكذا بدأت البشارة بالنسوة (مريم واليصابات).]

    وقام القديس ايريناؤس (حوالي عام 172) بتطوير هذه المقارنة، إذ صبها في قالب لاهوتي قائلاً: [مع أن حواء كان لها زوج هو آدم كانت لا تزال عذراء، بعصيانها صارت سبب الموت لنفسها ولكل الجنس البشري، هكذا مريم أيضا وهي لها رجل مخطوبة وكانت عذراء عندما قدمت الطاعة صارت سبب الخلاص لنفسها ولكل الجنس البشري... هكذا انحلت العقدة التي سببتها عدم طاعة حواء بطاعة مريم. ما قد ربطته العذراء حواء شديدًا بعدم إيمانها، حلته العذراء مريم بالإيمان...] هكذا يبرز القديس ايريناؤس ما للقديسة مريم من دورٍ في خطة الله لخلاصنا، إذ قدمت الخضوع الكامل لله بكامل حريتها، قدمت الطاعة النابعة من الإيمان.

    هكذا وقد دعاها القديس " شفيعة حواء" أو "المحامية عنها" إذ يقول: [بينما خالفت حواء الله، أطاعت مريم الله، لتصير العذراء مريم محامية أو شفيعة للبتول حواء.]

    وبنفس المنهج كتب ترتليان في كتابه "جسد المسيح": [زحفت كلمة الشيطان إلى العذراء حواء لكي تقيم شرخا للموت، ودخل كلمة الله إلى العذراء ليقيم بناء الحياة. ما فقدناه بواسطة الجنس، أعيد إلينا بواسطة ذات الجنس وأنقذ الموقف. حواء صدقت الحية، ومريم صدقت جبرائيل. ما أفسدته الواحدة بعدم الإيمان استردته الأخرى بالإيمان... لهذا أرسل الله إلى أحشاء العذراء كلمته الذي هو أخانا البكر حتى يٌمحي تذكار الشر...]



    وفي القرن الرابع يشير زينون أسقف فيرونا إلى هذه المقارنة بعرض جديد: [جرح الشيطان حواء وأفسدها، زاحفا بخداعه إليها خلال أذنها، هكذا بدخول السيد المسيح إلى أذن مريم تخلصت من كل رذائل القلب. لقد شفي جرح المرأة عندما ولد من العذراء.]

    أما القديس مار أفرام السرياني الذي قال [أن قيثارة الروح القدس هذه لن تبعث لحنًا أعذب مما تصدره حين تتغنى بمديح مريم.] فقد أعطي لهذه المقارنة بين حواء والقديسة مريم تطورًا جديدٍا، إذ يقول: [استترت حواء في بتوليتها بأوراق العار. أما أمك (القديسة مريم) فلبست في بتوليتها ثوب المجد الذي يكفي الجميع. قدمت قطعة من الملابس (الجسد) لذاك الذي يكسو الجميع.] [بالعين رأت حواء جمال الشجرة، فتشكلت مشورة القاتل (الشيطان) في ذهنها... أما مريم فبالأذن أدركت غير المنظور الذي جاءها خلال الموت. لقد حملت في أحشائها القوة التي جاءت إلى جسدها.]

    كما يقول أيضا:

    "لتصغ حواء أمنا الأولى، ولتقترب إلى.

    لترفع رأسها التي انحنت بالعار الذي لحق بها وهي في الجنة.

    لتكشف عن وجهها وتشكرك، لأنك نزعت عنها ارتباكها!

    لتحمل صوت السلام الكامل فإن ابنتها دفعت الدين عنها"

    "الحية وحواء حفرا قبرا وألقيا بآدم المخطئ في الجحيم، أما جبرائيل فجاء وتكلم مع مريم،.



    هكذا فتح السر الذي به يقوم الأموات من جديد".

    "مريم هي جنة عدن التي من الله،

    ففيها لا توجد حية تضر...

    ولا حواء التي تقتل...

    إنما نبع فيها شجرة الحياة التي أعادت المنفيين إلى عدن".

    أخيرا فقد تكررت نظرة هؤلاء الآباء في كتابات القديسين أمبروسيوس وجيروم وأوغسطينوس وأبيفانيوس أسقف سلاميس وغيرهم، نقتبس منها العبارات التالية:

    + دعيت حواء أم الجنس البشري أما مريم فهي أم الخلاص.

    القديس أمبروسيوس
    + بعد أن حملت العذراء وولدته لنا... انحلت اللعنة.

    جاء الموت خلال حواء والحياة خلال مريم.

    القديس جيروم

    + مريم اشتملت في حواء، لكننا عرفنا حقيقة حواء فقط، عندما جاءت مريم

    القديس أوغسطينوس
    + تطلعت مريم إلى حواء وإلى أسمها ذاته "أم كل حي، كشارة سرية عن المستقبل، لان "الحياة" نفسه ولد من مريم، وهكذا صارت "أم كل حي"

    لا نستطيع أن نطبق العبارة "أضع عداوة بينك وبين المرأة" تك3: 15 على حواء وحدها، أنما بالحقيقة تحققت عندما ولد القدوس الفريد من مريم بغير زرع بشر".

    القديس ابيغانيوس أسقف سلاميس
    + وجدت المرأة شفيعتها في المرأة.

    القديس أغريغوريوس النيصي



    الممتلئة نعمة

    سر الفرح:

    في البشارة حيا الملاك جبرائيل القديسة مريم بهذه الكلمات:

    " السلام (شيريه) لك أيتها الممتلئة نعمة، الرب معك، مباركة أنت في النساء".

    لم تكن هذه بالتحية العادية كقول "يوم سعيد"، ولا حملت معنى "سلام" أو "شالوم"، إنما حملت كمال معنى الفرح. فإن الكلمة اليونانية لسلام هنا "شيريه". وقد ورد الفعل (شيرو) في الترجمة السبعينية للعهد القديم حوالي ثمانين مرة، ترجم نصفها "يفرح"، والنصف الآخر استخدم للتعبير عن فرح شعب الله بعمل مثير يمس خلاصهم.

    استخدم بعض أنبياء العهد القديم ذات التحية موجهة إلى "ابنة صهيون" يسألونها أن تفرح جدا بل وتصرخ علانية، معلنين لها الخلاص الذي يتحقق بواسطة المسيا.

    "ترنمي يا ابنة صهيون، اهتفي...

    افرحي (شيري) وابتهجي من كل قلبك يا ابنة أورشليم.

    الرب إلهك في وسطك جبار، يخلص..."

    صفنيا 3: 14، 17

    "ابتهجي (شيريه) جدا من كل القلب والنفس يا ابنة صهيون
    هوذا ملكك يأتيك... ويسكن في وسطك" زكريا 9: 9

    هوذا الملاك يحيى ابنة صهيون الحقيقية، القديسة مريم، ويدعوها إلى فرح قلبي داخلي،سره سكني المسيا، مخلصها وإلهها، في داخلها، فقد تمتعت بالأمومة لابن الله. يتجلى سر فرح القديسة مريم الذي نالته في لحظات التجسد بكل وضوح في الليتورجيات القبطية وتسابيحها وفنونها، الأمر الذي تعود إليه في الفصل الأخير.



    قداستها:

    ارتبطت فكرة قداسة القديسة مريم في ذهننا بأمومتها لله كما ارتبطت بدوام بتوليتها وصداقتها للمؤمنين وموقفها كرمز للكنيسة المقدسة.

    رأينا أن أمومة مريم لله إنما جاءت ثمرة تزاوج نعمة الله المجانية مع خضوع (مريم) المؤمنة وطاعتها لله. فقد تدخل الله بطريقة معجزيه لتحقيق التجسد الإلهي كعطية مجانية يهبها الله للناس (لو 1: 28-35) بهذه النعمة الإلهية المجانية اقتنت القديسة مريم كمالا (قداسة) للروح والجسد يهيئها لاستقبال السيد في أحشائها. قدستها نعمة الله وصيرتها قدس أقداس حقيقي يسكنه الله، سماء ثانية، أما للحياة والنور والواحد القدوس.

    هكذا خضعت العذراء – باسم البشرية- لرسالة الله وعمله (لو 1: 38)

    أما في لحظات التجسد فتقبلت القديسة مريم كمالا فريدا تحقق بحلول ابن الله واهب النعمة.

    + انفردت بدعوتها" الممتلئة نعمة"، إذ وحدها نالت النعمة التي لم يقتنيها أحد غيرها، إذ امتلأت بواهب النعمة.

    القديس أمبروسيوس

    + افرحي أيتها الممتلئة نعمة!

    يتنعم البشر، كل بنصيب من النعمة، أما مريم فنالت النعمة بكل فيضها

    الأب بطرس خريسولوجيس

    + حملت مريم (النار) في يديها،

    واحتضنت اللهيب بين ذراعيها.

    أعطت اللهيب صدرها كي يرضع،

    وقدمت لذاك الذي يقوت الجميع لينها.

    من يستطيع أن يخبر عنها؟!

    القديس أفرام السرياني


    + التحفت بالنعمة الإلهية كثوب،

    وامتلأت نفسها بالحكمة الإلهية،

    في القلب تنعمت بالزيجة مع الله،

    وتسلمت الله في أحشائها.!

    الأب ثيؤدوسيوس أسقف أنقرة



    تتأكد هذه الفكرة أي الارتباط بين قداسة مريم وأمومتها بشكل واضح في الألحان القبطية تعطيها أسماء كثيرة توضح قداسة الثيؤتوكوس

    + السلام (الفرح) للسماء الجديدة، التي أشرق منها شمس البر، رب كل البشرية!



    + السلام (الفرح) لمريم،

    الحمامة الحسنة،

    التي ولدت لنا الله الكلمة!

    أسبوع الآلآم

    + صرت أعلى من السماء،

    ومكرمة أكثر من الأرض وكل الخليقة التي عليها،

    إذ صرت أما للخالق.



    + ليس من يشبه والدة الإله، فإنك وأنت تسكنين الأرض أما للخالق.

    (بارالكس) لحن البركة



    2- ارتبطت قداسة العذراء بدوام بتوليتها، كما ظهر ذلك بوضوح في مقالات آباء الإسكندرية عن البتولية.

    أما القديس أمبروسيوس فيقول: كانت بتولا لا بالجسد فحسب بل بالروح أيضا، فإن نقاوة ذهنها لم يمسها أي خداع!

    3- يشعر المؤمن الأرثوذكسي بقداسة مريم لا بوحي تعاليم تسليمها من الكتب بل ثمرة طبيعية لصداقة شخصية ارتبط بها مع القديسة خلال حياته اليومية، فالقبطي المؤمن يشعر بالقديسة أما له، الملكة القديسة التي في السماء تسأل عن خلاصه. هي الأم القديسة التي تتوق إلى قداسة أبنائها.

    4- أخيرا تحسب مريم كقديسة بكونها "ابنة صهيون" الممتلئة نعمة، ترمز للكنيسة المقدسة. هي مثال لعرس المسيح، جسده السري والكيان الروحي الذي أسسه الرب وملاه بالروح القدس.


    القديسة مريم والخطايا الفعلية
    اعتقد بعض الآباء مثل ايريناؤس وأوريجينوس ويوحنا الذهبي الفم أن القديسة مريم لم تعش بغير خطايا فعلية، لكن آرائهم لا تمثل التقليد المريمي المتسع في الكنيسة الأولى.
    تعتقد الكنيسة في قداسة مريم الفريدة في نوعها التي تفوق الخليقة السماوية، حتى الشاروبيم والسيرافيم. لقد أمضت حياتها في قداسه كتابوت العهد الحقيقي المصنوع من خشبٍ لا يسوس، مغطى بالذهب من الداخل والخارج.
    فيما يلي بعض مقتطفات لكتابات بعض الآباء في هذا الشأن:
    v إكراما للرب لا أقبل سؤالاً واحدًا يمس موضوع الخطية بخصوص القديسة مريم العذراء.
    القديس أغسطينوس
    v كيف أقدر بالألوان العادية أن أرسم صورة هذه العجيبة الجميلة...

    مكرمة جدا وممجدة هي صورة جمالها...

    عاشت حكيمة ومملوءة حبا لله...

    لم تتدنس قط بشهوات رديئة، بل صارت في استقامة منذ طفولتها في الطريق الحق بغير خطأ أو تعثر!

    القديس يعقوب السروجي

    v جاء كلمة الآب من حضن الآب،

    وفي حضن آخر لبس جسدًا،

    جاء من حضن إلى حضن.

    امتلأ الحضنان النقيان به.

    مبارك هو هذا الذي يسكن فينا!

    القديس أفرام السرياني

    القديسة مريم والخطايا الأصلية
    إذ تعمقت جذور محبة الكنيسة الأرثوذكسية للقديسة مريم تتطلع إليها بكونها أكثر قداسة من كل الخليقة السماوية لكنها في نفس الوقت هي عضو طبيعي في الجنس البشري. فنحن لا نعزلها عن البشرية، مدعين أنها ولدت بغير الخطية الجدية، كما لو كانت ليست من زرع بشري.

    هذه هي الحقيقة التي أعلنتها الثيؤتوكية التالية:

    " يا لغنى الله وحكمته،

    الرحم الذي تحت الحكم أنجب أولادا بغير ألم المخاض،

    صارت ينبوع الخلود،

    أنت عمانوئيل بغير زرع بشر،

    ليحطم فساد طبيعتنا".

    هكذا تضع الكنيسة حدا فاصلا بين حياة القديسة قبل لحظة التجسد (كابنة آدم الوارثة للحكم)، وبعدها (تقدست بالكمال للتجسد الإلهي)، ففي ثيؤتوكية أخرى نقول:

    "الروح القدس ملآك تمامًا،

    ملأ كل جزء في جسدك ونفسك،

    يا مريم والدة الإله!"

    أعلنت القديسة مريم بنفسها فرحتها بالله مخلصها، إذ كانت هي أيضا محتاجة للخلاص. في هذا يقول القديس أمبروسيوس:

    "إذ أراد الرب أن يخلص العالم بدأ عمله بمريم، حتى أنه خلال الخلاص الذي أعد للجميع، تكون هي الأولى تنعم بثمرة الخلاص المقدم بواسطة الابن[1]".

    ويقول القديس أغسطينوس:

    "من آدم خرجت مريم، التي ماتت بسبب الخطيئة.

    آدم مات بسبب الخطيئة.

    أما جسد الرب النابع عن مريم فمات ليحطم الخطيئة[2]".

    أخيرا فإن هذا المفهوم الأرثوذكسي حفظ كنيستنا بعيدا عن كل مبالغة أو خلط بين ما يخص السيد المسيح وأمه. فإننا لا نجد لاهوتي أرثوذكسي يدعو القديسة مريم "شريكة في الخلاص coredemptrix كما لا نقدم لها بعبادة بل تكريمًا ومديحًا...

    بمعنى آخر في الكنيسة الأرثوذكسية يوجد حد فاصل بين المسيح والقديسة مريم أمه، فلا ينسب لها ما يخص السيد المسيح.



    شفيعتنا

    مفهوم الشفاعة:

    في كنيستنا الأرثوذكسية لا يمكن أن نقبل وسيطا بين الله والناس غير يسوع المسيح، الذي وحده رئيس الكهنة بالسماويات وذبيحة الفداء إذ بدمه ننال المصالحة وغفران الخطايا، وليس أحد آخر تحت السماء غير أسم "يسوع المسيح" به يمكن أن نخلص (أع 4: 12).

    تسائل البعض: إن كان هذا هو فكر الكنيسة فكيف نجد في طقوسها المؤمنين يسألون شفاعة العذراء ويطلبون صلوات القديسين؟ هل يوجد نص إنجيلي يتفق مع شفاعة القديسين؟

    نجيب قائلين أن الإنجيل في روحه ونصوصه غايته الدخول بالإنسان إلى

    "الحياة الإلهية" أي حياة الحب الإلهي، حيث يتخلى الإنسان عن ذاتيته لكي يقدم بالروح القدس حياته كلها مبذولة من أجل خلاص اخوته. بمعنى آخر، الحياة الإنجيلية هي حياة وساطة، حيث يشتهي الإنسان أن يعمل ويصلي لكي يرى الكل في أحضان الله ممجدين.

    هذه هي الشفاعة!! كلما اقتربت النفس إلى الله في اتحاد أعمق مع يسوع المسيح التصقت بالحب نحو الآخرين، تصلي عنهم وتطلب خلاصهم؟

    هذا ما عناه القديس مقاريوس الكبير حين قال أنه لا خلاص للإنسان خارج اخوته فعلينا جميعا، كل منا يصلي عن الآخر. الأباء وهم ينصحون أولادهم يستجدون خلاصهم مصلين من أجلهم. وكما قال القديس بولس مرة أننا مساعدو الله، كل منا وسيط بطريقة ما شفيع من أجل النعمة للآخرين...

    إن عدنا لربنا يسوع المسيح نفسه نراه يكرم شفاعة الناس وتوسلاتهم عن الآخرين، فيشفي المفلوج من أجل إيمان حامليه (متى9: 2)، ويبرئ غلام قائد المئة من أجل طلبات القائد، وينقذ ابنة الكنعانية من الأرواح الشريرة من أجل صرخات أمها... أن الرب الذي يحبنا بلا مقابل يود أن يرانا على مثاله نحب الآخرين ونطلب عنهم أكثر مما لأنفسنا.

    هذا من جانب أما الجانب الآخر الملازم للأول فهو أن الحب الإنجيلي حب عملي يحمل اتضاعا صادقا، فنشعر أننا لسنا أهلا للصلاة عن أخواتنا بل بالحري نطلب نحن صلواتهم عنا. فالقديس بولس وهو يعلم أنه مدعو من الله نفسه لخدمة الكلمة برؤى وإعلانات يطلب صلوات شعبه لكي يعطيه الرب كلمة عند افتتاح فمه... فهل كان الرسول بلا دالة عند الله ليعطيه كلمة الكرازة؟! إنما يطلب ذلك بروح إنجيلي، روح شركة الحب والأتضاع!

    مرة أخرى نتسائل: إن كانت الوساطة البشرية في مجمع القديسين قائمة فعلا حتى على الأرض خلال نعمة ربنا يسوع المسيح، كم بالأكثر هؤلاء الذين دخلوا الفردوس لا يكفوا بالحب عن الصلاة من أجل أخوتهم؟! إن كانوا وهم على الأرض في ثقل الجسد يطلبون عن الآخرين كم بالأكثر حين يلتصقون بالحب ذاته تزداد صلواتهم عمقا وقوة، سائلين الله من أجل خلاص العالم!

    باختصار، الشفاعة في مفهومنا الأرثوذكسي لا تحمل أى عبادة للقديسين بل بالحري تؤكد عمل الله الخلاصي في كنيسته وفاعليته في حياة كل عضو، إنها كشف عن وحدة الكنيسة كأعضاء جسد واحد يتألم العضو لآلآم الآخرين ويفرح ويسر بمجد أخيه.



    سر شفاعتها:

    أن كان حديثنا السابق عن الشفاعة بوجه عام ماذا بالأكثر تكون قوة صلاة والدة الإله من أجل أولادها وأخوتها... طالبة خلاص الجميع.

    لقد رأينا العذراء مريم وقد نالت الأمومة لابن الله المتجسد منها، فصارت أما لكل جسده الذي هو الكنيسة... هذه الأمومة ليست لقبا فخريا بل مسئولية عمل دائم. هذا ما أكده الروح القدس كما تنبأ سمعان الشيخ قائلا: "وأنت أيضا يجوز في نفسك سيف" لو2: 35. أمومة العذراء مريم التي قامت أولا على أساس نعمة الله المجانية التي اختارها من بين البشر والتي تأكدت بإيمانها في كلمة الله ووعوده، وثبتتها باتضاعها وحفظها للوصية الإلهية... جعل منها عضوا يفوق كل عضو في جسد المسيح، يشعر باحتياجات الأعضاء الأخرى ويتجاوب معها، طالبا خلاص الكل!



    حدود شفاعتها:

    في قصة عرس قانا الجليل نستطيع أن نتفهم حدود شفاعة الأم العذراء مريم، فقد تقدمت من نفسها تسأل ابنها: "ليس لهم خمر". لم يجهل ربنا أن الخمر قد فرغ ولا تنقصه معرفته إلى من يذكره باحتياجات أولاده، ولا إلى من يحثه على الاهتمام بهم... لكن ربنا يسوع المملوء حبا يسر أن يجد في أمه وكل اخوته مشاعر الحب.

    لقد توسلت إليه مرة واحدة، أما هو فأجاب "مالي ولك امرأة لم تأت ساعتي بعد" يو2: 4،وهو لم يصدها إنما أراد أن يكشف لنا شفاعتها

    أولا: كشف ثقة أمه فيه، فإنها لم تلح في الطلبة، ولا انتظر منه أنه يجيبها بشيء، بل بكل ثقة وتأكيد قالت للمحتاجين "مهما قال لكم فافعلوه"، وكأنها قد تأكدت أنه يعمل عملا لأولاده الذين تطلب عنهم!

    ثانيا: بحديثها مع الخدام المحتاجين كشفت لنا عن مفهوم الشفاعة من جانبنا، ليست عبادة لها، إنما إعلان عن قدرتها على توجيه قلبنا بطريقة سرية تنفيذ وصية ابنها بكل دقة، إذ قالت "مهما قال لكم فافعلوه".

    إذا لنطلب صلواتها عنا وشفاعتها عنا حتى نقدر على تنفيذ وصايا ابنها. هكذا خلال أمومتها للرب نخلص بنعمة دم ابنها.



    القديسة مريم مثال العذارى

    يمثل آباء الإسكندرية اتجاهين مريميين: اتجاه لاهوتي وآخر نسكي. ففي كل فترة يهدأ فيها الاضطهاد يلعب الجانب النسكي دورا مرموقا في حياة المصريين، فيفضل الرجال الحياة في الصحراء بينما تكن الفتيات في بيوت خاصة بالمدن. وكان من الطبيعي أن تقدم القديسة مريم لهؤلاء الفتيات كمثال عظيم يقتدين به. وكانت العذارى يصورن إياها كعذراء العذارى ومثالا لهن. وفي القرن الثاني نجد العلامة أوريجين يقول "يبدو أنه من غير اللائق أن نحسب إنسانا آخر غير العذراء كبكر للبتولية المسيحية". وفي خطاب البابا الكسندروس بابا الإسكندرية الذي أورده القديس أثانسيوس يخاطب العذارى قائلا: "سلوك مريم كمثال هو نموذج للحياة اللائقة بالمساء (أي البتولية) وصورة لها".

    وفي خطاب وجهه القديس أثانسيوس للعذارى، لا يزال محفوظا بالقبطية يتحدث عن القديسة مريم كنموذج العذارى، مقدما وصفا لحياتها لا كما أظهرها الكتاب المقدس بل أقرب إلى مثال لحياة العذراء، إذ يقول:

    "كانت مريم عذراء نقية تحمل تفكيرا منسجما.

    لقد أحبت الأعمال الصالحة...

    لم تكن تريد أن يراها الرجال، بل سألت الله أن يخبرها...

    كانت تلازم بيتها على الدوام، تعيش حياة العزلة مقتدية بالنحلة...

    وزعت على الفقراء بسخاء كل ما تبقى لها من عمل يديها...

    كانت تصلي لله في وحدة لامرين: لكي لا يوجد فكر رديء له أصلا في قلبها، ولكي لا يكون قلبها متجاسرا أو قاسيا...

    حديثها هادئ وصوتها خافت...

    تشتاق أن تتقدم من يوم إلى يوم، وهكذا كان يحدث...

    إذ تستيقظ كل صباح تسعي أن تقدم عملا جديدا عما سبق.

    لم تكن تخاف الموت بالحري كانت تتنهد حزينة كل يوم أنها لم تعبر بعد ألى مواضع السماء".

    والقديس أمبروسيوس إذ أشار إلى رسالة القديس أثناسيوس للعذارى قدم صورة جميلة للعذراء مريم كمثال للعذارى، في كتابة "de virginibus" فمدح فيها أتضاعها وصمتها واعتدالها في الكلام، خلوتها، غيرتها العذراوية لحفظ سمعتها، وداعتها، مثابرتها في قراءة الكتاب المقدس، احترامها للآخرين، عملها، وبصورة أخص إيمانها ووعها.

    لقد ختم مقاله قائلا: "هوذا أمام أعينكم صورة لحياة مريم البتولية التي تضئ ببهاء العفة وشكل الفضيلة كما من مرآه".

    ويروي القديس غريغوريوس النزينزي في مقال ألقاه عام 379م بالقسطنطينية كيف أن القديسة الشهيدة والعذراء يوستينة إذ واجهت الموت مع الساحر كبريانوس الذي أعتنق المسيحية على يديها التجأت إلى السيد المسيح عريسها كحامي بتوليتها وتوسلت إلى القديسة مريم "كعذراء في خطر" تتطلع إلى شفيعة العذارى.



    القديسة مريم والكنيسة

    جاء في ثيؤتوكية الخميس:

    "كل عجينه البشرية أعطتها بالكمال لله الخالق وكلمة الآب، هذا الذي تجسد منها بغير تغيير، ولدته كإنسان ودعي أسمه عمانوئيل".

    ثيؤتوكية الخميس

    في لحظات البشارة أظهرت القديسة مريم خضوعها بكامل حريتها، وبذلك حقق الله تدبيره الإلهي للاتحاد بنا. صارت أحشاء القديسة مريم حجال لزيجة الكلمة مع الجسد المجيد. في الأحشاء وحد الكنيسة أي جسده مع ذاته، بهذا تحقق وجود الكنيسة السري بكماله.

    الآن نستطيع أن نتفهم كلمات القديس مار أفرام السرياني: "كانت مريم بمثابة الأرض الأم التي أنجبت الكنيسة".

    علاوة على هذا كثمرة الاتحاد الأقنومي بين لاهوت الكلمة وناسوته تقبلت مريم نوع أخر من الوحدة الروحية بين الله وبينها، اتحاد الشخص المتمتع بالخلاص مع المخلص نفسه، الوحدة التي دعيت الكنيسة كلها للتمتع بها.

    تقبلت القديسة نعمة الاتحاد مع الله هذه كممثلة بطريق ما للكنيسة الجامعة، كعضو أول فيها، العضو الأمثل السامي، لهذا قبلت النعمة في أعلى صورها.



    القديسة مريم كنموذج للكنيسة:

    التسبحة الرئيسية التي ترنم يوميا في الشهر المريمي شهر كهيك قبل عيد الميلاد تتكون من مختارات من سفر المزامير تمدح الكنيسة كمسكن للإله المتجسد. لم يكن هذا بغير معنى أن تمدح الكنيسة كل الشهر المريمي، لأن ما فبلته القديسة مريم كان لحساب الكنيسة كلها.

    فالقديس مار أفرام السرياني ينسب للكنيسة ما هو خاص بالقديسة إذ يقول:

    "مباركة أنت أيتها الكنيسة، تحدث أشعياء عنك في تسبحته النبوية المفرحة، قائلا:

    هوذا العذراء تحبل وتلد أبنا.

    يا لسر الكنيسة المخفي"

    ويربط القديس كيرلس بابا الإسكندرية بين القديسة مريم والكنيسة قائلا:

    "لنمجد مريم دائمة البتولية بتسابيح الفرح،

    التي هي نفسها الكنيسة المقدسة.

    لنسبحها مع الابن العريس كلي الطهارة.

    المجد لله إلى الأبد".

    يؤكد القديس أمبروسيوس أن القديسة مريم هي" نموذج الكنيسة"، كما يقرر القديس أوغسطينوس أن "مريم هي جزء من الكنيسة، عضو مقدس، عضو ممتاز، العضو الاسمي، لكنها تبقى عضوا في الجسد الكلي (أى غير منفصلة عن بقية الأعضاء).



    في الحقيقة يمكننا أن نرى كل مراحل حياة القديسة مريم كأيقونة جميلة للكنيسة، فعلى سبيل المثال نذكر:

    1- يرى القديس ايريناؤس أن فرح مريم وتسبحتها أثناء البشارة، كانا عملين نبويين صنعا بواسطة القديسة مريم باسم الكنيسة. ويقدم القديس يعقوب السروجي (446م) ذات الفكرة إذ يقول في كلمات متغايرة إذ يقول: "كانت العذراء الحكيمة فيما للكنيسة، سمعت تفسير (التجسد الإلهي) من أجل خلقة العالم كله".

    2- زيارة القديسة لنسيبتها اليصابات تحمل رمزا لإرساليات الكنيسة في العالم كله، لأن الكنيسة مثل القديسة مريم هي ابنة صهيون، عذراء فقيرة، أمة الرب، ممتلئة نعمة، تحمل كلمة الله روحيا، يلزمها أن تلتهب بالرغبة في الالتقاء بقريبتها_ أي الالتقاء بالجنس البشري، لتعلن لهم خلاص الله. "ما أجمل على الجبال قدمي المبشر المخبر بالسلام... القائل لصهيون قد ملك إلهك"

    يشير القديس أمبروسيوس إلى هذه الرسالة الإرسالية قائلا عن القديسة مريم أنها ترنمت التسبحة الخاصة ب"تعظم نفس الرب..." وهي مسرعة عبر تلال يهوذا كرمز الكنيسة المسرعة على تلال القرون.

    3- عند الصليب يكمل تمثيل القديسة مريم للكنيسة، كقول القديس أمبروسيوس:

    "ستكون ابنا للرعد أن كنت ابنا للكنيسة (مريم).

    ليقل لك السيد المسيح أيضا من على خشبة الصليب: هوذا أمك ويقول للكنيسة هوذا ابنك. عندئذ تبدأ أن تكون ابنا للكنيسة إذ ترى السيد المسيح منتصرا على الصليب".



    التشابه بين القديسة مريم والكنيسة:

    1- القديسة مريم الكنيسة كلاهما أم وعذراء في نفس الوقت. كل منهما قد حملت بالروح القدس بغير زرع بشر، معطية ميلادا للابن الذي بلا عيب. فالقديسة مريم هي ام الكلمة الإلهي ولدته حسب الجسد، والكنيسة أم أعضائه ولدتهم بالمعمودية ليشاركوا السيد المسيح حياته.

    في هذا يقول القديس أغسطينوس: "كما ولدت مريم ذاك الذي هو رأسكم، هكذا ولدتكم الكنيسة. لأن الكنيسة هي أيضا أم وعذراء، أم في أحشاء حبنا، وعذراء في أيمانها غير المنثلم. هي أم لأمم كثيرة الذين يمثلون جسدا واحدا، وذلك على مثال العذراء مريم أم الكثيرين وفي نفس الوقت هي أم للواحد".

    القديسة مريم عذراء حسب الجسد والروح، أما الكنيسة فيمكن دعوتها عذراء إذ لا تنحرف قط عن الإيمان بل تبقى أمينة على تعاليم السيد المسيح إلى النهاية.

    · تحمل الكنيسة ذات لقب القديسة مريم، أي "حواء الجديدة". فإن القديسة مريم قد ولدت" الابن المتجسد" واهب الحياة للمؤمنين، أما الكنيسة فهي أم المؤمنين الذين يتقبلون الحياة خلال اتحادهم بالرأس، الإله المتجسد.

    · تشابه الكنيسة القديسة بكونها "أمة الرب". فهي كأمة الرب المتضعة ترفض كل المجهودات البشرية الذاتية، وتصير علامة لنعمة الله، الذي يطلبنا في أتضاع طبيعتنا ليقودنا إلى مجد ملكوته!.

    · دعي كل من القديسة مريم والكنيسة" بالمقدسة أو القديسة". يفسر القديس هيبوليتس التطويب الذي ذكره موسى "مباركة من الرب أرضه، تبقى له وتتبارك بندى السماء" (تث 33: 13) كنبوة عن قداسة مريم، الأرض المباركة إذ تقبلت كلمة الله النازل كندى السماء. يعود فيقرر أنها نبوة تشير إلى قداسة الكنيسة، قائلا: "يمكن أن تقال عن الكنيسة، إذ تباركت بالرب، كأرض مباركة، كفردوس البركة. أما الندى فهو الرب المخلص نفسه".

    · شفاعة القديسة هي نموذج لعمل الكنيسة، حيث يلتزم أعضاؤها المجاهدون والمنتصرون الإقتداء بالقديسة مريم، مصلين بغير انقطاع من أجل تجديد العالم كله في المسيح يسوع.



    القديسة مريم في الطقس القبطي

    يصعب علي جدا أن أقدم عرضا كاملا لمركز القديسة مريم السامي في الكنيسة القبطية في هذا المقال المختصر. فالقديسة مريم تذكر في كل تسبحة يومية وفي كل ليتورجية وفي كل "صلوات السواعي" النهارية والليلية. كما نحتفل بأعياد مريمية مختلفة، سنوية وشهرية، هذا بجانب تكريما لها في بعض الأعياد السيدية مثل البشارة والميلاد ودخول السيد المسيح الهيكل وهروب العائلة المقدسة إلى مصر وتذكار أول معجزة صنها يسوع بقانا الجليل الخ... أما أيقونتها فلها سمات خاصة، وتحتل مركزا معينا في مبنى الكنيسة القبطية. الأيقونات ونغمات التسبيح المريمية مدهشة جدا، خاصة ألحان الشهر المريمي (شهر كيهك) الذي يسبق عيد الميلاد.



    1- القديسة مريم في التسبحة اليومية:

    تعطي الكنيسة القبطية اهتماما خاصا بالتسبيح، بكونه تعبيرا عن طبيعة الكنيسة السماوية، تتقبلها خلال اتحادها بالسيد المسيح المقام من الأموات. فمن القرون الأولى وضعت تسابيح خاصة بكل يوم من أيام الأسبوع، تقدمها الكنيسة ذبيحة حب، يرفعها المؤمنون من أجل انطلاق قلوبهم للسماء، استعدادا مستمرا خلال الأسبوع للتمتع بالشركة في لتورجيا الأفخارستيا (القداس الإلهي). هذه التسابيح البسيطة العذبة استخدمت أيضا لتعليم الشعب المعتقدات الأرثوذكسية وحمايتهم من الهرطقات. هذا بجانب ما للاجتماع الكنسي اليومي للتسبيح من فاعلية لحفظ روح وحدة الكنيسة.

    كل تسبحة يومية تضم: الصلاة الربانية، صلاة الشكر، مجموعة من المزامير، مقتطفات من الكتاب المقدس، أربع هوسات (تسابيح) ولبش (تفسير)، كما تتضمن ثيؤتوكية خاصة باليوم أي تسبحة خاصة بتمجيد الثيؤتوكوس (والدة الإله) إلخ...



    ملامح الثيؤتوكيات:

    1- في الثيؤتوكيات يكرر الشعب اسم"مريم" كعلامة على الصداقة الوثيقة التي تربط بينهما، والرغبة الأكيدة في دعوتها باسمها

    في العهد القديم لم يحمل هذا الاسم إلا أخت موسى وهرون (خر 15: 20)، (عدد 12: 1-5). ومريم من نسل يهوذا (1أخ 4: 17).

    وقد وجدت تفاسير متابينة لمعنى هذا الاسم من الجانب اللغوي، نذكر منها: (أ) كما أن اسمي موسى وهرون مصريان أصيلان، فانه يحتمل أن يكون اسم أختهما أيضا مصريا"مريام"، مشتقا عن كلمتين:

    "ميري"، مأخوذة من فعل (مر) أي يحب، فتعني "محبوبة"، "يام"، كان مستخدما لدى المصريين للإشارة إلى الاسم الإلهي العبري "يهوه". بهذا فان ميريام تعني "المحبوبة لدي الله".

    (ب) يرى الحاخامات القدامى أن اسم مريم يحمل رمزا لمرارة العبودية التي عانى منها إسرائيل في مصر. كلمة "مريم في نظرهم مأخوذة عن العبريةMerur، جاءت عن قسوة معاملة المصرين لهم.

    (ج) يرى بعض الكتاب المصرين الأوائل أن الكلمة العبرية "مريام"، جاءت مشتقة عن كلمتين:

    "مار" يعني "مر"

    "يم" يعني "بحر"

    فكلمة "مريم" تعني "مرارة البحر".

    (د) يرى بعض أن كلمة "مريم" هي مؤنث الكلمة الآرامية "مار" (سيد)، فتعني "سيدة".

    2- استخدمت الثيؤتوكيات عددا كبيرا من ألقاب القديسة مريم مأخوذة عن أعمالها المتباينة وامتيازاتها المختلفة، مثل:

    "القبة الثانية"، قدس الأقداس، وعاء المن الذهبي، المنارة الذهبية، المجمرة الذهب.

    سيدتي، القديسة، غير الدنسة، العذراء الحقيقية، الحمامة الحسنة، الزهرة القديسة، الحجر الثمين.

    الثيؤتوكوس، والدة عمانوئيل، أم الملجأ، أم القدوس، والدة الإله، والدة السيد، والدة الحبيب، أم يسوع المسيح، أم ابن الله.

    فرح حواء، بهجة الأجيال.

    فخر يهوذا، كرازة موسى، صديقة سليمان، ابنة يواقيم".

    "عليقة موسى المشتعلة، الحقل غير المفلح الذي انتج ثمرة الحياة، الكنز الذي اشتراه يوسف ووجد فيه اللؤلؤة المختفية، مرضعة ذاك الذي يقوت كل جسد، جبل (سيناء) العاقل، الجبل الذي رآه دانيال، الكاملة، الطاهرة، فرح الملائكة. أم المسيح، أم كل حي".

    "السماء الثانية، الباب الشرقي، أورشليم مدينة ربنا، الفردوس العاقل.

    العروس الطاهرة للعريس الطاهر، غير الفاسدة.

    التي بلا عيب، الإناء المختار، العبدة.

    معمل الاتحاد غير المنفصل (بين اللاهوت والناسوت).

    "فخر كل العذارى، سماء جديدة، المرأة (الواردة في رؤ 12)، "الشفيعة".

    3- الثيؤتوكيات غنية جدا بالرموز الخاصة بالقديسة مريم، مقتبسة من الكتاب المقدس، مع عرض لاهوتي بسيط وعميق لأعمال القديسة وامتيازاتها وعلاقتها بالثالوث القدوس والسمائيين والمؤمنين وكل الجنس البشري.



    4- خلال هذه التسابيح توضح الكنيسة سر التجسد وسر خلاصنا مع جوانب كثيرة من لاهوت السيد المسيح.

    من أمثلة ذلك:

    + الله الكلمة الذي صار إنسانا بغير افتراق، واحد من اثنين: اللاهوت القدوس غير الفاسد، والناسوت الطاهر، من غير زرع بشر، مساو لنا كالتدبير.

    ثيؤتوكية الأحد
    + لم يزل إلها، أتي وصار ابن بشر، لكنه هو الإله الحقيقي، أتي وخلصنا.

    ثيؤتوكية الخميس

    5- لا حاجة لنا أن نشير إلى الثيؤتوكيات وما تحمله من اتجاه اسخاتولوجي (أخروي)، إذ فيها تعبر الكنيسة القبطية عن حياتها. فالثيؤتوكيات تشرح طقوس العهد القديم كرموز وإشارات لسر التجسد من جانب الملكوت السماوي.

    نعطي مثالا لهذا الاتجاه الأخروي بما ورد في ختام الثيؤتوكيات الواطس (من الأربعاء إلى السبت)، إذ جاء فيها:

    "يا ربنا يسوع المسيح حامل خطية العالم،

    احسبنا مع خرافك الذين عن يمينك.

    عند ظهورك الثاني، المخوف، لا نسمع برعدة أنني لست أعرفكم، بل تكون مستحقين لسماع الصوت، الممتلئ فرحا، الذي لرأفتك، يصرخ قائلا:

    "تعالوا إلي يا مباركي أبي،

    رثوا الحياة الدائمة إلى الأبد.

    يأتي الشهداء حاملين عذابا تهم،

    ويأتي الصديقون حاملين فضائلهم.

    يأتي ابن الله في مجده ومجد أبيه،

    ويجازي كل واحد كأعماله التي صنعها..."

    6- هذه الثيؤتوكيات في الواقع هي تسابيح لتورجيا، تهيئنا روحيا للشركة في لتورجيا الأفخارستيا (القداس الإلهي)، للتمتع بالتناول من المن الحقيقي، جسد ودم يسوع المسيح، ابن القديسة مريم.

    7- تلقيبها بالثيؤتوكيات يكشف لنا عن الأساس اللاهوتي الرئيسي في تكريم الأقباط للقديسة مريم ألا وهو أنها "ثيؤتوكوس" أي والدة الإله، هذا بجانب الجوانب الأخرى مثل دوام بتوليتها وصداقتها القوية لاخوتها أي الجنس البشري كله.

    8- في النصوص والتسابيح المريمية الأصلية تضع الكنيسة خطأ واضحا بين شخص يسوع المسيح الذي يلزم له العبادة، والقديسة مريم التي يليق بها التكريم.

    كما يقول القديس أبيفانيوس أسقف سلاميس بقبرص: "لنكرم مريم وليعبد المسيح".



    كما يحزرنا القديس أمبروسيوس في هذا الشأن قائلا: "بلا شك يلزم أن يعبد الروح القدس حين نعبد ذاك الذي تسجد بالروح القدس. لكنه يلزم ألا يطبق أحد هذا على مريم، فهي هيكل الله، لا إله الهيكل. أننا نعبد ذاك الذي عمل في الهيكل وحده".

    9- تحثنا الثيؤتوكيات على التوبة.

    + مراحمك يا إلهي غير محصاة...ز

    الخطايا التي صنعتها ياربي لا تذكرها،

    ولا تحسب آثامي،

    فان العشار اخترته،

    والزاتية خلصتها،

    واللص اليمين يا سيدي ذكرته.

    وأيضا الخاطي يا يسدي علمني أن أصنع توبة.

    ختام ثيؤتوكيات آدام



    2- القديسة مريم في تسابيح كيهك:

    إذ نحتفل بعيد الميلاد في التاسع والعشرين من شهر كيهك، فإن هذا الشهر كله يخصص للترنيم بتسابيح كيهكية كثيرة بجانب التسابيح اليومية العادية وذلك إعدادا لعيد الميلاد. في هذا الشهر الذي نسميه الشهر المريمي يجتمع مؤمنو مصر معا مساء كل سبت ويبقون في الكنائس يترنمون حتى نهاية ليتورجيا الأفخارستيا (القداس الإلهي) يوم الأحد.

    ملامح التسابيح الكيهكية:

    نضيف إلى ملامح الثيؤتوكيات التي تحدثنا عنها ما للتسابيح الكيهكية من سمات خاصة، نذكر منها:

    1- أن استبعدنا التسابيح الدخيلة التي وضعت مؤخرا بواسطة أناس ليس لهم دراية بالمفاهيم اللاهوتية، فإن تسابيح كيهك في الحقيقة تمثل سيمفونية سماوية، لا تمدح القديسة مريم وحدها كوالدة إله، بل تمدح الكنيسة كلها بكونها المسكن المقدس للإله المتجسد. بمعنى آخر، خلال تجسد ابن الله في الأحشاء المقدسة للقديسة مريم نرى ابن الله ساكنا في نفوسنا بتقديس
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://temaf-erene.yoo7.com
     
    القديسة مريم فى المفهوم الأرثوذكسى القمص تادرس يعقوب ملطى
    الرجوع الى أعلى الصفحة 
    صفحة 1 من اصل 1
     مواضيع مماثلة
    -

    صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
    منتدي طماف ايرينى :: تـــــــاريخ الكنيــــسه :: منتدي مكتبة الكتب المسيحية-
    انتقل الى: